وافق مجلس الوزراء على رفع سعر شراء أردب القمح من المزارعين في الموسم الحالي إلى 1500 جنيه (ما يعادل 48.59 دولار)، في وقت يصل فيه استيراد مصر من القمح الخارجي إلى نحو 45%.

ويمثل السعر الجديد زيادة بنسبة 50 بالمئة عن السعر الأولي الذي حددته الحكومة لموسم 2023 عند 1000 جنيه (ما يعادل 32.36 دولار) في أغسطس/آب الماضي.

تطبيق قرار رفع سعر أردب القمح فتح الباب للتساؤل حول أسباب إقرار الزيادة الجديدة، وتأثيرها على السوق واتجاه المزارعين لزيادة إنتاجهم للاستفادة من فارق التسعير الجديد، ودور القرار في خفض الفاتورة الاستيرادية.

مصر تنتج 50% من احتياجها

بحسب الحملة القومية للقمح، فإن مساحة محصول القمح بمصر تقدر بنحو 3,6 ملايين فدان، تنتج حوالي 9 ملايين إلى 10 ملايين طن من القمح. بينما الاحتياجات المحلية تصل إلى 18 مليون طن. لذا تستهدف الحكومة رفع الإنتاج المحلي إلى 12 مليون طن.

ومؤخرًا، غير المسئولون دفتهم نحو القمح الفرنسي، بتغيير المواصفات الخاصة بالاستيراد، وذلك بالسماح بنسبة رطوبة تبلغ 13,5%. ومن حق كل دولة تحديد نسبة الرطوبة التي تلائم مناخها. بما لا يتجاوز اشتراطات الهيئة الدولية “كوديكس” بألا تزيد نسبة الرطوبة عن 14.5%.

وكانت وزارة التموين تستهدف في اللجوء للقمح الفرنسي مواجهة القرارات المتتالية للحكومة الروسية بفرض ضريبة أعلى على تصدير القمح من أجل تعزيز الاحتياطيات الداخلية حينها.

لماذا رفعت الحكومة سعر التوريد؟

على الجانب الآخر من الاستيراد الخارجي، اتجهت الحكومة إلى العمل بشكل مكثف على صعيد رفع الإنتاج المصري من القمح لذا بدأت في فرض عدد من الحوافز التي تضمن من خلالها رفع معدلات الإنتاج وتحفيز المزارعين على توريد القمح إلى الحكومة.

وقالت غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات إن قرار زيادة سعر أردب القمح المحلي سوف يسهم في دعم المزارع المصري، وتشجيعه على التوسع في زراعة المحاصيل الاستراتيجية، كما يسهم القرار في تخفيض الفاتورة الاستيرادية للقمح.

النائب طارق حسانين رئيس غرفة صناعة الحبوب، يقول إن الغرفة قد سبق وأرسلت خطابًا لوزير التموين والتجارة الداخلية، برؤيتها الفنية للعمل على زيادة توريد القمح المحلي للموسم 2023 من خلال رفع سعر توريد القمح المحلي وفقًا للسعر العالمي حيث يبدأ موسم التوريد اعتبارًا من منتصف شهر إبريل/نيسان الجاري.

وقف التسريب للسوق السوداء

وأضاف رئيس الغرفة، أن رفع التوريد يحقق الأهداف المنشودة لتشجيع المزارعين على توريد كميات كبيرة من القمح المحلي، الأمر الذي يوفر العملة الصعبة اللازمة للاستيراد من الخارج، كما سيشجع أيضًا المزارعين على التوسع في زيادة المساحات المنزرعة من القمح مستقبلًا.

وذكر حسانين أن ذلك سيساهم في عدم تسريب كميات من القمح المحلي للسوق السوداء إلى المطاحن الحرة بنسبة 72%، وهي المطاحن المحظور عليها حيازة وطحن القمح المحلي إلا بالموافقات المسبقة من وزارة التموين لنوعية محددة للمكرونة.

خفض الفاتورة الاستيرادية

عدد من المتعاملين في قطاع الحبوب، لفتوا أيضًا إلى أن تحريك سعر التوريد للحكومة سيعزز من حجم الكميات الموردة لمنظومة الخبز المدعم.

وفي ذلك، يقول أحمد أبو اليزيد الخبير الزراعي، إن رفع مساحة الرقعة المنزرعة بالقمح وتوريد الإنتاج للحكومة سيخفض الفاتورة الاستيرادية خلال 2023، وبالتالي تقليص حجم الضغط على الموازنة العامة للدولة.

