وفقا لنصوص دستور 2014 وتعديلاته التي تم تمريرها في 2019، وعلى إثرها زادت فترة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات ميلادية، تبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية، قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يومًا على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يومًا على الأقل.

وهو ما يعني أن إجراءات انتخابات رئيس جديد للبلاد ستبدأ وجوبيًا في شهر فبراير المقبل، على أن تنتهي الإجراءات وتعلن النتيجة النهائية على حد أقصى في مطلع مايو 2024، ذلك أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أدى اليمين الدستورية لفترته الرئاسية الثانية في الثاني من يونيو عام 2018.

إذن، لم يتبق على بدء إجراءات الانتخابات الرئاسية المقبلة سوى 9 شهور، وهو ما يفرض على كل الأطراف الاستعداد لهذا الواجب الثقيل الذي قد يكون مفتاحا لحل العديد من الأزمات التي لاحقت البلاد والعباد خلال الفترة الماضية، أو قد يكون هذا الاستحقاق مدخلا لتفاقم تلك الأزمات وإضافة غيرها إذ استمرت الأوضاع على ما هي عليه دون تغيير حقيقي في مفردات المشهد وآلياته وسياساته.

عندما دعا الرئيس السيسي قبل عام، التيارات السياسية والحزبية والشبابية كافة «دون استثناء أو تمييز»، لإدارة حوار حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة، كانت الدعوة قاصرة على الحوار حول الملف السياسي، وفق ما سمعت وفهمت كما غيري ممن حضروا إفطار الأسرة المصرية في رمضان الماضي.

الرئيس ألمح إلى أن بعض الدوائر تحدثت معه في قضية «الإصلاح السياسي»، وأكد أنه كان حريصا على المضي قدما في هذا المسار «أولويات الدولة كانت بتأجل الموضوع شوية»، لكن الوقت قد حان لإتاحة النقاش والحوار لكل القوى وعلى قاعدة «الخلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية».

لم يطلق الرئيس إذن، دعوة إلى حوار مجتمعي حول قضايا هي من صميم عمل الحكومات والبرلمانات أو المجالس المتخصصة، فالدعوة كانت لـ«حوار سياسي»، فما تحتاجه البلاد في هذه المرحلة حوارا ينهي حالة الاحتقان، ويضع أجندة واضحة للإجراءات والتعديلات التشريعية اللازمة لفتح شرايين الواقع السياسي المسدودة.

الأزمات المتلاحقة التي توالت على البلاد خلال السنوات القليلة الماضية، جعلت من الشروع في عملية تحول ديمقراطي حقيقية، فريضة غابت بفعل فاعل رغم الإلزام الدستوري، والإرادة الشعبية التي عبر عنها ملايين المواطنين، الذين نزلوا إلى الشوراع في 25 يناير 2011 ثم في 30 يونيو 2013 للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

ظن البعض أن الدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية خلال حفل إفطار الأسرة المصرية، والذي شارك فيه عدد من رموز المعارضة المصرية، قد تمثل بداية جديدة لإدارة حوار جاد حول أولويات المرحلة المقبلة، وراهن هؤلاء على أن يكون الحوار «السياسي»، انطلاقة لوضع قواعد مرحلة جديدة من عمر البلاد تترسخ فيها مبادئ التعددية والمشاركة، ويتم التمهيد فيها لمنافسة جادة ونزيهة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة وأولها الرئاسية، والتي ذهبت أمنيات البعض إلى أنها قد تشهد أول تغيير وتداول سلمي للسلطة يحدث في مصر عبر صناديق الاقتراع.

في الأسابيع التي أعقبت إطلاق الدعوة، أطلت عبر وسائل الإعلام التي تسيطر على معظمها السلطة وجوه تم تغييبها عن التواصل مع الرأي العام عبر المنصات الإعلامية لسنوات طويلة، وهو ما فهم منه أن هناك محاولة لتوسيع هامش الحرية، وفتح المجال العام بما يسمح بنقد قرارات السلطة ومراجعة سياساتها وطرح بدائل قادرة على تحمل المسئولية.

