عندما اندلعت الاشتباكات في العاصمة السودانية الخرطوم، خلفت ورائها عشرات القتلى ومئات الجرحى، وهي أعداد في ازدياد على مدار الساعة. بعد أن فشلت قوات الدعم السريع شبه العسكرية والجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان في الاتفاق على الانتقال إلى حكومة مدنية.

وفي مقال تحليلي كتبه أرييل كوهين زميل المجلس الأطلسي وعضو مجلس العلاقات الخارجية، بمشاركة ويزلي هيل ووليام تايلور، نشره موقع ذا هيل/ The Hill. يلفت إلى أن موجة عدم الاستقرار الناتجة عن الهجوم المتبادل بين الجيش وقوات الدعم السريع تهدد باندلاع حرب أهلية.

أعداد الضحايا في ازدياد بعد أن فشلت قوات الدعم السريع والجيش في الاتفاق على الانتقال إلى حكومة مدنية

وكتب كوهين: نشأت قوات الدعم السريع من ميليشيا الجنجويد، التي ارتكبت جرائم حرب سيئة السمعة في منطقة دارفور بغرب السودان .

ولفت إلى أن المملكة العربية السعودية والإمارات، دعمت تاريخيا، الجنجويد. حيث وظفتا الميليشيات في الصراعات الليبية واليمنية، بقيادة نائب رئيس الجمهورية محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”.

وأضاف: تسعى قوات الدعم السريع إلى بناء شرعية كافية لمعارضة الجيش السوداني. ومع ذلك، قبل الانقلاب، حشدت قوات الدعم السريع مائة ألف جندي لدعم المجلس العسكري، ولمواجهة أعمال العصابات، والاحتجاجات السلمية.

ضباب الحرب

يشير كوهين إلى أنه “يبدو أن قوات الدعم السريع استهدفت، في البداية، القصر الرئاسي ومقر إقامة البرهان. ثم اندلعت الاشتباكات خارج العاصمة. ادعى كلا الجانبين -على الفور- أنهما يسيطران على المراكز الاستراتيجية والحضرية الرئيسية. لكن، لا يزال من غير الواضح من له اليد العليا”.

والظاهر أن الجنرال البرهان لم يُقبض عليه، لكنه لم يدل بأي تصريحات علنية بشأن تصاعد العنف.

بعد بدء القتال، دعت مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة إلى وقف إطلاق النار. أعرب المجتمع المدني المحلي، ومصر، وجنوب السودان، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والصين، وروسيا، عن قلقهم وعرضوا التوسط.

ومن بين جميع اللاعبين الأجانب المتورطين في اضطرابات السياسة السودانية. تمتلك روسيا أكبر قدر من المشاركة المباشرة والحافز لدعم حميدتي.

وقد بدأت مجموعة “فاجنر”، وهي شركة عسكرية خاصة سيئة السمعة يملكها حليف بوتين المقرب يفجيني بريجوزين -الملقب بـ “طاهي بوتين”- في توفير تدريب رفيع المستوى وتبادل المعلومات الاستخباراتية لقوات الدعم السريع في عام 2017.

وقد اتُهمت فاجنر بانتهاك حقوق الإنسان في أوكرانيا، وكذلك في جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا، أثناء مساعدة قوات الدعم السريع على تعزيز دعمها، من خلال إطلاق حملات تضليل على وسائل التواصل الاجتماعي.

يقول كوهين: في مقابل خدماتها، تم منح فاجنر السيطرة على العديد من مناجم الذهب في دارفور والنيل الأزرق ومناطق سودانية أخرى. بينما سيطرت قوات الدعم السريع منذ فترة طويلة على استخراج الذهب في السودان، مما أعطى المجموعة الروسية طريقًا سهلاً للحصول على الموارد الثمينة.

ويتم تشغيل المناجم التي تسيطر عليها روسيا عبر شركات واجهة مرتبطة ببريجوزين ومختلف أعضاء النخبة في موسكو.

لذلك، في عام 2020، عاقبت وزارة الخزانة الأمريكية Meroe Gold، المستخرج في السودان، وذلك لعلاقة الشركة المنتجة مع مجموعة فاجنر. ثم تبعها الاتحاد الأوروبي في وقت لاحق.

