هو الرقم الصعب في المشهد السياسي المصري. وبإعلانه العودة من لبنان إلى القاهرة في بداية مايو/ أيار المقبل، طرح الطنطاوي نفسه رقماً فاعلاً في المشهد السياسي، ومرشحاً محتملاً لانتخابات الرئاسة التي تجري في العام المقبل 2024.

‏المؤكد أن حصار المجال العام الذي فرضته السلطة الحالية طوال السنوات الماضية جرف المشهد العام من الوجوه السياسية، وفرغ الأحزاب من كوادرها، وأعاد السؤال الذي كان مطروحا قبل ثورة 25 يناير حول من القادر على التغيير السياسي أو النجاح في أي انتخابات عامة تجري في مصر، سواء كانوا أشخاصًا أو أحزاباً سياسية، في ظل مناخ عام صعب، وقيود كبيرة مفروضة على السياسة وممارستها، ومن هنا تأتي قيمة وجود كادر سياسي كان نائباً برلمانياً ورئيساً لحزب سياسي، وأهمية “تلميحه” في إعلان عودته نيته المشاركة في “إيجاد البديل المدني الديمقراطي”، وهو ما أشعل خيال المتابعين، وفتح الباب واسعاً للجدل حول الانتخابات الرئاسية المقبلة، وشروط نزاهتها، وإمكانية أن ينتج عنها تغييراً سياسياً.

‏الطنطاوي هو أحد الوجوه التي ارتبطت بثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، شارك فيها ودافع عنها، ومثلت تجربته السياسية إعجاب جيل جديد من الشباب، بداية من دوره كنائب معارض في البرلمان، قدم أداءً سياسيًا وبرلمانياً جيداً، ومروراً برئاسته لحزب الكرامة ثم استقالته منه، وصولاً لخطابه السياسي الواضح والمعارض بشكل جاد وحقيقي للسلطة الحالية.

في كيفية التعامل مع الطنطاوي عقب عودته للقاهرة ستتضح الكثير من الحقائق على رأسها طبيعة تعامل السلطة مع أحد المرشحين المحتملين للرئاسة، ومساحة الحركة المسموحة له كسياسي مصري يمارس السياسة في ظل أحكام الدستور والقانون، وهل سيتسع المجال السياسي لمعارض وطني لديه طموح التغيير عن طريق صناديق الانتخابات أم سيضيق صدر السلطة وأجهزتها وتتعامل مع “الطنطاوي” بخشونة وبدرجة كبيرة من درجات عدم التسامح.

المؤكد أن العام الحالي 2023 هو المؤشر الأهم والأبرز عن مدى نزاهة وحرية الانتخابات الرئاسية المقبلة، فالانتخابات لا تبدأ وقت التصويت، بل أن العام الذي يسبقها، ثم نزاهة وحرية وشفافية إجراءاتها هم الذين سيحكمون نتائجها، وهم الذين سيكشفون كونها عملية سياسية جادة ومفتوحة للجميع، أم هي مجرد إجراء شكلي يبقي الأوضاع السياسية كما هي بدون تغيير.

تجربة الطنطاوي، وغيره من المرشحين، وإعلان نيتهم خوض الانتخابات المقبلة مبكراً، أمر مهم وكاشف لما ستفضي إليه الانتخابات نفسها، وهو تحرك سيجيب عن السؤال المهم: هل التغيير الدستوري الآمن عن طريق الصناديق ممكن؟ أم أنه أمر مستحيل، والمؤكد أن العام الحالي 2023 سيكون محفزاً للمزاج العام سواء بالمشاركة في العملية الانتخابية إذا اكتشف الناس جديتها، أو مقاطعتها والابتعاد عنها إذا ما شعر الناس أن نتائج الانتخابات معروفة، وأنها محسومة مسبقاً وقبل أن تبدأ.

بعد ثلاثة أيام من انطلاق جلسات الحوار الوطني في الثالث من مايو -حسبما أعلن مجلس الأمناء- يعود الطنطاوي إلى القاهرة، بعد عدة أشهر قضاها في بيروت، وربما تكون عودته هي أول اختبار جاد للحوار ولقدرته على الاستجابة لأفكار المعارضين للسلطة، ففي نفس اللحظة التي ستتحاور القوى السياسية حول قضايا وطنية ومجتمعية مهمة سيكون أحد المعارضين المصريين عائداً لوطنه “ليشارك في صنع البديل المدني الديمقراطي” حسب ما أعلن هو بنفسه على صفحته الشخصية على “فيسبوك”، وهو مشهد كاشف لدرجة من السخونة السياسية ربما نشاهدها خلال العام الحالي، سخونة تتعدد أسبابها بداية من أزمة اقتصادية خانقة، ونقص كبير في العملة الأجنبية ،وغلاء قاس تعاني منه الغالبية من المصريين، ثم حوار سياسي سيفتح العديد من القضايا المهمة والمسكوت عنها طوال السنوات الفائتة، ثم بداية غير رسمية لانتخابات رئاسية تبقى حدثاً مهماً رغم أي انتقادات للمناخ العام.

ما تحتاج إليه مصر يتعدى بالتأكيد مجرد الانتخابات الرئاسية والحديث عنها، فالملفات الصعبة كبيرة، تبدأ بالحصار المرعب وغير المسبوق للسياسة، ثم قضية سجناء الرأي والقيود المفروضة على الحريات العامة -الرأي والتعبير والصحافة والإعلام والتظاهر السلمي، مروراً بالسياسات التي أدت لأزمة اقتصادية طاحنة لم تتعرض لها البلد منذ سنوات طويلة، ثم قضايا الأمن القومي والمخاطر التي تهدد البلد ومستقبله، كلها قضايا ذات أهمية كبرى، ولا تقبل التأجيل أو التسويف، ولكن تبقى قضية انتخابات الرئاسة والجدل الذي يدور حولها مؤشراً كاشفاً لاحترام رغبة الناس في التغيير الآمن، ولنية أهل الحكم في احترام الدستور والحق في التداول السلمي للسلطة، وحق المصريين جميعاً في طرح أنفسهم وبرامجهم وخططهم لبناء مستقبل أفضل.

ولعل بداية الحوار الوطني تكون فرصة للحديث السياسي حول نزاهة انتخابات الرئاسة، وإجراءات تأكيد حرية الانتخابات وديمقراطية إجراءاتها، فضلا عن سقف الإنفاق وعدالة الظهور في وسائل الإعلام لجميع المرشحين، وحياد أجهزة الدولة، وغيرها من صور الضمانات التي تكفل انتخابات تعددية وشفافة.

خلال شهر واحد سيتابع المصريون تطورات سياسية مهمة، وسيحكم الناس على إمكانية أن يتقدم البلد خطوات جادة للأمام، أو أن هناك رغبة لبقاء الأوضاع على ما هي عليه وأن ليس في الإمكان أفضل مما كان، وظني أن مصر وشعبها يستحقان أفضل كثيراً جداً مما حدث طوال السنوات الماضية، وأملي أن تدرك السلطة أن تغييراً جذرياً بات مطلوباً بشكل عاجل وبلا تأخير، قبل أن يسرقنا الوقت ويفوت الأوان ويدفع البلد كله ما لا يستطيع تحمله لا قدر الله.