منذ أن اندلعت المواجهات بين قوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، وقائد قوات الدعم السريع التي يُصنفها بعض المُحللين بـ”ميلشيا” حمدان دقلو؛ اصطف رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، مباشرة، مع الأخير. بل أنه ومنذ اندلاع المواجهات، حوّل ساويرس حسابه الشخصي عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” لمنصة ترويجية لمساندة كل ما يخدم قائد قوات الدعم السريع حمدان دقلو؛ على الرغم من تورط بعض قوات دقلو في بث فيديوهات غير لائقة لبعض أفراد القوات المسلحة المصرية.
وكان بعض الأفراد المُنتمين للدعم السريع، ألقوا القبض على بعض الجنود المصريين المتواجدين بقاعدة مروي العسكرية السودانية، أثناء تواجدهم في مهمات تدريبية مشتركة بين مصر والسودان.
ويُثير ترويج واصطفاف نجيب ساويرس إلى جانب حميدتي، الكثير من الجدل، خاصة مع الموقف الرسمي والشعبي لمصر المؤيد لوحدة السودان وعدم الانجرار وراء ويلات الحرب الأهلية في البلد الذي يقترب عدد سكانه من الـ50 مليون.
بدا واضحًا معارضة ساويرس لقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، إذ اتهمه “بالتصعيد العسكري عبر استخدام القصف بالمدفعية والطائرات لمواقع مدنية ما سيؤدي لمزيد من عدد الضحايا الأبرياء”.
فيما فسر أحد رواد موقع التواصل الاجتماعي تويتر، موقف نجيب ساويرس، بأن “ساويرس كان يمتلك أعمال ومصالح استثمارية في السودان أثناء حكم الرئيس المعزول عمر البشير، وله موقف مؤيد من حمدان دقلو من أجل الحفاظ على مصالحه”.
استثمارات في ذهب السودان
حتى عام 2015 كان رجل الأعمال نجيب ساويرس يمتلك حصة بنسبة 44% من شركة أرياب للتعدين وذك منذ شراءها عام 2012، وهي الشركة التي تمتلك مناجم لمعادن الذهب والفضة والحاس في منطقة أرياب في ولاية البحر الأحمر السودانية. وبدأ حينها ساويرس العمل في المشروع بالتعاون بين الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية السودانية وحكومة فرنسا.
وكانت الحكومة السودانية تمتلك نسبة 56%، وحكومة فرنسا 44%، ثم باعت السودان نسبة 44% من أسهمها إلى نجيب ساويرس في صفقة لم يُعلن عن قيمتها لتنخفض حصتها إلى 12% فقط من الشركة، قبل تُعاود شراء نسبة الـ44% في إبريل/ نيسان 2015، في صفقة قُدرت قيمتها بنحو 100 مليون دولار.
وبلغ إنتاج شركة أرياب من الذهب في عام 2015 نحو 1.5 طن من الذهب، فيما تبلغ الاحتياطات المؤكدة بمناجم الشركة إلى ما يساوي 17 مليار دولار، وذلك في موقعين فقط من 10 مواقع تمتلكهم أرياب.
لكن ومنذ تلك اللحظة، لم تنقطع علاقات ساويرس بالسودان ولا مسئوليه، خاصة حمدان دقلو المُسيطر على جبال الذهب في السودان، باستخدام علاقات غير مشروعة مع دول عربية يتم التهريب الذهب إليها.
ففي أعقاب ثورة السودان التي أطاحت بالرئيس السوداني المعزول عمر البشير، قام نجيب ساويرس بزيارة مفاجئة إلى ولاية البحر الأحمر السودانية وتحديدًا منطقة شنعاب، رافقه فيها والي البحر الأحمر عبدالله شنقراي.
وعلق ساويرس حينها، بأنها زيارة ضمن برنامج التنمية المستدامة بالولاية، خاصة وأن منطقة شنعاب هي أحد مناطق المشروعات المطروحة في مؤتمر باريس الاقتصادي ضمن ثلاثة مشروعات.
لكن، وبحسب المتداول هناك، فإن ساويرس قام بالتنسيق وتنفيذ بعض المشروعات مع ناظر قبائل “الهدندوة” ورئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا محمد الأمين ترك”، والأخير كان قد رفض لجنة شُكّلت بعد الثورة السودانية بإعادة الأموال المنهوبة خارج السودان من بعض رجال الأعمال.
