في دوائر السياسة الغربية، غالبًا ما يتم اختصار السياسة الأمريكية تجاه إيران في شعار: “لا صفقة، لا أزمة”. حيث يبقى الوضع كما هو عليه فى حالة ثبات، فإن لم يكن المشهد بلا مكاسب، فهو حتى الآن -على الأقل- دون خسائر.
وحسب هنري روما زميل معهد واشنطن. ولويس دوجيت جروس، الذي عمل دبلوماسيا في الوزارة الفرنسية لأوروبا والشؤون الخارجية. يجب على الولايات المتحدة وأوروبا اتخاذ زمام المبادرة، لأن إبقاء إيران بعيدة عن مكتب الرئيس بايدن من خلال تجنب تسوية دبلوماسية ضارة سياسيا، أو تصعيدا يخاطر بالصراع، يبقى الوضع “حبل مشدود هش”.
في مقالهما التحليلي الذي نشرته ذا هيل/ The Hill، يلفت الكاتبان إلى أن المبدأ الغربي نصف صحيح. فلا يوجد بالفعل اتفاق نووي إيراني، ولا احتمال لوجوده. رغم أن الموقعون الأصليون على اتفاق عام 2015 “الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، والاتحاد الأوروبي، وإيران” حاولوا إحياءه في عامي 2021 و2022.
ورغم أن المفاوضون شعروا أن جهدهم قد يتكلل بالنجاح في مارس/ آذار، وسبتمبر/ أيلول من العام الماضي، لكنهم فشلوا في النهاية. وأدى تعنت إيران، إلى جانب دعمها للحرب الروسية في أوكرانيا وقمعها الداخلي، إلى استنزاف أي حماس غربي متبقي للتفاوض.
اقرأ أيضا: الفساد.. “كعب أخيل” الإيراني الذي لم تستغله واشنطن ضد نظام طهران
يقول التحليل: من حيث الجوهر، نحن في منطقة رمادية: لا الغرب ولا الجمهورية الإسلامية على استعداد لمتابعة الاتفاق، على الرغم من أن أيًا منهما ليس على استعداد لإعلان موته.
مجرد وهم
يشير المقال إلى أن النصف الآخر من الشعار “لا أزمة” هو “مجرد وهم”، كما أكدت الأحداث التي وقعت خلال الفترة الماضية.
ففي نهاية مارس/ آذار، هاجمت طائرة مسيرة مرتبطة بإيران قاعدة أمريكية في سوريا. مما أسفر عن مقتل متعاقد أمريكي، وشن عدة ضربات وهجمات مضادة بين القوات الأمريكية والقوات المرتبطة بنظام طهران في سوريا.
على نطاق أوسع، الغرب في خضم أزمة نووية متصاعدة، حتى لو كان صناع السياسة مترددين في الاعتراف بذلك.
يقول المقال: يمكن لإيران أن تنتج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة لصنع قنبلة واحدة في غضون أسبوعين تقريبًا -أقرب ما كانت عليه في أي وقت مضى- وبالنظر إلى نظام التفتيش الحالي، و قد لا يكتشف المجتمع الدولي ذلك إلا بعد فوات الأوان.
علاوة على ذلك، أدلى الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، بشهادته. وقد صرح علنا أنه بعد أن تنتج إيران ما يكفي من الوقود النووي، يمكنها تحويلها إلى قنبلة في عدة أشهر أخرى “وهو جدول زمني أسرع بكثير مما فعل حتى الإسرائيليين”، حسب تعبيره.
ويشير الكاتبان إلى أن إيران دفعت ملفها النووي، بطريقتين إضافيتين خلال الشهرين الماضيين.
في أواخر يناير/ كانون الثاني، أعادت تشكيل مجموعات أجهزة طرد مركزي متطورة من طراز IR-6 في موقع فوردو تحت الأرض دون إخطار المفتشين مسبقًا. ومن المحتمل أن يسهل التغير التقني على إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 90% من اليورانيوم 235، وهو ما يعتبر الحد الأدنى لتصنيع الأسلحة.
