يشير  تقرير لجنة الأمم المتحدة  لتقصى الحقائق  فى ليبيا، إلى ارتكاب الفصائل السياسة المتنازعة والسلطات  جملة من الانتهاكات الجسيمة منذ عام 2016. وشملت الانتهاكات أعمال التهجير والقتل والتعذيب، وطالت فى جانب منها النساء والأطفال والمهاجرين، وأشارت اللجنة إلى أن بعض الانتهاكات كانت ذات طبيعة منهجية.

عمليات التوثيق التي شملها التقرير، استندت على أكثر من 400 مقابلة مع الشهود والضحايا، كما جمعت اللجنة أدلة لإثبات الانتهاكات تضمنت الخرائط والمواد الفوتوغرافية والسمعية والبصرية، وعملت البعثة على إصدار التقرير بناءً على طلب من مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.

اشتباكات مسلحة

خَلص التقرير إلى وجود أسباب للاعتقاد بارتكاب السلطات والقوات الأمنية والميليشيات المسلحة أعمال ترقى إلى مستوى جرائم الحرب بما يجعلها بمثابة انتهاكات للقانون الإنساني الدولي. وضمن هذه الوقائع العمليات العسكرية التي جرت في “مرزوق ” خلال شهري فبراير/شباط، ومارس/آذار 2019، حيث تسببت في مقتل حوالي 90 فردًا، وإصابة 200 آخرين، بالإضافة إلى 21 حالة اختفاء واختطاف.

كما أسفرت هذه العمليات عن تهجير ما يقرب من 1890 أسرة.

وفى هذا السياق، وضمن الاشتباكات المسلحة في “طرابلس” خلال أغسطس/آب 2022، تمت أعمال قتل وتشويه للجثث، غير عمليات الاختفاء القسري، وإتلاف الممتلكات المدنية وتدميرها.

أوضاع المهاجرين

في ليبيا، يوجد أكثر من 670 ألف مهاجر من أكثر من 41 دولة، حيث يتزايد عدد المهاجرين في ليبيا منذ عام 2021. وأفاد التقرير إلى تعرض المهاجرين بوجه خاص للتعذيب المنهجي، وصل الأمر إلى حد الاستعباد الجنسي في مراكز احتجاز داخل سجون رسمية.

ويشير التقرير إلى أن هذه الانتهاكات شملت رجال وأطفال ونساء.

إلى جانب هذا، كان هناك عمليات احتجاز تعسفي وتعذيب وظروف احتجاز قاسية ولا إنسانية، شاركت فيها سلطات الدولة المتمثلة في أجهزة الأمن بجانب القوات المسلحة الليبية.

ووفق التقرير، يواجه العائدون من هناك أعباء شخصية ومالية ونفسية اجتماعية إضافية، وفي غياب حلول مستدامة لهذه المشاكل، قد يضطر المهاجرون إلى إعادة الهجرة في ظروف أكثر خطورة.

وأكد التقرير أن هذه الأعمال ارتكبت في مراكز الاحتجاز التابعة لمديرية مكافحة الهجرة غير الشرعية، من خلال تعاونهم مع خفر السواحل الليبي في منطقة الزاوية وسيطرتهم على مركزي احتجاز أبو سليم وعين زرعة.

تزايد عدد المهاجرين في ليبيا منذ عام 2021 وأفاد التقرير إلى تعرض المهاجرين بوجه خاص للتعذيب المنهجي

عمليات اختفاء قسري

على الرغم من تحسن حرية النقاش الخاص والتعبير الشخصي بشكل كبير بعد عام 2011، إلا أن الأعمال العدائية المستمرة أثرت بشكل كبير على الليبين، وأدت إلى انسحاب العديد من الليبيين بشكل متزايد من الحياة العامة وتجنب انتقاد الشخصيات القيادية ذات النفوذ.

ومثلت عمليات خطف وقتل نشطاء وسياسيين وصحفيين رادع عام للآخرين، وفى هذا السياق قامت البعثة المشرفة على التقرير، بتوثيق حالات اختطاف واختفاء قسري واحتجاز تعسفي لعدد من الأفراد بسبب قيامهم بتوجيه النقد للقوات المسلحة أو بسبب موطنهم الأصلي وروابطهم العائلية في شرق ليبيا.

وتعرض المعارضون للتعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز داخل سجن “غرينادا”، إضافة إلى أفعال أخرى ترقى لجرائم ضد الإنسانية.

الحرمان من الحرية

قدرت الحكومة، وفق التقرير، العدد الإجمالي للمحتجزين بـ 18.523 شخص بما في ذلك داخل “السجون السرية”، لكن الأدلة التي جمعتها البعثة أشارت إلى أن العدد الحقيقي للأفراد المحتجزين بشكل تعسفي من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير.

وإضافة إلى عمليات الاحتجاز التعسفي، ارتكبت في العديد من أماكن الاحتجاز في الغرب، وشرق وجنوب ليبيا منذ عام 2016، انتهاكات طالت شرائح المجتمع الليبي ومنهم المدافعون عن حقوق الإنسان، وممثلي المجتمع المدني.

