فى ورقة جديدة لمركز “دام”، صدرت ضمن أعمال المسابقة البحثية للمركز، تناقش الباحثة ندي مجدي تأثير التمكين النفسي للمرأة على التمكين الاقتصادي والسياسي.
تتضمن الورقة التي أعدتها الباحثة فى مجال علم النفس عرضًا لمفهوم وأبعاد التمكين النفسي، ودور الأبعاد النفسية والاجتماعية فى تحقيق المساواة ودعم المشاركة السياسية.
تنطلق الورقة من فرضية أن التمكين النفسي يلعب دورًا هامًا في جوانب التمكين المختلفة. كما تدفع الصلابة النفسية على مواجهة التحديات والمشكلات، وتساهم في زيادة صور المشاركة، وتفترض أن تمكين النساء يتطلب تعزيز التمكين النفسي.
هذا وتأتي أهمية الورقة نظرًا لقلة الدراسات التي تتناول علاقة التمكين النفسي بالتمكين السياسي والاقتصادي، وهي تحاول إبراز علاقة التمكين النفسي بالأبعاد المختلفة لتمكين النساء، واستخدمت في البحث المنهج الوصفي. كما اختتمت الورقة بتقديم عدد من التوصيات.
للاطلاع على الورقة:
التمكين وعلاقته بالحركة النسوية
نالت قضية تمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا اهتمامًا ملحوظًا منذ التسعينيات، بينما لم يكن موضوع التمكين النفسي في علاقته بمناحي التمكين الأخرى محل اهتمام كبير.
في الستينيات والسبعينيات ارتبط مفهوم التمكين بالحركات الاجتماعية، وركز على الجوانب السياسية ونقد ضعف سياسات التنمية، وكان المفهوم Women’s Empowerment حاضرًا في ثمانينيات القرن الماضي، وأصبح من المفاهيم المحورية في دراسات النوع الاجتماعي.
منهاج بكين
وفى التسعينيات احتوى منهاج عمل بيكين، والذي صدر ضمن أعمال لجنة المرأة بالأمم المتحدة 1995، على خطة تتعلق بتمكين المرأة، وحث الحكومات والمجتمع الدولي وهيئات المجتمع المدني على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإتاحة مختلف الحقوق للنساء دون انتقاص أو تمييز.
أشار منهاج بكين في بعض بنوده بشكل مباشر إلى التمكين النفسي، وأكد على الدعم الاجتماعي والنفسي اللازم للنساء.
التمكين النفسي.. المفهوم والأبعاد
يعد مفهوم التمكين النفسي من المفاهيم الحديثة نسبيًا في علم النفس؛ ويظهر ضمن مفهوم الكفاءة والدافعية، ومشاركة الآخرين للمعرفة، وهو يساهم في رفع كفاءة الفرد ويعد من أهم مقومات الصحة النفسية.
والتمكين النفسي أحد مصطلحات علم النفس الإيجابي الذي يمكن تنميته لدى الأفراد في مختلف المجالات (caswell,2013,56) يمكن تناول المفهوم من منظورين رئيسيين، اجتماعي – بنيوي ونفسي.
يشير كليري وزيمرمان (cleary&Zimmerman,2004) إلى التمكين الأول باعتباره بناء تصورات للتحكم الشخصي واتباع نهج استباقي للحياة وفهم البيئة الاجتماعية والسياسية المحيطة بالفرد.
التمكين التنظيمي
يرتبط التمكين النفسي بالتمكين التنظيمي والذى يعني قُدرة الأفراد على العمل معًا بشكل منظم لتحسين حياتهم الاجتماعية وتكوين روابط بين منظمات المجتمع المحلي المختلفة بما يساعد على تحسين جودة الحياة.
البعد الاقتصادي
يشير تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن ثلثي فقراء العالم نساء، وأن مشاركتهن ليست مهمة فقط من أجل التصدي للفقر، بل لأن زيادة الدخل تسهم في تنشيط النمو الاقتصادي بشكل عام.
ويرى البنك الدولي أن تمكين المرأة من العناصر الأساسية في عملية التنمية ومكافحة الفقر، وهو يساهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية.
