تفاقمت أزمة إنتاج وتصدير وتسعير النفط، بداية أبريل/نيسان الجاري، بعد إعلان مجموعة من الدول الأعضاء في تحالف “أوبك+”، وهي من الدول الكبرى في إنتاجه، عن خفض طوعي للإنتاج النفطي، تخفيضًا يصل إلي أكثر من مليون برميل يوميًا، كإجراء احترازي ضد تقلبات السوق حتى نهاية 2023، وهو إجراء يأتي عكس رغبة الولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت أسعار النفط، انخفضت في مارس/آذار الماضي إلى أدنى مستوى لها في نحو 15 شهرًا بسبب الاضطرابات في القطاع المصرفي، ورغم أن الأسعار تعافت نسبيا في الأسبوع الماضي، إلا أن خام برنت لا يزال يسير في مستوى 80 : 85 دولارًا للبرميل.
ولاتزال حركة سوق النفط تعاني من تقلبات عدة على مستوى الإنتاج والأسعار وذلك من بداية جائحة كورونا وحتى الآن، فكيف سيؤثر قرار تخفيض الإنتاج على مستقبل أسعار النفط عالميًا؟ ومدى تأثر مصر والدول المستوردة للوقود بالقرار؟

حجم خفض الإنتاج

بموجب القرار المعلن في 2 أبريل/نيسان الجاري، فمن المقرر أن تقلص كل من روسيا والسعودية الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يوميًا لكل منهما بداية من مايو/أيار القادم وحتى نهاية 2023. إضافة إلى الخفض المعتمد في الاجتماع الوزاري لمجموعة أوبك.

وقرر العراق خفض الإنتاج النفطي 211 ألف برميل يوميًا، والإمارات 144 ألف برميل يوميًا على مدار نفس المدة

فيما أعلنت الكويت خفض الإنتاج 128 ألف برميل يوميًا، والجزائر 48 ألف برميل يوميًا، بينما خفضت عمان الإنتاج 40 ألف برميل يوميًا.

ويُضاف التخفيض الطوعي للإنتاج إلى تخفيض الإنتاج الذي اتُفق عليه في الاجتماع الوزاري الثالث والثلاثين للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها (أوبك+)، الذي عُقد في 5 أكتوبر 2022، وذلك رغم دعوات من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى بضخ المزيد من كميات النفط الخام.

تضم منظمة أوبك 13 دولة، وهي تساهم بما يقارب 40٪ من إجمالي إنتاج النفط الخام في العالم. لكن لأن الخفض طوعي بموجب إرادة فردية من الدول الأعضاء وليس قرارًا جماعيًا ملزمًا، فإن 6 دول فقط من الأعضاء، وهم من أبرز الدول المنتجة للنفط، شاركت فيه. في حين يضم تحالف أوبك+ 11 دولة إلى جانب الدول الـ13 الأعضاء في أوبك.

هل تتأثر مصر بخفض الإنتاج؟

حاليًا يعاني سوق الطاقة من عدم وضوح الرؤى المستقبلية على المدى المتوسط والقريب بشأن عودة الاستقرار. الأمر الذي زاد من تخوف حكومات الدول المستوردة للبترول الخام، من تأثير الوضع على موازناتها.

وساهم ارتفاع أسعار الطاقة والنفط العام الماضي في زيادة معدلات التضخم، مما أثر سلبًا على مستويات المعيشة في الدول المستوردة للنفط.

ودفع الوضع غير المستقر لإنتاج وتسعير النفط، الدول المستوردة للوقود إلى محاولة اتباع إجراءات التحوط وإن كانت ليست أداة مكسب فقط، بل تحمل المكسب والخسارة أيضًا، وفق ما يشير إليه مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول الأسبق.

ويضيف أن خفض الإنتاج سيزيد من ارتفاع أسعار النفط خلال الأشهر المقبلة ويتوقع أن تعاني الدول المستوردة من ارتفاع في فاتورة وارداتها من الوقود، وبالتالي تحمل موازنة الدولة مزيدًا من الدعم على مستوى توفير المنتجات البترولية للسوق.

وأوضح رمضان أبو العلا، أن ارتفاع أسعار النفط عالميًا سيُلقي بظلاله على قطاع البترول باعتبار أنه قد اعتمد سعر برميل النفط عند 80 دولارًا للبرميل خلال موازنة 2022/2023، وبالتالي التحرك في مستوى أعلى من هذا المعدل سيزيد من معاناة القطاع فيما يتعلق بفاتورة الاستيراد الشهرية خلال 2023.

لفت أبو العلا إلى سيناريوهين سيقلصان من حجم تأثر مصر بتقلبات سوق النفط العالمي، الأول يتعلق بإبرام عقود طويلة الأمد، تجنب الدولة التأثر بحركة الأسعار المتغيرة خاصة المتوقع صعودها خلال 2023 بعد اعتماد قرار الخفض الطوعي لإنتاج البترول.

