أصدر البنك المركزي المصري تعليمات تمنح الأم الحق فى فتح حسابات لأولادها القصر، وربط أوعية ادخارية بأسمائهم، وهو ما وصف بالخطوة المهمة فى عملية تمكين النساء من الخدمات المصرفية ضمن استراتجية الشمول المالى، على جانب آخر، اعتبر القرار إيجابيًا، ويحل جزء من إشكالية الولاية المالية.

على جانب آخر، اعُتبر القرار استجابة جزئية لمطالب الولاية المالية للأم، حتى وإن كان الأمر قاصرًا على   فتح  حساب بنكي للأبناء دون القدرة على إجراء تعاملات مستقبلية.

واعتبر البنك المركزي في بيان له أن القرار يساعد في تمكين المرأة اقتصاديًا، بما يتكامل مع أهداف رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030 من خلال تحقيق المساواة بين الجنسين في الاستفادة من الخدمات المصرفية دون تمييز، وكذلك زيادة مساهمة المرأة في الناتج المحلي وتفعيل دورها الهام في المجتمع ككل.

تاريخيًا، تتطلب الولاية المالية موافقة كلا الوالدين لاتخاذ قرارات بشأن الأطفال القصر، وتأسس هذا الوضع  على النموذج الأبوي للأسرة، الذي يتمتع فيه الرجل بصلاحية الولاية دون الزوجة، وهو وضع سائد في أغلب لبلدان العربية، حيث تبقى الولاية و الرعاية المالية للرجال، بما  يؤثر على المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة.

مشكلة الولاية

يتمتع الرجال بالولاية والوصاية القانونية فيما يتعلق بشؤون الطفل، مثل الملكية والسكن والسفر والتعليم والزواج، وهو ما يعد تمييزًا يستند على الأنظمة الأبوية والدينية والعرفية.

عربيًا، يتم الاستناد على  تفسيرات الفقهاء الأوائل للآية 34 من سورة النساء ” الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ”  ويتم تفسير المصلحة الفضلى للطفل بطريقة متحيزة.

وتظهر مشكلة الولاية عند انتهاء العلاقة الزوجية فى حالات الطلاق والانفصال، والتى تبدأ معها الصعوبات في طريق الترتيبات المعيشية للأطفال، وغالبًا ما تنتهي بمعارك قانونية طويلة الأمد بين الوالدين.

تظل الوصاية القانونية للذكر حصريًا طوال الوقت، وحضانة الأم الجسدية للأطفال لا تنطوي على حقوق اتخاذ القرار للأطفال.

كما تفقد الأم حق الحضانة إذا تزوجت مرة أخرى بعد الترمل أو الطلاق، وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا على ممارسة المرأة لحريتها في الزواج مرة أخرى بعد الطلاق أو الترمل.

بالإضافة إلى ذلك، قد يتم تقييد حرية تنقل الأمهات الحاضنات. على سبيل المثال، لا تستطيع المرأة المطلقة نقل أولادها من مدارسهم لانتقالها إلى محل عمل في محافظة أخرى، مثلًا.

التفسيرات الفقهية

مؤخرًا، أثارت مقترحات  تعديلات قانون  الأحوال الشخصية، جدلًا  فيما يتعلق  بقضايا تمثل ضررًا لطرفي العلاقة، منها إجراءات الطلاق وحق الرؤية ونفقة وحضانة الأطفال والولاية، ودار هذا الجدل حول التراث الإسلامي، والمصطلحات الفقهية والتى تشهد اختلافات فى التفسير .

خلال  2017، صدر كتاب “القوامة في التراث الإسلامي”، عن حركة “مساواة” بالتعاون مع مؤسسة المرأة والذاكرة، والكتاب يضم مجموعة أبحاث تركز على نقد مفهومي الولاية والقوامة في الإسلام، ويسعى  لإعادة قراءة التراث لكن برؤية نسوية إسلامية.

يساوي الدستور بين الرجل والمرأة، ويعتبر كلاهما كامل الأهلية، يتمتعان بالرشد، ومن ثم فليس لأحدهما ولاية على الآخر، كما ينص على كوتة للنساء داخل البرلمان تبلغ  25% من المقاعد، ولكن في الوقت ذاته، هناك  تقويض للحقوق الشخصية للمرأة فيما يتعلق بمسئوليتها فى رعاية أطفالها، وفقًا لقوانين الأحوال الشخصية.

