احتد الصراع بين رئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو/ حميدتي، حتى وصل إلى ذروته في الأيام الاخيرة. حيث اندلعت مواجهات عسكرية عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم.
الصراع السوداني بين القوتين العسكرتين لم يكن بعيدا عن اهتمام الأطراف الإقليمية، وخاصة السعودية والإمارات. ظلت السودان هدفا رئيسيا لكلا البلدين في محاولاتهم لإعادة تشكيل المنطقة، والحفاظ على مصالحهم.
وتشير الحرب بين القوى العسكرية اليوم في السودان إلى أن حسابات الإمارات والسعودية لم تكن في محلها، وأن السيطرة على الوضع في الخرطوم ليس بالأمر السهل. حيث أن الجنرالات السودانيون وصراعهم على السلطة يمثل منبعا لعدم الاستقرار، وبالتالي تهديد لمصالحهم في السودان.
الثورة المضادة والتأثير الإيراني
في أعقاب الربيع العربي، تحسست دول الخليج خطر تلك الأحداث. لذلك، سعت دول الخليج بقيادة السعودية لاحتواء آثار الربيع العربي ومنع انتشاره داخل منطقة الخليج والمنطقة بأكملها، في عملية أطلق عليها الاستاذ بجامعة جورجتاون مهران كامرافا “الثورة المضادة”. كانت تلك فرصه للسعودية لأن تأخذ دور قيادي بالمنطقة.
وفي عام 2019، عقب الربيع العربي بسنوات، تصاعدت الاحتجاجات في السودان، ومعها تصاعد الخطر الذي كانت تخشاه دول الخليج مجددا. ولكن هذه المرة كانت فرصة أيضا، حيث أن الإمارات والسعودية وجداها فرصه للتخلص من البشير ذو الميول الاسلامية.
لذلك، عقب سقوط البشير، تدخلت قوى الثوره المضادة -السعودية والإمارات- لدعم المجلس العسكري الانتقالي لمنع السودان من التحول لنظام ديمقراطي. بالإضافة إلى منع الاسلامين من الوصول للحكم.
وعدت الإمارات والسعودية بإعطاء 3 مليارات دولار إلى السودان كمساعدات لدعم المجلس العسكري. يلاحظ جان بابتيست غالوبان (الزميل بالمجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية) أن السعودية تركت ادارة ملف السودان للامارات منذ اواخر عام 2019، فتركزت محاولات دول الخليج في دعم سلطة الجنرالات في السودان وتحجيم دور القوى المدنية.
كما ان موقع السوداني الاستراتيجي في القرن الافريقي وخليج عدن يعطيها اهمية استراتيجية وامنية لدول الخليج. بالاضافة إلى ان السعودية والإمارات سعيا لمنع وقوع السودان تحت التأثير الايراني مجددا لحماية امنهم. خلال السنوات الاخيرة من حكم البشير نجحتا السعودية والإمارات في اقناع البشير بقطع العلاقات مع ايران، وهذا رجع إلى الاموال الخليجية كانت اكثر افادة اقتصاديا للسودان من ايران، حيث ان ايران كانت توفر للسودان الاسلحة بشكل اساسي مما لم يعود بالنفع على الاقتصاد السوداني كالاموال الخليجية. ولذلك عقب سقوط البشير كان على السعودية والإمارات ضمان عدم ضم السودان إلى الجانب الايراني.
صراع وكلاء الخليج في السودان
ترى الدول الخليجية بأن وجود نظام عسكري قوي في السودان سيحافظ على الاستقرار، وبالتالي مصالحهم في السودان. ولكن الجنرالات في الخليج كانوا منقسمين. فهناك الجيش النظامي السوداني بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي.
منذ 2019 حظي حميدتي على الدعم الإماراتي والسعودي، وخاصا الإمارات. حيث ان الإمارات لها مصالح خاصة في السودان تتعلق بالذهب.
استطاع حميدتي السيطرة على مناجم الذهب بالسودان عن طريق قوته العسكرية، واصبح متحكما في تجارة الذهب. كشفت وثائق مسربة في 2019 بان ميزانية قوات الدعم السريع منفصلة عن الجيش السوداني وعن الحكومة السودانية باكملها، حيث ان للقوات حساب خاص ببنك ابوظبي.
كما اظهرت الوثائق بان عائلة حميدتي تتحكم بشركة الذهب (الجنيد) وحميدتي بنفسه عضو في مجلس اداراتها. كما اظهرت الوثائق حصول حميدتي على معدات عسكرية من تجار امارتيون. الإمارات هي المستفيد الاكبر من الذهب السوداني حيث ان في العام 2018 استوردت الإمارات اكثر من 99% من الذهب السوداني. تلك الارباح تعد مصدرا اساسيا لتمويل قوات الدعم السريع.
