في 19 مارس/آذار الجاري، وبعد انقطاع استمر حوالي شهرين، نقل الرئيس الأمريكي جو بايدن، في محادثة هاتفية، قلقه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن الأحداث على الجبهة الفلسطينية، والإصلاح القضائي الإسرائيلي.

وجاءت المحادثة بعد سلسلة من التطورات في الولايات المتحدة، قادتها أفعال الحكومة الإسرائيلية الجديدة، على نحو يمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقات الثنائية بينهما، على الرغم من الأساس المتين الذي تقوم عليه العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية.

وعلى الرغم من دعم بايدن لإسرائيل، فإن إدارته لم تعد تخفي استياءها وقلقها بشأن العمليات التي تقودها الحكومة الصهيونية.

على الرغم من دعم بايدن لإسرائيل فإن إدارته لم تعد تخفي استياءها وقلقها بشأن العمليات التي تقودها الحكومة الصهيونية

في تحليلهما المنشور في معهد دراسات الأمن القومي/ INSS، يشير كلا من إلداد شافيت الباحث في المعهد الوطني للإحصاء، والضابط السابق في سلاح استخبارات الجيش الإسرائيلي، والبروفيسور تشاك فريليشكبير، كبير المحررين في مجلة إسرائيل للشؤون الخارجية، والمتخصص في استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي، إلى أن أحد المؤشرات الواضحة على “تدهور العلاقة” هو أن بايدن يواصل تأجيل دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض.

المؤشر الثاني، كان استدعاء سفير إسرائيل في واشنطن للقاء خاص في وزارة الخارجية الأمريكية.

اقرأ أيضا: هل يصبح المشهد الفلسطيني أكثر عنفا في رمضان؟

يقول التحليل: حتى لو كان لإسرائيل الحق في حماية ما تعتبره حيويًا لأمنها القومي، فإن اهتمام الولايات المتحدة، بالأمن القومي للدولة العبرية، يتطلب أن تعطي تل أبيب الأولوية للعلاقات مع واشنطن، والحفاظ على العلاقات الجيدة بين قادة البلدين.

وفق التحليل، فإنه من المحتمل ألا تتردد الإدارة الأمريكية في الرد بالانتقادات إذا اعتقدت أن إسرائيل تتصرف بشكل ينتهك القيم الأمريكية الأساسية والمصالح المشتركة.

ويمكن أن يتراوح رد الولايات المتحدة من الإدانة العلنية، إلى التآكل العملي للدعم السياسي والاقتصادي والأمني، الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل.

الساحة الفلسطينية وأزمة القضاء

على غرار الإعلانات السابقة، كرر الرئيس بايدن مطالبته بأن تعمل إسرائيل والسلطة الفلسطينية معًا لزيادة التعاون الأمني، وتجنب أي خطوات قد تقوض آفاق حل الدولتين في المستقبل.

ورحب الرئيس الأمريكي بالاجتماع الذي عُقد في مدينة شرم الشيخ المصرية بين كبار الشخصيات السياسية والعسكرية من إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر والأردن والولايات المتحدة، والذي يهدف، من وجهة نظر إدارته، إلى تخفيف حدة التوتر بين الجانبين.

يشير المحللان إلى أن تعليقات بايدن “تنضم إلى العديد من التصريحات الصادرة عن كبار المسئولين الأمريكيين في الأشهر القليلة الماضية. مما يعكس قلق الإدارة المتزايد بشأن التطورات على الجبهة الفلسطينية، واحتمال التدهور على الأرض”.

وأكدا أنه “من شأن مثل هذا الوضع أن يُلزم الإدارة الأمريكية باستثمار الموارد الدبلوماسية، في وقت تعتقد أنه ينبغي تركيز اهتمامها في مكان آخر. لا سيما المنافسة مع الصين، والحرب في أوكرانيا”.

أيضا “تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطًا مكثفة على إسرائيل والفلسطينيين، بدافع القلق من أن الفترة القادمة، بما في ذلك شهر رمضان، قد تؤدي إلى الاشتعال”.

لذلك، كما أوضح البيان الصادر في نهاية اجتماع شرم الشيخ، فإن واشنطن تطالب الجانبين باتخاذ إجراءات ملموسة لتلافي ذلك.

في جانب آخر، وفيما يتعلق بأزمة القضاء في إسرائيل صرح بايدن أن “القيم الديمقراطية كانت دائمًا، ويجب أن تظل، سمة مميزة للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وأنه يجب متابعة التغييرات الأساسية بأوسع قاعدة ممكنة من الدعم الشعبي”.

هنا، عرض الرئيس الأمريكي دعمه للجهود المستمرة لإيجاد حل وسط، على أساس المبادئ الأساسية للمجتمعات الديمقراطية التي تسمح بإجراء تغييرات جوهرية فقط بأوسع قاعدة ممكنة من الدعم العام.

يقول التحليل: هذا هو التعليق الأكثر أهمية حتى الآن من الرئيس الأمريكي حول هذه القضية. مما يعكس قلقًا حقيقيًا من الإجراءات التشريعية التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية حاليًا”.

ولفت إلى أنه “كقاعدة عامة، امتنع رؤساء الولايات المتحدة عن التدخل في شؤون إسرائيل الداخلية. لذلك، فإن قرار الرئيس بايدن بإثارة القضية في محادثة هاتفية مع نتنياهو، يشهد على العمق غير المعتاد للقلق بين القيادة الأمريكية العليا بشأن تداعيات التشريع”.

تطورات مقلقة

يرصد التحليل عددًا من التطورات، التي تشير إلى أن هناك قلقًا أمريكيًا حقيقيًا من تقويض الأساس المتين الذي تقوم عليه العلاقات بين واشنطن وتل أبيب. وما سمح لهما بالحفاظ على تلك الصداقة حتى في أوقات الخلاف.

