لليوم الثالث، يستمر القتال في السودان، حيث اشتبك الجيش السوداني، وهو القوات المسلحة النظامية الموالية للجنرال عبد الفتاح البرهان- الذي أصبح الحاكم الفعلي للسودان- مع قوات الدعم السريع، التي كانت معروفة سابقا بـ “ميليشيا الجنجويد”، وتدين بالولاء للزعيم القبلي ونائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو، المعروف بـ “حميدتي”.

وكان من المفترض أن ينتقل السودان إلى الحكم المدني بعد عام 2019. لكن في عام 2021 شن الجيش نوعًا من الانقلاب الذي أزاح هذه المحاولات.

ومع ذلك، استمر الجيش في الادعاء بأنه سيسلم السلطة في النهاية. حتى خرج حميدتي في تصريح صادم لحليفه، حينما وصف الانقلاب بأنه “خطأ”، ودعا لتسليم السلطة للمدنيين.

القوتان العسكريتان اللتان تديران البلاد منذ ثورة السودان 2019 تتصارعان على النقيض من بقية الشرق الأوسط

وفي تحليل لصحيفة جيروزاليم بوست/ The Jerusalem Post العبرية. تلفت إلى أن القوتين العسكريتين المهمتين، اللتين تديران البلاد منذ ثورة السودان 2019 -التي شهدت إزاحة الرئيس السابق عمر البشير من السلطة- تتصارعان على النقيض من بقية الشرق الأوسط “حيث صفقات السلام والمصالحة هي القاعدة”، وفق التحليل.

اقرأ أيضا: عبد الفتاح البرهان.. طموح على حافة الهاوية

بعد البشير

يشير التحليل إلى أنه، من نواحٍ عديدة، فإن التحولات في السودان تشبه بعض التغييرات الأخرى طويلة المدى في الشرق الأوسط. حيث أنه في العديد من الدول الأخرى، كانت هناك تغييرات في القوة مرتبطة بالربيع العربي.

يوضح: في السودان، كانت العملية مختلفة بعض الشيء لأن نظام البشير كان نظامًا إسلاميًا متطرفًا مرتبطًا بجماعة الإخوان المسلمين. كما كان مسئولا عن الإبادة الجماعية في دارفور. كما أن السودان جزء من جامعة الدول العربية، لكنه أيضًا بلد يربط إفريقيا جنوب الصحراء بشمال إفريقيا والساحل.

كما أنه بعد الإطاحة بالبشير، اتجهت البلاد نحو التطبيع مع إسرائيل، والذي أشاد به حميدتي في مقابلة في عام 2020. كما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع البرهان في عنتيبي بأوغندا في عام 2020.

في ذلك الوقت، قال نتنياهو إنه يعتقد أن السودان يسير في اتجاه إيجابي جديد، وأعرب عن آرائه لوزير خارجية الولايات المتحدة، بحسب وزارة الخارجية الإسرائيلية.

لذلك، من وجهة النظر الإسرائيلية، بدا أن الإطاحة بنظام البشير فرصة للسودانيين للحصول على مزيد من الحرية في الشارع، وتطرف ديني أقل في القمة.

التعطش للسلطة

في مقال حديث نشره معهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط/MEMRI، كتب ألبرتو فرنانديز، الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية الأمريكي، وكان قائمًا بالأعمال في السودان (2007-2009)، عن الصراع الجاري، تحت عنوان “تعطش واحد للسلطة في السودان.. مناورة فصيلين مسلحين”.

يعطي فرنانديز تفسيرا جيدا لجذور الصراع. يقول: “كانت قوات الدعم السريع نتاجًا لشيء قام به النظام في الخرطوم لسنوات. إنشاء قوات شبه عسكرية، أو قوات مسلحة بديلة، لتكون إما قوة موازنة للجيش النظامي، أو للقيام بالعمل القذر الذي لا يستطيع الجيش القيام به أو لا يمكنه القيام به”.

وأوضح أن قوات الدعم السريع في جوهرها، هي في الأساس ميليشيا قبلية تم إنشاؤها في البداية كوقود رخيص للمدافع. ثم تطورت بعد ذلك إلى لواء عسكري زائف للنيران، أو “حرسا إمبراطوريا” لنظام الخرطوم. حسب وصفه.

يقول: هي منظمة مغرورة يقودها مغرور، حميدتي سيئ السمعة، راكب جمال غير متمرّس تحول إلى الجنجويد “ميليشيا قبلية” وأصبح نائب حاكم مؤقت للسودان. في مواجهة دقلو وقوات الدعم السريع، كانت المؤسسة العسكرية، التي حكمت السودان بشكل سيء ووحشي، خلال معظم تاريخها.

