هذا عام طرح البدائل السياسية ومنح المصريين فرصة الاختيار.

بعد نحو عام من الآن سيكون المصريون على موعد للمشاركة بأصواتهم في صناعة المستقبل، وفي اختيار الرئيس الذي سيحكم لمدة 6 أعوام حسب التعديل الأخير الذي جرى على الدستور في العام 2019.

وإذا كان 2024 سيكون هو عام الاستحقاق الانتخابي فإن العام الحالي 2023 بات هو التوقيت الأنسب لتقديم البدائل السياسية والاقتصادية التي سيختار من بينها المصريون، والتي عليها من الآن إعلان ما يمكن أن تقدمه للبلد وأهله، وللمستقبل الذي ننتظره جميعاً.

الاستعداد للاستحاق الانتخابي بدأ في الظهور بتصريحات وإعلان من رموز وقوى سياسية مدنية تعلن تحضيرها للقادم، وتلفت الأنظار لرغبة مؤكدة في التغيير والتحول السياسي لدولة مدنية ديمقراطية، وانتخابات حرة ونزيهة تحترم إرادة الناخبين وتصون اختياراتهم.

خلال أيام قليلة ظهرت تصريحات واضحة تشير إلى التحضير لانتخابات الرئاسة المقبلة، على رأسها حوار تليفزيوني لرئيس حزب الإصلاح والتنمية وأحد قيادات الحركة المدنية الديمقراطية محمد أنور السادات تحدث فيه عن مشاورات تجري بين قيادات الحركة المعارضة لطرح مرشح رئاسي خلال الانتخابات المقبلة، موضحًا أن المطلوب هو التوافق على شخص واحد يكون ممثلاً للمعارضة المدنية والتفاف الجميع حوله.

بعدها بعدة أيام كتب النائب البرلماني الأسبق ورئيس حزب الكرامة السابق أحمد الطنطاوي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن ميعاد عودته من بيروت “ليشارك في صنع البديل المدني الديموقراطي” وهو الأمر الذي اعتبره المهتمون بالشأن العام إعلانًا ضمنيًا بنيته خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، أو مشاركته على أقل تقدير في دعم مرشح رئاسي مدني تتوافق عليه القوى المدنية في مصر، ويكون ممثلها في الانتخابات التي اقتربت.

هذا الجدل الذي دار خلال الأيام الأخيرة ينبيء عن عام سياسي ساخن ستعيشه مصر، ويشير بوضوح إلى أن هناك رغبة لدى العديد من الأطراف السياسية لإلقاء حجر في بحيرة السياسة الراكدة منذ سنوات عديدة، لا سيما وأن هناك “تململ” واضح لدى قطاعات متزايدة من المصريين الذين عانوا من ضغوط اقتصادية ومعيشية كبيرة، فضلا عن حصار كبير فرضته السلطة الحالية على المجال العام، وقيود غير مسبوقة نالت من الحريات العامة، وانتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان المدنية والسياسية، تلك التي ترتبط بالحق الدستوري في الرأي والتعبير والاعتقاد والصحافة والإعلام والتظاهر السلمي وغيرها من صور الحريات العامة التي يحميها الدستور، والتي وقعت مصر على معاهدات دولية تلتزم فيها باحترامها.

باختصار بات 2023 هو العام الذي ننتظر فيه ظهور البدائل السياسية التي سيتابعها، ويراقبها، المصريون قبل أن يتوجهوا لصناديق الانتخابات في 2024، ومع ذلك تبقى هناك ملاحظات هامة حول تلك البدائل المنتظرة:

أولًا: بعيداً عن الأسماء التي سيتم طرحها لتمثل بديلاً للسلطة الحالية فإن المؤكد أن وجود بدائل سياسية متنوعة هو مكسب للبلد ذاته، وثراء يضمن مستقبل أفضل، فلا يمكن أن يثق الناس في مستقبل يحمله ويعبر عنه “طرف واحد” أو “صوت واحد”، بل إن الأصل في العمل السياسي هو التنوع في الأفكار والسياسات ووجهات النظر، وأي احتكار للأفكار والسياسات والسلطة هو خصم من المستقبل، ومن مصادر قوة البلد ذاته، فمصر بلد كبير، ولا يمكن أن يعدم البدائل السياسية والأفكار ووجهات النظر والرموز التي تشارك في صناعة طريق جديد لأهله، والمؤكد أن جزءاً أساسياً من قدرة وقوة مصر على مدار تاريخها هو هذا التنوع العبقري الذي لم تفقده أبداً، مهما كانت رغبة الحكام في التسلط والإقصاء.

ثانياً: المصريون في انتظار البديل الذي لا يعتمد على الأشخاص فقط، بل يتجاوز الأسماء ليصل إلى برامج ورؤى وخطط،  بمعنى آخر هناك رغبة شعبية في تقديري في طرح سياسات جديدة، تصنع نقلة مهمة في المسار الاقتصادي المتعثر، وتنحاز بوضوح وبلا مواربة إلى الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تضررت من سياسات السلطة الحالية، وترفع الأعباء عنهم، وتبني المستقبل على انحيازات للصحة والتعليم والتصنيع والبحث العلمي وغيرها من مشروعات تبني مستقبلاً جديداً ومختلفاً، ثم إن المصريين في انتظار طرح سياسات تعيد السلطة للشعب، وتعيد الحاكم إلى وضعه الطبيعي كموظف عام يعمل لدى الشعب، ثم هناك انتظار عام، في تقديري، لطرح أفكار ورؤى ترتبط بضمان الالتزام بالحريات العامة واحترام حقوق الإنسان، وترسيخ قيم المواطنة وسيادة القانون على الجميع، وقبل كل هذا وبعده سياسات تحترم كرامة المواطن المصري وحقه في العيش المستور والميسور.

ثالثا: ظني أن السلطة الحالية مطالبة بفتح مساحات أوسع في المجال العام تضمن استمرار الجدل السياسي المهم حول المستقبل، وتسمح لجميع أبناء مصر بالمشاركة في بناء الغد الذي ينتظره الجميع، والمؤكد أن أي تضييق على الأحزاب والقوى السياسية التي ترغب في طرح رؤيتها للقادم هو ليس فقط اعتداء على الدستور ونصوصه ، وهو الذي يدعو للتعدد، بل اعتداء على حق المصريين في اختيار مستقبلهم، وفي المشاركة بإرادتهم الحرة في اختيار من يحكمهم، وهو حق أصيل علينا جميعاً الدفاع عنه، واحترام هذه الإرادة أياً كان الاختيار.

اعتقادي أن مصر على أعتاب عام سياسي مختلف، جاءت نتيجة انتخابات نقابة الصحفيين فيه لتصنع حالة من الأمل لدى الجميع، وتشير إلى أن حق الناس في الاختيار بنزاهة يضيف للبلد ولا يخصم منها، وتتمسك بأفكار عظيمة حملت كثيراً من بلدان العالم للتقدم، وهي التنوع وتداول السلطة، وتجديد الدماء والدفع بأفكار وأصوات جديدة في شرايين الحياة العامة، والمؤكد أن مصر تستحق أن تلحق بعصرها، وأن يكون صوت أبناؤها مسموعاً، وإرادتهم في الاختيار مصانة ومقدرة، وهذا، في تقديري، هو الطريق الوحيد لأن يكون الغد القادم أفضل وأكثر تقدماً وعدلاً وحرية.

وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.