والسيناريو الآخر، وفق أبو العلا، خاص برفع إنتاج النفط محليًا لتجنب استيراد المنتجات البترولية من الخارج. لكنه يؤكد أن هذا الحل لا يمكن تحقيقه على المدى القريب باعتبار أن رفع الإنتاج يحتاج إلى طرح مزايدات عديدة وتكثيف أنشطة البحث والتنقيب ومن ثم الوصول إلى اكتشافات نفطية تعزز الإنتاج الذي يحتاجه السوق.

زيادة دعم الوقود

تأثرًا بارتفاع سعر خام برنت وكذلك تراجع سعر الصرف، تجاوز حجم دعم المحروقات منذ بداية العام المالي الجاري إجمالي الدعم الذي كان مخصصًا للمواد البترولية في الموازنة العامة للدولة. وهو ما عجل أيضًا من خطط الحكومة نحو عقود التحوط.

فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام المالي 2022/ 2023 تجاوز حجم دعم الوقود حاجز الـ 31 مليار جنيه. رغم أن الدولة كانت تستهدف الوصول بإجمالي على مدار العام إلى 28 مليارًا فقط. لكن تداعيات الأزمات العالمية ومردودها على الاقتصاد المصري غير من خطط الحكومة.

وتوقع يوسف “لـ مصر 360” أن يُقارب دعم المحروقات الـ 100 مليار جنيه بنهاية العام المالي الجاري، حال استمرار الأوضاع داخليًا وخارجيًا عند معدلاتها الحالية.

وهنا، يؤكد نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، أن الدولة لن تتحمل تلك الأعباء وحدها، وقد تُشرك المواطنين في تحمل جزء منها عبر رفع أسعار بيع المواد البترولية خلال الفترة القادمة.

لماذا خفضت الدول العربية إنتاجها؟

يرى محللون أن خطوة خفض إنتاج النفط تأتي كإجراء احترازي يهدف إلى دعم استقرار أسواق البترول خلال 2023، والحفاظ على مستوى الإنتاج والأسعار المتداولة بالسوق العالمية.

وقال رمضان أبو العلا خبير الطاقة، إن “أوبك بلس” حريصة على وضع حد أدنى لأسعار النفط يضمن تحقيق أقصى استفادة ومكسب ربحي للدول المنتجة للنفط، وتعويض تراجع الأسعار التي عانت منها الدول المنتجة الفترة الماضية.

أضاف أبو العلا لـ مصر 360 أن الدول التي اعتمدت قرار خفض الإنتاج تسعى لفرض سعر لخام برنت لا يقل عن 80 دولارا للبرميل، على أن يواصل الصعود لمستوى يتراوح بين 90: 100 دولار قبل نهاية 2023.

يوضح أبو العلا مغزى قرار الخفض:” السيطرة على التقلبات التي يحدثها بائعو النفط “الوسطاء” مرهونة بإنشاء تحالف بين كبار المنتجين وهو ما حاولت الدول بالفعل تطبيقه حاليًا من خلال الاتفاق على الخفض الطوعي لإنتاج البترول”.

وقال وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي، سهيل بن محمد فرج فارس المزروعي، إن دولة الإمارات ستخفض بشكل طوعي إضافي إنتاجها من النفط بمقدار 144 ألف برميل يوميًا اعتبارًا من مايو/أيار المقبل، بالتنسيق مع بعض الدول المشاركة في اتفاق “أوبك+”.

وأضاف المزروعي أن هذا الخفض الطوعي هو إجراء احترازي يتم لتحقيق التوازن في سوق النفط بالإضافة إلى أنه يأتي في إطار خفض الإنتاج المتفق عليه في الاجتماع الوزاري الثالث والثلاثين لـ “أوبك+” الذي عقد في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

ضبابية المشهد

هناك فارق حالي في سعر النفط المقدر بموازنة 2022-2023 هو 80 دولارًا. والسعر الذي يتم التداول به على أرض الواقع يتدرج بين 85 و95 هبوطًا وصعودًا، وفق حجم التصعيد العالمي بين القوى المؤثرة في الاقتصاديات الدولية- وفق مدحت يوسف
ويزيد من هذه الضبابية، بحسب يوسف، حذر بعض شركات النفط العالمية من ضخ مزيد من رؤوس الأموال في عمليات البحث والتنقيب عن النفط والغاز. وهو حذر مدفوع بالصراع بين روسيا وعدد من الدول صاحبة قرار تقليص الإنتاج وبين أمريكا.
هذا الوضع يضر بالسوق العالمي، الأمر الذي يؤثر على مستوى قوى العرض والطب المُتحكمة في تسعيرة خام برنت.