تشهد منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن تغيرات متلاحقة. وقد زار وزير الخارجية التركي تشاويش أوغلو مارس/ آذار الحالي القاهرة كاشفًا عن ترتيبات لزيارة مرتقبة للرئيس التركي إلى مصر، وذلك بعد أيام قليلة من الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني لاستئناف العلاقات بوساطة صينية. ذلك في الوقت الذي يتصدر ملف أزمة سد النهضة المشهد في أعقاب تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري.
كل هذه الملفات فتحها “مصر 360” في لقاء مع السفير محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري سابقًا والرئيس الحالي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، والذي استعرض بدوره مسارات التحرك التي تحقق الاستفادة الأكبر لمصر في تلك الملفات.
اقرأ أيضًا: مريم الصادق المهدي في حوار مع “مصر 360”: لا أستبعد نهجًا مختلفًا للخرطوم عن القاهرة بمسألة سد النهضة.. لهذه الأسباب تحظى إثيوبيا بقبول السودانيين أكثر.. ورشة القاهرة ضمت شخصيات دعمت انقلاب 25 أكتوبر (2-2)
هل تعتقد أنه لا يزال لدينا خيارات عدة لحل أزمة سد النهضة ومن بينها مثلًا الخيار العسكري؟
لا أعتقد أن الخيار العسكري كان مطروحًا من قبل ولا هو مطروح حاليًا. الدولة المصرية سواء على المستوى الرئاسي أو المستوى الدبلوماسي لم تتحدث عن الحل العسكري، والمفترض أننا كرأي عام نترك هذا الأمر للقيادة السياسية.
المؤكد أن ملف السد الإثيوبي معقد، بسبب أن هناك تدخلات كثيرة جدًا، ومصر من جانبها تتحرك دبلوماسيًا بشكل غير مباشر، وعلى سبيل المثال، عملية التهدئة التي تجري في المنطقة تخدم بالطبع موقف مصر في ملف السد. كما أن عملية مد أذرع مصر مع الدول الأخرى في إفريقيا في ملف التنمية تخدم أيضًا موقفنا.
سياسة مصر الخارجية في الفترة الراهنة قائمة على فكرة التنمية .
نحن على أبواب الملء الرابع أي تخزين نحو 30 مليار متر مكعب.. أليس في ذلك فرض للأمر الواقع على مصر؟
هذا هو الخطأ الواقعة فيه إثيوبيا. هم يعتقدون أن فرض الأمر الواقع سيطوع الموقف المصري، وهذا لن يحدث، فمصر مستمرة في حشد رأي عام دولي يناصر موقفها، واجتماع الجامعة العربية الأخير كان به قرار بشأن حقوق مصر المائية .
هذا أمر لن يحل بالقرارات الأممية أو الإفريقية. الاتحاد الإفريقي لم ينتج أي منتج إيجابي في ملف الأزمة، وأعتقد أنه ليس من الوسائل التي من الممكن أن تلجأ مصر لها مرة أخرى .
الفكرة الآن تتمثل في العمل الثنائي مع كل دول العالم، بحيث تكون مصر قادرة على فرض ضغط كبير على إثيوبيا، فالموضوع لن يحل إلا بالضغط .
وحتى اللجوء إلى مجلس الأمن لن يكون مجديًا، فالدول الصديقة أعضاء مجلس الأمن الدائمين مثل روسيا والصين، لم نجد منها المساندة الكافية في هذا الملف .
يمكن القول إن مصر أمام أطروحات سياسية كثيرة في المرحلة الحالية. وللأسف هناك حالة فوضى استراتيجية في العالم كله، وليس في منطقتنا فقط. ولذلك أرى أن موضوع السد يحتاج لقدر من الحزم، وهذه هي اللغة التي استعملها وزير الخارجية مؤخرًا، وأنا أرحب بها جدا وأوافق عليها، فمصر مارست الصبر الطويل خلال 10 سنوات أو أكتر بمعادلات مختلفة منها الحياة مقابل التنمية، ولكن التنمية لا تكون على حساب مصر.
تتعرض العلاقات المصرية السودانية لمحاولات إفساد مؤخرًا.. وقد رفضت بعض المكونات السياسية الدور المصري في حل الأزمة الداخلية.. ما الذي ينقص القاهرة للعب دور مؤثر هناك؟
كنت على رأس وفد من المجتمع المدني إلى السودان، حيث تم استقبالنا بشكل أكثر من رائع هناك، ووجدنا أصواتًا عدة هناك تسألنا أين أنتم ولماذا أنتم متأخرون، وتعالوا واشتركو معنا وحاولوا مساعدتنا. هناك أطياف كثيرة جدًا من القوى السودانية تنتظر دور مصر، ولكن مصر تتبع سياسة عدم الإملاء، فلا يصلح أن نذهب إليهم ونقول لهم لدينا حل لأزمتكم ونفذوه. مصر تترك الساحة للوصول إلى حل سوداني، وهذا يتطابق مع فكر شعب السودان العاشق للسياسة، فمصر إذا تتعامل مع الموقف بناء على النبض القادم لها من الخرطوم .
وفي النهاية لا يمكن أن تقيد مصر حرية حركتها في السودان نتيجة بعض الأصوات المعارضة المعروفة، هؤلاء لن يكونوا مع مصر أبدًا. نحن يجب أن نعالج الموقف من منطلق أننا لن نحصل على 100% من أصوات القوى السودانية .
مصر تتعامل على أكثر من مستوى فيما يخص السودان، فالربط الكهربائي بين مصر والسودان اقترب موعد انطلاقه. وهذا أمر هام جدًا، حيث تعانق مصر مصلحة المواطن السوداني، أكثر من مصلحة الساسة السودانيين .