وتتضمن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو)  بنودًا المساواة بين الرجل والمرأة   داخل الأسرة، كما تنص اتفاقية حقوق الطفل على الاعتراف بالمسئولية المشتركة للوالدين في تربية أطفالهما.

حق الولاية

أدت  التحولات الطفيفة في قانون الأسرة، إلى طرح أسئلة،  منها كيف يمكن للأمهات أن يقدمن الدعم المادي لأطفالهن؟ وهن لا يتمتعن  بالولاية المالية،  كما طرحت مشكلات تتعلق بطرق حساب الالتزامات المالية للزوج عند طلاق زوجته؛ وكيفية تنفيذها ومنها موضوع الحضانة والسكن.

وعلى أرضية تكرار مشكلات تواجه النساء نتيجة افتقادهن حق الولاية، أطلقت مجموعة من المؤسسات النسوية والأفراد حملة  إلكترونية بعنوان #الولاية_حقي، لفتت إلى الانتباه إلى مشكلة الولاية.

بالتزامن مع  الحملة اتجه عدد من  الفاعلين من مجلس النواب والمنظمات الأهلية ومؤسسات الدولة المعنية لتقديم مقترحات توسع  سلطات وصلاحيات الزوجة في الولاية والوصاية.

كما استجابت مؤسسات دينية فى تعاطيها مع هذه المشكلات خلال مايو/أيار2021، و أصدر شيخ الأزهر فتاوى بخصوص  حق النساء في السفر بمفردهن دون محرم، كما حرم “الطلاق التعسفي” للرجال.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى اهتمامه بقضايا الأسرة المصرية، وتحدث عن  ملامح قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي كان قد دعا له سابقًا في مايو/أيار الماضي.

الولاية في أنظمة مختلفة

وفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة للمرأة عام 2015، قضت المحكمة الهندية العليا بأنه على الرغم من أن القانون يمنح الأب الحق في أن يكون وصيًا على ممتلكات طفله، إلا أنه لا يمنحه الحق في أن يكون وصيًا على طفله فيما يتعلق بالتعليم أو السفر ..الخ، وأقر بمنح الحضانة للأم طالما كان الطفل أقل من خمس سنوات.

كما منحت المحاكم الإسرائيلية، حقوق وصاية متساوية للأباء والأمهات وفقًا لقانون المساواة في حقوق المرأة، وفي عام 2011 ، قدمت لجنة حكومية توصيات تم دمجها في اقتراح تشريعي لإلغاء مبدأ سنوات العطاء والتي بموجبها، في حالة عدم وجود اتفاق بين الطرفين يجب أن يعيش الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 سنوات مع أمهم في حالات انفصال الوالدين، ما لم تتطلب ظروف خاصة ترتيب حضانة مختلف، وتبنت مصطلحات “مسؤولية الوالدين” و “أوقات الوالدين”.

وفي أنظمة الدول التي تعمل بالقانون المدني، كان هناك تحولًا واضحًا بعيدًا عن النموذج الأبوي للوصاية والحضانة جاء عقب الإصلاح الاجتماعي الذي بدأ لصالح حقوق المرأة تاريخيًا منذ القرن التاسع عشر، وتم إدخال ترتيبات محايدة تجاه النوع الاجتماعي في عدد كبير من الأنظمة القانونية العلمانية، ولا سيما في غالبية دول الاتحاد الأوروبي، والولايات الأمريكية.

رأت العديد من المحاكم داخل هذه الدول أن “افتراض سنوات العطاء يمثل تصنيفًا غير دستوري قائم على النوع الاجتماعي يميز بين الآباء والأمهات في إجراءات حضانة الأطفال على أساس الجنس فقط”.

توصيات

تضمن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، للمرأة الحق في المساواة في جميع جوانب الحياة الأسرية، بما في ذلك الوصاية والحضانة، وفي حين ألغت أنظمة الدول التي تعمل بالقانون المدني حق الرجل المنتشر تاريخيًا في الولاية أو الوصاية على الأطفال.

في المقابل لم تتطور أنظمة الدول التي تعمل بالقانون الديني والعرفي، إلا في حالات نادرة، وتشكل موقعًا للتمييز الشديد المستمر ضد المرأة داخل الأسرة وفي المجتمع، ويقع على عاتق الدولة التزام جدي بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بإلغاء فرض الأحكام البطريركية والتي تعتبر الأباء، الأوصياء الوحيدين على أطفالهم أو التي تحرم الأمهات من الحضانة على أسس متحيزة جنسانيا، وذلك من خلال طرح قانون أحوال شخصية تقدمي.