كتبت- ريهام الحكيم:

عشرون عاما مرت على غزو الولايات المتحدة العراق، ودخول بغداد في 9 إبريل/ نيسان 2003. ذلك التاريخ الذي أحدث تغيرات كبيرة وقصوى في البيئة الإقليمية وبالداخل العراقي، الذي صعدت فيه العشائرية والطائفية، بينما حاول الاحتلال زرع شكل من الديمقراطية المستوردة التي كرست الصراع لا التوافق، في بيئة سمحت بالفساد والنهب بدلًا من الشفافية والحكم الرشيد الذي بشر به الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن.

يتناول التقرير التالي أهداف الغزو ونتائجه على مستوى البنية الاجتماعية والسياسية:

مشهد الغزو

نفذت الطائرات الأمریكیـة 41404 طلعات جویـة، وأطلقت 19948 قذیفـة، قبل أن تصل القوات الأمريكية إلى القصر الرئاسـي فـي بغـداد ليعلن سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسین ومعه سقطت مؤسسات الدولة التي ارتبطت به.

خلف الاجتياح مئات الآلاف من القتلى والمصابين في مشهد يذكر بغزو المغول بغداد عام (1258).

طبقا لما هو معلن، حددت الإدارة الأمريكية أهـــداف الغـــزو بمنـع العـراق مـن حیـازة وإنتـاج أسـلحة الـدمار الشـامل، وإسقاط نظام صدام حسين الذي وحسب رواية أمريكية يتعاون مع تنظیم القاعدة، إضافة إلى إقامة نموذج لدولة دیمقراطیـة یحتذي بها في الشرق الأوسط.

النتائج

شهد المجتمع العراقي تحولات سیاسیة منها هدم النظام الشمولي ومحاولة بناء نظام جديد، لكن التحولات كانت تحتاج إلى بناء المؤسسات الدیمقراطیة والتي شرعت الإدارة الأمريكية فـي بنـائها، لكن جاء نظـام سیاسـي جدیـد فـي ظـل أجـواء سیاسـیة ملبـدة بـالغیوم الطائفیـة والعرقیـة.

تفككت البنى الاجتماعية، وتنامت حالات النهب والسلب، وتعرضت الدولـة بأركانهــا لعملية تدمير شامل، حين ســقطت الســلطة المركزیــة، وبدأ بناء نظام محاصصة طائفية معتمدة على ركائز البنية التشريعية والدستورية وبناء سياسي تمثل في المجلس الانتقالي وقواعد في المحاصصة ممتدة من لجنة الدستور إلى الوظائف الحكومية.

أعاد بول برايمر الحاكم الأمریكي للعراق تشكيل الحياة السياسية عبر إنشاء “مجلــــس الحكــــم الانتقــــالي” والذي ضم 25 عضوا، واعتمد على الصبغة الطائفية.

شغل العرب الشیعة نسبـة 50 % + 1 وتكرر التقسیم العرقي والطائفي في اللجنة التحضیریة للدستور، والوزارة وحتى الوظائف الحكومية.

بروز الطائفية والهويات الفرعية

برز خلال المجلس الحزبان الكردیان: “الـــدیمقراطي الكردســـتاني” و”الاتحـاد الـوطني الكردسـتاني” و”المجلـس الأعلـى للثـورة الإسـلامیة”.

تشـكل نظـام المحاصصـة الطائفیـة والقومیـة، واستبدلت فكـــرة الدولـــة القائمـــة علـــى مبـــادئ الهویـــات الوطنیــــة لتحل محلها الهویـات الصـغرى، الطائفة والقبيلة.

عبر دستور 2005 تم بناء نظام نيابي تمثيلي، وفــق مبـدأ المحاصصــة السیاسـیة، أعيد تشكيل المشهد السياسي وتم استيعاب قوى سياسة كانت تنشط بالخارج

صدر “قانون إدارة الدولة” المؤقت عام 2004، واعتبر بمثابة دستور مؤقت لمرحلـة انتقالیة تبدأ مـن 30 يونيو/ حزيران 2004 وحتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2005.

تضمـن “قانـون إدارة الدولة” جملة مـن القوانين اسهمت في ترسيخ التقسيم والمحاصصة، حيث أقر بمنح الأقلیة (كل ثلاث محافظات) حق النقض ضد الأكثریة في تبني الدستور المستقبلي للعراق، وقام بتوسیع الصلاحیات الممنوحة للمحافظات على حساب السلطة المركزیة في الدولة.

كما منح القانون منظمات المجتمع المدني حق العمل من دون رقابة أو تنظیم سجل بالتعاون مع أي شخص أو مؤسسة أجنبیة.

إبعاد “البعث” وحل الجيش

حرم  أعضاء حزب البعث من أي دور سياسي، وحُل الحزب وجُرد 23 ألف بعثي من الوظیفة العامة، بموجـب مـا عـرف بـ “اجتثـاث البعـث” وأعلن “بريمر”: حل الجیش العراقي والأجهزة الأمنیة كـون الجـیش العراقـي كان قد اختفى عملیا من أمام القوات العسكریة المتحالفة.