بعد أخذ العينات، قررت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران أنتجت كميات صغيرة من اليورانيوم المخصب إلى 83.7% من اليورانيوم 235 في تلك السلاسل التعاقبية.
وتدعي إيران أنه لم يكن هناك خطأ في إعادة تشكيل السلسلة وأن وجود الجسيمات بنسبة 83.7% كان عرضيًا، وهو نتوء مؤقت يمكن أن يحدث أثناء عمليات الطرد المركزي.
ويؤكد المقال أنه “بمجرد أن تتجاوز إيران هذه العتبة وتبدأ في تكديس المواد الصالحة لصنع الأسلحة، تنخفض احتمالية منع طهران من تطوير سلاح نووي”.
خلافات غربية
لا يوجد إجماع بين الحكومات الغربية حول ارتفاع نشاط تخصيب اليورانيوم الأخير. لكن، وفق المقال يمكن للولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاثة E3 “فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة” القيام برد فعل قويًا وموحدًا على الاستفزاز، وردع إيران عن القيام بالأنشطة المحفوفة بالمخاطر مستقبلا.
جاء اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الفصلي أوائل مارس/ آذار، بعد أسابيع من الإجراءات الإيرانية. لكن، الولايات المتحدة ومجموعة E3 اختلفتا بشأن ما يجب القيام به.
دفع الأوروبيون لإصدار قرار إدانة رسمي -وقد صدر خلال العام الماضي قراران- لكن الولايات المتحدة عارضت هذه الخطوة، خوفا من تصعيد إيرانى.
في النهاية، أعطى الإيرانيون للولايات المتحدة مخرجًا. حيث قدموا تعهدات غامضة فيما يتعلق بالمراقبة وبعض التحقيقات النووية طويلة الأمد.
يقول الكاتبان: هذا يقوض أي قرار وعمل موحد، مما يبرز الانقسام عبر الأطلسي.
يشير المقال إلى أنه “ربما اعتقدت طهران أن التجارب النووية التي تتعارض مع “الخطوط الحمراء” الغربية وتنتهك التزاماتها الدولية سوف تمر دون عقاب. وقد يستنتج أن إنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة سيقابل رداً مماثلاً”.
يقول: يكاد يكون من المؤكد أن إنتاج 90% من اليورانيوم 235 سيقود القوى الأوروبية إلى متابعة المفاجأة في مجلس الأمن، مما يؤدي إلى إنهاء صفقة -اتفاق- عام 2015.
لكن، طهران قد تكون أقل ثقة بشأن هذه النتيجة عما كانت عليه قبل شهر.
اقرأ أيضا: بعد تخصيب اليورانيوم بنسبة 84%.. هل تستطيع إيران صنع قنبلة نووية؟
نهج جديد
في الوقت الحالي، لدى القادة الإيرانيين أسباب تجعلهم متفائلين.
يقول المقال: على الرغم من أن ردها الوحشي على الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد يضمن تجدد الاضطرابات في المستقبل، إلا أن طهران تتمتع ببعض المرونة المالية، حيث بلغت صادراتها من النفط الخام أعلى مستوياتها في أربع سنوات.
مؤخرا أعادت إقامة العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية برعاية صينية، مما أدى إلى اختراق عزلتها الإقليمية، والعلاقات مع موسكو في أقوى حالاتها منذ سنوات.
في الوقت نفسه، نجد واشنطن منشغلة بروسيا والصين، وأوروبا تركز بشكل كامل على دعم أوكرانيا، وإسرائيل منشغلة باضطراب داخلي غير مسبوق. إن الغرب “يسمح عمليا لإيران بتحديد الوتيرة”، وفق الكاتبان.
