بمقارنة مصر مع تركيا، فيما يختص بتدخل العسكريين في السياسة والحكم؛ فإن مصر لا تزال في منتصف الطريق، تركيا استغرقت ما يقرب من قرن ونصف من 1876م حتى 2016م حتى خرج العسكريون من الحكم، مصر حكمها العسكريون سبعين عامًا باستثناء عام واحد من صيف 2012م حتى صيف 2013م، وما زالوا  وسوف يبقون في الحكم، إلى أجل غير معلوم، فليس معروفًا متى ولا كيف يمكن أن ينتهي الحكم العسكري لصالح حكم مدني؟

أما إذا قورنت مصر مع كوريا الجنوبية، فإن مصر تأخرت كثيرًا وفاتها قطار التحول من عسكري إلى مدني منذ فترة طويلة، فقد عرفت كوريا الجنوبية الانقلابات، وما ترتب عليها من حكم عسكري، لكنها سبقت مصر في التحول إلى الحكم المدني المستقر، فقد سلم آخر العسكريين السلطة لأول المدنيين 1987م، ثم تأكد استقرار الحكم المدني مع رئاسة كيم يونج سانج 1992 – 1997م، يعني لو كان مصر فيها معارضة مدنية قوية مثل نظيرتها الكورية الجنوبية كان من الممكن إرغام الرئيس حسني مبارك على الاكتفاء بفترتين فقط، ومن ثم كان من الوارد أن تتحول مصر من الحكم العسكري الديكتاتوري إلى الحكم المدني الديمقراطي، في توقيت متزامن في مطلع تسعينيات القرن العشرين مع كوريا الجنوبية، لكن مبارك – بالاستفتاءات الشكلية والانتخابات المفبركة – استمر ثلث قرن وعندما اضطره الشعب للرحيل لم تكن هناك قوة مدنية منظمة تستلم السلطة فنقلها للجيش. والجيش هندس انتخابات، جاءت بالإخوان، ومجيء الإخوان أعاد التفاحة إلى حجر الجيش من جديد.

مبارك في الثلاثين عامًا لم يترك فرصة لمعارضة مدنية، وعلى خطاه سار العسكريون من بعده، سواء في المرحلة الانتقالية التي أعقبت خلع مبارك في 11 فبراير 2011م، أو المرحلة المستقرة التي أعقبت عزل مرسي 3 يوليو 2013م حتى وقت كتابة هذه السطور في ربيع 2023م، في المرحلتين يحرص العسكريون على سد أي خرم ممكن يفوت منه ريحة بديل مدني جاد أو محترم، العسكريون المصريون يحكمون كأبناء للشعب، ثم كبديل عن الشعب، ثم لا حاجة ولا لزوم للشعب.

هذا يفسر عدم احترام العسكريين المصريين. وهو لأمرين: فكرة الأحزاب السياسية بمعناها الحقيقي الذي هو تجميع، وبلورة وتمثيل مصالح شعبية والتعبير عنها، ثم فكرة الانتخابات العامة الدورية النزيهة كوسيلة للتعبير عن إرادة الشعب في اختيار من يحكمه في الرئاسة، ومن يمثلونه في البرلمان ومن يديرون شؤونه في المحليات، لا مجال لتنظيم سياسي حر وشعبي ومستقل، ولا مجال لفرصة انتخابات حرة وعادلة ونزيهة، فبهذا – فقط – تتم حماية الامتيازات السياسية للحاكم القادم من الجيش، وأول هذه الامتيازات الحكم المطلق فلا توازن من داخل النظام، ولا من المعارضة، وثاني هذه الامتيازات استمرار بقائه في الحكم عبر استفتاءات وانتخابات صورية، وثالث هذه الامتيازات السيطرة على مفاتيح القرارين السياسي والاقتصادي، بما يعني امتلاك الحاكم قدرات غير محدودة في المنع والمنح، والتقريب والتهميش، والعطاء والحرمان، والثواب والعقاب، وكل ما من شأنه ترجمة قاعدة الحكم التقليدية التي تتلخص في” سيف المعز وذهبه “، وهي قاعدة أبعد ما تكون عن قواعد الحكم الحديث، ودولة القانون ومبادئ العدالة والمساواة في المجتمع الحديث.

