في 19 آذار / مارس، اجتمع ممثلون كبار من “الخماسية” – مصر وإسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة – في شرم الشيخ لمناقشة الأوضاع الأمنية المتدهورة في الضفة الغربية. بعد أن قُتل حوالي تسعين فلسطينيًا وأربعة عشر إسرائيليًا في أعمال عنف في عام 2023، وهي زيادة كبيرة عن الفترة نفسها من العام الماضي.
كان توقيت المؤتمر مدفوعًا أيضًا ببداية شهر رمضان، الذي يتزامن مع عيد الفصح هذا العام. وقد استغلت حماس سابقا هذه المناسبه.
جاء الاجتماع فى شرم الشيخ، كاستكمال ومتابعة لاجتماع سابق في العقبة -الأردن- في 26 فبراير/ شباط، بحث خفض التصعيد بما فيها من سبل التحرك على الجبهات الأمنية والاقتصادية والسياسية.
في تحليلهما الذي نشره معهد واشنطن/ TWI. يشير ديفيد ماكوفسكي ونيكولاي ملادينوف، إلى أن الاجتماع الأخير في شرم الشيخ كان فرصة مرحب بها لمناقشة خفض التصعيد وإقامة علاقات أوثق بين المسؤولين المدنيين الرئيسيين “لكن جهودهم قد لا تعني الكثير في النهاية دون تحرك واضح على الجبهات الأمنية والاقتصادية والسياسية”.
ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت جهوده هذه الأطراف ستساعد في تهدئة الوضع على الأرض أو تفتح طريقًا لإحراز تقدم على المدى الطويل. حيث تشكك إسرائيل والسلطة الفلسطينية في التزام كل منهما الآخر بتحقيق الاستقرار.
اقرأ أيضا: هل يصبح المشهد الفلسطيني أكثر عنفا في رمضان؟
ووفقًا للبيان المشترك الصادر عن مؤتمر شرم الشيخ، فإن ” الأطراف أعادت تأكيد التزامها بتعزيز الأمن والاستقرار والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، واعترفت بضرورة وقف التصعيد على الأرض ومنع المزيد من العنف”.
يلفت التحليل إلى أن ” هذه الدعوات لن تكون فعالة، ما لم تقترن بخطط تركز على الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية للأزمة. خاصة وأن كل جانب متشكك بشدة في نوايا الطرف الآخر”.
التنسيق المشترك
حسب التحليل إسرائيل غير مقتنعة بأن لدي السلطة الفلسطينية أهتمام حقيقى بتحقيق الاستقرار في شمال الضفة الغربية، أو ملء الفراغ الأمني فى جنين ونابلس، وكذلك وقف سلسلة من هجمات إطلاق النار الأخيرة.
يقول: يخشى كبار المسؤولين الإسرائيليين من أن الشخصيات الأمنية الفلسطينية الرئيسية قد لا تكون على استعداد لمواجهة المسلحين خشية تعريض مكانتهم للخطر / خاصة وأن هناك صراع حول خلافة عباس، علاوة على ذلك، تفتقر السلطة الفلسطينية إلى الشرعية المحلية.
بل أنه وضمن استطلاع أخير أعتبر 63% من المستجبين للاستطلاع، أن السلطة الفلسطينية تشكل عبء عليهم، كما رأت الأغلبية منهم أن انهيارها سيكون تطوراً إيجابياً.
يضيف: في ظل هذه الظروف، من غير الواضح ما إذا كانت السلطة الفلسطينية لديها القدرة على انفاذ القانون والسيطرة على جنين ونابلس، حتى لو كانت لديها الإرادة.
يشير التحليل إلى عودة التنسيق الأمني إلى المستوى السابق”من شأنه أن يخفف حاجة إسرائيل إلى التصرف من جانب واحد، كما فعلت مرارًا وتكرارًا في الأسابيع الأخيرة، من خلال استهداف الجماعات المسلحة التي تهدد المدنيين الإسرائيليين” لكن ذلك وفى ذات الوقت لا يحمل ضمانة حول الحد من الهجمات المنفردة.
لكن فى ذات الوقت، أن ما يستعد الجانبان التعاون والتنسيق الأمني ستتصاعد الهجمات.
مخاوف فلسطينية
بالمثل، وكما شكوك اسرائيل تجاه السلطة الفلسطينية، الاخيرة لديها شكوك عميقة أيضا حيث يمارس عناصر المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية أعمال عنف ضد الفلسطنينين .
علاوة على ذلك، رفض العديد من الوزراء الإسرائيليين -على الفور- البيان الصادر بعد مؤتمر العقبة في فبراير/ شباط، بينما أقر الكنيست، هذا الأسبوع، مشروع قانون يلغي بند قانون فك الارتباط لعام 2005، الذي يتناول أربع مستوطنات تم إخلاؤها في شمال الضفة الغربية. وهو إجراء أحادي كبير يتعارض مع مبادئ العقبة
وأشار التحليل أن الحكومة الإسرائيلية، تنتهج في بعض الأحيان سياستين متناقضتين على التوازي: الأولى بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والأخرى بقيادة شخصيات يمينية متطرفة، مثل بن جفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
على صعيد اقتصادي، السلطة الفلسطينية في “العناية المركزة” مالياً، وتحجز إسرائيل حاليًا ما يقدر بنحو 800 مليون شيكل (220 مليون دولار) من ضرائب الخروج، وتقييد أشكال أخرى من إيرادات السلطة الفلسطينية والتى تطالب بتحصيل كل عائدات الضرائب من الضفة الغربية، بما في ذلك من معبر جسر اللنبي.
