كتبت- زينب مصطفى ويوسف عقيل:

أصدر معهد الاقتصاد والسلام (IEP)، تقريره السنوي عن مؤشر الإرهاب عالميًا، الصادر هذا العام 2023. وفي التقرير، شهد العالم نحو 66 ألف حادث إرهابي خلال الفترة من 2007 إلى 2022، وتعتبر منطقة الساحل الإفريقي منطقة تركز رئيسية للأعمال الإرهابية في 2022، بينما سجلت منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا تحسنًا بنسبة 6% عن العام السابق.

وكشف التقرير أن تنظيم داعش يُعد – وفق كل المؤشرات- أكثر تنظيم دموي على مستوى العالم، للعام الثاني على التوالي، وسجل أكبر عدد من الهجمات، والوفيات بين كل التنظيمات الإرهابية عام 2022، بينما جاءت حركة الشباب الصومالية في المركز الثاني، ثم جيش تحرير بلوشستان وأخيرًا، جماعة نصرة الإسلام في مالي.

وأظهر المؤشر انخفاض عدد العمليات في مقابل تفاقم دمويتها. فبينما بلغ عدد الهجمات في عام 2021، 5,463 هجوما، إلا أنه انخفض في عام 2022 إلى 3,955 هجوما.
ومقابل هذا الانخفاض في عدد الهجمات، إلا أن الهجمات أصبحت أكثر دموية. إذ أصبح المتوسط العام للقتلى في الهجوم الواحد 1.7 شخص متوسط لكل هجوم في عام 2022 مقارنة بـ 1.3 حالة وفاة لكل هجوم في عام 2021.

يرصد تقرير الإرهاب العالمي ، اتجاهات نشأة الإرهاب والدول الأكثر تأثرا به، وأعداد الحوادث الإرهابية، إلى جانب تحليل عوامل صعود وهبوط حالة الإرهاب في العالم ،مستندًا على قياس عدد الضحايا، والهجمات ومدى انتشار ها عالميًا.

ووفق التقرير، تركزت حالات الوفاة، ضحايا الإرهاب، بنسبة 85 % في 10 بلدان في عام 2022، منها الصومال ومالي وبوركينا فاسو والعراق، وكان المدنيون هم الفئة الغالبة من القتلى بنسب 57 % من بين جميع الوفيات المرتبطة بالإرهاب. كما يعرض التقرير خرائط الإرهاب وعملياته، بما فيها تنظيم داعش، وحركة الشباب الصومالية، وكلاهما لهما أنشطة في إفريقيا والشرق الأوسط.

تقرير هذا العام يضيف التغير المناخي إلى محفزات الإرهاب، المتمثلة في الصراعات السياسية، والأزمات الاقتصادية، والانقلابات. حيث يشير إلى أن التغير المناخي أضاف آثارًا مستجدة كمحفزات الإرهاب، ويتماس ذلك مع نتائج تقارير دولية عن التدهور البيئي وعلاقته بالصراع على الموارد.

وإذا كانت العمليات الإرهابية، وأعداد الضحايا أقل خلال 2022، إلا أن التقرير يرصد تطورًا في الأسلحة المستخدمة نوعًا، وكمًا، ويستبعد التقرير كلا من الأعمال الحربية، والعنف الإجرامي الموجه حصراً للربح من ضمن العمليات الإرهابية، حتى لو تقاطعت آلياتها مع أساليب الجماعات الإرهابية.

ملامح الإرهاب في 2022

يمكن تتبع ملامح الإرهاب في عام 2022، من خلال مجموعة مؤشرات منها مناطق الانتشار، وأعداد الضحايا، ووتيرة العمليات الإرهابية، وفي هذا السياق كشف التقرير عن انخفاض معدل الوفيات الناجمة عن الإرهاب خلال عام 2022، بنسبة وصلت 9 %. عما كانت عليه خلال 2021، وبنسبة 38 % مما كانت عليه خلال 2015.

إجمالي الوفيات بسبب الإرهاب حسب الدولة 2021- 2022

وبالأرقام، بلغ عدد الوفيات 6701 خلال 2022، بينما كانت 7142 حالة وفاة خلال 2021.

مناطق ساخنة

رغم انخفاض العمليات الإرهابية العام الماضي، ظلت هناك مناطق ساخنة، منها أفغانستان التي استمرت في المركز الأول، وهي الدولة الأكثر سوءًا في مؤشر الإرهاب.

وفق التقرير، لا تزال أفغانستان في المركز الأول للسنة الرابعة على التوالي، وغطى الإرهاب نحو 26 من أصل 34 مقاطعة، كما شهدت البلاد أكبر عدد من القتلى في كابول. وكانت التفجيرات هي أكثر صور الإرهاب دموية، حيث أسفرت عن مقتل 434 شخصًا مقابل 186 من الوفيات الناجمة عن الهجمات المسلحة.

