بعد ثماني سنوات من القطيعة السعودية، زار وفد من حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بقيادة كبار مسؤوليها، المملكة لأول مرة منذ عام 2015، في إطار سلسلة من التحولات الإقليمية لسياسات ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، كان أبرزها اتفاق استعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران -مارس/آذار الماضي- التي تتمتع بصلات قوية مع “حماس”.

وتراجعت علاقات حماس، مع الرياض خلال السنوات الماضية. كما أدت علاقتها المتنامية مع إيران إلى إضعاف علاقتها مع السعودية، التي نظرت أيضًا إلى الحركة الفلسطينية بريبة لكونها فرعًا من جماعة الإخوان المسلمين، التي اعتبرتها الرياض في كثير من الأحيان تهديدًا، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”.

لكن تلك الدعوة الرسمية لوفد حماس، تعد جزءًا من الحملة الدبلوماسية السعودية للتقارب مع إيران، والتي تجسدت في السعي لاستعادة العلاقات مع النظام السوري، حيث تزامنت زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق لأول مرة، مع استقبال مسؤولي حماس.

وبعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، قالت حماس في بيان لها: “نعتقد أن هذه الخطوة المهمة تصب في مصلحة القضية الفلسطينية وتدعم صمود شعبنا في مواجهة الاحتلال وحربه، والعدوان المستمر على أرضنا وشعبنا ومقدساتنا”. وعدّته “خطوة مهمة على طريق توحيد صفوف الأمة وتعزيز الأمن والتفاهم بين الدول العربية والإسلامية، وتحقيق الاستقرار في المنطقة”.

فيما يبدو الهدف طويل الأجل لمحمد بن سلمان هو التوسط في اتفاق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية، بحسب ما قاله مسؤولون سعوديون للصحيفة الأمريكية، وجزء من حملة أكبر لإظهار النفوذ الدبلوماسي لولي العهد، في المنطقة. إذ تزامنت زيارة حماس مع استقبال ولي العهد لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس.

تاريخ العلاقات بين حماس والمملكة

تاريخيًا، يعود أصل العلاقة بين السعودية وحماس، إلى اللقاء الأول الذي جمع الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، بموسى أبو مرزوق، رئيس مكتب حماس السياسي السابق، وعضو مكتبها الحالي، عام 1988 في مدينة جدة.

وأخذت العلاقات تتطور حتى سمحت السلطات السعودية بفتح مكتب قناة اتصال بين المملكة وحركة حماس بشكل رسمي على الأراضي السعودية. وعاش عدد من مؤسسي الحركة والمقربين منها في المملكة الخليجية، حيث انطلقت حملات تبرعات كبيرة للحركة ومؤسساتها الخيرية، بعضها بمباركة رسمية من السعودية.

ويشير حسام الدجني، الباحث المستقل في الشأن الفلسطيني، إلى أن العلاقات تطورت آنذاك نظرًا للمحدد الديني الذي حكم السياسة الخارجية السعودية، والتقاء هذا المحدد مع الحركة الإسلامية في فلسطين.

ورغم أن المملكة ربطتها علاقات متينة بمنظمة التحرير الفلسطينية إلا أن موقف المنظمة من حرب الخليج المؤيد للرئيس العراقي صدام حسين واحتلاله للكويت، وموقف حركة حماس الرافض للغزو، دفع السعودية لتوفير دعم مالي كبير كان يقدمه الشعب السعودي بموافقة من المملكة لحماس، ما انعكس إيجابيًا على دعم قدرات الحركة وتطوير أداء مؤسساتها الدينية والاجتماعية والثقافية والرياضية.

وفي عام 2007، توسطت المملكة بين حماس وفتح فيما عرف بـ”اتفاق مكة” لوقف الاقتتال الداخلي، ولكن سرعان ما انهار الاتفاق، وانتهى الوضع إلى سيطرة حماس على قطاع غزة، وحركة فتح على الضفة الغربية المحتلة؛ لتتراجع علاقات الحركة الإسلامية مع المملكة.

واستمر الأمر على نفس المنوال حتى عام 2015، حين أعلنت حركة حماس وقوفها مع “الشرعية السياسية” في اليمن، في ظل توتر علاقاتها مع إيران بسبب موقفها من الحرب في سوريا. وتقاربت حينها مع السعودية.

بيد أن العلاقات شهدت انتكاسة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدًا بعد اعتقال السعودية لممثل حماس المهندس محمد الخضري و60 آخرين، عام 2019، بحجة جمع الأموال لدعم المقاومة الفلسطينية، وكان هذا نتيجة التحولات في السياسة السعودية، وتقاربها مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإسرائيل.