استمرار هذه الامتيازات على مدى سبعة عقود من إعلان الجمهورية 1953م، حتى كتابة هذه السطور 2023م جعل أنظمة ما بعد 23 يوليو 1952م نقيضاً للهدف الثوري الوطني الأخلاقي الذي قامت لأجله، وهو – في جوهره – القضاء على دولة الامتيازات ومجتمع الامتيازات، كانت الامتيازات خاصة بسلالة محمد علي باشا، والأجانب وأقلية من المتمصرين من ترك وشركس وألبان الأرناؤوط، وغيرهم ثم أقلية من الأعيان وكبار الملاك من الفلاحين المصريين، عادت دولة الامتيازات وعاد مجتمع الامتيازات لكن في شكل جديد، وإذا وجدت فئات لها امتياز في الحكم والسياسة، ولها امتياز في الاقتصاد والمجتمع فذلك يترتب عليه – بالضرورة – هضم وبخس وافتئات على حقوق باقي فئات المجتمع، من الامتياز والافتئات تتولد مظالم، وحتى يتقي نظام الحكم ردود الفعل على هذه المظالم فإنه يلزمه اللجوء إلى الكبت، ثم القمع ثم كسر الإرادة العامة لمجموع الشعب.

العسكريون في كوريا الجنوبية من 1961م حتى 1992م أسسوا – كذلك – نموذجاً لدولة ومجتمع الامتيازات حيث العسكريون فوق الجميع وفي كل المواقع سياسية واقتصادية واجتماعية مركزية ومحلية، ومارسوا من القمع ما يشيب له الولدان، لكن لم تفلح ديكتاتورية جنرالات كوريا الجنوبية، في أن تكسر إرادة الشعب بصورة حاسمة، ولا أن تذل نفسه فيجبن ثم يخنع ثم يخضع، لم يصل الوضع إلى مثل هذه النهاية المؤلمة، ليس لأن الجنرالات قصروا في القمع، فهم لم يقصروا، بذلوا فيه أقصى ما في طاقتهم  لكن، لأن الشعب في كوريا الجنوبية كان يملك مقومات الصمود والبقاء، والاستمرار في مقاومة القمع العسكري على مدى أربعة عقود كاملة من 1961م حتى 1992م.

التصنيع بدأ في كوريا مبكراً، بدأ التصنيع، وهي تحت الاحتلال الياباني فمثلاً شركة سامسونج تأسست 1938م أي قبل عشر سنوات من الاستقلال، وبالطبع لمصلحة الاحتلال الياباني الذي بذر بذور التصنيع، كما بث خميرة المجتمع الصناعي بما تعمد من فرض الثقافة اليابانية على الكوريين كإجراء استعماري ، ذلك خلق بذور مجتمع صناعي حديث  مختلف عن المجتمع الزراعي التقليدي، ثم إن حكومات ما بعد الاستقلال اهتمت بالتصنيع في عهد سينجمان ري 1948 – 1960 م، وذلك لإحلال المصنوعات المحلية محل المصنوعات المستوردة، ثم حدثت نهضة صناعية عظيمة تحت قيادة العسكريين، بالذات تحت حكم الجنرال بارك تشونج هي الذي نفذ أول انقلاب عسكري 1961م، وظل يحكم بيد من حديد حتى 1979م، حيث ثارت مظاهرات واحتجاجات عارمة، ثم قتله رفيق دربه ورئيس مخابراته، وهما يتناولان العشاء معاً، في مقر المخابرات الكورية، الجنرال بارك بما نجح فيه من نهضة صناعية ممتازة أعطى كوريا الجنوبية طبقة وسطى عريضة، وطبقة عمالية ماهرة وطبقة برجوازية طامحة، وحركة طلابية ناشطة، هذا المزيج الاجتماعي حافظ – رغم القمع العسكري المنظم – على جذوة من روح المعارضة لم تخمد، هذه الجذوة على مدى أربعة عقود من الكفاح المدني أنضجت نخبة مدنية متمرسة، ومتمرنة على العمل السياسي، وكانت جاهزة بكفاءة عالية حتى تتسلم السلطة من العسكريين عند مطلع التسعينيات من القرن العشرين أي قبل ثلاثين عاماً، من كتابة هذه السطور.

