يقول الرسول الكريمالمرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ “، النصح النبوي باختيار الصديق إشارة هامة لقيمة وأهمية الصديق، فالصداقة من أعظم العلاقات التي تجمع البشر، علاقة قائمة على الاختيار والحب والتضحية والسند، كلها التزامات يؤديها الإنسان بحب وتطوع ودون إرغام.

كنز لا ينضب

من العلاقات الهامة في حياة البشر هي الصداقة، فعندما تكون العلاقة سوية وخالصة، فإنها تكون الكنز الذي لا ينضب والنهر الذي لا يجف، ربما هذا النوع من الصداقة قليل في علاقات النساء بعضهن ببعض لعوامل عديدة يمكن ذكرها لا حقًا، لكن الصداقة كما نقرأ عنها وتكون مضرب الأمثال، تتأكد بشكل كبير في علاقات الصداقة بين الرجال، فتتوفر لها العمر الطويل والقوة والأثر الباقي.

عندما يكون لديك صديق مخلص فأنت لديك حارس ومعلم وناصح ومدافع، باختصار لديك كل شيء، حتى تلك الصداقات قصيرة العمر لأي سبب فإنها عندما تكون صادقة فهي تبدو كذلك.

والصداقة الحقيقية علاقة تبادلية، قائمة على المشاركة وليست ذات اتجاه واحد، ولذا يكون هناك سؤال هام هل صديقك أنت صديقه؟

تبادلية العلاقة

تؤصل الجماعة الشعبية لفكرة الأخذ والعطاء كركني للعلاقة “من خد وادى صار المال ماله” وبالرغم من أن المثل يبدو حصريًا على الأمور المادية إلا أنه يمكن مده على استقامته ليشمل كل المعاملات، حتى المتعلقة بالمشاعر، وبالتالي فإن العلاقات التي تسير في اتجاه واحد هي علاقات منتهية وخاسرة، لأن الطرف المعطاء سيمل ويُصيبه الزهق وربما يشعر بالاستغلال بعد فترة، وسيقف في لحظة ليتساءل لماذا لا يقابل عطائه بعطاء مقابل وليس بالضرورة أن يكون بنفس القدر، ولكن لابد أن يكون هناك عطاء متبادل.

تسير علاقات عديدة نحو الفشل بأحادية الأفعال، طرف يهتم والأخر لا يبالي، طرف يُعطي والآخر يكتفي بالأخذ، طرف داعم وآخر متخاذل، هذه الأحادية تحفر نفق منزلق نحو الجهة التي تمنح وتقدم وتهتم وتدعم، فتجد الخذلان والانكسار يصل إليهم سريعًا وتتهدم العلاقة وكأنها دومينو فبرغم أنها أخذت وقتًا طويلًا لتنسيقها وبناء شكلًا مميزًا إلا أن الهدم أسرع بكثير من البناء، ولا يحتاج سوى لحظة إفاقة، حينها تتسع الرؤية وتتضح عيوب وسلبيات عمى عنها المانح بفعل محبته.

صديقي.. صديقي

يمضي (ع) في حكي قصته كان له صديق لسنوات، يهتم من اجله بكل شيء، يعرف عنه كل تفاصيل حياته، يحكي (ع) كل شيء، كان البعض يسخر من علاقتهما، البعض يقول له أنه لا يوجد رجل يحكي كل هذه التفاصيل، فالتفاصيل أليق بالنساء، لكن (ع) لم يكن يهتم لذلك، وفى يوم عرف من صديق ثالث أن صديقه المقرب سافر للعمل في دولة أخرى، وقف (ع) في ذهول،  فصديقه الذي يحكي له كل تفصيلة في حياته لم يكن يعرف هو عنه شيء، انتبه (ع) متأخرًا جدًا إلى أنه كان وحده من يحكي، وحده من يشركه في قراراته ومشاكله، فهل كان  (ع) مندفعًا؟ هل لم يكن لديه قدرة على الانصات فلم يجد صديقه عنده أذن تسمع وقلب يهتم؟  أم أنه لم يعتبره صديقه من الأساس؟

قصة (ع) ليست قصة وحيدة بل متكررة، ويتعدد تكرارها في صداقة النساء بعضهن ببعض،  والحقيقة أن الكثير لا ينتبهون لوضعيتهم في علاقة الصداقة إلا عندما يصلون لمرحلة التخلي من وجهة نظرهم، بينما هي ليست تخلي من الطرف الآخر الذي لم يضعهم في خانة الصديق.

كيف تنتبه لمكانتك عند صديقك

صحيح أن الصداقة صدق ومحبة ومشاعر وأفعال عديدة، وأيضًا أنك لكي تقترب من شخص لابد أنك تشعر تجاه صديقك/تك بهذا الحب والدعم والصدق ولكن عليك ان تلتفت لعدد من الأفعال والتي تُشير بوضوح لتبادلية المكانة بينكما.

  • الإنصات: إن كان صديقك يستمع إليك حكاياتك وأوجاعك ومشكلاتك وثرثرتك فهل أنت تستمع إليه؟ هل أنت تجاهلت رغباته في البوح، أم أنه صامت ولا يبوح؟ إن كنت أنت لا تستمع فأنت من يُفسد علاقة صداقتكم، وتجعل من صديقك مجرد شخص يستمع لك ويدعمك، لكنك لا تهتم به، ومن ثم فمن الطبيعي جدًا ألا تكون أنت صديقه، فالإنصات هو أول درجات المشاركة.

