بعد عقود من التطبيع غير الرسمي، تحولت العلاقة بين إسرائيل ودول الخليج إلى دبلوماسية مفتوحة رفيعة المستوى، وفرص تجارية، ونقل التكنولوجيا، وحوار حول الأمن الإقليمي.

جاء تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، بموجب اتفاقيات إبراهيم في سبتمبر/ أيلول 2020، الذي أدى إلى الجمع بين دولتين إقليميتين طموحتين لهما تصورات مشتركة. وقد لعبت الولايات المتحدة دورا كمحرك رئيسي للاتفاقات. والتى بشرت بتكامل على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني الإقليمي في الشرق الأوسط، ذلك وسط تحولات في أولوياتها الأمنية.

لعبت الولايات المتحدة دورا كمحرك رئيسي للاتفاقات والتى بشرت بتكامل على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني

أيضا، عادت واشنطن تلعب دور الضامن للأمن الإقليمي بعد أن كانت خففت تركيزها على الإقليم لصالح التركيز على التوترات الجيو سياسية مع روسيا والصين، كما أدى التراجع إلى تأجيج انعدام الأمن بين شركاء الولايات المتحدة الإقليميين فى الشرق الأوسط.

في ورقة سياسات حديثة بعنوان “اتفاقيات إبراهيم والتطبيع الإسرائيلي- الإماراتي.. تشكيل شرق أوسط جديد”، يتناول اثنان من باحثي تشاتام هاوس/ Chatham House، تطور العلاقات بين إسرائيل والإمارات بعد توقيع اتفاقيات إبراهيم، لا سيما من خلال التبادل الاقتصادي وتبادل القوة الناعمة والصلبة. يذكر أن تشاتم هاوس هو معهد بحثي مقره لندن.

اقرأ أيضا: في السياسة العالمية.. بعض القواعد تهم أكثر من غيرها

وتسعى الورقة إلى تقييم كيف ولماذا أدت العلاقة الإسرائيلية- الإماراتية. من حيث أهدافها الاستراتيجية، والقوة الصلبة والناعمة لإسرائيل والإمارات، والجانب الاقتصادي. إلى تحفيز تعاون إقليمي وتكامل أمني أكبر، عبر دراسة شاملة للتطورات الاقتصادية والسياسية والإقليمية منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم.

وترى الورقة أن التطبيع “قدّم فوائد قصيرة وطويلة الأجل لكلا البلدين، فرديًا وجماعيًا. يتجلى في مكانتهما الدولية والإقليمية المعززة، والتآزر الاقتصادي والفرص الاستراتيجية”.

تقول: ساعد التطبيع على تعزيز مستويات المشاركة الإقليمية، وتخفيف حدة الصراع والمصالحة الدبلوماسية، من خلال مجموعة من المبادرات الثنائية والمتعددة الأطراف، مثل قمم بغداد، وقمة النقب في مارس/ آذار 2022، والاتفاقية البحرية الإسرائيلية اللبنانية.

في الوقت نفسه، ساهم هدف القيادة المركزية الأمريكية في إنشاء هيكل أمني إقليمي متكامل إلى رسم خريطة تبني الثقة والتعاون الدفاعي في جميع أنحاء المنطقة بشكل تدريجي.

لقراءة الورقة كاملة اضغط هنا

مكاسب ومخاوف

تسعى كل من إسرائيل والإمارات إلى دور إقليمي أكبر، وترابط اقتصادي، وعلاقات أقوى وأكثر استقرارًا مع الولايات المتحدة. ويعد التكامل الأمني الإقليمي هدفًا استراتيجيًا آخر طويل الأجل لكلا البلدين.

لكن، على الرغم من هذه المكاسب، تشير الورقة إلى أن العلاقات بين إسرائيل والإمارات تعاني من مجموعة من التحديات السياسية والثقافية والإقليمية، التي تتطلب وقتًا ومشاركة واهتمامًا دبلوماسيًا لمعالجتها.

تتراوح هذه التحديات من اختلاف الأنظمة السياسية، إلى الانقسامات التكتيكية حول إدارة التهديد من إيران، وعدم إحراز تقدم في القضايا الفلسطينية.

يرى الباحثان أن “الخلافات بشأن إيران والأراضي الفلسطينية لن تؤدي إلى إخراج الاتفاقات عن مسارها، ولكنها قد تعقد وتحد من التعاون الإسرائيلي- الإماراتي، على الأقل في العلن”.

علاوة على ذلك، يمكن لهذه الخلافات أن تمنع توسع الاتفاقات، وهو هدف مهم لسياسة إسرائيل الخارجية.

ترصد الورقة تسارع حركة التطبيع بعد الاتفاق، تقول: لم تتخذ الدول العربية خطوات بهذا الحجم من التعاون منذ معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994. كما فصلت التطبيع مع إسرائيل عن التقدم في الصراع بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية.