انتهاكات لكافة الحقوق

أكدت تحقيقات البعثة أن السلطات الليبية، خاصة جهاز الأمن الداخلي، قيد الحق في التجمع، وتكوين الجمعيات والتعبير وحرية المعتقد لضمان الطاعة الكاملة للسلطة، واستخدم فى ذلك سلسلة من التشريعات. منها قانون العقوبات الليبي، وقانون الاتصالات، وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية.

وجاء توظيف هذه التشريعات على خلفية انتقاد الأفراد للسلطات وقيادتها، ووجدت البعثة أن الأشخاص المتهمين تعرضوا للتعذيب والاغتصاب والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري بسبب التعبير عن آرائهم.

ووفقا للتقرير، فإنه لا يوجد في ليبيا قانون شامل لمكافحة العنف ضد المرأة. كما أشار إلى تعرض النساء للتمييز المنهجي. ورصد التقرير تدهور أوضعاهن بشكل ملحوظ خلال الثلاثة سنوات الماضية. تعرضت النائبة سهام سرقيوة للاختفاء القسري، وتم قتل الناشطة والمحامية حنان البرعصي.

وبجانب ذلك تعرضت مجموعات من النساء إلى تشويه متعمد وانتقادات. حدث ذلك لنساء يعملن داخل السلطة الليبية كما حدث مع وزيرة الدولة لشئون المرأة، أو وزيرات الخارجية والعدل.

يُضاف إلى ذلك، التمييز ضد الليبيات المتزوجات من غير الليبيين في نقل الجنسية لأبنائهن، كما لا توجد آليات حماية أو مساءلة حول ضحايا العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

وقد سبق للبعثة أن أبلغت عن الانتهاكات المرتكبة ضد الأطفال في ليبيا، حيث أن أطفال من جنسية سورية أعمارهم من 15 إلى 18 سنة، تم تجنيدهم داخل الجماعات المسلحة، ولا يزالوا منخرطين في أعمال عسكرية حسب ما تشير البعثة، والتي تطالب بمزيد من التحقيق في الانتهاكات ضد الأطفال.

وتلقت البعثة تقارير عن أطفال رهن الاحتجاز التعسفي مع آبائهم أو محتجزين من غير أفراد الأسرة، فضلاً عن الأذى الذي لحق بالأطفال أثناء الاشتباكات المسلحة.

خَلص التقرير إلى وجود أسباب للاعتقاد بارتكاب السلطات والقوات الأمنية والميليشيات المسلحة أعمال ترقى إلى مستوى جرائم الحرب

الإعمار وإعادة التوطين

في بنغازي، نزح مئات الآلاف من الأشخاص بين عامي 2014 و2017 أثناء أعمال العنف بين القوات المسلحة الليبية ومختلف الجماعات المسلحة الإرهابية والمليشيات.

وشهدت منطقتا مرزوق وتاورغا عمليات نزوح فى الفترة 2011 –  2019، تجاوزت 40 ألف شخص وهذه المناطق أصبحت غير صالحة للسكن نتيجة لانتشار الذخائر غير المتفجرة، لذا لن يتمكن مواطنوها من العودة إلا إذا تم إجراء استثمارات كبيرة لترميم المباني الإدارية والمساكن وتوفير الخدمات لسبل عيشهم.

وعلى الرغم من وضع استراتيجية لدعم إعادة إعمار المناطق المتضررة وتقديم تعويضات عن الخسائر في الممتلكات إلا أن للبعثة كشفت عن ” لم يتم صرف أي تمويل لغرض إعادة الإعمار، وبذلت جهود محدودة لعودة الناس بطريقة طوعية”.

وثقت البعثة الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري و(محاولة) قتل العديد من القضاة، بالإضافة إلى حالات منع المحتجزين من الاتصال بالمحامين.

وتلقت البعثة تقارير عن تغيير القضاة لتحديد والتحكم فى نتائج بعض القضايا والمحاكمات، إلى جانب اعتداءات على المشتغلين بالمحاماة في بنغازي وطرابلس وسرت.

محاكمات عسكرية

ذكر التقرير أن المدنيين تعرضوا إلى محاكمات عسكرية، وهو ما يعد انتهاكًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان، وتنبع خطورة ذلك بكون المحاكمات العسكرية لا تفي بمتطلبات استقلال القضاء وحياده وكفاءته بموجب الحق في محاكمة عادلة.

أما مجلس النواب المتحالف مع القوات المسلحة العربية الليبية، سن قانونًا في عام 2016 يوسع الاختصاص الشخصي والموضوعي للقضاء العسكري ليشمل المدنيين المنتمين إلى المليشيات أو من يرتكبون أعمالًا إرهابية.

التوصيات

انتهى تقرير اللجنة بعدد من التوصيات، قدمها إلى مجلس حقوق الإنسان، منها   الدعوة إلى إنشاء آلية تحقيق دولية مستقلة ومزودة بموارد كافية.

كما دعت البعثة، مفوضيةَ الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى إنشاء آلية منفصلة ومستقلة لرصد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا على أن تتولى أعمال الإبلاغ. وتساهم في دعم جهود المصالحة الليبية ومساعدة السلطات على تحقيق العدالة الانتقالية والمساءلة.