وبحسب مسؤولين إسرائيليين، فقد “أسيء استخدام هذه الأموال” من وجهة نظرهم، حيث تم دفع مبالغ لأسر الأسرى، والتي يبلغ مجموعها 2.2 مليار شيكل (605 مليون دولار)، بحسب مسؤولين فلسطينيين.
وسط عجز مالى حاد تصر السلطة الفلسطينية على أنها بحاجة إلى الأموال المقتطعة، وأنها فى حاجة لدفع رواتب موظفي السلطة، وعلى الأخص قوات الأمن، الذين لم يتلقوا سوى 80%من رواتبهم السنة الماضية.
ويعتقد المسؤولون الفلسطينيون أن هذه المدفوعات سترسل رسالة جيدة مع بداية شهر رمضان.
التقدم الاقتصادي الفلسطيني
في ظل غياب الإصلاح، تقدم إسرائيل قروضًا ميسرة للسلطة الفلسطينية، مما يثير التكهنات بإمكانية تحويلها إلى منح. لذلك، يشير التحليل إلى أنه “يبدو أن السلطة تعتقد حيازة فرصة أفضل لحل نزاعاتها المالية مع إسرائيل علنًا، أمام وفود أمريكية وعربية”.
من هنا “أبدى المسؤولون الفلسطينيون في شرم الشيخ تحفظاتهم على اقتراح إسرائيل العمل على التفاصيل الاقتصادية في اللجان الثنائية قبل العودة إلى إطار متعدد الأطراف. وقد فضلوا أن تقدم إسرائيل تعهدًا علنيًا بشأن الإجراءات المالية”.
يدرك المسؤولون الأمنيون من جميع الأطراف أهمية تعزيز السلطة الفلسطينية. يشعر بعض المراقبين بالقلق لأسباب مفهومة من أن مثل هذه المساعدة قد يكون من الصعب دفعها الآن بعد أن تولى سموتريتش وزارة المالية الإسرائيلية، وسبق وصرح في 19 مارس/ آذار أنه “لا يوجد شيء اسمه أمة فلسطينية”.
كما بدت الأطراف في شرم الشيخ ملتزمة بإحراز تقدم اقتصادي يتجاوز سلامة ميزانية السلطة الفلسطينية المباشرة. ومع ذلك، فإن الاتفاق على إنشاء آلية لتعزيز الاقتصاد يجب أن يتبعه تنفيذ سريع للعديد من المشاريع طويلة الأمد التي دأبت الولايات المتحدة على دعمها. ويشمل ذلك تمديد ساعات العمل في معبر اللنبي لتعزيز التجارة الفلسطينية عبر الأردن، وتحسين خدمات الهاتف المحمول، وإنشاء مستودعات جمركية، وتنفيذ إيصالات إلكترونية لضرائب القيمة المضافة.
هذه التحديثات المطلوبة وفق بروتوكول باريس،ستفيد الاقتصادين، الإسرائيلي والفلسطيني، ومتصلة أيضا بإطار عمل أوسلو الذي يحكم علاقاتهما الاقتصادية. بما فيها من ترتيبات تجارية تشمل المعابر والمناطق الجمركية والمستودعات.
أفق سياسي؟
على الرغم من التركيز المباشر لاجتماع شرم الشيخ على خفض التصعيد، أشار البيان الختامي للقاء إلى الحاجة لخلق أفق سياسي، ومعالجة القضايا العالقة من خلال الحوار المباشر، وغالبًا ما تُستخدم هذه العبارات كرمز دبلوماسي لتحريك المفاوضات المباشرة بين الطرفين نحو هدف إقامة دولة فلسطينية.
ومع ذلك، فإن حقيقة أن هذا الجزء من البيان لم يثير غضب اليمين الإسرائيلي هي علامة. حيث لا يعتقد الكثير في هذا المعسكر أن حكومة نتنياهو يمكنها حتى إجراء مفاوضات سياسية جادة مع الفلسطينيين، ناهيك عن الاتفاق على أي نوع.
ومع ذلك، كان المؤتمر هاما، لتمكين المسؤولين المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين من الاجتماع علنًا في وقت سيكون فيه ذلك أكثر حساسية نظرًا للعنف الحالي والصراع السياسي الداخلي.
تؤكد مصادر أمريكية وإسرائيلية أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنجبي طور علاقة شخصية مع حسين الشيخ، كبير المستشارين المدنيين لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وهنجبي برجماتي، سبق وأيد فك الارتباط الإسرائيلي بغزة في عام 2005، بينما يتحدث الشيخ العبرية ولديه خبرة كبيرة في التعامل مع القضايا المدنية الإسرائيلية ويعرف ما يمكن تحقيقه سياسيًا.
يلفت التحليل إلى أنه “إذا استمرت هذه العلاقة في النمو، فقد تكمل العلاقة الأمنية التي يقودها رئيس المخابرات العامة الفلسطينية ماجد فرج ومدير وكالة الأمن الإسرائيلية رونين بار”.
ويختتم: قد يكون لكل طرف في شرم الشيخ أسبابه الخاصة لرغبته في تجنب انفجار آخر في الضفة الغربية. ومع ذلك، إذا كانت الخماسية الجديدة ستصبح إطارًا دائمًا لحل المشكلات خلال شهر رمضان وبعده، فستحتاج إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى الاقتناع بأن الطرف الآخر ملتزم بتحقيق الاستقرار. وستكون الأفعال المتبادلة، وليس الكلمات فقط، ضرورية لتهدئة أعمق شكوك بعضنا البعض.