فاجنر في الخرطوم

يؤكد زميل مجلس العلاقات الخارجية أن وجود فاجنر في السودان مهم استراتيجيًا لموسكو.

يقول: عندما رد الغرب على غزو بوتين لأوكرانيا بعقوبات، بدأت شبكة الكرملين من المشبوهين في استغلال الموارد التي يسيطرون عليها لتأجيج الحرب.

هنا، ظهرت خطة نهب الذهب السوداني كوسيلة لدعم الاقتصاد الروسي ودعم صندوق الحرب.

كشف تقرير استقصائي أجرته CNN في الفترة من فبراير/ شباط، إلى يوليو/ تموز 2022، عن 16 رحلة جوية روسية معروفة لتهريب الذهب من السودان. يُزعم أن هذه الرحلات كانت تحت إشراف قائد كبير في فاجنر، يتمتع بخبرة واسعة في العمل في كل من ليبيا وسوريا.

وبالفعل، موسكو لديها سجل حافل في الاستيلاء على الموارد الطبيعية في السودان وأماكن أخرى في إفريقيا.

في عام 2018، وقعت الحكومة السودانية صفقة لتكرير النفط مع روسيا، بينما سهلت قوات الدعم السريع البناء المخطط لقاعدة بحرية روسية في ميناء السودان. حيث ستساعد القاعدة في تأمين إمدادات النفط، من خلال العمل كجسر حماية لشركات النفط الروسية العاملة في البحر الأحمر.

يضيف كوهين: هكذا، لن يساعد روسيا فقط في تأمين مصدر دخل موثوق به، ولكنه سيوفر أيضًا للجيش الروسي موقعًا استراتيجيًا.

على عكس الحرب الباردة في القرن العشرين، التي دارت رحاها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حول الأيديولوجيا والجغرافيا السياسية، فإن تكملة القرن الحادي والعشرين تدور حول الاقتصاد الجغرافي، والموارد الطبيعية على وجه الخصوص: النفط والغاز واليورانيوم والغذاء والماء. وكذلك الذهب والماس.

ويشير المقال إلى أنه “على الرغم من أن تجدد العنف في السودان قد يزعج فاجنر. إلا أن المجموعة قد حققت بالفعل ما يكفي من الغزوات لضمان إمدادات ثابتة من الذهب والنفط في حالة اندلاع حرب أهلية”.

يضيف: حتى مع ضآلة الموارد بسبب حرب المرتزقة التي شنها بريجوجين في أوكرانيا. فمن المرجح أن يواصل مساعدة قوات الدعم السريع، بينما يتسبب في فوضى كافية لتعزيز قبضته على السودان. إنه يحتاج حميدتي وقوات دعمه السريع للفوز.

ظهرت خطة نهب الذهب السوداني كوسيلة لدعم الاقتصاد الروسي ودعم صندوق الحرب

ضد النفوذ الروسي

يؤكد المقال أن “طريقة اللعب الروسية في السودان تحاكي، عن كثب، العمليات التي تجري حاليًا في ليبيا وسوريا وجمهورية إفريقيا الوسطى”.

يقول: جميعها دول غير مستقرة سياسيًا وغنية بالموارد، وتزود موسكو بسلع ثمينة وتساعدها في تفادي العقوبات.

وأكد أن النفوذ الروسي في إفريقيا لا يزال نهبًا بحتا.

يقول: سيستخدم الكرملين فاجنر كعصا لتأمين الموارد الطبيعية في جميع أنحاء إفريقيا ودفع الولايات المتحدة للخروج، تمامًا كما طردوا فرنسا. لمواكبة ذلك، يجب على واشنطن توسيع المشاركة الدبلوماسية والعمليات الاستخباراتية، وفرض عقوبات على جميع الكيانات المرتبطة بفاجنر في إفريقيا.

أيضا: يجب على الولايات المتحدة أن تطلق مع حلفائها برنامجًا قويًا للتدريب العسكري ومبيعات الأسلحة لتعزيز الحكومات الموالية للغرب في المناطق التي تتجول فيها الصين وروسيا وداعش.