ويشير فرنانديز إلى أن “الجنرال عبد الفتاح البرهان هو التكرار الأخير للجنرالات السابقين الذين تحولوا إلى حاكم. مثل عبود ونميري والبشير، وجميعهم من نفس المؤسسة، وعادة من نفس الجزء من السودان”.

ولفت إلى أن “القوات المسلحة السودانية لا تزال بؤرة للنشاط الإسلامي، داخل صفوف مؤسسة لم يتم تطهيرها بالكامل من الموالين من سنوات حكم البشير، المنخرطين في حزب المؤتمر الوطني”.

في الوقت نفسه، فإن قوات الدعم السريع معادية للإسلاميين بشكل علني.

ويلفت فرنانديز إلى أن الصراع المحموم على السيطرة المتهورة على مدينة “مروي” جاءت في الوقت الذي تندفع فيه القوات المسلحة السودانية بقوة إلى دارفور.

يوّضح: إذا كانت دارفور هي القاعدة الرئيسية لقوات الدعم السريع. فإن مروي جزء أساسي من القاعدة الرئيسية للقوات المسلحة السودانية.

وذكر أن مروي هي معقل الجيش السوداني. وأنه تم توسيع مطار/ قاعدة مروي الجوية وتحديثها من قبل نظام البشير في عام 2006، كجزء من التحضير لمعقل عسكري وأمني للنظام إذا تدهور الوضع في مناطق السودان خلال الاضطرابات قبل وبعد انتهاء الحرب الأهلية.

لذا يؤكد “استفزاز حميدتي في الفناء الخلفي للولاية الشمالية للقوات المسلحة السودانية هو -بطريقة ما- رد على استفزاز القوات المسلحة السودانية في دارفور. كلا الجانبين يقوم باستفزاز الآخر بأفعال متهورة.

استفزاز حميدتي في الفناء الخلفي للولاية الشمالية للجيش هو -بطريقة ما- رد على استفزازه في دارفور

اقرأ أيضا: حميدتي.. سيد الإبل والذهب

دور مصري مهم

تشير الصحيفة العبرية إلى أن الاشتباكات “بدت وكأنها ستقوض الاستقرار الضئيل الذي كانت تتمتع به البلاد. بينما الدول المجاورة، مثل مصر، تراقب الوضع عن كثب”.

وتلفت جيروزاليم بوست إلى أنه “من المرجح أن تدعم مصر بقاء البرهان في السلطة. كما أن دول الخليج معنية بالهدوء في السودان. هذه فرصة للمملكة العربية السعودية ومصر وغيرهما لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم أيضًا التوسط في وقف إطلاق النار”.

لكن من ناحية أخرى، فإن أيادي الرياض مشغولة بما يحدث في اليمن، كما ظهرت تقارير عن احتمال أن يكون وفد حماس في طريقه إلى السعودية.

أيضا، تركز مصر والسعودية بشكل أكبر على سوريا. كما أن مصر تعمل على المصالحة مع تركيا.

لكن، في تحليله، يزعم فرنانديز أن “القوات المسلحة السودانية والبرهان هما أفضل ما شهدته مصر في السودان منذ عقود”.

يقول: يرى حكام السودان السابقون في القاهرة -في إشارة إلى كون السودان كانت تتبع التاج المصري- في القيادة الحالية للجيش السوداني أفضل أمل لهم في التأثير على طول وادي النيل.

أضاف: في وقت تواجه فيه مصر وضعا غير مطمئن على الصعيدين الداخلي والخارجي مع إثيوبيا. كان السودان قناة رئيسية لمساعدة متمردي تيجراي في إثيوبيا خلال الحرب الأخيرة.

لذلك، بينما لا يزال هناك إسلاميون داخل القوات المسلحة السودانية، فإن مصر تعطي الأولوية لظهور حكم عسكري، من شأنه أن يعكس اهتماماتها قدر الإمكان.

يوضح فرنانديز: يريدونه متدينا ولكنه معاد للإسلاميين. بمعنى أدق، معاد للإخوان المسلمين، ولكنهم متعاطفون نسبيًا مع أنواع أخرى من الإسلام المحافظ. مثل هذا النظام في الخرطوم سيكون على اتصال مع القاهرة في قضية مياه النيل ومعاديا لإثيوبيا.

لكنه يلفت إلى أنه “إذا أعطت مصر الأولوية لهيمنة الجيش السوداني ومسألة النيل، فإن قوات الدعم السريع مدعومة من قبل الإمارات، من بين دول أخرى. وهنا، يلوح في الأفق ظل إثيوبيا أيضًا”.