عودة ساويرس للسودان
وفي عام 2022، كشف مسئولو شركة لامانشا، إحدى شركات نجيب ساويرس، أثناء مقابلتهم لوزير المعادن السوداني محمد بشير عبدالله، أن ساويرس ينوي العودة للاستثمار في قطاع التعدين بالسودان، وأن هناك خطوات جيدة وتقدم ممتاز في هذا المجال، وهناك المزيد من الفرص للتقدم في الاستثمار التعديني بالسودان.
وشركة لامانشا هي شركة خاصة للذهب مملوكة لعائلة ساويرس، ولديها استثمارات في إنديفور للتعدين المدرجة في تورونتو وهي شركة لديها عدد كبير من المناجم في إفريقيا، وإيفوليوشن للتعدين الأسترالية.
وبحسب مسئولي لامنشا، فإن التركيز سيكون منصبًا على التعدين عن الذهب لكن الفرصة مواتية حاليًا للاستثمار في مجالات تعدينية أخرى كالطاقة وغيرها، كما تم الكشف عن وجود إحدى شركات ساويرس التي تعمل في مجال البحث عن الذهب والتي قال إنها في مرحلة الاستكشاف.
مؤخرًا، أجرى نجيب ساويرس، مباحثات مع شركة أرياب الحكومية السودانية للدخول في تفاهمات حول عودته للاستثمار في مناطقهم بالبحر الأحمر.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أشار نجيب ساويرس، في مقابلة مع CNBC عربية، إلى أن شركته تدرس إقامة مشروع سياحي في السودان باستثمارات قد تبدأ بنحو 50 مليون دولار.
لماذا حمدان دقلو؟
يكشف تقرير نشرته منظمة جلوبال ويتنس، وهي منظمة حقوقية تعمل بمجال مكافحة الفساد، عام 2019، أن حمدان دقلو وقواته من الدعم السريع يُسيطرون على عدد من المناجم بأنحاء متفرقة من السودان، وهذا ما جعل حمدان دقلو وقواته طرفًا رئيسيًا في صناعة تعدين الذهب التي تُمثل جزءًا كبيرًا من صادرات السودان.
كما تُوضح المنظمة في تقريرها، أن واجهة تصدير الذهب السوداني إلى الإمارات هي شركة “الجنيد”. وأُنشأت الجنيد عام 2009، من جانب عبد الرحمن حمدان دقلو، شقيق حميدتي. وهو في الوقت نفسه عضو مجلس إدارة في تلك الشركة. إضافة إلى عادل عبد الرحيم حمدان دقلو، وعلاء الدين عبد الرحيم حمدان دقلو.
وتمتلك شركة الجنيد حسابًا بنكيًا باسمها في بنك أبوظبي الأول، حيث يتم تسديد الدفعات النقدية جراء تصدير الذهب من خلاله، وفقًا لمنظمة جلوبال ويتنس. ويُصدِر السودان من الذهب سنويًا ما يصل قيمته إلى 16 مليار دولار، تستحوذ الإمارات على 99% منها.
بالذهب، أصبح حميدتي يسيطر على أكبر “ميزانية سياسية” في السودان. تلك الأموال التي من الممكن إنفاقها على الأمن الخاص، أو أي نشاط آخر، دون الحاجة إلى تقديم حساب. وذلك عبر “كارتل الجنيد الاقتصادي”، التي باتت تغطي أوجه أخرى من الاستثمارات في مجالات التعدين والنقل وتأجير السيارات والحديد والصلب.
ويُدير زمام هذا “الكارتل أو التكتل الاقتصادي” شقيق حميدتي الأكبر، عبد الرحيم حمدان دقلو. وقد ظهر فجأة على مسرح الأحداث برتبة فريق، والنائب الثاني في قوات الدعم السريع. وهو الوحيد الذي يظهر علنًا مع شقيقه. بينما يتولى أفراد الأسرة الآخرون إدارة باقي القطاعات، بعيدًا عن الإعلام، ولا يُعرف عنهم شيء بشكل رسمي.
كما باتت لشركة الجنيد أفرع في مناطق متفرقة من السودان. وأيضًا اتجهت للتعدين في مناطق أخرى من إقليم دارفور، وبالتحديد في منطقة جبل مون، الواقعة في غربي مدينة الجنينة، في الجزء الغربي من إقليم دارفور.