أما إذا كان صديقك لا يحكي ولا يبوح ولا تعرف عنه شيء، فهو لا يعتبرك صديقه من البداية، لكن لسبب أو لآخر يمنحك الوقت لتقول له ما تريد، ويشارك معك الرأي وربما الدعم بكل أشكاله، لكنك لست صديقه.

  • التطوع: كل إنسان يحتاج الدعم والمساندة، وهذه السمات لا تقتصر على الجوانب المادية، ولكنها ممتدة لكل شيء، فإذا كنت متطوع لدعم ومساندة صديقك بشكل دائم، وهو لا يطلب ولا يحكي ما يستدعي ذلك، فاعلم انه لا يعتبرك صديقه، فحتى مع عِزة النفس، والوقوف صلبًا وقويًا لابد من وجود لحظات ضعف واحتياج، فإن لم تعرف وأنت الصديق هذه اللحظات فهذا يعني أنك لست صديق صديقك.
  • الغياب عن المناسبات الهامة: لا حياة بلا مناسبات هامة ميلاد – وفاة، سفر، هناك دومًا مناسبات هامة، فعندما تجهل مناسبات هامة في حياة صديقك ويتكرر الأمر، فهذا يعني أنه لا يعدك صديقه بنفس الدرجة التي تعتبره صديقك، وقد تعرف المعلن من المناسبات، بينما هناك مناسبات للمقربين أنت غير مدعو فيها، وعندما تعرف بها لا تُسارع بإيجاد المبررات، وحتى مع المواجهة المباشرة فقد يدفع الخجل الطرف الاخر لاختلاق مبررات تجنبًا للحرج، ومن ثم عليك الانتباه للحدث التالي فإن تكرر الأمر، اعلم أنك لست صديقه.
  • التفاصيل: دوما التفاصيل كاشفة، تلك التي نغفلها دون وعي، وتغطيها المحبة، لكننا في لحظات الوجع تتكشف كل تلك التفاصيل المخبأة في المحبة، كرد فعل صديقك في موقف ما كان عاديًا بينما رد فعله جاء مبالغًا في الاهتمام تجاه نفس الموقف عندما حدث لآخر، ويمكن سرد مواقف وتفاصيل عديدة في علاقة الصداقة قد تبدو عادية ولكنها كاشفة عند التأني والنظر لها من زاوية غير المحبة المضللة.
  • الجودة وليس الكم: قد يبدو الكم مهمًا لينتج الجودة ولكن ليس في كل شيء، فقد يكون الطرف الآخر ليس موجودًا طيلة الوقت، لكنك عندما تحتاجه تجده، وهنا تكون الجودة، ولكن السؤال هل أنت أيضًا تظهر عند الاحتياج؟ وهل هو يحتاجك؟ العبرة ليست بكثرة الاتصالات، او التواجد سويًا فترات طويلة، ولكن الوجود الفارق، وأيضًا المتبادل، فإن كان صديقك يصنع فارقًا في حياتك وأنت لا تصنع نفس الفارق فهو صديقك لكنك لست صديقه.
  • تبادل المقاعد: الصداقة من العلاقات المعتمدة على التكامل، ومن الأهمية ألا يحتكر طرف دورًا دائم، فلابد من تبادل الأدوار وإلا كانت أي شيء غير صداقة، إذا كان أحد الطرفين ناصح طيلة الوقت صارت العلاقة وصاية، وإذا كان طرف مانح طيلة الوقت، صارت العلاقة منح من الأعلى للأدنى وهكذا.

لا تكن طرفًا في علاقة من طرف واحد

قبل أن نصف الآخرين بالخذلان ونصوب عليهم الاتهامات ونجعلهم فاعلين لأوجاعنا علينا أن ننتبه لتلك العلاقات العرجاء، العلاقات التي تقوم على المشاركة بينما الآخر لا يُشارك، وليس بالضرورة أن تكون العلاقة أحادية لأن الآخر هو المخطئ، بل ربما أنت فعلت ذلك بنفسك، فحين تبادل بفعل كل شيء ولا تترك لصديقك فرصة للقيام بدوره، فأنت تجعله لا يشعر بأهميته وقيمته في العلاقة فينصرف لإيجاد صديق آخر، فلا عطاء دائم من طرف واحد، ولا بوح مستمر من طرف واحد، ولا شخص يتكلم باستمرار والأخر يسمع باستمرار، وعندما تكون العلاقة عرجاء لا تكون صداقة، ولكن طرف يتصور أنها صداقة وأن الآخر صديق مقرب، بينما الآخر لا يراه كذلك، ومن ثم هو يتصرف انطلاقًا مما يشعر به، تلك التصرفات التي سيجدها الطرف الأول انكسار وخذلان، بينما لم يخذله أحد لكنه خذل نفسه و جعله روحه هشة فتنكسر بسهولة، أنت هنت عندما لم تنتبه لحقيقة مكانتك عند الآخرين، فلا تلم الآخرين إن هنت عندهم.