مع اشتداد القتال في السودان، ودخول المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع يومها الثالث، تجري الولايات المتحدة اتصالات مباشرة مع الأطراف المتحاربة، على أمل التوصل إلى وقف لإطلاق النار. لكن حتى الآن، لم يبد أي منهما بوادر للتراجع.
وذكر مبعوث الأمم المتحدة للسودان، فولكر بيرثيس، للصحفيين أمس الاثنين، أن أكثر من 180 شخصا لقوا مصرعهم، وأصيب أكثر من 1800 منذ اندلاع الصراع يوم السبت في الخرطوم. بعد أن شهدت العاصمة السودانية المكتظة بالسكان تبادل إطلاق نار وقصف، بعد أن اشتبكت قوات الجيش الموالية للجنرال عبد الفتاح البرهان، مع قوات الدعم السريع التي يرأسها نائب البرهان، الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بـ “حميدتي”.
اقرأ أيضا: بين ثنايا الصراع في السودان.. كيف نزعت العوامل المحلية والدولية فتيل المواجهة؟
ونقل تقرير للمونيتور/ Al Monitor، عن ديفيد ساترفيلد، الذي شغل في عام 2022 منصب المبعوث الخاص للرئيس جو بايدن للقرن الإفريقي، قوله إن “أيا من الطرفين المتنافسين للسيطرة على الدولة الإفريقية المهمة استراتيجيًا لا يتمتع بأيدي نظيفة”.
وأضاف: لا أحد منهما ممثل جيد لبلاده. الأشخاص الذين عانوا هم شعب السودان، الذي كان لديه أمل كبير بعد الإطاحة بالبشير في الديمقراطية، والذي تقوضت آماله بسرعة بسبب الأعمال المشتركة لحميدتي والبرهان.
فوضى الخرطوم
تأتي الاضطرابات بعد أربع سنوات من الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير، على يد الجيش في أبريل/ نيسان 2019 بعد شهور من الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، انزلقت البلاد في المزيد من الفوضى السياسية، عندما قام البرهان، وحميدتي بتدبير انقلاب عسكري أسقط الحكومة الانتقالية المدعومة من الغرب، والتي تم تعيينها في السلطة بعد الإطاحة بالبشير.
وفي ديسمبر/ كانون الأول، تم التوصل إلى اتفاق إطاري لإعادة الانتقال الديمقراطي قصير العمر إلى مساره الصحيح. لكن العملية توقفت بسبب الخلافات حول كيفية دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية. تحول الصراع على السلطة إلى قتال كامل يوم السبت.
ومع ارتفاع عدد القتلى يوم الاثنين، تم الإبلاغ عن انقطاع التيار الكهربائي وانقطاع الإنترنت على نطاق واسع.
ووفقًا لنقابة الأطباء السودانية، فإن العديد من المستشفيات لا تزال خارج الخدمة، وهناك مستشفيات أخرى تعاني من نقص الإمدادات اللازمة لعلاج الجرحى.
إنذار في واشنطن
في أعقاب تقارير عن إطلاق النار الكثيف الذي شهدته الخرطوم، أمرت السفارة الأمريكية في نهاية هذا الأسبوع موظفيها بالاحتماء في أمكانهم لكنها قالت إنه لا توجد خطط فورية للإخلاء.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، أمس الاثنين، أن إدارة بايدن على اتصال مع كل من الجيش وقوات الدعم السريع “لحثهما على إنهاء الأعمال العدائية على الفور دون شروط مسبقة”.
كما انخرطت الإدارة -التي علقت المساعدات المالية للسودان في أعقاب انقلاب أكتوبر/ تشرين الأول 2021- أيضا مع شركاء إقليميين يحتفظون بنفوذهم في البلاد. بما في ذلك الإمارات والسعودية، وفق التقرير.
وقال وزير الخارجية أنطوني بلينكين إن “هناك قلق عميق مشترك بين الحلفاء” بشأن العنف الحالي في السودان. حسب قوله.
وأضاف في قمة وزراء خارجية مجموعة السبع في اليابان: الناس في السودان يريدون عودة الجيش إلى ثكناته. يريدون الديمقراطية. إنهم يريدون حكومة يقودها مدنيون. السودان بحاجة للعودة إلى هذا الطريق.
كما أعرب المشرعون الأمريكيون من كلا الحزبين، عن قلقهم من الاضطرابات.
في بيان مشترك يوم السبت، دعا رئيس الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايكل ماكول -جمهوري من تكساس- والعضو البارز جريجوري ميكس -ديمقراطي من نيويورك- إلى وقف إطلاق النار. ودعا إلى الانتقال إلى الحكم المدني “وهو السبيل الوحيد للمضي قدمًا نحو سلام واستقرار دائمين في السودان “.
لكن كاميرون هدسون، رئيس الأركان السابق للعديد من المبعوثين الأمريكيين الخاصين إلى السودان، قال إن وقف إطلاق النار بين قوات البرهان وحميدتي “غير مرجح”، ما لم يكتسب أحد الطرفين ميزة تكتيكية كبيرة على الآخر.
وأضاف: لا أعتقد أن هناك أي حافز أو أي سبب لأي من الجانبين، للدخول في أي نوع من محادثات وقف إطلاق النار، أو التفاوض. وبصراحة، لا أعتقد أنهم يريدون ذلك. لقد كانوا يستعدون لهذه المعركة لفترة طويلة، وهم أخيرًا هنا.
معاناة شعبية
حتى قبل القتال الأخير، كان سكان السودان، البالغ عددهم 45 مليون نسمة، يعانون من أزمة اقتصادية.
وبينما تقدر الأمم المتحدة أن حوالي ثلث الشعب السوداني، يحتاج إلى مساعدات خارجية للبقاء على قيد الحياة، من المتوقع أن يؤدي إغلاق المطار والطرق الحاليين إلى إعاقة الاستجابة الإنسانية المطلوبة.
كما علّق برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الأحد، العديد من برامجه في السودان، بعد مقتل ثلاثة من موظفيه في إقليم دارفور بغرب البلاد. وإلحاق أضرار بإحدى طائراته في الخرطوم.
يقول التقرير: على عكس النزاعات السودانية السابقة التي حدثت في دارفور، ومناطق ريفية أخرى، يدور القتال الحالي في الخرطوم، وهي مدينة كثيفة عدد سكانها حوالي 5 ملايين نسمة. إذا لم يتم فتح ممرات المساعدات إلى العاصمة قريبًا، فقد حذر هدسون من “أزمة إنسانية لا مثيل لها” لسكان المدن.