في محاولة لـ«الهروب إلى الأمام» والقفز على أزماته الداخلية، لجأ رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى افتعال مواجهة مع «عدو خارجي»، أملا في أن تفضي المعركة الخارجية إلى تبريد سخونة الاحتجاجات التي قد تطيح بحكومته السادسة.
احترف رئيس الحكومة الإسرائيلية سياسية القفز على الأزمات التي تهدد مصيره السياسي، وذلك عبر تصدير مشاعر «التهديد الوجودي» للشارع الإسرائيلي، سواء كان هذا التهديد حقيقيا أم من صناعته هو ومستشاريه الذين يشاركونه صياغة المؤامرات وصناعة المخططات.
نتنياهو الذي يواجه أزمة داخلية مستمرة منذ أكثر من 3 أشهر، باتت تهدد بقاءه في منصبه، عمد إلى التصعيد على أكثر من جبهة في وقت واحد في محاولة لافتعال معارك لعلها تكون النافذة التي يقفز منها تاركا وراءه أزماته.
منذ نحو 3 شهور، خرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوراع احتجاجا ضد خطة نتنياهو لـ«الإصلاح القضائي»، والتي يرى الإسرائيليون أنها تقلص من استقلال سلطة القضاء وتعزز من سيطرة الحكومة والبرلمان على المحكمة العليا، وكلما راهن رئيس الحكومة وأعضاء ائتلافه الحاكم على حصار النار التي اشتعلت في شوارع المدن الإسرائيلية عادت الاحتجاجات لتشتعل من جديد، فثقة الشارع في الحكومة التي أعلنت تأجيل مشروع القانون المثير للجدل باتت معدومة.
قبل أن تتدافع أحداث اقتحام المستوطنون ومعهم بعض الساسة الصهاينة للمسجد الأقصى واعتداءاتهم المتكررة على المصلين، طرح مراقبون سؤالا افتراضيا: «أين ستكون واجهة ومغامرته المحتملة المقبلة؟ ومن هو العدو الذي سيكون موضع الاستهداف؟ وهل ينجح نتنياهو في تحقيق مآربه؟».
خلال الشهر الماضي أصدر نتنياهو أوامره بشن غارت متكررة على سوريا مستهدفا ما يقول إنه أهداف إيرانية في سوريا، إلا أنه لم ينجح في تحقيق هدفه بلفت نظر الشارع عن مشروع الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الدولة العبرية.
الخطوة التالية في مخطط «بيبي»، وهي خطوة مجربة أقدم عليها من قبل رئيس الوزراء الحالي وغيره إما للهروب من أزمة داخلية أو لترضية اليمين اليهودي المتشدد، سمح نتنياهو أو بالأحرى حرض على إشعال جبهة المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك، وذلك عبر تكرار اقتحامه والاعتداء على المصلين واعتقال المئات من المرابطين.
الفصائل الفلسطينية من جهتها لم تقف موقف المتفرج على ما يجري في القدس من اعتداءات وحشية على الأقصى والمصلين، وردت برشقات صاروخية من غزة ولبنان، وهي الهجمات التي اتهمت إسرائيل حركة حماس بالوقوف خلفها، فشنت فجر الجمعة الماضي غارات قالت أنها على أهداف لحركة حماس وغيرها من فصائل المقاومة.
لم يلتفت أيضا الشارع الإسرائيلي لشطحات نتنياهو الذي أراد أن يغرق المجتمع الإسرائيلي في أتون معركة اعتبرتها أحزاب وساسة «مصطنعة»، واستمرت الاحتجاجات رغم الإعلان عن تأجيل مشروع قانون التعديلات القضائية المثير للجدل.
وخرج المتظاهرون إلى الشوارع يوم السبت الماضي غير عابئ بالتحذيرات الأمنية التي أصدرتها الأجهزة الإسرائيلية عقب عدد من الهجمات التي نفذها فلسطنيون ردا على الاعتداءات التي استهدفت المصلين بالمسجد الأقصى.
منظمو الاحتجاجات قالوا إن التصعيد الأمني لن يمنعهم من إقامة المظاهرات، وأعلنوا أنهم سيواصلون «النضال ضد الديكتاتورية، وكأنه لا يوجد وضع أمني غير مستقر.. وسنستمر في دعم الأجهزة الأمنية، وكأنه لا يوجد نضال ضد الديكتاتورية».
وأضاف منظمو الاحتجاجات في بيان لهم: «وزراء الحكومة، وبدلا من أن يرصوا صفوف الشعب، بمواجهة التهديدات الأمنية، فإنهم منشغلون بإجراء تعديلات تقوض القضاء والحيز الديمقراطي، وتجعل السلطة مطلقة بيد الحكومة».
وتجمع المتظاهرون أمام «بيت هنسي»، المقر الرسمي لرئيس الدولة الإسرائيلي، في القدس المحتلة الذي يرعى الحوار بين الحكومة والمعارضة، للتوصل إلى حل وسط بشأن التعديلات. وينظر المتظاهرون بعين الريبة والشك، للحوار مع الحكومة، ويقولون إنهم «لا يثقون بها».
ويوجد أمام نتنياهو شهر واحد فقط للتغلب على التحديات التي تواجه حكومته، والوصول للدورة البرلمانية الجديدة في «الكنيست»، مع حل واضح.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن نتنياهو أمام سيناريوهين صعبين: الأول أن يفشل الحوار مع المعارضة ويعود لدفع خطة «إصلاح القضاء»، ومواجهة الغضب الخارجي والداخلي المتنامي ضد حكومته. الثاني الاستمرار في تعليق الخطة، والتعامل مع تهديدات الوزيرين إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، بحل الحكومة.
