لا يجوز أن نشكر مجلس النواب على قرار الموافقة على مشروع تعديل المادة 6 من قانون الجنسية، لمنح أبناء الأم الأجنبية المكتسبة للجنسية المصرية الحق في طلب الحصول على الجنسية، وذلك أسوة بأبناء الرجل الأجنبي المكتسب للجنسية المصرية. لا يجوز الشكر لأن المجلس يؤدي واجبه بعد قرار المحكمة الدستورية، بعدم جواز منح الحق لأبناء الرجل من دون أبناء المرأة ، وهو ما كان عليه الحال في القانون، وبالطبع فإن ذلك كان إخلالا بمبدأ المساواة الدستوري.

لكن يجوز، بدلا من الشكر، ألا ننتظر أحكام المحكمة الدستورية حتى نعالج عدم المساواة في قوانيننا، وأن تصبح المساواة بين الرجل والمرأة، وبين جميع المواطنين والمواطنات، بغض النظر عن الجنس والدين والفئة أمرا بديهيا، لا يحتاج انتظار المحكمة الدستورية، ومن ذلك، على سبيل المثال، أن الرجل المصري يستطيع أن يمنح زوجته الأجنبية الجنسية المصرية بعد الزواج بعامين، بينما لا يمكن الزوجة المصرية أن تمنح زوجها الأجنبي الجنسية المصرية ولو بعد عشرين عاما، إذا لم ذلك تمييزا، وإخلالا بمبدأ المساواة فماذا يكون؟ لقد انتظرت المرأة المصرية أطول من اللازم كي تمنح أبناءها الجنسية، إلى أن  تحقق ذلك قبل حوالي العقدين، لكنها لا تزال تعاني ذلك التمييز فيما يخص زوجها، والأدهى، أن التعديلات الجديدة في مشروعات القانون، تتضمن “إجازة منح الجنسية المصرية للأجنبي الذي يشتري عقارا من القطاع الخاص.” أما الأجنبي الذي يتزوج من سيدة مصرية فليس لديه هذا الحق!

وفي جلسة النواب نفسها، هذا الأسبوع، جرى نقاش رفع رسم التقدم بطلب الحصول على الجنسية من عشرة آلاف إلى اثنى عشر ألف دولار “لمواكبة ارتفاع الأسعار الذي تشهده البلاد حاليا”، على حد تعبير السيدة النائبة مرفت ألكسان، وبغض النظر عن رفض المجلس رفع الرسوم والاكتفاء بالرسم الحالي، وبغض النظر عن أن ارتفاع الأسعار ناتج عن انخفاض الجنيه وليس ارتفاع الدولار، ومن ثم فلا يوجد داع لرفع الرسم لأنه يسدد بالدولار، ويحول من الخارج. فإن هذا المبلغ الكبير في حقيقة الأمر، والذي يأتي في سياق مبالغ أخرى طائلة جرى بها تعديل القانون في الشهور الأخيرة، منها طلب منح الجنسية بعد إيداع مبلغ 250 ألف دولار تؤول إلى الخزانة العامة ولا ترد، أو إيداع وديعة بمبلغ 500 ألف دولار تسترد بعد ثلاث سنوات بالجنيه المصري بسعر الصرف المعلن وقت الاسترداد، أو تملك عقار تابع لشركة عامة بمبلغ لا يقل عن 300 ألف دولار. هذه المبالغ تضع الهدف منها، وهو زيادة حصيلة الموارد الدولارية للدولة، في محل تساؤل من حيث مدى واقعيتها، ودراسة نتائجها، واتخاذ القرارات المناسبة على ضوء تلك النتائج، حتى لا يجري لها ما جرى لقرار تخفيض جمارك سيارات المصريين بالخارج، الذي لم يحقق سوى نسبة محدودة للغاية جدا من النجاح، محدودة لدرجة أنه لا يمكن وصفها بالنجاح.

لقد تجاوزنا، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية، النقاش الذي دار حول مسألة الاستثمار في الجنسية، أو منح الجنسية للمستثمرين الأجانب، وتم طرح العديد من النماذج والأمثلة حول العالم للاستثمار في الإقامات واكتساب الجنسية، لكن الواقعية جزء أساسي من الاستثمار، من دونها يتحول إلى مجرد أحلام لا تقف على أرض الواقع.

يحتل جواز السفر المصري المرتبة 92 في ترتيب جوازات السفر في العالم، وهو ترتيب يتحدد بناء على عدد الدول التي يستطيع حامل جواز السفر أن يدخلها بدون تأشيرة، أو بتأشيرة في المطار، للأسف لا يدخل حامل جواز السفر المصري إلا إلى عدد محدود للغاية من الدول من دون الحاجة إلى تأشيرة، 18 دولة فقط معظمها من الدول “الغلبانة”، إذا جاز التعبير أو البعيدة للغاية، يذكر أن أقوى جواز في العالم هو جواز سنغافورة، الذي يحتل المركز الأول ويدخل إلى 152 دولة بدون تأشيرة، يليه جوازات كوريا الجنوبية واليابان، ثم جوازات الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الخليج. وتحتل إسرائيل المرتبة 24 بجواز سفر يدخل إلى 125 دولة بدون تأشيرة.

في مرتبة ووضع جوازنا المصري، مع كل أسف، لا تبدو الأرقام المطلوبة للاستثمار بمئات آلاف الدولارات مقنعة، أو حتى رسم الطلب المسمى بعشرة آلاف دولار. فأنت لا يمكنك أن تطلب ما تحتاج، بل تطلب ما يناسب مالديك، إن جواز سفرنا بالنسبة لنا لا يقدر بثمن، لكنه ليس كذلك بالضرورة للآخرين الذين – طالما نتحدث لغة المال – يمكنهم أن يستثمروا في أماكن ظروفها أفضل بمبالغ أقل كثيرا. لكن ما يمكننا أن نفعله، أن نعالج أوجه قصورنا، وأن نبدأ بالمساواة التامة في حقوق الجنسية بين الرجل والمرأة، وأن تكون الجنسية، حقا لمن يعمل في البلاد ويلتزم بالقانون ويدفع الضرائب، بلا تمييز بين غني وفقير، فهذا هو الأصل، وهذا ما كنا عليه يوما ما وعرفنا من خلاله التعددية، وهذا هو ما تفعله البلدان التي احتلت جوازات سفرها المراكز الأولى.