وتؤكد أن هذا كان تحولًا جديرًا بالملاحظة “حيث سلط الضوء على إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية والأمنية، إلى جانب الشعور المتزايد بالانفصال -خاصة في بعض دول الخليج- تجاه القيادة الفلسطينية”.

على هذا النحو، رأت اتفاقات إبراهيم أن إسرائيل تلتزم فقط بإنهاء خطة ضم الضفة الغربية دون إحراز مزيد من التقدم نحو حل النزاع.

حتى الآن، صمدت الاتفاقات في وجه الضغط الناجم عن مواجهتين بين إسرائيل وغزة، غير أعمال عنف في الضفة الغربية تطلبت وساطة من دول المنطقة.

تشير الورقة إلى أن هذا الوضع من الصمود رغم المواجهات “يعكس استدامة الصفقة، ويوضح أن كلاً من الإمارات وإسرائيل تعطي الأولوية للمصالح الوطنية البرجماتية وفوائد التطبيع على الصراع الفلسطيني”.

تتوقع الورقة أن الاتفاقات المستقبلية للتطبيع مهددة بمعارضة شعبية، فتقول: بدون مشاركة إقليمية أكبر في قضايا الأمن الفلسطيني، يمكن أن تواجه الدول التي تسعى للانضمام إلى اتفاقات إبراهيم ردود فعل شعبية محلية بعد تدخلات إسرائيلية أخرى في غزة والضفة الغربية في أوائل عام 2023.

الدعم الأمريكي

ركزت الحكومتان الإسرائيلية والإماراتية بشكل أكبر على الفرص الاقتصادية والتكنولوجية والتجارية الثنائية. في الصناعات التي تتراوح من الطاقة إلى السياحة، والرعاية الصحية إلى المواني، بهدف بناء روابط تجارية أقوى فيما بينها وداخل المنطقة.

في سعيهما لتعزيز التجارة الثنائية إلى 4 مليارات دولار في غضون فترة خمس سنوات، تهدف إسرائيل والإمارات إلى تعزيز صناعاتهما المحلية على المدى القصير، وتحقيق الاستدامة الاقتصادية على المدى الطويل، ذلك من خلال التعاون الاقتصادي الذي يربط اقتصاداتهما بسلاسل التوريد داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط.

علاوة على ذلك، فإنهم يعتزمون إقامة اتصال أقوى بين شعوبهم، مما قد يؤدي إلى زيادة التئام الانقسامات الإقليمية.

وترى الورقة أنه “بالإضافة إلى الفرص الاقتصادية المهمة، تكمن القيمة الحقيقية لاتفاقيات إبراهيم في الاتفاقات التكتيكية والأهداف الاستراتيجية الأكبر للشراكة. وهنا، يظل دعم الولايات المتحدة للتطبيع والاستثمارات الأمنية الإقليمية المستمرة مفتاح النجاح المستمر للعملية”.

تقول: كان عدم اليقين بشأن الالتزامات الأمنية الإقليمية للولايات المتحدة -وهو الشعور المشترك بين صانعي السياسة في كل من إسرائيل والإمارات- دافعًا مهمًا وراء الاتفاقات.

تضيف: تلتزم جميع الأطراف بالانضمام إلى الولايات المتحدة، لتطوير وإطلاق أجندة استراتيجية للشرق الأوسط، من أجل توسيع نطاق التعاون الدبلوماسي والتجاري والاستقرار، وغير ذلك من أشكال التعاون الإقليمي.

وبينما ظلت واشنطن لعقود هي ضامن الأمن في المنطقة لفترة طويلة، كانت الدول الإقليمية منزعجة مع سعي الولايات المتحدة إلى تحويل اهتمامها من الشرق الأوسط نحو المحيطين الهندي والهادئ. حيث سعت ثلاث إدارات أمريكية متعاقبة -باراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن- إلى إعطاء الأولوية للمنافسة الجيو سياسية مع الصين وروسيا، وإعادة توجيه الموارد الأمريكية لهذا التحدي الأكبر بعد عقدين من المشاركة في أفغانستان والعراق.

وأكد الباحثان أن تأثير هذا الموقف الأمريكي المتغير، وسط التحديات الجيوسياسية الناشئة عن الحرب في أوكرانيا، يتبلور في الشرق الأوسط الجديد.

غلاف “اتفاقيات إبراهيم والتطبيع الإسرائيلي- الإماراتي.. تشكيل شرق أوسط جديد” الصادرة عن تشاتام هاوس/ Chatham House

اقرأ أيضا: العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية.. تنامي امتعاض واشنطن على وقع تشدد حكومة نتنياهو

المد والجزر

تشير الورقة إلى أن اتفاقيات التطبيع عززت العلاقات بين إسرائيل والإمارات، لكن ينبغي توقع فترات المد والجزر في علاقتهما.

