يُستخدم تعبير “شعرة مُعاوية”، للإشارة إلى ذلك الرباط الخفي والذي يسمح باسترجاع الود وإعادة إنمائه، بما يُشير إلي أن فكرة القطيعة التامة ليست هي أساس العلاقات، وإنما استثناء، فلماذا إن غضب أحدنا غالى في انفعاله حتي وأد الود ونال القلب وجعًا صار بعده من الصعب التراجع عن القطيعة؟

هل ينبغي أن يكون الوجه مرآة القلب؟

يعتبر البعض أن من يظهر حقيقة مشاعره على وجه شخص صافي، لا يمكنه أن يُخفي مشاعره، ويعتبرها الكثيرون ميزة للإنسان الموصوف بهذه الصفة ولكن هل هي حقًا ميزة؟

إذا بحثنا في الأثر، سنجد التأكيدات على الكلمة الطيبة والابتسامة ليسود الود بين الناس، كذلك الحديث عن عدم المغالاة في الحب أو الكره، لأن القلوب تتغير، ومن نحبه اليوم قد يُصبح مجرد عابر غدًا، تأمُل ذلك يجعلنا نعيد التفكير في فكرة أن المشاعر تظهر على القلب، وهذا يعني أيضًا أن هذا الشخص لم يستفد من خبراته الحياتية، ولم ينضج عاطفيًا، ولا أعني هنا أن نكون منافقين، ونظهر عكس ما نحمل من مشاعر فهذا ليس المقصد.

لنفترض أن السيدة (ص) قابلت السيدة (س ) وتحمل إحداهن للأخرى مشاعر كراهية، فنظرت لها باستعلاء وكره، وكان من البديهي أن الأخرى تتولد لديها ذات المشاعر إن لم تكن موجودة، أو تضاعفت إن كانت موجودة، ثم تمر الأيام، وتجمع س و ص عملًا أو علاقة اجتماعية كيف ستكون الأجواء في هذه اللحظة؟ في الغالب ستكون مولد طاقة سلبية عالي الجهد، فيتحول العمل أو العلاقة الاجتماعية إلى عبء وضغط نفسي، وبينما نسعى لفتح نافذة نُطل منها على الأمل فإننا نُشعل نارًا تأكل الوقت والطاقة والروح، وفى النهاية نعود من أعمالنا منهكين القوى، بسبب مثل هذه الضغوط.

الكلمة الطيبة والابتسامة في وجه الآخرين عمل غير مُكلف، لكنه يمهد الأرض لغرس المحبة، ويفتح أبواب التسامح، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ” إنَّ القلوبَ بينَ إصبَعَينِ من أصابعِ اللَّهِ يقلِّبُها كيفَ شاءَ” فالقلوب تتغير، وكل شيء في الكون يتغير، لكن الابتسامة التي لا تُكلف صاحبها سوى تحريك عضلات وجهه، هذه الابتسامة تمرر المشاعر السلبية، وتكسر حِدة أي كراهية، إذ أن من في قلبه شيء، ربما حملته أفكارها إلى مراجعة نفسه حين يرى دوام الابتسام والكلمة الحلوة من الآخر.

المجاملة والنفاق وما بينهما

سرعان ما ستنطلق الاتهامات نحو شخص بأنه منافق، لأنه حكى عن عدم قبوله أو عدم حبه لشخص آخر، لكنه حين قابله كان مبتسمًا، مثل هذه الاتهامات تدفع البعض إلى إحماء الكراهية فعلًا وقولًا، ولكن عندما نُفكر في حقيقة أن الكون يتغير، وضرورة أن نعيش في سلام قدر المستطاع ربما هدأت الاتهامات قليلًا، وفكر أصحابها قبل أن يُقووا نار الضغينة.

خلق الله الجمال في كل شيء وكل إنسان، لا يوجد إنسان ليس لديه مناطق جمال، ولا شخص يخلو من المميزات، خلال المشاعر السلبية لا نرى سوى العيوب وربما غيرنا من طبيعة المميزات لنراها عيوبًا، وهو أمر شديد القسوة في حياتنا إذا نتحول صوب القبح ولا نستطيع تبين الجمال.

المجاملة نوع من استهداف الجمال، افتراض الخير والمميزات في الطرف الآخر، فتخرج الكلمات الجميلة تستحسن هذا الجمال الخفي، وتترك أثرًا جيدا في نفس سامعها، وربما كانت تلك المجاملة كنوع من جبر الخاطر للطرف الآخر.

أما النفاق فهو يعتمد المغالاة والمبالغة، سواء جاء ممتدحًا ميزة أو صفة جميلة بالفعل، أو افتعل صفة ليست موجودة، النفاق وهنُ، سرعان ما تزول بيوته بمجرد زوال المصلحة، لكن المجاملة يبقى أثرها.

لنفترض أن شخصًا لا يحمل مشاعر إيجابية تجاه شخص آخر، إذا قابله وقاله له صباح الخير وابتسم، كانت هذه مجاملة، أما إذا قابله وتحدث عن اشتياق له فهذا نفاق.

الفروق بسيطة لكنها واضحة، ومن أراد أن يعيش في محبة وجمال عليه أن يبدأ من نفسه، فإن لم يكن بداخل كل منا جمال وحب فكيف يقدمه للآخرين.

ليس مطلوبًا منا أن نكون منافقين، ولا أن نظهر مشاعر غير حقيقية، لكن نحن بحاجة أن نتمتع بالإنسانية، نتعلم الابتسامة في وجه الآخرين، ولا نترك المشاعر السلبية تكبر بداخلنا، ثم نشكو أننا نعيش في أجواء سلبية وحياة تعيسة.

الحفاظ على شعرة معاوية ضرورة وبشكل نفعي وبرجماتي، فكل منا بحاجة أن تحيطه أجواء ملائمة للحياة، فلا تُعبئها الشكوى، أو المؤامرات، أو الكراهية، وبشكل أكثر برجماتية فهناك المثل الشعبي “اللى ما تحتاجش وشه النهاردة بكرة تحتاج لقفاه”
تتزايد الأسباب التي تجعلنا نعتني بالابتسامة ومساحة ود مهما كانت ضئيلة، فإن كنت تفكر بشكل جيد في حياتك احرص على شعرة معاوية فهذا صالح شخصي أولًا قبل صالح الآخرين.