تشهد منطقة الخليج تطورات متسارعة مؤخرا، على وقع الاتفاق السعودي الإيراني بشأن استئناف العلاقات بينهما، وسط حالة من التنافس الأمريكي الصيني على مساحات النفوذ في الإقليم. وذلك في ظل تكهنات حول مستقبل الملفات الملتهبة في المنطقة على وقع تلك التطورات.

في هذا الإطار حاور “مصر 360″، الأكاديمي الإماراتي البارز عبد الخالق عبد الله، الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة جورج تاون في واشنطن في السياسة المقارنة، وماجستير من الجامعة الأمريكية في واشنطن في الفلسفة السياسية، والباحث غير المقيم لدى معهد دول الخليج العربية في واشنطن، والمقرب من دوائر صناعة القرار الإماراتي، حيث كان يوصف في وقت سابق بأنه مستشار لمحمد بن زايد رئيس الإمارات، حينما كان وليًا لعهد أبوظبي.

كيف تقيم فرص نجاح الاتفاق السعودي الإيراني الأخير بشأن استئناف العلاقات؟

في البداية يجب توضيح أن هذا الاتفاق جاء متوافقًا مع توجهات دول المنطقة في الوقت الراهن، فيما يتعلق بالتواصل مع إيران وخفض مستوى التوتر في المنطقة. كما أن دولة الإمارات كانت سباقة، وهي التي بدأت هذا النهج منذ نحو ثلاث سنوات، من خلال توجهها لخفض التوتر مع قطر وسوريا وتركيا وإيران.

ولكن يجب التوضيح أنه رغم التواصل مع إيران، ومحاولة إيجاد أرضيات مشتركة معها، إلا أن الإمارات تدرك جيدًا أن طهران تظل أكبر مهدد لأمن الخليج العربي بما لديها من قدرات صاروخية، ونووية وطائرات مسيرة، ولذلك يجب التعامل معها بحذر.

هل تعتقد أن لعودة العلاقات بين إيران والسعودية تأثير إيجابي على الأزمة اليمنية؟

المحك والاختبار الحقيقي للاتفاق السعودي الإيراني، سيكون هو الأزمة اليمنية، فهل ستنجح إيران في هذا الامتحان أم لا؟ هذا ما ستظهره الأيام المقبلة. خاصة أنه سيكون عليها وقف إرسال الأسلحة للحوثيين، وهو الأمر الذي سيراقبه الجميع.

وفي تقديري أن عوامل التوصل لاتفاق ينهي الأزمة في اليمن متوفرة، في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى، فإيران تمر بأزمة اقتصادية خانقة، وظروف داخلية مضطربة، وسط استمرار العقوبات الأمريكية عليها، وهو ما يجعلها في أشد الحاجة إلى كل من الإمارات والسعودية على المستوى الاقتصادي للتخفيف من حدة الأزمة التي تواجهها، وهذا ما يجعل الحل في اليمن أقرب من أي وقت مضى.

ينظر إلى الوساطة بين طهران والرياض باعتبارها توسع للنفوذ الصيني.. هل تقف واشنطن صامتة؟

لا أحد ينكر أن هناك اختراقا  صينيا مهما حدث، بالوساطة الأخيرة بين السعودية وإيران، فهذا الحضور الصيني فاجئ الجميع، ولكن لا أعتقد أن هذا يتم على حساب الحضور الأمريكي في منطقة الخليج تحديدًا، خاصة أن الحضور الأمريكي مستواه أكبر، وأضخم بكثير مما يظنه البعض، فهو متوغل على مختلف الأصعدة العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية.

لكن هل يمثل هذا التنافس أزمة بالنسبة لدول الخليج أم فرصة لإعادة تموضع جديد؟

بالطبع في صالحها، على دول الخليج أن تدير علاقاتها بتوازن مع الطرفين، وأن تقف على مسافة واحدة من الطرفين، وأعتقد أن هذا ما ستقوم به دول الخليج، وبالتحديد السعودية وإيران، اللتان أظهرتا قدرة كبيرة على إعادة التموضع بشكل يتناسب مع التطورات الحاصلة.

هل يمكن أن يكون للاتفاق انعكاس على الأزمة السورية؟

الحديث والتحركات الخاصة بعودة سوريا للجامعة سابقة للاتفاق بين السعودية وإيران، خاصة أن الإمارات كانت قد بدأت هذا المسار منذ عام 2019، مع تحول التوجه نحو النظام السوري، بعدما بدا واضحًا أن المعارضة المسلحة لا تصلح لإدارة سوريا، وهو ما كان بداية قناعة جديدة بإمكانية استمرار نظام الأسد وإعادة سوريا إلى الحضن العربي مجددًا.

ما تأثير هذا الاتفاق على اقتراب السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟

الحقيقة المؤكدة في الوقت الحالي، أنه في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، لا مجال للحديث عن أي تطبيع عربي جديد مع إسرائيل، فالدول التي ذهبت للتطبيع في الفترة الماضية، باتت تراجع نفسها حاليًا بعد تصرفات الحكومة الإسرائيلية. هذه الحكومة أعادت عقارب الساعة والزمن إلى الوراء.

تقصد أن حكومة نتنياهو وضعت الدول العربية المطبعة معها مؤخرا في مأزق؟

إن كانت سببت تلك الحكومة حرجا للدول العربية المطبعة معها مؤخرًا، أو وضعتها في مأزق، فإن الحرج والمأزق الأكبر سببته تلك الحكومة لحلفائها الكبار، مثل الولايات المتحدة التي باتت تتحفظ على وزراء بتلك الحكومة، وفي تحول نوعي لشكل العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، ترفض الولايات المتحدة استقبال رئيس الحكومة الإسرائيلية حتى الآن.

تطور العلاقات المصرية الإيرانية طوال الوقت مرهون بالموقف الخليجي من طهران.. كيف تراها في ضوء التطورات الأخيرة؟

كل دولة من دول المنطقة لها مشاكلها الخاصة مع إيران، ومشاكل مصر تختلف عن مشاكل الخليج مع طهران، وكل منهم يعمل على معالجة تلك المشاكل بالشكل الذي يتماشى مع مصالحه، ومصر عليها أن تعالج مشاكلها مع إيران كما عالجت مشاكلها مع تركيا.

القاهرة كما غيرها من دول المنطقة تسعى لخفض التوتر مع طهران، ولهذا ليس من المستبعد أن تشهد الفترة المقبلة انفتاحًا بين طهران والقاهرة.

كيف تقيم العلاقات المصرية الخليجية خلال الفترة الراهنة؟

زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للمملكة مؤخرًا تؤكد أن العلاقات المصرية السعودية أعمق كثيرًا مما يثار في الإعلام، كون هذه العلاقات لها تاريخها واعتباراتها الإقليمية.

ورأيي أن دول الخليج ستقف مع مصر بكل قدراتها وإمكاناتها، ولا مجال لعكس ذلك، فلا يمكن أن أتخيل أن الإمارات ستوقف دعمها لمصر، والمؤكد أنه لو لم يكن لدى الإمارات سوى دولار واحد لما منعته عن دعم مصر، وذلك لاعتبارات كثيرة وتاريخية، كما أنها كانت وصية الأب المؤسس الشيخ زايد لأبنائه.