وللتمكين الاقتصادي Economic Empowerment بما يتضمنه من القدرة على الوصول والسيطرة على الموارد وتوفير فرص عمل أهمية قصوى للنساء، حيث يعزز المشاركة في صنع القرارات و الاستقلالية المالية ويساهم في حياة أفضل للأطفال.
تمكين العاملات نفسيًا
وتبرز أهمية التمكين النفسي للنساء من أن القوى العاملة النسوية الممكنة نفسيًا تكون محفزة للمساهمة في الاستراتيجيات المبتكرة في المؤسسة.
كما تشير أدبيات التمكين النفسي إلى أن المؤسسات التي تعمل على تمكين الموظفين تستطيع زيادة إنتاجيتها، ويؤدي الرضا الوظيفي إلى تقليل متلازمة الإرهاق.
البعد السياسي
إلى جانب البعد الاقتصادي والسياسى والاجتماعي، كبعد خارجي، هناك بعد داخلي يرتبط بالصلابة النفسية وكلا البُعدين يتطلبان تدخلًا خارجيًا لمساعدة المرأة ودعم تمكينها.
تشير الورقة إلى أن التمكين السياسي Political Empowerment بما فيه من الانخراط في النظام السياسي يتيح التمكين الاجتماعي الثقافي Socio-Cultural Empowerment والذي يتضمن المشاركة الاجتماعية خارج نطاق الأسرة.
هذا ولا يمكن أن تتحقق أشكال التمكين المختلفة دون التمكين النفسي Psychological Empowerment لأنه يتيح ويعزز الاندماج والاستحقاق، كما يُعزّز القبول المجتمعي.
التمكين والفاعلية التنظيمية
يؤدى التمكين النفسي إلى الاعتراف بحق الفرد بالحرية والتحكم، وهذا الأمر يمتلكه الانسان بما يتوافر لديه من إرادة مستقله وخبره ومعرفة ودوافع داخليه ، وما يساهم في توضيح أهميه التمكين النفسي بشكل أكبر هو أن التمكين يعطي الفرد مزيدًا من المسئولية المناسبة للقيام بما هو مسئول عنه.
كما يحسن التمكين النفسي الفعالية التنظيمية للمؤسسات ويوسع نفوذها، ويتيح إقامة شبكة من التفاعلات مع منظمات أُخرى.
من النظريات التي تناولت التمكين النفسي نموذج سبرايتزر spreitzer. وهو بنية دافعية تتضمن أربعة أبعاد هي الشعور بالتأثير والقيمة والكفاءة وتقرير المصير.
وإذ فقد الفرد الشعور بالثقة في قدراته، وانخفض شعوره بالكفاءة الذاتية، فإنه لن يستطيع مواجهة خوفه من الفشل، في حين أن الشعور بالقدرة والكفاءة يشجع الفرد على القيام بمزيد من المحاولات لإتقان المهام، ويزيد من استعداده لبذل الجهد والمثابرة لمواجهة العقبات التي تواجهه.
ويقصد بتقرير المصير ممارسة السيطرة على الأساليب المستخدمة لأداء أنشطة العمل، وتحديد جدول زمني لأدائها.
ويمنح التمكين النفسي السلطة باتخاذ القرارات وحرية التصرف فيما يؤديه من أعمال، أما شعور الفرد بأنه يتبع تعليمات الآخرين وينقذ قراراتهم فهذا يحد من شعوره بالتمكين النفسي Psychological Empowerment كما يقيد استقلاله ولا يمنحه فرصة اتخاذ القرار.
وغالبًا ما تواجه النساء في كثير من الأحيان حالات التقيد والتى تحد من الصحة النفسية والتمكين النفسي، وبالتالي تقل قدرتها على المشاركة السياسية أو الانخراط في سوق العمل.
التمكين والمساواة
ينطوي التمكين النفسي على مؤشرات مثل احترام الذات والمرونة وانخفاض مستويات التوتر وقوة صنع القرار، وهذا يؤثر بشكل مباشر على الرفاه النفسية للمرأة، كما يعطي احترام الذات القدرة على الفعل والمبادرة.
