قبولنا الآخر من القضايا التي نتداولها كثيرًا، هل نقبل الآخرين كما هم أم نسعى لجعلهم يشبهوننا أو لتحقيق طموحاتنا فيهم، الأصل في العلاقات أن نقبل الآخرين كما هم، وأن أي تغييرات يقوم بها طرف تكون وفق قناعاته وليس من أجل إرضاء الشريك فقط، لكن مثل هذه الأمور تظل نظرية إلى حد بعيد، أما على الأرض، فإن كثيرا مما يبدؤون علاقات صداقة أو حب أو زواج فإن كل منهم أو هناك طرف على الأقل يسعى لتغيير الطرف الآخر، ويتم رفع شارة قبول الآخر كما هو في أوقات الخلاف لتمرير موقف أو سلوك أو عادة غير متوافق عليها بين الطرفين، لكن حقيقة القبول قلما تتوفر في العلاقات، وربما هذا ما يدفعها نحو قصر أعمارها.

الفرق بين ارتكاب خطأ وسلوك خطأ

تشتعل نقاشات القبول والتسامح عند وقوع خطأ، أو أن يرتكب أحد الأطراف خطأ ما سواء في حق شريكه، او خطأ قد يؤذي العلاقة على المدى القصير أو الطويل، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا متى يمكن تمرير ارتكاب خطأ من شريك؟ ومتى لا بد من الوقوف؟ وربما لا بد من مفارقة الآخر.

ارتكاب خطأ أمر طبيعي وإنساني، فنحن جميعًا نرتكب أخطاء أو غلطات متأثرين بحُسن النوايا، أو عدم الالمام بكل المعلومات، أو المكابرة، وأيا كان سبب الخطأ ونتائجه، طالما هو تصرف حدث لمرة فهو تصرف يمكن مناقشته ثم تمريره لاستكمال العلاقة أيا كان مسماها، ولكن هذه الكلمة التي تحمل دومًا إنذارًا وتوجهنا صوب مناطق بحاجة للانتباه، هذه الـ” لكن”تأتي شارحة لما بعد الخطأ الذي يحدث لمرة أو ربما مرتين، فهناك من يكون له سلوك خاطئ، أو شخص متكرر في الأخطاء المتشابهة، مثل أن يكون هناك شخصا دائم الكذب، وكل كذب يؤدي لمشكلات، ويورط الكاذب أو شريكه في متاعب، أو أن يكون شخص دائم أو كثير ما ينقل كلام فيتسبب في وقيعة ومشكلات لأطراف عِدة، والأمثلة كثيرة ومتنوعة مثل هذا الشخص يُعد مريضًا وبحاجة لتدخل علاجي من متخصص، قبوله كما هو يعني تورط الآخر معه في أخطائه، بما يجعل العلاقة سلة للمشكلات، المشكلة ليست فقط في المتاعب التي قد يحصدها الشريك من الاستمرار مع شخص يرتكب نفس الخطأ باستمرارية ودون اعتراف بما يرتكبه، بل يدفع باتهام الآخرين، المشكلة أن شركاءه شيء فشيء ينخرطون في تبرير سلوكه، وإيجاد المخارج له مما يقع فيه من متابع، وربما أصبحوا يمارسون ذات السلوك وصاروا يرون نفس الخطأ أنه لا شيء، كل الناس تكذب، الآخرون هم سيئوا النية، وباب التبرير واسع.

منذ سنوات بعيدة كان لابني صديق في الحضانة، وكان صديقه الوحيد، مما جعلني أقترب من عائلة الصديق سعيًا لأنشطة اجتماعية أكثر، ودمج ابني في أوساط اجتماعية، وقتها لاحظت أن صديق ابني والذي لم يكن قد أكمل عامه الرابع، يشتم ويسب أمه وأباه دون أن يفعل الأب أو الأم شيئا لتوجيه الطفل، بهدوء انسحبت بابني من هذه العلاقة، لكن وعند التقديم للمدارس اقترحت علي والدة الطفل أن يلتحق ابني بنفس المدرسة، التي تقدمت لها لابنها لكني رفضت بقسوة واضحة، وربما كنت فجا في رفضي لهذا الاقتراح، وحين سألتني عن السبب قلت لها عما لاحظته من سلوك ابنها، وتأثير ذلك على سلوك ابني، وأنني إما أن أوافق أن يقلد ابني صديقه، ويبدأ في السباب، أو أن أشوه له صورة صديقه وأغرس بدايات فقدان الثقة في الآخرين، صمتت الوالدة وبالطبع افترقنا إلى غير عودة.

تصرفتُ بقسوة لا أُنكرها وكلنا نفعل حين يتعلق الأمر بصالح أبنائنا، لكن مثل هذا الموقف كان واضحا في تفاصيله وعناصره، وليت الحياة تهبنا المواقف بمثل هذا التحديد.

متى نقبل الآخر؟

قبول الآخر ليس رفاهية ولكنه ضرورة للتوافق في العلاقات واستمرارها، وهو مبدأ لا خلاف عليه، لكن هذا القبول يعني أن نتعرف على الطرف الآخر، ويتعلق بصفات كأن يكون أحدهم ثرثارا، أو يميل إلى الصمت، أو يهوى النكد، أو شخصية تميل إلى سلوك الضحية وليست تعيش الدور دائمًا، شخص خجول، أو ذو صوت عال، عشرات الصفات التي يمكن أن نختلف حولها لكنها لا تُسبب أذى أو ضرر في العلاقة أو للشريك الآخر، في مثل هذه الحالات وغيرها نقبل الآخر كما هو، ومع المكاشفة والنقاش قد يقوم الشريك بتعديل الصفات التي قد تبدو مزعجة لشريكه.

نقبل الآخر كما هو عندما تكون عيوبه أو السمات الشخصية التي تتوافق معانا لكنها لا ينتج عنها أذى، ولا تورطنا في متاعب.

عندما يكون صديقك مرتشيا ماذا ستفعل؟ اعتياد القبح يمرره، واعتياد الخطأ كذلك، يجعله أمرا لا يُحرك شيئا، في مثل هذه المواقف قبول الآخر أمرًا غير مطروح، ليس هذا قبولًا للآخر بعيوبه، ولكنه تورط في أخطاء وسلوكيات لا تتوافق مع قناعات الطرف الآخر بحيث يكون استمرار العلاقة مؤديا بصورة أو بأخرى لارتكابه نفس الأخطاء ولو بعد حين.