وكان التسریع بوتیرة الخطوات في العملیة السیاسیة من أجل تحقیق الأهداف الأمریكیة من أجل إعطاء الانطباع بأن الولایات المتحدة الأمریكیة قد نجحت في ( تحریر العراق وبنائه دیمقراطیا).

إلا أن الاحتماء بالطائفة وغیاب المشروع الوطني جعل العملیة تسیر في ظل نظام تحدید الحصص للطوائف والقومیات الموجودة في العراق، ومع توالي الأیام بدأ نظام المحاصصة یترسخ ویفرض نفسه على السیاسیین والمجتمع والدولة.

وبمجرد استكمال القوات الأمریكیة مهمتها العسكرية، ونهاية نظام البعث، برزت ثلاث قوى طائفية هي: الشیعة، السنة، العشائر، بالإضافة إلى القوى السیاسیة السابقة على سقوط نظام البعث، والتى شكلت  المعارضة العراقیة في المنفى.

وتميز الوضع الاجتماعي في العراق بتعدد قومي ودیني وطائفي، لكن مع تأسيس نظام سياسي على المحاصصة طغت معاییر الانتماء الطائفي والعشائري على الكفاءة ما أدى إلى استشراء الفساد.

كانت كل مجموعة تستند على الإحسـاس بانتمـاء فرعي، حيث أصـبحت المرجعیات الدینیة أو المذهبیة أو العرقیـة وحتى السیاسـیة تشكل الرابط الاجتماعي.

“الديمقراطية” الجديدة

التوافقية

تبلور تفكیر الإدارة الأمريكية، لاعتماد أسلوب جدید من صیغ العمل الدیمقراطي لم یكن مألوفا في العراق والدول المجاورة له، وذلك باعتماد الديمقراطية التوافقية، على أن یتـم بصورة مرحلیـة مؤقتـة من أجل توفیر الضمانات الكافیـة لتبدیـد مخـاوف الأقلیات من توجهات الأكثریـة.

الفیدرالیــة

كما أُعتمد مبــدأ الفیدرالیــة الذي بموجبه يكون فيه للأقاليم مشاركة في اتخاذ القرار  كأســاس لنظــام الحكم، بدلا من النظام المركزي، وأصـبح هذا النظام الفيدرالي مـدخلا  لتنمیــة بــذور الانقســام ، و یمكن اعتبار النظریة الفیدرالیة نمطا محدودا وخاصا من النظریة التوافقیة، وبالمثل فمن الممكـن استعمال الفیدرالیة كطریقة توافقیة عندما یكون المجتمع التعددي مجتمعا فیدرالیا یتركز فیه كل قطاع في إقلیم محدد منفصل عن بقیة القطاعات.

برلمان عاجز

ولم تكن التجربة البرلمانیة في العراق، تجربة راشدة مبنیة على الأسس الدیمقراطیة الصحیحة، من دستور وآلیات انتخابیة وتنشئة سیاسیة وتعددیة حزبیة، ولهذا أنتجت مجلس نواب عاجزا عن القیام بدوره الذي وجد من أجله.

غياب التوافق

وأصبحت الساحة السیاسیة الداخلیة في حالة تشظي، وتشرزم وتناثر ليتأسس ما يشبه الموزاييك الحزبي، الأمر الذي أفرز حالة من الفوضى والإنفلات السیاسي، إذ تعددت  الجهات والقوى المشرفة على الأحزاب.

وقد وصل غیاب التوافق الوطني بين الأحزاب السياسية، وتصاعد التخندق الطائفـي إلى حافـة الحرب الأهلیة خلال الأعـوام (2005 – 2007).

انكفاء إقليمي

وعلى الصعيد الإقليمي، كان لخروج العراق من المعادلة الإقليمية، أثره في إحداث خلل في توازن القوى بالمنطقة لمصلحة إيران على حساب العرب.

يقول السفير  نبيل فهمي: وزير الخارجية السابق أن الوضع المستجد ” خلق مناخا من عدم الاستقرار والأمان والتطرف داخل العراق، أدى إلى ظهور “داعش” وإرهاق المنظومة العراقية الوطنية.

ويضيف فهمي: أن القضاء على صدام حسين أراح كثيرا من الدول الخليجية لخشونة ممارساته وخطورة تجاوزاته، لكن  تصاعد النفوذ الإيراني كانت له أخطار جمة، إذ أفضى انكسار الثقة بالخيار الأمني العربي والوطني، بالكثيرين إلى أن يعتمدوا من اللازم على القوى الأجنبية، وإغفال التطوير المنهجي للقدرات الدفاعية الوطنية، مما خلق توازنا أمنيا بالشرق الأوسط في غير مصلحة العرب.