ويعزز تمكين المرأة بشكل عام وضعها كفرد له قيمة، وبالتالي ينعكس على الإنتاجية، وامتلاك الفرص والموارد، و القوة والسيطرة على حياتها داخل وخارج المنزل.
العوائق الداخلية
ضمن التحديدات التي تواجه تمكين النساء وجود جملة من العوائق النفسية التي يرجع جزء كبير منها للمرأة نفسها حين تتأثر بمحيطها النفسي والاجتماعي والاقتصادي، وكلما ارتفعت مستوى التحديات ربما تزيد حالة انخفاض تقدير الذات ونقص الثقة بالنفس والخوف من الفشل.
في كثير من الأحيان لا تستطيع النساء مقاومة المعاملة التمييزية. ترى أن إخضاعهن أمر طبيعي وشرعي. حيث يخضع العقل الباطن لهذه الضوابط والمعايير.
لذا من الأهمية فهم المعتقدات المتعلقة بوضع الخنوع، هذا التقليل من القيمة ممكن أن يواجه المواطنين الرجال، لكن بالنسبة للنساء. كقهر للمرأة يتم التعامل معه بوصفه وضعا شرعيا.
إذا كسرت فتاة هذا التقليد، فإن المجتمع يتجه نحو العقاب، من منطلق الثقافة الأبوية. التي تهدر القيمة الإنسانية وتعمم ثقافة القهر بما يمنع تمكين النساء وإحراز المساواة بين الجنسين.
المشاركة السياسية
تعُد مشاركة المرأة في مجال السياسية عاملاً أساسياً لتحقيق التوازن والإنصاف مع الرجال وتعطي نتائج إيجابية وملموسة في بناء مجتمعات ديمقراطية قوية وفي سن القوانين التي تعطي أولويةً لقوانين الأسرة التي تنصف بما يحقق المساواة والإنصاف.
رصدت من خلال دراسات ميدانية، علاقة بين تمكين المرأة والصحة النفسية، ووجود قوة ارتباط ايجابية بين تمكين المرأة وتحسين الصحة النفسية، ما يساعد في تفعيل أدوارها.
كما يرتبط السلوك السياسي بمجموعة من العوامل بينها المتغيرات النفسية والاجتماعية، وضمن اسباب انخفاض مشاركة النساء سياسيا تبرز الثقافة الاجتماعية السائدة، وأسلوب التنشئة الذى يشجع الذكور على الانخراط في المجتمع والاعتماد على النفس والاستقلالية.
وعلى عكس ذلك غالبا ما يكون أسلوب التنشئة الخاص بالإناث قائم على أساس الطاعة والخضوع والاستسلام . وأن وظيفتهن الأساسية هي الأعمال المنزلية.
كما يتم التعامل مع المشاركة السياسية والاقتصادية فى احيان كثيرة من منظور التفسيرات الفسيولوجية النفسية، وإن هناك صفات محددة للدور والنشاط، وفى هذا السياق ينظر للعمل السياسي بوصفه معيقا لأدوارهن الاجتماعية وغير مناسب للنساء .
هذه يتطلب تغير ثقافي وقبول لدور النساء، وقبول النساء لأنفسهن وهن يشاركن سياسيا ودعم إيمانهم بأنفسهم.
نتائج وتوصيات
انتهت الورقة بعدد من التوصيات تتعلق بدعم النساء وتمكينهن نفسيا، وضمن ذلك اتخاذ سياسات واجراءات تتضمن إجراء دراسة لبناء مقياس للتمكين النفسي يمكن تطبيقها والاستفادة من أثرها.
الاهتمام بتثقيف النساء فى مجال حقوق الإنسان الخاصة بهن يساعد في معارفهم وبالتالي يدعم تمكينهن النفسي.
وتشير الورقة إلى أهمية وضع برنامج نفسية متخصصة يعمل به اخصائيون علم النفس، مؤهلون لذلك مع ضرورة توفير خدمات الدعم النفسي هذا إلى جانب توافر الخدمات واساليب التدريب والتثقيف ذات الصلة.