تحل علينا خلال أيام، ذكرى حملت الأمل لقلوب آلاف المصريين، حين فتح الرئيس باب الخروج لعدد كبير من السجناء، خلال حفل إفطار الأسرة المصرية. أعلن الرئيس للمرة الأولى عن سعادته بالافراج عن مجموعة من سجناء الرأي، وأمر بإعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي، وأطلق دعوته للحوار الوطني، تحت شعار “الوطن يتسع للجميع”.
تخلل العام الماضي مناقشات ومفاوضات حادة، بين أطراف من الدولة والمعارضة، حول الأسس التي يجب أن يبنى عليها الحوار الوطني، ووسائل تحقيق المناخ الإيجابي اللازم للبدء في فعالياته، وكيفية تحويل شعار الرئيس إلى خطة عمل، يتم بموجبها فك القيود التي فرضت سابقا على الآراء المخالفة، وفتح مساحات أوسع للتعبير والعمل السياسي.
وبالرغم من أن جهودا بذلت في سبيل توفير عدد من الضمانات اللازمة لتغيير الحالة السياسية، من الصدام مع الجميع إلى الحوار، إلا أنه لا زالت هناك مظاهر على أن ثمة أطراف بداخل الدولة، لا ترى في الحوار بديلا عن السياسات الأمنية. أطرافا لا زالت تخشى من أن فتح باب السياسة قد يعيد السيولة إلى الوطن.
في العموم، وبغض النظر عن العقبات التي تواجه مسار الحوار حاليا، فلا يمكن أن ينكر أحد ما حمله العام الماضي من إصلاحات، ربما ليست إصلاحات هيكلية، في البنية التشريعية، أو قرارات استراتيجية بشأن تغيير السياسات المتبعة مع الاعلام والمجتمع المدني، ولكن يمكننا رصد عدد كبير من الايجابيات بشأن الممارسات.
أفرجت الدولة خلال العام الماضي عما يقرب من 1400 محبوس احتياطي، كانوا جميعا من المتهمين بالانضمام إلى جماعات إرهابية، ضم ذلك الرقم عشرات من النشطاء السياسيين والصحفيين والحقوقيين، ممن يعرف عنهم مواقفهم المعارضة لسياسات النظام، وانتقادهم العلني للسلطة.
أنا بشكل شخصي لا يمكن أن أنكر إيجابيات العام الماضي، فقد تحولت خلال الشهور الماضية، من سجين رأي متهم بالإرهاب، إلى كاتب ينشر مقالاته الأسبوعية ضمن صفحة رأي، تضم مجموعة من أبرز أصحاب الفكر في مصر.
كل فرد من مئات المفرج عنهم، قدم للدولة خدمة جليلة، قد لا يستوعبها البعض حتى الآن، ولكن عودة هؤلاء إلى بيوتهم آمنين، وممارسة أعمالهم وحياتهم الطبيعية، وأن يمارسوا العمل العام عبر قنواته المتاحة، كل هذه خدمات تسهم في تحسين صورة الدولة، أكثر من مئات البرامج وآلاف المقالات عبر عشرات وسائل الاعلام. خروج سجين رأي واحد، له مفعول السحر على الحالة المعنوية للمصريين.
بالرغم من أن الظروف الاقتصادية كانت غاية في الصعوبة خلال الشهور الماضية، إلا أن حالة الاحتقان السياسي كانت أقل حدة من الأعوام السابقة، ويرجع الفضل في ذلك كاملا للسجناء المفرج عنهم.
خلال أعوام مضت، كانت بعض الآراء تعلن رفضها علانية لخروج سجناء الرأي، وكانت تثير الذعر عبر ادعاءات أن خروج المعارضين من السجون، سوف يفتح الباب إلى موجة جديدة من الاحتجاجات، ويهدد بعودة “الفوضى” إلى الدولة، ويضرب الاستقرار الوطني، وغير ذلك من الادعاءات التي ظهر زيفها جليا بعد أن أفرجت الدولة عن مئات المعارضين، ولم يتحقق أيا منها.
على عكس جميع الأكاذيب السابقة، فقد ظهرت عدد من التعليقات الإيجابية من دبلوماسيين غربيين، بخصوص خطوات الدولة في الافراج عن السجناء والدعوة للحوار، بعض هؤلاء الدبلوماسيين لم ينطق أبدا بكلمة واحدة إيجابية عن الأوضاع الحقوقية في مصر خلال السنوات السابقة، وظن البعض أنه موقف عدائي لمصر، ولكن هذا الموقف تحول إلى دعم لخطوات مصر وحث على مزيد من التحركات.
لم يتوقف الأمر عند الدبلوماسيين الأجانب، بل سمعنا تصريحات إيجابية عديدة من معارضين للنظام في الداخل، وظهر عدد منهم في مناسبات رسمية، بعد أن تمت دعوتهم من قبل رئاسة الجمهورية، وقاموا بتلبية الدعوة، للمرة الأولى، لمجرد تشجيع الدولة على مزيد من الخطوات الإيجابية.
لا ينكر أحد سعادته بما جرى، وكل الضغوط والمطالبات بتسريع الخطى، والدفع بتوسيع قاعدة الإفراج والمشاركة، تنطلق من دافع وحيد وهو حب الوطن، والرغبة في تعديل ما يراه الجميع من سياسات خاطئة، كادت أن تؤدي إلى أزمة سياسية.
أتمنى أن ترى السلطة والمعارضة ما تحقق خلال الشهور الماضية من تطورات، وأن يعرف أصحاب القرار من الطرفين، أن مصلحة الشعب المصري، لن تتحقق بغير التوازن بين الحكم والمعارضة.
ننتظر من العام المقبل، أن يكون أكثر سعادة وأملا، وأن تتسارع الخطوات ويتسع تأثيرها، نحلم بأن تخلو السجون من سجناء الرأي، حتى يعودوا لممارسة أدوارهم الوطنية في دعم الدولة متى أصابت، وانتقادها إذا لزم الأمر.