تجددت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بمناطق في الخرطوم وأم درمان، في صباح الخميس، على الرغم من اتفاق الطرفين على هدنة وقف إطلاق النار تنتهي في السادسة مساء اليوم. ومن جانبها أعلنت قوات الدعم السريع، تصديها لهجوم شنه الجيش في غرب أم درمان صباح اليوم.
يمثل النزاع الراهن في السودان نتيجة متوقعة للصراع على السلطة بين الأطراف المدنية والعسكرية والصراع داخل كل فصيل، وفيما تحاول الأطراف الدولية والإقليمية حث المتنازعين على احتواء التوتر والتوجه إلى طاولة المفاوضات.
ولكن على الصعيد الميداني تشير التحركات إلى أن السودان ينزلق في مسار يحتمه استخدام القوة، والذي قد يهدد بوقوع حرب أهلية، وأوجبت الأهمية الاستراتيجية للسودان، الأطراف الخارجية على الانخراط في المشهد بحذر والاقتصار على مناشدات ضبط النفس والتمسك بالحل السياسي بين أطراف عسكرية.
وبحسب رامي شفيق الباحث في شئون الشرق الأوسط، وفقا للقراءة المنطقية لأحداث “السبت الأسود” في السودان. حيث الانزلاق نحو نفق المواجهات المسلحة بين قوات الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وميلشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ “حميدتي”.
تعتبر تلك العمليات المسلحة إحدى تجليات الأزمة السياسية المعقدة التي عرفتها الخرطوم منذ قرارات أكتوبر/ تشرين الأول 2021 التي آلت إلى إنهاء الشراكة بين العسكريين والمدنيين.
اقرأ أيضا: بين ثنايا الصراع في السودان.. كيف نزعت العوامل المحلية والدولية فتيل المواجهة؟
غير أن التوصل إلى اتفاق إطاري بين خلال شهر ديسمبر/ كانون الاول الماضي لم يستطع أن يزيح بؤر الصراع الكامنة بين الرجلين. الأمر الذي عقد الشروع نحو إنجاز فعل الانتقال السياسي وتنظيم سلطة مدنية تعمل على تجاوز الأزمة السياسية في البلاد.
إذن، ما هي ردود الفعل الإقليمية حتى الآن؟
مصر
دعت القاهرة كافة الأطراف السودانية إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس من أجل حماية أرواح وقدرات الشعب السوداني الشقيق، ودعم المصالح العليا للوطن.
إسرائيل
تعتبر السودان واحدة من أهم أوراق السياسة الخارجية بالنسبة لإسرائيل، لاسيما بعد موافقة السودان على تطبيع علاقاته مع إسرائيل بموجب اتفاق عام 2020، وخلال الآونة الأخيرة تكثفت الزيارات المتبادلة بين البلدين في إطار تنشيط العلاقات الدبلوماسية.
ومع اندلاع التوترات الأخيرة، تحاول تل أبيب متابعة المشهد عن كثب، إذ تخشى إسرائيل تجميد علاقات التطبيع مع السودان الذي تعده تل أبيب بوابة لها لتعزيز نفوذها وحضورها في القارة الإفريقية.
وفي تلك الأثناء زعمت وكالة المخابرات الإسرائيلية “الموساد” أن الصراع في السودان شأن داخلي ولن يؤثر على عملية التطبيع مع تل أبيب. وعلى الجانب الآخر، ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين لم تسمهم أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تشارك في محادثات الوساطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ويفيد د. خليل أبو كرش الباحث في الشأن الإسرائيلي في معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي، أن العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب تنطلق بموجب مخرجات لقاء عنتيبي 2020، حيث شكل نقطة تحول مركزية في تطبيع علاقات السودانية الإسرائيلية، فيما اعتبره الجنرال عبد الفتاح البرهان يصب في مصلحة السودان سياسيا و اقتصاديا بهدف إنهاء العزلة الدولية المفروضة على بلاده وإخراجه من قوائم الارهاب، بينما نظر نتنياهو الى اللقاء من زاوية ضرورة ضم السودان إلى نادي الدول الصديقة لإسرائيل واستكمال مسار التطبيع مع الإقليم تحقيقا لرؤية تتلخص في أن السلام لأجل السلام، كما يساعد ذلك في جلب الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات.