أظهر استطلاع رأي جديد أجرته مؤسسة جالوب/Gallup أنه، وللمرة الأولى، فإن عددًا أكبر من المستطلعين الذين يعتبرون أنفسهم من أنصار الحزب الديمقراطي (49%) يتعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من إسرائيل.

كما تشير النتائج إلى زيادة بنسبة 11% في دعم الفلسطينيين لهذا العام مقارنة بالعام الماضي وحده.

وتتجلى زيادة التأييد للفلسطينيين بين الناخبين الذين يعرّفون أنفسهم على أنهم مستقلون، رغم أن معظمهم ما زالوا يعربون عن دعمهم لإسرائيل.

من ناحية أخرى، لا يوجد تغيير في مستوى الدعم العالي لإسرائيل بين الناخبين الجمهوريين.

يقول التحليل: مع أخذ جميع البيانات في الاعتبار، لا تزال إسرائيل في المقدمة، لكن الفجوة تضيق.

وأكد: تدعم هذه الأرقام الدراسات الاستقصائية السابقة، والتي أظهرت اتجاهًا أصبح أكثر وضوحًا في السنوات الأخيرة، حتى لو كان معظم الديمقراطيين لا يزالون ينظرون إلى إسرائيل من منظور إيجابي بشكل عام، فإن هذا الدعم يتآكل.

ويلفت التحليل إلى أن السيناتور الديمقراطي كريس مورفي -الرئيس المؤثر للغاية للجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا ومكافحة الإرهاب، والمعروف بآرائه المؤيدة لإسرائيل، خرج بقوة في مقابلة ضد السياسة الإسرائيلية. وقال أنه يجب على إدارة بايدن تكثيف الضغط على الحكومة الإسرائيلية.

وقال مورفي: “سواء كانت مشروطة بالمساعدة لإسرائيل، سواء كانت مشروطة بالزيارات إلى الولايات المتحدة. علينا أن نرسل رسالة مفادها أن هذا الهجوم على حل الدولتين على وجه الخصوص، هو سيئ للغاية بالنسبة للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل على المدى الطويل”.

كما هاجم مورفي التغييرات التي اقترحتها الحكومة العبرية على النظام القضائي، وقال إنها “تزعزع الروابط التي تربط الإسرائيليين ببعضهم البعض”.

حتى لو كانت الإدارة الأمريكية تبذل قصارى جهدها للتأكيد على دعمها لإسرائيل والتزامها بأمنها فإن التوتر بين البلدين كان له بالفعل تأثير على تلك العلاقة

اقرأ أيضا: لا يمكن أن ينجح “الخماسي” دون حل “العوالق” الإسرائيلية- الفلسطينية

تضرر القيم المشتركة

يشير التحليل إلى أن الاتجاهات المعادية لإسرائيل داخل الولايات المتحدة كانت واضحة من قبل “وخاصة بين المشرعين من الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي”.

“ومع ذلك، يبدو أن هناك زيادة في الدعم، حتى بين السياسيين الديمقراطيين الوسطيين، لفكرة ربط المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل بالقضية الفلسطينية”.

وبينما تشير معظم الأدلة إلى أنه حتى لو كانت الإدارة الأمريكية تبذل قصارى جهدها للتأكيد على دعمها لإسرائيل والتزامها بأمنها، فإن التوتر بين البلدين كان له بالفعل تأثير على تلك العلاقة.

يضيف المحللان: على المدى القريب، فإن القضية الفلسطينية هي التهديد الأساسي. وكذلك الإجراءات الإسرائيلية التي تنتهك الالتزامات التي تم التعهد بها في الاجتماعات الأخيرة في عمان وشرم الشيخ، مع الإجراءات الإضافية أحادية الجانب، والتشريع الذي تم تمريره هذا الأسبوع، والذي ألغى قانون فك الارتباط عن شمال السامرة”الضفة الغربية”. قد يؤدي كل ذلك إلى تفاقم استياء الولايات المتحدة بشكل كبير. ومعروف أن هذا الإجراء يعني إمكانية عودة مشاريع الاستيطان لهذه المناطق في الضفة الغربية.

وأكدا: يجب التنبه إلى تلميحات الإدارة الأمريكية، بأن الإصلاح التشريعي للنظام القضائي الإسرائيلي، في غياب إجماع واسع، يمكن أن يغير شخصية إسرائيل باعتبارها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وبالتالي، يقوض دورها كشريك استراتيجي.

وأوضحا: لطالما استند الأمن القومي لإسرائيل، في جملة أمور، إلى علاقاتها الخاصة مع الولايات المتحدة. وقد ساهم الفهم السائد في واشنطن بأن البلدين يشتركان في قيم الحرية والديمقراطية والحقوق المدنية في ذلك، وحتى في حالة وجود خلافات في الرأي، فهم البلدان بعضهما البعض واحترما مصالح بعضهما البعض.

أيضا، لطالما اتخذت الإدارات الأمريكية -الديمقراطية والجمهورية على حد سواء- خطوات عملية لحماية “أمن ورفاهية” إسرائيل، وأحيانًا في مواجهة الانتقادات المحلية. استند دعم المؤسسة السياسية الأمريكية لإسرائيل على كون الشعب الأمريكي داعم جدًا لهذه العلاقات، وواجب الحفاظ على أمن الدولة اليهودية.

ونصح التحليل الحكومة الإسرائيلية بأن تأخذ في الاعتبار أن الاعتقاد الأمريكي، داخل الإدارة وفي الكونجرس، بأن “القيم المشتركة” قد تضررت، وأن إسرائيل تتصرف ضد المصالح المباشرة للولايات المتحدة، وهو ما يمكن أن يقوض العلاقات الحميمة بين البلدين.