داعش.. الأكثر دموية

ذكر التقرير أن هجمات تنظيم داعش بكل فروعه، ظلت الأكثر عنفًا في 2022، وسجلت خراسان 141 هجومًا بإجمالي 498 حالة وفاة، وفي غرب إفريقيا تم تسجيل نحو 1045 وفاة نتيجة 410 هجومات، كما سجل التنظيم في الشام 410 هجمات أسفرت عن 1045 وفاة.

في حين، ارتفع عدد القتلى بسبب نشاط حركة الشباب الصومالية، للمرة الأولى منذ 6 سنوات، إلى إجمالي 784 وفاة عن 315 هجوما

وحسب التقرير، فإن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين JNIM، وهي تحالف للجماعات السلفية الجهادية المتمردة بما في ذلك أنصار الدين، وجبهة تحرير ماسينا والمرابطون، وتمثل الفرع الصحراوي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب، قامت ب 77 هجومًا في عام 2022، ما أسفر عن 279 وفاة.

كما استغلت جماعة نصرة الإسلام، والمسلمين المظالم المحلية والاستياء الشعبي ضد الحكومات، وكذلك الظروف الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في شمال ووسط مالي، وبوركينا فاسو.

بينما سجلت بلوشستان نحو 233 وفاة ناجمة عن 30 هجومًا، مسجلة زيادة 9 أضعاف عدد الوفيات في 2021، وتستهدف إلى حد كبير قوات الأمن والمدنيين، وخاصة في المناطق عرقية البلوش في باكستان.

وفي تقييم لأكثر العمليات دموية، أورد التقرير الهجوم على موقعين أمنيين لحرس الحدود الباكستاني في فبراير 2022، مما أسفر عن مقتل 195 جنديًا في كلا الهجومين.

هجمات أكثر فتكًا

تظهر إحصائيات التقرير الرقمية، أن الهجمات الإرهابية، كانت أكثر فتكًا في عام 2022، مقدرة بنسبة 26 % زيادة في عدد الوفيات لكل هجوم، إذ تسفر الهجمات عن مقتل متوسط 1.7 شخص لكل هجوم في عام 2022 مقارنة بـ 1.3 حالات وفاة لكل هجوم في عام 2021.

شهدت منطقة الساحل الإفريقي اتساعًا في أنشطة الجماعات الإرهابية، وزاد معدل الإرهاب بنسبة تجاوزت 2000 % مقارنة بما كانت عليه في 2007.

وقفت عدة عوامل، خلف اتساع نطاق العمليات الإرهابية، في الساحل الإفريقي، منها عوامل التدهور السياسي ووقوع 6 محاولات انقلابية منذ عام 2021، إضافة إلى التردي الاقتصادي، كل ذلك ساهم في تزايد أنشطة الجماعات الإرهابية.

 

أيضًا، بين مناطق الرصد التي تناولها التقرير، سجلت إفريقيا جنوب الصحراء زيادة في أنشطة الإرهاب، وارتفاعا في أعداد الضحايا، إذرصد التقرير وفاة 4023 حالة بما يؤشر إلى زيادة بنسبة 80 % في عدد الوفيات.

وضمن دول الإقليم، شكلت كل من بوركينا فاسو ومالي 73 % من وفيات منطقة الساحل ونحو 52 % من إجمالي الوفيات في إفريقيا جنوب الصحراء، وسجلت بوركينا فاسو وحدها زيادة في نسبة حوادث الإرهاب من 224 في 2021 إلى 310 حوادث.

أما عن القرن الإفريقي، سجلت الصومال المركز الثالث عالمياً في مؤشر الإرهاب، مدفوعة بنشاط حركة الشباب، التي تنتشر شرقي القارة، حيث كينيا وإثيوبيا والصومال. إذ مثلت نسبة ضحايا حركة الشباب نحو 93 % من إجمالي الوفيات الناجمة عن هجمات التنظيم، والمقدرة ب 784 حالة في 2022.

أما في الصومال وحدها، ارتفع عدد الوفيات المنسوبة إلى حركة الشباب بنسبة 23 %، وكان الهجوم على وزارة التعليم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي استخدمت فيه الحركة المتفجرات، هو الهجوم الأكثر دموية، حيث أسفر عن قتل ما لا يقل عن 120 شخصًا.

اضغط هنا

للاطلاع على الخريطة التفاعلية اضغط هنا

دول حوض النيل

جاءت الكونغو في المرتبة الرابعة عشرة على مؤشر الإرهاب العالمي، بفعل نشاط ولاية داعش وسط إفريقيا. بينما لم تسجل دول حوض النيل الأخرى نشاطًا متسعًا حسب مؤشرات التقرير، بينما كانت إفريقيا جنوب الصحراء الأكثر تأثرا بنشاط الجماعات الإرهابية.