أما المسار الممكن، فهو ضم زعيم معسكر الدولة بيني جانتس للائتلاف الحالي، وطرد بن غفير وسموتريتش، لكن ذلك يتطلب تسوية سياسية، قد تضطره إلى تنازلات لا يعلم أحد هل هو قادر على تقديمها أم لا؟.
زعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لابيد اعتبر أن حكومة غريمه نتنياهو «قادت البلاد إلى دمار داخلي غير مسبوق، والمجتمع الإسرائيلي إلى انهيار، في أكبر أزمة وطنية بتاريخ البلاد».
وقال رئيس حزب «هناك مستقبل» ورئيس الوزراء السابق، إنه قبل 100 يوم سلم البلاد إلى نتنياهو في حالة ممتازة؛ فالاقتصاد مزدهر، والمبادرة الأمنية بيد إسرائيل، والعنف في الشوارع متراجع، والحدود هادئة، والعلاقات الدولية في أحسن مستوى… والآن، بعد مائة يوم، أوصلت حكومة نتنياهو إسرائيل إلى أعظم أزمة وطنية في تاريخها. وتحدث لبيد عن انكسار وارتباك وانهيار في كل المجالات، متهماً الائتلاف بأنه تسبب في انهيار المجتمع الإسرائيلي، وفتت الجيش، وضرب الاقتصاد والمناعة الوطنية.
وهاجم لبيد الذي يعمل على تأجيج الغضب ضد الحكومة الإسرائيلية الحالية خطة «التعديلات القضائية»، واصفاً إياها بعملية تدمير داخلي لا مثيل لها، سببها أن نتنياهو فقد السيطرة.
استطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز أو وسائل إعلام إسرائيلية خلال الأيام الماضية كشفت فشل مخططات نتنياهو، إذ أجمعت على تراجع شعبيته، واتفقت معظمها على أن «بيبي» سيخسر أي استحقاق انتخابي قد يجرى في إسرائيل لو استمرت الأوضاع على ما هي عليه، وهو ما أثبت أن كل مخططات نتنياهو بإعادة إلقاء كرة اللهب سواء في اتجاه غزة أو جنوب لبنان أو سوريا لن تفلح في إنقاذ تلك الحكومة.
نتائج استطلاع رأي نشر، أشارت إلى تراجع آخر في شعبية أحزاب الائتلاف الإسرائيلي، وبين أنه في حال جرت انتخابات للكنيست الآن، ستخسر أحزاب الائتلاف 10 مقاعد من قوتها الحالية على خلفية خطة الحكومة لتغيير منظومة الحكم وإضعاف جهاز القضاء، وفي ظل التدهور في الوضع السياسي وانفجار التوترات الأمنية الأخيرة.
وأثبت استطلاع الرأي الذي نشرته صحيفة «معاريف»، الجمعة، أن حزب «المعسكر الرسمي» برئاسة وزير الدفاع السابق، بيني جانتس، هو أكبر المستفيدين من الأجواء في إسرائيل، وذلك بسبب خطابه السياسي الداعي إلى الوحدة والتفاهم بدلا من الصراعات. وقد انعكس ذلك بنتائج الاستطلاع؛ إذ إنه لم يعزز قوته فحسب، بل ضاعفها وأصبح له نفس عدد المقاعد الذي يعطيها الاستطلاع لحزب الليكود، الذي يقوده نتنياهو، ويحصل على 25 مقعدا من أصل 120. وبناء على ذلك، سيتراجع تمثيل أحزاب الائتلاف من 64 مقعدا حاليا إلى 54 مقعدا.
في المقابل، ستحصل كتل المعارضة الحالية (بما يشمل قائمة الجبهة والعربية للتغيير التي لا تشارك في أي ائتلاف) على 66 مقعداً. وتخسر الأحزاب العربية مقعدا واحدا ويهبط تمثيلها من 10 مقاعد إلى 9.
ووفقا لاستطلاع آخر أجرته القناة الـ 13 الإسرائيلية ونشر أول أمس الأحد فإن شعبية حزب الليكود تراجعت تراجعا حادا، ليحل في المرتبة الثالثة لو أجريت الانتخابات اليوم، خلف «المعسكر الوطني» و«ييش عتيد»، فيما تخسر أحزاب الائتلاف الإسرائيلي 18 مقعدا برلمانيا.
منذ أداء حكومة نتنياهو اليمين الدستورية في 29 ديسمبر، بدا أن إسرائيل تتأرجح من أزمة إلى أخرى، «تم إقالة وزير الدفاع لكنه مستمر في الخدمة.. مجلس الوزراء الأمني لم يلتق منذ شهور، حتى مع تصاعد التهديدات قريبا وبعيدا.. مشاريع القوانين المرفوضة شعبيا لاتزال تشعل الاحتجاجات، والأزمات الدبلوماسية مع الجيران والحلفاء تتصاعد، وهو ما ينال من المجتمع الإسرائيلي».
ووفق تقدير مراقبون فإن الشيء الوحيد الذي يبدو أنه محل اتفاق المجتمع الإسرائيلي الآن هو أن هناك أزمة كبرى وإن اختلفت الآراء حول حجمها هل هي «أخطر أزمة في تاريخ إسرائيل.. أم أنها ضمن أخطر الأزمات.. أم أنها أزمة عابرة وسيتم احتوائها؟».
كما يختلف الإسرائيليون أيضا على من يجب أن يُلام ويتحمل مسئولية تلك الأزمة، إذ يلقي معظم ناخبي أحزاب المعارضة باللوم على الحكومة التي تسعى لإعادة تشكيل القضاء الإسرائيلي، فيما يلقي معظم ناخبي الائتلاف الحاكم باللوم على المعارضة التي ترفض «الإصلاحات» وتسعى إلى عرقلة الحكومة بحسب وجهة نظرهم.