حتى وأنا أجلس بعيدا عن شاشة التلفزيون، في ممر جانبي في مقهى، كان بإمكاني تمييز أن الفيلم المعروض لخالد يوسف، فعلامته السينمائية المميزة، شريط صوت كلكمات متتالية في الأذن، كانت تأتيني عبر سماع عويل وصراخ متصل لا يتوقف، مبالغات ميلودرامية، محاولات انتحار، آهات جنسية، موسيقى تصويرية زاعقة لإجبارك على تجرع العواطف قسرا، حال تعكس عدم ثقته في مشاهده، أو تحكمه في أداء ممثليه، بحسب تعبير المخرج باسل رمسيس، وهو ما يفسر استخدامه المفرط للموسيقى في مسلسله الأخير “سره الباتع”، حتى إن موسيقى الفنان راجح داود، لم تكفه مما اضطر الموسيقار الكبير إلى إصدار بيان يشير فيه إلى ما حدث، وما اعتبره “جريمة”، وبغض النظر عن حق المخرج في استخدام ما شاء من موسيقى من عدمه، إلا أن خالد يوسف لم يكلف نفسه عناء التوضيح.

مراهقة سينمائية” يصف الناقد أمير العمري، غالبية أفلام خالد يوسف، ويضع يده على المشكلة، لقد اختار موقع الناشط السياسي والداعية لقضايا، على حساب المخرج ذي الرؤية الفنية، ليختار خلطة تجمع بين الميلودرامي التجاري، والواقعي الاجتماعي والنقدي السياسي مع كثير من المشهيات، والمناظر المثيرة، من خلال إحالات سينمائية ساذجة، كالربط بين مشهد اغتصاب في فيلم حين ميسرة، وبين الاعتداء على بغداد”.

أما في فيلم “هي فوضى” الذي شارك إخراجه مع يوسف شاهين، فقد كان مسئولا عن كل ما هو فج، ومفكك في الفيلم، وقد برز ميله إلى الاستعراض، والمبالغات الدرامية، والإلحاح على تصوير الأجساد العارية للنساء، واعتراضي هنا ليس عن مبدأ أخلاقي، بل لأن ما يصلك على عكس كل ادعاءات خالد يوسف لا علاقة له بالفن، فتشعر أن كل ما يحركه باتجاه هذا الإلحاح هو فانتازيا تدور داخل مخيلته.

أما رده الدائم على أنه يسلع جسد المرأة، ويختزلها في الجنس، من خلال زوايا تصوير متعمدة، تبدو للمتفرج أقرب لتحرش بجسد المرأة من خلال الكاميرا، كما حدث مع رانيا التومي في مسلسل سره الباتع، أن من يتهمه بهذا هو من لا يرى المرأة إلا كسلعة، وهو أمر يكفي ليعكس تناقض ذلك الذي يرد على كل اتهام فني بإجابة خارجة من حنجوريات النضال، رغم أن خالد يوسف لا يحسب مناضلا، فمنذ 2014، صار عضوا أساسيا في كتيبة النظام الحالي، ففي المقابل اعترفت فتيات تم تسريب فيديوهات لهن أنهن استغللن من قبل المخرج، في بلاد أخرى، كان سيُجرى تحقيق على إثر هذا الاتهام، تحطمت سمعة الفتيات بالطبع، أما خالد الذكر الذي لا يسلع جسد المرأة، فنجا.

رغم أن عددا كبيرا من أفلامه يدور حول الفقر، وهي تيمة ميزت أفلام مخرجينا الكبار كعاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد وصلاح أبو سيف، إلا أن المختلف أن هؤلاء أحبوا هؤلاء الفقراء حقا، وقد أشعرونا بقسوته باستخدام الفن ودون ألاعيب الاستعراض والابتزاز العاطفي، لا أظن أن خالد يوسف يؤمن بما قدمه من قلبه، فالفقر ليس إلا كالجنس، مجرد فانتازيا في مخيلته، محض مثيرات وألاعيب، فرصة لتقديم نفسه كصاحب قضية كبرى، وسيلة “سكسي”، لإعلان شيء مهم، شيء ضخم، لكن عن نفسه.

التضخيم هو سمة كل أعمال خالد يوسف، أكبر محظوظ ضعيف الموهبة عرفته السينما المصرية، الذي دخلها عبر عمله كمساعد مخرج لواحد من أهم مخرجي السينما المصرية يوسف شاهين، فليسامحه الله، أما أنا فلا أملك إلا قلبا بشريا ضعيفا، ولا يمكنني أن أغفر له تلك السقطة، حتى لو كان عوقب في حياته، بأن شوشت رؤى خالد يوسف المتوسطة على أفلامه الفنية الأخيرة، وخاصة فيلم “هي فوضى” الذي أفسد فيه يوسف فيلما عظيما عبر المبالغة والفجاجة.

من وسائل التضخيم أيضا للمدارة على الضعف، هو أن يختار قصة ليوسف إدريس، أهم من كتب القصة القصيرة في تاريخ الأدب العربي، أن يكون التتر بصوت محمد منير، وبكلمات شاعر موهوب واستثنائي هو مصطفى إبراهيم، أن يحشد النجوم كلها في عمله، كي يشوشنا عن إدراك فكرة واحدة، أن “سره ليس باتع”.