ويضيف د. أبو كرش، أن الدوائر الأمنية الإسرائيلية تعتقد أن ما يجري الآن في السودان سوف يؤثر على مسار التطبيع مما يعني تأجيل توقيع اتفاق معلن، لذلك فإن إسرائيل في انتظار اتضاح الصورة في المشهد السوداني، حتى تتمكن من صياغة موقف يتناسب مع مصالحها، ومن الناحية العملية لن تقف مكتوفة الأيدي بل قد تعمل بشكل غير مباشر على مساندة وتقديم الدعم بكل أنواعه إلى الطرف الاقوى والاقرب الى رؤيتها للحفاظ على امنها القومي وتعزيز حضورها الاستراتيجي في المنطقة.
ويؤكد د. خلل أبو كرش أن السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه السودان تنطلق بموجب مجموعة من المحددات:
أولا: تعتقد اسرائيل أن ضم السودان الى مسار التطبيع يعزز من مقاربتها المرتبطة بمواجهة إيران واستغلال موقع السودان لصد أي محاولة ايرانية تهدد مصالح إسرائيل.
ثانيا: استمرار حضور الرؤية الاسرائيلية المرتبطة بالسلام لأجل السلام بعكس ما كان سائدا لسنوات طويلة في العلاقات العربية الاسرائيلية والتي كانت تستند الى مقاربة الارض مقابل السلام.
ثالثا: لن تقدم إسرائيل على اتخاذ موقف معلن من طرفي الصراع في السودان وانما ستعمل على التريث والحرص على ملامح الدولة التي تعرض الوساطة بين مختلف الأطراف السودانية، وهو ما يعد بمثابة الانتقال من كونها الدولة العدو الى كونها الدولة القادرة على استغلال قوه علاقاتها مع السودان لتحقيق الاستقرار والهدوء في المنطقة وهذا يشكل مكسب استراتيجي اسرائيلي ويحسن من صورتها الدولية.
رابعا: الرسالة التي سوف تعمل اسرائيل على نقلها وتأكيدها للإقليم والعالم العربي أنها تشكل المفتاح والبوابة التي من خلالها يمكن الوصول إلى البيت الأبيض والتمتع بعلاقات وثيقة مع واشنطن صاحبة السطوة والنفوذ في العالم سياسيا واقتصاديا.
اقرأ أيضا: هل الأصابع الروسية تساهم في غزل اشتباكات السودان؟
الإمارات
يبرز الدور الفاعل للإمارات في السودان منذ اندلاع الاشتباكات مدى عمق الحضور الإماراتي في المنطقة، والذي انعكس في البيان الإماراتي إثر حالة التصعيد، حيث دعت كافة أطراف النزاع في السودان إلى التهدئة وضبط النفس وخفض التصعيد والعمل على إنهاء هذه الأزمة بالحوار، وأضاف البيان: “تتابع سفارة دولة الإمارات لدى الخرطوم بقلق بالغ الأحداث الجارية في السودان الشقيق، وتؤكد على موقف دولة الإمارات الثابت المتمثل في ضرورة خفض التصعيد والعمل على إيجاد حل سلمي للأزمة بين الأطراف المعنية، وضرورة دعم الجهود الرامية إلى دعم العملية السياسية وتحقيق التوافق الوطني نحو تشكيل الحكومة”.
كما يكشف دور الإمارات في عملية الوساطة لنقل الجنود المصريين المتواجدين في مطار مروى على مدار اليومين الماضيين من السودان إلى مصر، العديد من الحقائق حول تشابك التحالفات بين الإمارات وقوى الدعم السريع.