شارك حميدتي منذ بداية الحرب السعودية -الإماراتية على اليمن بقوات الدعم السريع لدعم التحالف السعودي – الإماراتي لكسب دعم الدول الخليجية. دفع حميدتي بمجندين للمشاركة في قتال الحوثيون في اليمن والدفاع عن حدود السعودية، جاء الاتفاق مع حميدتي للمشاركة في حرب اليمن عقب ارسال البرهان مجنديه النظاميين. اتفقت الإمارات مع حمديتي في اتفاق منفصل على ارسال عدد اكبر بكثير من القوات للمشاركة في اليمن. استغل حميدتي الفقر في السودان وخاصا دارفور، فاعطى حوافز مالية كبيرة للغاية للمجندين الذين يشاركون في الحرب، فوصل عدد القوات إلى 40000 في الاعوام 2016-2017. الدعم العسكري السوداني لم يتوقف في اليمن.
اشار تقرير للامم المتحدة إلى قيام الإمارات بالدفع بقوات سودانية من دارفور لدعم الجنرال خليفة حفتر في ليبيا. اشار مصدر ل ذا ليبيا اوبزيرفر بان الإمارات اجبرت حميدتي على ارسال مزيد القوات إلى ليبيا في 2020 بعد كان مترددا في ارسال المزيد من القوات بسبب المعارضة الداخلية، فهددت الإمارات حميدتي بانها ستوقف الدعم المالي في حال رفضه لارسال المزيد من المرتزقة.
الدعم الخليجي لحميدتي لم يمنع الإمارات والسعودية من دعم البرهان ايضا. حظي البرهان على دعم السعودية والإمارات. عاى الرغم من اعادة البرهان الاسلاميين إلى الخدمة المدنية اثار غضب السعودية والإمارات، ولكن يظل البرهان البديل الافضل لهم من حكومة مدنية ديمقراطية قد تهدد مصالح البلدان. وكما يسعى حميدتي لكسب الدعم الإماراتي – السعودي فالبرهان كذلك يسعى لذلك. فلقد زار البرهان السعودية والإمارات في 2022 سعيا للاستثمارات الخليجية في السودان، وخلال زيارته لم ينسى ثناء الدور السعودي على تحقيق الاستقرار في البلاد واستنكار هجمات الحوثين.
حسابات خليجية خاطئة
استراتيجيات الإمارات والسعودية في السودان سعت لتحقيق التوازن في العلاقات مع البرهان وحميدتي، وإن كانت الإمارات تميل نحو حميدتي اكثر. الصراع بين حميدتي والبرهان لم يكن سرا ولذلك اعتمدا السعودية والإمارات على تحقيق توازن في علاقتهما مع الجنرالين. استراتيجيات الإمارات والسعودية في هذا الشأن كان دعم الطرفان من اجل كسب النفوذ الازم على الرجلان للسيطرة على الاوضاع وضمان تبعية كلا من البرهان وحميدتي لهم.
من المفارقات أن الحسابات السياسية للامارات والسعودية اعتقدت ان الجنرالات السودانيون هم الذين سيحققون الاستقرار، بينما القوى المدنية ستفشل في تلك المهمة. ظنتا السعودية والإمارات بأن الخطر الاكبر على الاستقرار السودان ومصالحهم هم القوى المدنية والشعبية. ولكن الصراع اليوم في السودان يوضح بان الجنرالات في السودان يمثلون مصدرا خطيرا لعدم الاستقرار، وبالتالي تهديد للمصالح الخليجية. هذه لم تكن المرة الاولى التي يقوم بها الجنرالات السودانيون باتخاذ بقرارات متهورة تطيح بالاستقرار. فعندما قام البرهان بانقلاب 2021 لم ترحب السعودية والإمارات به نظرا لفوائده المحدوده خاصا مع تمكن الجنرالات حينها على السيطرة على الاوضاع في مواجهة خصومهم المدنين.
ربما قد يكون الخطر الايراني لا يزال ضئيلا – حتى الان – حيث ان كلا من حميدتي والبرهان يراهنان على دعم السعودية خاصا مع ضئالة المزايا التي قد تقدمها ايران مقارنة بالخليج، ولكن على الرغم من ذلك تظل الحرب الاهلية بين الجنرالات في السودان تمثل تهديدا حقيقيا للمصالح الامنية والاقتصادية والسياسية الاخرى للسعودية والإمارات في السودان. ظنوا السعودية والإمارات بان الرجال العسكريين في السودان سيحققون الاستقرار المطلوب الذي سيمكنهم من تحقيق مصالحهم، على عكس الحكومة المدنية التي قد تجلب عدم الاستقرار، ولكن الحرب اليوم تثبت بأن الجنرالات السودانين هم المصدر الاكبر لعدم الاستقرار بالسودان. اليوم تسعى السعودية والإمارات لتهدئة الاوضاع والعودة للاتفاق الاطاري مجددا.
على الرغم من ذلك، من المستبعد ان تتوقفان السعودية والإمارات عن دعم العسكريين في السودان في المستقبل القريب نظرا لكونهم الاطراف الاكثر قوة والاكثر جدارة بالثقة في نظر الخليج. ولذلك إذا نجحت الاطراف الاقليمية والدولية في تحقيق الاستقرار والعودة إلى اوضاع ما قبل الحرب مجددا، ستعيد الإمارات والسعودية النظر في مدى خطورة العسكريين، وستكون مهمتهم احتواء صراع الجنرالات السودانين على السلطة لمنع اشتعال الحرب وتهديد مصالحهم مجددا.