عانت مصر خلال الفترة الماضية من أزمة تدبير الدولار اللازم لسد احتياجات السوق من القمح وغيره من السلع والمنتجات الغذائية وبالتالي محاولة الوصول إلى طرق بديلة تضمن من خلالها عدم اللجوء إلى الدولار يُعد مكسبًا للسوق المحلية خاصة خلال فترة الأزمة الراهنة، وفق أبو اليزيد.

أضاف أبو اليزيد أن مصر لاتزال في مرحلة محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح لتجنب الاستيراد الخارجي. وتعد الحوافز الجديدة واحدة من تلك المحاولات التي ربما تُمكن الدولة من الوفاء بالطلب المحلي، حال ثبات الاستهلاك وإضافة رقعة زراعية جديدة من الأراضي قادرة على زيادة إنتاجية المحصول لنحو 30 أردبًا للفدان بدلًا من 18 و20 أردبا حاليًا.

ولفت إلى ضرورة التوسع الرأسي في الزراعة والتي يقصد بها زيادة إنتاجية الفدان، من خلال اختيار أصناف القمح الجيدة، والتي يمكن الاعتماد عليها بكل سهولة لتحسين جودة إنتاج الفدان الزراعي، أخذًا في الاعتبار التغيرات المناخية المتقلبة الحالية التي تدفعنًا لإنتاج أصناف تتناسب مع هذه التغيرات.

القمح الروسي ضروري لمصر

تشير التقديرات إلى أن صادرات روسيا وأوكرانيا من القمح المجمعة للسنة التسويقية 2021-22 تمثل 23% من الإجمالي العالمي البالغ 206.9 ملايين طن متري. وفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية.

ويستحوذ القمح الروسي على النصيب الأكبر من الواردات المصرية، فمصر هي أكبر مستورد ومشترٍ للقمح في العالم. وبحسب بيانات وزارة الزراعة الأمريكية فإنه خلال الفترة من يوليو/تموز 2020 إلى يونيو/حزيران 2021، بلغت واردات القمح الروسي إلى مصر 8.96 ملايين طن من إجمالي 13.3 مليونا استوردتها مصر خلال هذه الفترة.

وتنقسم المشتريات المصرية بين الهيئة العامة للسلع التموينية والقطاع الخاص. في الوقت الذي تشير فيه وزارة الزراعة الأمريكية إلى ارتفاع واردات مصر من القمح إلى 13.6 مليون طن خلال موسم 2021-2022 مقارنة بنحو 13.3 مليون طن في موسم 2020-2021.

ويرى عدد من الخبراء أن استهلاك مصر من القمح ارتفع بنهاية العام المالي الماضي لنحو 23 مليون طن. بزيادة نسبته 2.1%. بسبب ارتفاع عدد السكان، وتنامي حجم الاستهلاك المحلي من المنتجات القائمة عليه مثل الخبز والمكرونة وغيرها من المنتجات الأساسية بالنسبة للمواطن المصري.

ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن قيمة واردات مصر من القمح سجلت ما قيمته 2.4 مليار دولار خلال الـ 11 شهرا الأولى من عام 2021. بكميات بلغت 6.1 ملايين طن، وتصدرت روسيا قائمة أعلى عشر دول استوردت مصر منها خلال الـ 11 شهر الأولى من عام 2021 بقيمة 1.2 مليار دولار، وبكمية بلغت 4.2 ملايين طن بنسبة 69.4% من إجمالي كمية واردات مصر من القمح. وجاءت أوكرانيا بالمرتبة الثانية بقيمة 649.4 ملايين دولار، وبكمية 651.4 ألف طن بنسبة 10.7%.

مصر أكبر مشتر للقمح الأوكراني

وباتت مصر أكبر مشتر للقمح الأوكراني، بعدما استوردت منه أكثر من 3 ملايين طن متري عام 2020. ما يعادل حوالي 14% من إجمالي القمح المستورد حينها. خاصة أن القمح الأوكراني يتسم برخص السعر حال مقارنته بالفرنسي.

وبحسب تقرير سابق لوزارة التموين والتجارة الداخلية، فإن مخزون القمح في مصر يكفي لأكثر من 5.2 أشهر، ذلك مع وجود خطة مستمرة لتأمين مخزون كل السلع الاستراتيجية سواء من خلال الحصول على المحصول المحلي من المزارعين، أو من خلال الاستيراد من الخارج من خلال إجراء المناقصات العالمية.