ويشير د. محمد عبد الكريم المتخصص في الشأن الإفريقي، أن للإمارات دور بارز في الفترة قبل أحداث إبريل، كما كانت تعمل بهدف إخراج الجيش السوداني من الحياة السياسية قبل نهاية المرحلة الانتقالية، وكذلك ضغطت في وضع تنفيذ اتفاق إطاري ناقص وغير ضامن لاستقرار السودان على المدى البعيد.
وبالنسبة لإعلان الوساطة، يفيد د. عبد الكريم أنه إعلان متأخر، ويعبر عن خيبة الأمل الإماراتية في خسارة حليفها الاستراتيجي حمدان دقلو “حميدتي”، ولذلك فهي لا تسمى وساطة بالمعنى التقليدي وإنما مساعي لتحقيق الهدوء بين الأطراف المتنازعة، ويضيف أن الإمارات تعد الخاسر الأكبر من التطورات الأخيرة في السودان، خاصة وأن الموقف الدولي الداعم للجيش السوادني يهدد بنفوذها والتالي لن تعود مكانتها في السودان كما قبل 15 إبريل.
تركيا
تعتبر الأحداث في السودان فرصة أمام تركيا من أجل لعب دور إقليمي في المنطقة، حيث تعمل تركيا خلال السنوات الأخيرة على تطبيع العلاقات مع الدول العربية كما تبين في تحركاتها الأخيرة مع مصر ودول الخليج العربي، وفي غضون الاشتباكات في السودان، دعت تركيا طرفي النزاع في السودان إلى الهدوء لتجنب إراقة مزيد من الدماء، وإلى الحوار والمصالحة لإيجاد حل دائم لمشكلات البلاد.
كما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد بلاده لتوفير كل وسائل الدعم للمساهمة في استقرار وسلام السودان، قائلاً: “نتابع بقلق تطورات الأوضاع في السودان وتباحثت مع شقيقي رئيس الجزائر عبد المجيد تبون، وسأجري مباحثات مع الجانبين في الخرطوم”.
وبحسب بيان للرئاسة الجزائرية، “بحث الرئيسان تطورات الوضع الأمني الخطير والمؤسف بالسودان وسبل إيجاد حل لاحتواء الوضع سياسياً ووقف الاقتتال، وشدد الجانبان في هذا الشأن على أهمية الحوار وإعلاء المصلحة العليا”.
ويضيف الباحث رامي شفيق، إن الاشتباكات العنيفة التي تندلع في السودان تعكس بلا ريب الأزمة العميقة في الداخل السوداني وتداعيات ذلك على الوضع الإقليمي والدولي فضلا عن كونه أداة يمكن توظيفها من جانب كافة القوى الفاعلة إقليميا ودوليا صوب هندسة الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط والاستفادة من حالة السيولة السياسية والميدانية والوقوع في نمط الدول الفاشلة لتوظيف تلك الأوضاع للهيمنة والنفوذ الإقليمي والدولي وكذا استخدام ذلك كأوراق ضغط.
ويشير شفيق، أنه من الصعوبة تبين ردود الفعل سواء الاقليمية او الدولية جراء الاشتباكات المسلحة الأخيرة، ولكن يمكن ملاحظة أن الجميع يسعى للاشتباك مع كافة الأطراف والعمل على فحص الواقع وسيناريوهاته وبالتالي نستطيع القول بحسم إن الجميع يدرس الموقف بعناية وهو يتحرك عبر كافة آلياته واجهزته ويضبط مسارات حركته بناء على سيناريوهات المستقبل القريب.
وعن السيناريوهات المتوقعة، يؤكد شفيق من الصعوبة استقراء نتائج العمليات العسكرية حاليا نتيجة تعدد السيناريوهات المرجحة للاشتباكات بيد أن الأكثر ترجيحا هو استمرار الاشتباكات لأفق منظور وإن كان من المتوقع خروج ميلشيا الدعم السريع من العاصمة نظرا لعدم تمتعها بظهير اجتماعي في الخرطوم ورغبتها في الارتكان حيث المناطق التي تعودت القتال فيها ومن ثم التواصل مع بقية الفرق التابعة لها وإدارة التفاوض مع الجيش.