يضيف المقال: إنها -طهران- بحاجة إلى نهج استراتيجي جديد، مع الأخذ في الاعتبار النطاق الكامل للسلوك النووي الإيراني وغير النووي، بما في ذلك التهديد المستمر للقوات الأمريكية في المنطقة.
ولكن بالنظر إلى حالة التقدم النووي الإيراني، يحتاج الغرب -للأسف أيضا- إلى التفكير على المدى القصير وبشكل تكتيكي لتجنب المزيد من التدهور، مع التركيز على إرساء أقوى أساس للخيارات الدبلوماسية المستقبلية.
ويلفت إلى أنه “لم تنجح الدبلوماسية مع إيران إلا من خلال مزيج من الضغط الجماعي المتصاعد -الاقتصادي والسياسي والعسكري- ومنحدر دبلوماسي، ويجب على الغرب إعادة إنشاء هذا الإطار”.
يقترح الكاتبان على الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية الثلاث اتخاذ خطوات دبلوماسية تهدف إلى ردع المزيد من الاستفزازات النووية الإيرانية.
أوضح المقال: في حين أن الغرب ربما يكون قد ردع إيران عن إنتاج 90% حتى الآن، فلا ينبغي أن يفترض أن الحسابات الإيرانية ثابتة.
يجب على الحكومات الغربية أن تُظهر التزامها بإطلاق عقوبات جديدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إذا تجاوزت إيران عتبة 90%، من خلال إعداد القضية القانونية والسياسية لهذه الخطوة.
وأكد أنه على الحكومات الغربية أن تبدأ في إحاطة أعضاء مجلس الأمن الآخرين لأقصى قدر من الدعم. وبالمثل، يجب على الحكومات الغربية إبلاغ إيران بوضوح بأن أي إعادة تشكيل غير معلنة أو تراجع عن التزاماتها تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيؤدي إلى اجتماع استثنائي لمجلس إدارة الوكالة.
خيارات مفتوحة
يشير المقال أيضا إلى أنه يجب على الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية الثلاث بناء مصداقية الخيار العسكري. من خلال إصدار بيان مشترك يعيد التأكيد على الحاجة إلى استخدام جميع الوسائل اللازمة لمنع إيران من تطوير سلاح نووي.
ولفت إلى أنه يجب على الولايات المتحدة أن تدعم مثل هذا البيان من خلال مواصلة وتيرة التدريبات مع إسرائيل والشركاء الخليجيين.
وأشار كذلك إلى أنه يجب على الولايات المتحدة تكثيف تطبيق العقوبات على صادرات النفط الإيرانية -شريان الحياة الاقتصادي للنظام حاليا – ويجب أن تستهدف الإجراءات بشكل خاص الشركاء التجارين فى سوق اطاقة، المتلقين والميسرين الصينيين في الإمارات وجنوب شرق آسيا.
ولفت إلى أن واشنطن بدأت في تكثيف وتيرة إعلانات العقوبات في الأسابيع الأخيرة “يجب أن تحافظ على هذه الوتيرة لتعقيد مبيعات النفط، وتجعل من الصعب على النظام الادعاء بأن هناك اتفاقًا نوويًا وشيكًا”.
كذلك، يجب على فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة الاعتماد على دول المنطقة لايصال رسائل إلى موسكو وبكين تحذر إيران من المزيد من التصعيد النووي.
اليوم يتمتع الإسرائيليون والإماراتيون والسعوديون بعلاقات عمل أفضل مع بكين وموسكو مقارنة بالولايات المتحدة أو مجموعة E3. في المقابل، تتمتع موسكو وبكين بنفوذ على إيران، ويمكن أن تشجع على ضبط النفس.
ومن الناحية النظرية، لدى بكين حافز أكبر لإقناع إيران بتجنب تصعيد كبير من شأنه أن يعرض الصفقة السعودية للخطر، على الرغم من وجود العديد من الأسباب للشك في أن الصين تنوي لعب دور الضامن.