تستعد المعارضة التركية؛ لخوض الانتخابات الرئاسية في منتصف الشهر القادم، بتقديم “كمال كليتشدار أوغلو”، كمرشح وحيد لأحزابها الرئيسية الستة، بعد أن تم التوافق عليه لمنافسة الرئيس رجب طيب أردوغان على رئاسة الجمهورية التركية.

والحقيقة لا يمكن مقارنة هذه الخطوة ومسار المعارضة التركية بنظيرتها العربية، وخاصة المصرية دون الإشارة إلي فارق السياق السياسي والتاريخي بين التجربتين، فتركيا عرفت في أعقاب انقلاب 1980 إغلاقا مؤقتا للمجال السياسي، سرعان ما تغير في 1983 عقب وصول الرئيس التركي الراحل تورجت أوزال، للحكم الذي أسس منذ ذلك التاريخ تجربة سياسية عززت من مسار الانتقال الديمقراطي، وجعلت تدخل الجيش في 1997 تدخلا ناعما ساهم في تغيير حكومة الراحل نجم الدين أربكان “الإسلامية”، دون أن يؤدي إلي إحداث قطيعة مع العملية السياسية، و إلغاء الأحزاب، إنما ساهم في تشكيل المجال السياسي على أسس جديدة تعزز من قواعد النظام العلماني القائم، وفي جعل الطبعة الجديدة من “التيار الإسلامي”، لا تحمل صفة إسلامي ووصفت نفسها بالتيار “المحافظ الديمقراطي”، الذي مثله رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم منذ أكثر من 20 عاما.

والمؤكد ان المقارنة مع تجارب المعارضة العربية تقول: أنها في تونس أو مصر أو الجزائر، تحركت في نفس تلك الفترة في ظل هامش سياسي أضيق بكثير من الذي تمتعت به المعارضة التركية، وأن مقارنة هدا الهامش الذي نالته المعارضة المصرية مثلا،

في انتخابات الرئاسة التي جرت في 2005 سنجده أقل بكثير من نظيرتها التركية، كما أن المرشح الذي “نافس”، الرئيس السيسي في انتخابات 2018 قدم أوراق ترشحه قبل إغلاق باب الترشيح بساعة، وحصل على حوالي نصف في المائة من الأصوات، في حين أن مرشح المعارضة التركية الذي واجه في ذلك الوقت أردوغان حصل على 37% من أصوات الناخبين في انتخابات حقيقية، حتى لو كان أردوغان تمتع بمزايا أكبر من مرشح المعارضة.

ورغم الفارق في السياق السياسي، والديمقراطي بين خبرة المعارضة في التجربتين، إلا أن هذا لا ينفي أن المعارضة التركية عملت واجبها (Homework). المطلوب منها، ثم بعد ذلك استفادت من السياق السياسي المنفتح نسبيا، المحيط بها، في حين أنه لا زالت المعارضة العربية لم تقم بعد بمسئوليتها كاملة في تقديم برنامج سياسي، واقتصادي متكامل وقابل للتحقيق للنظم القائمة، حتى لو كانت القيود المفروضة عليها أكبر من نظيرتها التركية.

والحقيقة أن تجربة المعارضة التركية لم تقتصر فقط على التوافق على مرشح واحد، إنما امتدت أيضا لإصدار وثيقة سمتها تحالف مبادئ، وحملت عنوان “مذكرة التفاهم بشأن السياسات المشتركة”، من أجل التحول إلى النظام البرلماني المعزز، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وتعزيز الديمقراطية والحريات ودولة القانون، وإصلاح الاقتصاد، وتصحيح أخطاء السياسة الخارجية.

وقد يكون أهم ما قدمته خبرة المعارضة التركية هو حفاظها على الدستور القائم وقواعد النظام العلماني، كما فعل حزب أردوغان الحاكم، فصور مؤسس الجمهورية مصطفي كمال أتاتورك منتشرة في طول البلاد، وعرضها وحاضرة في مقرات كل الأحزاب، كما لم يحاول أردوغان الذي جاء من خلفية فكرية وسياسية مخالفة لأتاتورك، أن يهدم إرثه إنما أقر بدوره كبطل للتحرر الوطني ومؤسس الجمهورية، وتبني علمانية متصالحة مع الدين وليست في عداء معه.

والحقيقة أن الوضع مختلف في التجربة المصرية، فلا زالت معارك الماضي غارق فيها كثير من القوي السياسية والحزبية، فالثأر من عبد الناصر، وليس الخلاف معه لا زال هو الخطاب الوحيد لبعض التيارات، وأن القطيعة بين كل نظام عرفته مصر لم تقف فقط عند الانتقال من النظام الملكي إلي الجمهوري المشروع، إنما بين كل النظم الجمهورية التي شهدتها البلاد، وهو ما لم تعرفه تركيا رغم خلاف نظمها السياسية وتعرضها لثلاثة انقلابات عسكرية، إلا أنها لم تشهد في أي مرحلة تحولا من نظام اشتراكي إلي رأسمالي أو العكس، وحافظت على نظامها الرأسمالي، كما لم تنتقل من حكم علماني إلي حكم ديني، ولم تخلخل قيم المجتمع الأساسية، وقواعد النظام الدستوري القائم إلا لفترات مؤقتة.

والحقيقة أن كل هذا ساعد أحزاب المعارضة التركية الستة، على خوض الانتخابات الرئاسية بمرشح واحد، صحيح إنه سيواجه تحديات كبيرة ليس فقط من زاوية فرص نجاحه انتخابيا، إنما بالأساس في نجاعة البديل الذي يقدمه لمنظومة الحكم الحالية الأكثر تماسكا؛ لأنه يمثلها حزب واحد قوي هو العدالة والتنمية ولديه ماكينة انتخابية قوية أثبتت فعاليتها في الانتخابات السابقة.

إن وجود تحالف من 6 أحزاب مختلفة المشارب، والتوجهات اتفقت فيما بينها في حالة الفوز أن يتولى رئيس كل حزب منصب نائب رئيس الجمهورية، هي مخاطرة تذكرنا ببعض المشاريع العربية، والمصرية المتعثرة في الحديث عن مجلس رئاسي للحكم، وهي كلها مشاريع تضعف من قدره “الفريق الناجح”، على اتخاذ قرارات جريئة وبدائل ناجعة، لأنه سيكون مضطرا لعمل موائمات مع زملائه النواب، مما يعطل من فرص اتخاذ قرارات إصلاحية جريئة ستدفع الناس بعد فترة وجيزة، للبحث عن مخلص جديد سواء جاء عبر مشروع الحزب القوي، والرجل القوي مثل: تجربة أردوغان وحزبه في الحكم، أو عبر “المؤسسة القوية”، كما فعل قطاع واسع من المصريين حين دعموا تدخل الجيش في 2013 للتخلص من عدم الإنجاز وانقسامات السياسيين وحكم الإخوان.

ستظل خطوة المعارضة التركية بالتوافق على مرشح واحد، لخوض انتخابات الرئاسة الشهر المقبل بعيدة عن السياق المصري؛ نظرا للقيود المفروضة على حركة الأحزاب والقوى السياسية إلا أن هذا لا يمنع من ضرورة أن تعمل المعارضة العربية بشكل عام والمصرية بشكل خاص على وضع برنامج سياسي بديل للنظم القائمة وليس فقط رفضها أو معارضتها، بصرف النظر عن حجم القيود المحيطة.