تقول: من المرجح أن تسبب نقاط الضغط والسيناريوهات الإقليمية الصعبة، بما في ذلك صراع إسرائيلي جديد مع الفلسطينيين، أو تصعيد التوترات مع إيران، أو خلافًا عامًا، كما هو الحال مع التوترات الأخيرة بين إسرائيل ومصر والأردن، هذا المد والجزر.

وتؤكد أن “عدم التماثل السياسي والثقافي بين إسرائيل والإمارات لا يشكل عقبة أمام العلاقات رفيعة المستوى بين الحكومة وقادة الأعمال. لكنه لم يصل بعد إلى مستوى العلاقات الشعبية. حيث لم يترجم الانفتاح الإماراتي على اتفاقيات إبراهيم بعد إلى زيادة عدد الإماراتيين المسافرين إلى إسرائيل. هناك حاجة إلى مزيد من العمل لبناء علاقات أقوى على المستوى الشعبي، وتحسين التصورات العامة لإسرائيل في المنطقة”.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن النظامين السياسيين -الإسرائيلي والإماراتي- يواصلان العمل بوتيرة متفاوتة، في وقت يظل فيه المجتمع المدني والمشهد الإعلامي في كلا البلدين غير متوافقين.

ظهر أحد الأمثلة على مصادر التوتر المحتملة في إبريل/ نيسان 2021 عندما تم القبض على امرأة إسرائيلية، وحُكم عليها بالإعدام في الإمارات بتهمة حيازة مخدرات. لكن في مارس/ آذار 2023، صدر قرار بالعفو الشامل عنها، فيما وصفته إسرائيل بـ “لفتة خاصة”.

توسيع اتفاقيات إبراهيم

حتى الآن، لم يتبع التطبيع مع الدول العربية الكبرى الأخرى مثل السعودية. لذلك، سيكون التقدم في هذا الأمر مفتاحًا لتحقيق الهدف الإسرائيلي الأوسع المتمثل في التنسيق الإقليمي العلني.

تقول الورقة: لطالما كان صناع السياسة الإسرائيليون يغازلون القيادة السعودية، ويرون أن التطبيع مع الرياض هو “التذكرة الكبيرة”.

لم تتخذ المملكة بعد خطوات للانضمام رسميًا. بل، وظلت المشاركة غير الرسمية عبر المعلومات الاستخباراتية بين إسرائيل والمملكة تحدث بهدوء لعقود من الزمن، وكانت موجهة في المقام الأول نحو إدارة التهديدات الإقليمية المتبادلة.

تشير الورقة أيضا إلى أن ” الأمير محمد بن سلمان أكثر ميلًا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل من والده الملك. لكنه جعل التقدم في الدولة الفلسطينية شرطا لأي خطوة من هذا القبيل.

كجزء من مفاوضات وراء الكواليس، كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تدعم الجهود المبذولة للتقريب بين إسرائيل والمملكة.  والدليل على ذلك خطوة الرياض في يوليو/ تموز 2022، للسماح بعبور الطيران المدني من إسرائيل عبر المجال الجوي السعودي. بموجب ذلك سيسمح لعرب إسرائيل “الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1948 والتي تسمى الآن إسرائيل” أيضًا بالطيران مباشرة إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، بدلاً من الدخول عبر الأردن.

علاوة على ذلك، تربط السعودية التطبيع بضمانات أمنية من الولايات المتحدة، إلى جانب دعم برنامج نووي مدني سعودي. لكن، قد يكون من الصعب على إسرائيل قبول هذا الأخير.

في المقابل، على الرغم من مشاركتها الهادئة الطويلة الأمد مع إسرائيل، رفضت دول الخليج العربية الأخرى، بما في ذلك سلطنة عُمان وقطر، التطبيع الرسمي.

تنظر إسرائيل إلى التعاون القطري باعتباره ذي قيمة في إدارة العلاقات مع حماس، في حين أن المشاركة الإسرائيلية في مركز أبحاث تحلية المياه في الشرق الأوسط -ومقره سلطنة عمان- مستمرة منذ أكثر من عقدين.

ومع ذلك، انهارت المحادثات السرية بين إسرائيل وقطر، لزيادة الوجود الدبلوماسي الإسرائيلي في الدوحة خلال كأس العالم لكرة القدم 2022 بسبب إصرار إسرائيل على الإعلان عن محادثة مخطط لها بين رئيس الوزراء الإسرائيلي -آنذاك- يائير لبيد وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وبعد اقتراح مجلس الشورى العماني لتوسيع التشريع الذي يحظر الاتصال بالكيانات والأفراد الإسرائيليين، والذي تم اقتراحه في الأصل في عام 1972، وافقت السلطنة على فتح مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية الإسرائيلية في فبراير/ شباط 2023.

وتشير الورقة إلى التقدم الجاري في عملية اندماج إسرائيل، لكنه يوضح أيضًا الحساسيات المحلية والإقليمية التي تتطلب الوساطة والإدارة.