لكن يبدو أن تجربة إتاحة مساحات لرموز المعارضة التي قررت المشاركة في الحوار السياسي وفق ضمانات أزعجت صاحب القرار الذي اعتاد الاستماع إلى «صدى صوته» فقط، فأعاد وسريعا، الهامش إلى ما كان عليه، ولم يعد يظهر في وسائل الإعلام إلا أعضاء جماعات «تمام يا فندم» وغيرهم من الأصوات الباهتة التي يتساوى سكوتها مع كلامها.

بالتوزاي وبعد تشكيل مجلس أمناء للحوار الذي تحول بقدرة قادر من «سياسي»، إلى «وطني»، تم تحديد 3 محاور لطرحها للنقاش المنتظر وهي «السياسي، والاقتصادي، والمجتمعي»، وتحت كل محور من تلك المحاور، اتفق مجلس الأمناء على تشكيل عدد من اللجان، تناقش كل منها قضية بعينها، فالمحور السياسي تتبعه لجان (مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي والأحزاب السياسية. المحليات، وحقوق الإنسان والحريات العامة) والمحور المجتمعي تتبعها لجان ( التعليم، والصحة، والسكان.. إلخ) وهكذا صار إجمالي اللجان الفرعية 15 لجنة.

تعدد تلك اللجان وتشعب ملفاتها أثار المخاوف من حياد الحوار عن هدفه الرئيسي المتمثل في فتح نوافذ السياسة المغلقة وخلق حالة من الجدل وضخ دماء جديدة في قنوات الأحزاب والقوى السياسية بما يهيئ البيئة العامة لإجراء منافسة حقيقية ونزيهة في أول استحقاق انتخابي بما يعبر عن إرادة الناس دون تدخل أو هندسة.

إغراق الحوار في التفاصيل ودفنه في جبانة اللجان المتفرعة، عن لجان منبثقة من محاور، ضرب مقصد الحوار الرئيسي في مقتل، فإذا كانت الدعوة التي أطلقت قبل عام كان هدفها «الإصلاح السياسي»، بحسب ما قال الرئيس: فليس من المنتظر أن يكون هناك «إصلاح»، أو حتى «سياسة»، ما دام صاحب القرار يصر على تفريغ أي حوار أو خطوة نحو المستقبل من مضمونها.

قبل أيام، أصدرت الحركة المدنية الديمقراطية بيانا، طرحت فيه ما ترى أنه ضمانات وشروط يجب توافرها حتى تتحقق نزاهة الانتخابات الرئاسية، «وبما يجعل المواطنين المصريين على ثقة وطمأنينة بالانتخابات كآلية وحيدة آمنة لتحقيق إرادتهم في الاختيار الحر ولضمان التداول السلمي للسلطة وعدم تعريض البلاد لمخاطر عدم الاستقرار».

وطرحت الحركة في بيانها حزمة من المعايير المتعارف عليها في جميع نظم الحكم الديمقراطية، مطالبة بتفعيلها من خلال مجموعة من الإجراءات والقوانين الملزمة، وهي في الحقيقة معايير وقواعد لا يختلف عليها أحد إذا كان الهدف هو إجراء انتخابات حرة نزيهة دون تدخل من جهاز أو مؤسسة.

من الأجدى والأهم للبلاد حاليا، أن يتم تحويل مسار الحوار الوطني الذي من المفترض أن تبدأ جلساته بعد إجازات الأعياد، وفق تصريح رئيس مجلس أمنائه ضياء رشوان، إلى مسار آخر وهو تهيئة المناخ لإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة وفق ضوابط ومعايير يتم الاتفاق عليها بين أطرافه المعنية (سلطة ومعارضة ممثلة في الحركة المدنية الديمقراطية).

وأي حديث في ملفات أخرى خارج تهيئة المناخ لإجراء انتخابات رئاسية تعددية وتنافسية حرة ونزيهة، هو حرث في الماء، فعلى الحركة المدنية وغيرها من تيارات المعارضة السياسية المؤمنة بالتغيير السلمي عدم الانجرار إلى «مَكلَمَات» لا طائل منها سوى إضاعة الوقت وتفويت فرصة الإعداد للاستحقاق الأهم والذي قد يكون مخرجا للبلاد مما هي فيه.