فيما استعادت حماس علاقاتها الجيدة مع إيران واصطفت إلى جوار ما يسمى “محور المقاومة”، وهو تحالف عسكري سياسي غير رسمي مناهض للغرب وإسرائيل، ويضم إيران والنظام السوري و”حزب الله” اللبناني، وحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الفلسطينيتين.

اقرأ أيضا: في ظل حكومة صهيونية متطرفة.. مهام الوساطة المصرية باتت أكثر تعقيدًا

لماذا الرغبة في فتح صفحة جديدة؟

في العام الماضي، أطلقت السعودية سراح عدد من مسؤولي حماس، وأفرجت عن الخضري بعد اعتقال دام ثلاث سنوات. وفي فبراير/شباط الماضي، تم الإفراج عن عدد من الفلسطينيين والأردنيين بعد قضاء محكوميتهم.

وعقب الإفراج، شكرت الحركة الحكومة السعودية، معتبرة أنها “خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح”. وفي ذات الوقت أعادت المملكة إرسال المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر.

يقول جاكوب ناجل، الزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن العاصمة، إن التواصل مع حماس يظهر أن السعوديين “يحاولون اللعب على جميع الأطراف، وليس وضع الأوراق في سلة واحدة”.

بينما يأمل مسؤولو حماس كجزء من المحادثات الحالية، في إطلاق سراح عشرات السجناء الفلسطينيين المحتجزين حتى الآن، وفقًا لمسؤولين سعوديين ودبلوماسي مطلع على الأمر، تحدثوا مع “وول ستريت جورنال”.

ويقول مراقبون إن مباحثات وفد حماس في الرياض لن تقتصر على ملف السجناء، وإنما تشمل التباحث في عدد من القضايا المتعلقة بالشأن الفلسطيني والإقليمي، وذلك بهدف وضع تصورات عريضة لتفاهمات حول هذه القضايا. ولكن من المستبعد أن يشمل الأمر التزامات من أي نوع بتقديم دعم مادي للحركة.

يرى يوئيل جوزانسكي، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب إن “التقارب الإيراني السعودي فتح الباب على نطاق أوسع لهذا الاجتماع”. وقال عن الجهود الدبلوماسية السعودية الأخيرة “إنها هائلة”.

ويسعى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مؤخرًا لعقد عدة تحالفات عربية وتصفير خصوماته السابقة، حيث اضطر لتغيير سياساته تجاه محيطه العربي والدولي. وظهر ذلك جليًا في الصلح مع قطر وإنهاء الأزمة مع تركيا، مرورًا بالاتفاق مع الحوثيين استعدادًا لإغلاق ملف اليمن بوساطة عمانية، وصولاً إلى عودة العلاقات مع النظام السوري.

وما تتّبعه السعودية من توجه نحو “تصفير المشاكل” مع كل الأطراف، يأتي رغبةً في التفرغ لشؤون التنمية المحلية والتطوير والاستثمار، ضمن خطتها لتنويع الاقتصاد في عالم ما بعد النفط “رؤية 2030”.

بالإضافة لذلك، و”نظرًا لرغبة السعودية في قيادة العالم الإسلامي فإن بوابة فلسطين مهمة جدًا بالنسبة للمملكة، والفاعل الأكثر تأثيرًا في فلسطين في هذا التوقيت هي حركة حماس، وعليه عودة العلاقات فيه من المكاسب للمملكة أكثر من القطيعة”، يقول صادق أبو عامر، الباحث في مجموعة الحوار الفلسطينية.

على الجانب الآخر، تدرك حماس أهمية السعودية ومكانتها، وتدرك كذلك أن المنطقة مقبلة على تحولات هامة، وأن خارطة إقليمية بدأت بالتشكل، لاسيما مع تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، ووصول حلفاء الولايات المتحدة لقناعة راسخة أن الإدارة الأمريكية ليست حليفًا صادقًا يُعتمد عليه، وأن هناك دورا روسيًا وصينيًا متصاعدًا في المنطقة، بحسب الباحث حسام الدجني، الذي يوضح “وعليه تريد حماس أن تلتحق بالقطار، وتجد لها مكانًا فيه، ومن هنا فإن استراتيجية الانفتاح التي تبناها رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية تؤسس لعلاقات متوازنة مع الجميع”.