وحسب التقرير، سجلت منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا تحسنًا في حالة الأمن والاستقرار ذلك قياسًا بالسنوات السابقة. فقد سجلت المنطقة وفاة 791 حالة خلال 2022، وهي تمثل 12 % من الإجمالي العالمي في معدل الوفيات، بينما كانت في 2016 نسبة الوفيات تمثل نحو 57 % من إجمالي الوفيات عالميًا.

ومن التغيرات التي طرأت على خريطة الإرهاب، فإن سوريا شهدت انحسارًا نسبيًا لأنشطة داعش، تراجعت إلى النصف تقريبًا. تشير الأرقام إلى أن التنظيم نفذ 197 هجومًا في عام 2022 في مقابل 354 هجومًا في 2021، وانخفضت كذلك الأعمال الإرهابية في العراق بنسبة 68 %.

في مقابل ذلك، شهدت منطقة جنوب آسيا توسعًا في الأعمال الإرهابية، ووضعًا أمنيًا أسوأ. وسجلت المنطقة 1354 حالة وفاة في عام 2022، في وقت مثل فيه داعش خراسان وجبهة المقاومة الوطنية الناشئة (NRF) تهديدًا خطيرًا، كما ارتفعت أعداد الوفيات في باكستان بنسبة 120 %.

بينما في الغرب، فإن الدول الأوروبية، والولايات المتحدة، انخفض فيها عدد الهجمات الإرهابية بنسبة 27 %، وتضمنت 40 هجومًا مقارنة مع 55 هجومًا في عام 2021، وسجلت المملكة المتحدة 4 هجمات، ولم تسجل أية وفيات لعام 2022 لأول مرة منذ عام 2014، بينما سجلت ألمانيا أقل عدد من الهجمات منذ 2015، وسجلت الولايات المتحدة 8 هجمات فقط.

محفزات الإرهاب

يشير التقرير إلى أن الدوافع الدينية تتراجع كسبب للإرهاب، حيث شهد الغرب 15 هجومًا بدوافع أيديولوجية، مقارنة بـ 3 هجمات ذات دوافع دينية.

وعلى صعيد إفريقي، لا يزال مشهد الصراع السياسي، هو المحرك الرئيسي للإرهاب خاصة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، وعالميا تعاني الدول الخمس عشرة الأكثر تضررًا من الإرهاب من صراعات سياسية وقبلية واستقطاب عرقي.

الدرونز بأيادي الإرهابيين

سيطرت الدرونز (طائرات دون طيار) على ساحات المعارك في الآونة الأخيرة، ولجأت الجماعات الإرهابية إلى استخدامها نظرًا لفاعليتها، فهي تحتاج إلى القليل من التدريب، إضافة إلى رخص ثمنها نسبيًا. وضمن تغيرات في تكتيكات الجماعات الإرهابية، وطرق عملها، تشير التقديرات الحالية إلى أن 65 جماعة إرهابية تمتلك القدرة على نشر طائرات دون طيار، مما كان له العامل الأكبر في ارتفاع نسبة الهجمات الإرهابية في نيجيريا والساحل الإفريقي.

الإرهاب والتغير المناخي

سلط التهديد البيئي لعام 2022، الضوء على الترابط العميق بين التدهور البيئي والصراعات، حيث يعيش نحو 58 % من إجمالي 830 مليون شخص، يواجهون انعدام الأمن الغذائي، في 20 دولة من الدول المتضررة من الإرهاب.

وضمن قائمة 25 دولة تعاني التهديدات البيئية بدرجة كبيرة، هناك 6 دول تعد الأكثر تضررًا بالإرهاب، منها أفغانستان ومالي وتشاد والصومال.

يفيد التقرير، أن التغير المناخي يؤدي إلى تدهور حالة الأمن الغذائي، والكوارث الطبيعية، وتعمل هذه العوامل مجتمعة على تفاقم الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية، وخلق بيئة مواتية لانتشار الصراع على الموارد الطبيعية، وتشكيل خلايا إرهابية محلية.

وتتصل الجماعات المحلية مع التنظيمات الدولية كما في الساحل الإفريقي، وفي بعض الحالات تعمل الجماعات على تسليح المياه والغذاء “السلاح مقابل الغذاء والماء”، كما في حالة حركة الشباب في الصومال.

لماذا تراجعت العمليات الإرهابية؟

يشير تقرير الإرهاب العالمي إلى انخفاض وتيرة الأعمال الإرهابية، وضمن مؤشرات ذلك تراجع في عدد الضحايا من الوفيات، وانخفاض عدد الهجمات بنسبة 28 % حيث بلغت 3955 لعام 2022 في مقابل 5463 لعام 2021

وضمن أسباب التراجع التي ذكرها التقرير، التضييق على حركة التمويل، وخسارة بعض التنظيمات الإرهابية لمناطق نشاطها، وكانت نتاج ذلك تحسن في مؤشرات الاستقرار نسبيًا، وانخفاض أنشطة الارهاب خاصة في الشرق الأوسط.