بالحديث عن تركيا.. هل تعتقد أن جهود استئناف العلاقات بين القاهرة وأنقرة قد تصل بالبلدين لمرحلة التحالف؟
ستكون علاقات عادية مثل أي دولتين، ومن الممكن أن ترتقي إلى مستوى السفراء، ولكن هل هذا يعني أننا تجاوزنا كل الخلافات فيما بيننا؟.. بالطبع لا، إذ يوجد خلاف في الرأي وأحيانًا يكون عميقًا بشأن بعض القضايا.
سياسة تركيا الخارجية متشابكة وملفاتها معقدة، وبالتالي لا يمكن أن نصل في يوم من الأيام معها إلى فكرة الصفر خلافات، وهي دولة لديها دبلوماسية ديناميكية، وقدر كبير من العلو، بحيث يكون لها في كل ملف إصبع. هذا يمكن ملاحظته في علاقتها بدول حلف الناتو، ودول الجوار العربية، وعلاقتها بإذربيجان وأرمينيا، وعلاقتها بأوكرانيا، وكذا علاقتها باليونان .
إذا ماذا يعني التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين؟
حاليًا، يمكن القول إن هناك تطبيع كامل بين مصر وتركيا. فالتطبيع يعني أن هناك علاقات اقتصادية وثقافية وتجارية، وهذه موجودة بالفعل. ولكن العلاقات السياسية هي التي من الممكن أن تكون منقوصة إلى حد ما، ولا يوجد مانع بالطبع في الوقت الحالي من رفع مستوى العلاقات لدرجة السفير.
ولكن هذا لن يعني الوصول لمرحلة علاقة التحالف، وأريد أن أشير إلى أن هناك دول تريد تثبيت أوضاعها في الإقليم عن طريق رفع مستوى علاقاتها مع مصر، وتركيا وإيران من هذه الدول .
هل من الممكن أن ينعكس التقارب بين مصر وتركيا على الملف الليبي؟
يجب التفرقة بين أمرين، وهما التواجد التركي في ليبيا، والموقف المصري من حكومة الوحدة الوطنية. فتركيا لن تتنازل بأي حال عن تواجدها في ليبيا. هم قفزوا قفزة استراتيجية بتواجدهم في ليبيا في لحظة غاب فيها المجتمع الدولي، وبالتالي، التخلي عن ذلك أمر في غاية الصعوبة، فليبيا ملف من الصعب أن نصل فيه لفكرة التطابق أو الاتفاق الكامل بين مصر وتركيا .
البعض وصف الاتفاق الإيراني السعودي بوساطة صينية بأنه زلزال سياسي.. كيف تراه وتقيمه؟
لا أتفق مبدئيًا مع وصف الاتفاق بأنه زلزال، فمقدمات هذا الاتفاق موجودة منذ نحو 3 سنوات، وبالتحديد منذ بداية عودة العراق للمحيط العربي، وإقامة سفارة سعودية في بغداد، ودخول بغداد في إطار مفاوضات الوساطة بين الرياض وطهران كمحطة، تبعها محطات أخرى.
الجديد في الموضوع أن الصين هي التي توسطت، وهذا يطرح الكثير من الأسئلة في مقدمتها هل بكين قادرة على الاستمرار في هذا الدور وهل بالفعل سيقود الاتفاق لحل أزمات الإقليم .
تقديري الشخصي أنه تم منح هذه الميزة للصين من جانب السعودية وإيران. فالصين لم تكن هي التي تعمل بدأب لإنهاء الخلافات بين البلدين، في إطار العلاقات المتنامية بين الصين والسعودية، نحن في عالم جديد يتشكل بشكل سريع جدًا .
في تقديرك هل يحد هذا الاتفاق السعودي الإيراني من تمدد اتفاقات إبراهام؟
أعتقد أن ما سيؤثر أكثر على تحركات إسرائيل هو موقف الحكومة الإسرائيلية المتطرفة الزائد في هذه المرحلة تجاه فلسطين .
التطبيع في النهاية مرهون بالتطرف الزائد لدى الحكومة الاسرائيلية، وهذا سيكون مدعاة لعدد من الحكومات أن تبطئ من تحركها نحو التطبيع.
الاتفاق الإيراني السعودي فتح الباب للحديث عن إمكانية استئناف العلاقات المصرية الإيرانية.. كيف تجيب؟
من الممكن.. ولكن لا أعتقد أننا في عجلة استراتيجية من أمرنا لتسريع وتيرة عودة العلاقات. خاصة وأن علاقتنا مع إيران ثابتة لا تمر بمراحل صعود وهبوط في الفترة الأخيرة. كما أنني لا اتفق مع الآراء التي تدعو مصر للإسراع بعودة العلاقات مع إيران، فلا أجد سببًا أو مبررًا لهذا .
مؤخرًا، هناك حديث عن فتور في العلاقات المصرية السعودية.. إلى أي مدى يؤثر ذلك في تحركات مصر بالإقليم؟
مصر لا تلعب هذه اللعبة بمعنى أن نغضب من طرف فنتجه إلى طرف آخر.. ما يحدث هو أمر طبيعي، فمن الطبيعي أن نجد بعض الخلاف في وجهات النظر في بعض المسائل، واعتبر أن وصف الأمر بالفتور هذا كبير جدًا لأن العلاقات الشعبية والفنية والتاريخية موجود بكثافة بين البلدين، ولدي حالة اطمئنان على مستقبل العلاقات المصرية السعودية، ولا أقلق بشأن الصعود والهبوط، لأن عوامل رسوخ العلاقة أكبر، والقيادات السياسية في الجانبين تقيس الأمور بشكل صحيح، وما دام هناك قياس صحيح فليس من الممكن أن يتعمق الخلاف .