يعي القادة الفلسطينيون أكثر من غيرهم مكانة ‎السعودية في السياسة الإقليمية، فأي من القوى الفلسطينية التي لا تملك علاقات مع ‎السعودية ستعاني حالة من انخفاض الوزن داخليًا والانكشاف خارجيًا، فلا شريك للفلسطينيين يمكن أن يعادل مزايا العلاقة مع المملكة سياسيًا وماليًا، وفق تحليل أبو عامر.

ويضيف “هذه المقاربة يدركها قطبا السياسة الفلسطينية ‎فتح وحماس ففي كل المراحل حرص الجانبان رغم اختلافهما مع المملكة في بعض المحطات على تجنب الوصول إلى القطيعة معها. بينما تمسكت المملكة بدورها الفاعل في الملف الفلسطيني، رغم تذبذب علاقاتها من حين لآخر تحديدًا مع حماس ارتباطًا ببعض المؤثرات الإقليمية ودولية، سيما التجاذبات الأميركية/الإسرائيلية مع الطرف الإيراني، والتنافس السعودي مع قوى إقليمية على النفوذ والأدوار الإقليمية”.

اقرأ أيضًا: هل يمكن للسعودية إزاحة الدور المصري في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

قلق إسرائيلي

تقول مجموعة الأزمات الدولية إن الإسرائيليون ينظرون إلى التقارب بين السعودية وإيران عمومًا بقلق، ولكن بادرة استقبال مسؤولي حماس تجعلهم أكثر قلقًا. وقد نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصدر مقرب من النظام الملكي السعودي قوله إن “التطبيع مع إسرائيل على بعد سنوات ضوئية، وحكومة نتنياهو غير مسؤولة”.

البروفيسور إفرايم إنبار، رئيس معهد القدس للشؤون الاستراتيجية والأمنية، قال إن “هذه الأحداث هي في المقام الأول انتقاد للولايات المتحدة وبالتالي لإسرائيل، علاوة على أنها تظهر اهتمامًا سعوديًا بألا يُنظر إليها على أنها في المعسكر المعادي لإيران”.

بينما أوضح روبرت سيلفرمان، الدبلوماسي الأمريكي الكبير السابق في كلا من الرياض وتل أبيب، أنه لم ينظر إلى التحركات الأخيرة من السعودية على أنها بادرة دراماتيكية لسياسة مناهضة لإسرائيل ولكن بدلاً من ذلك كتحول دبلوماسي في استراتيجية جيوسياسية أوسع وأكثر تعقيدًا.

“الوضع الراهن يتحول بالتأكيد بعيدًا عن التطبيع السعودي الإسرائيلي، لكن الرواية القائلة بأن اتفاق السلام كان قاب قوسين أو أدنى من التحقق، كان أيضًا خاطئًا بشكل واضح. السلام الإسرائيلي السعودي هو عملية طويلة ستستمر، لكن هذه العملية تتأثر سلبًا في الوقت الحالي بسبب عدم مشاركة الولايات المتحدة وعدم الاستقرار الإسرائيلي”، يضيف سيلفرمان.

تؤكد “وول ستريت جورنال” أن استعادة العلاقات بين حماس والسعودية تمثل انتكاسة للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وإسرائيل لإقامة تحالف عسكري بين إسرائيل والدول ذات الأغلبية السنية الأخرى ضد إيران وحلفائها. كما أنها تُعقّد هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتمثل في تطبيع العلاقات مع الرياض.

وتذكر أنه بينما يستمر التعاون الهادئ بين إسرائيل والمملكة في مجالات الأمن والاستخبارات والعلاقات التجارية، تباطأت الجهود المبذولة لتوسيع العلاقات مع المملكة الخليجية والدول الإسلامية الأخرى، وفقًا لأشخاص مطلعين على هذه الجهود.

تشير صحيفة “المونيتور” الأمريكية، إلى أن حماس تشهد حاليًا انتعاشًا إقليميًا، فمن منظمة معزولة ومحاصرة تعرض نشطاؤها للاضطهاد في أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط، تتجه حماس نحو إجماع من نوع ما.

يقول مصدر عسكري إسرائيلي رفيع طلب عدم الكشف عن هويته: “ينعكس هذا أيضًا في تصريحات قادة حماس تجاه إسرائيل. لقد غيروا لهجتهم؛ إنهم يظهرون ثقة بالنفس ويعودون إلى لغة التهديدات. هذا لا يعني أنهم ذاهبون للحرب، لكن يعني أنهم يشعرون بحرية أكبر من قبل”.