الجنرال بارك تشونج هو من العسكريين القلائل الذين وضعوا بلدانهم – رغم القمع العسكري العنيف – على طريق نهضة صناعية حقيقية فرضت اسم كوريا الجنوبية على العالم، بدأ بالاعتماد على التكنوقراط المتعلمين تعليماً حديثاً في الخارج بالذات في أمريكا وأوروبا، وطور المنظومة الإدارية والبيروقراطية، بحيث قطع الطريق على الفساد والترهل، وتحالف مع القطاع الصناعي الخاص مع وضعه تحت سيطرته، فقد كان الجنرال بارك حتى لحظة مقتله بالرصاص على يد رفيق دربه، وصديق عمره ورئيس مخابراته يحتفظ – في يده وحده – بالقرارين السياسي والاقتصادي، تساعده مجالس متخصصة واستشارية شكلها من كوادر مهنية وعلمية وميدانية رفيعة المستوى، انتقل من التصنيع لإحلال الواردات إلى التصنيع للتصدير.

من هنا بدأت كوريا الجنوبية تحقق قفزتها الكبرى، وكلما تشبعت الأسواق الخارجية، أو أغلقت أو كثرت فيها المنافسة في وجه مصنوعات معينة أعاد الجنرال دراسة الأسواق العالمية، وغير من نوع صناعاته وطور من مواصفاتها، وحسن من جودتها؛ بحيث تظل الصناعات الكورية الجنوبية حاضرة في السوق العالمي باستمرار، التصنيع بهذا المستوى العالمي، وبهذه السرعة والكثافة في بلد يخلو من المواد الخام والمعادن، والموارد الطبيعية ترتب عليها استيرادها من الخارج مما ترتب عليه تراكم ديون أجنبية، لكن لأنها كانت ديوناً من أجل مشاريع إنتاجية فقد تم التغلب عليها، ولو بإجراءات عنيفة في عهد الانقلاب الثاني الذي قاده الجنرال تشون دوو هوان، الذي حكم هو الآخر بالحديد والنار من 1979 حتى 1987م، وقد عالج المصاعب المالية وحافظ على التصنيع من أجل التصدير، وضغطت عليه المعارضة وأمريكا والغرب لإجراء انتخابات ديمقراطية، أنهت ديكتاتوريته وسلمت السلطة – ديمقراطياً – للمدنيين.

الجنرالان بارك تشونج هو صاحب الانقلاب الأول، ثم الجنرال تشون دوو هوان، كلاهما ديكتاتور عسكري حقيقي، لكن ديكتاتورية عن ديكتاتورية تفرق، ديكتاتورية مثمرة ومنتجة، أعدت كوريا الجنوبية لتدخل العصر من بابين : باب التصنيع بما يعنيه من إعادة هيكلة قيم وثقافة المجتمع، من زراعي تقليدي إلى صناعي حديث، ثم باب دولة المؤسسات القوية الصلبة التي بدأت ديكتاتورية، ثم تطورت لتستوعب قيم الديمقراطية . صيغة الجنرال بارك كانت الرئيس والتكنوقراط المتعلمون والقطاع الخاص الصناعي، يمكن ترجمتها في ” أنا والمتعلمون وأهل الصناعة “، ويمكن مقارنتها بالصبغة المصرية التي تتكرر كثيراً على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي” أنا والجيش والشرطة”، صيغة بارك انتهت بالانتقال من الديكتاتورية العسكرية إلى الديمقراطية المدنية في أربعة عقود من الزمن، الصيغة المصرية لن تنتهي إلا إلى إعادة إنتاج ديكتاتوريات دولة 23 يوليو من 1953م حتى 2023م، وإلى ما شاء الله لها أن تكون.

***

حصلت كوريا الجنوبية على الاستقلال 1948م، بعد ثلاث سنوات من الاحتلال الأمريكي، الذي حررها من الاحتلال الياباني الذي استمر من 1910 – حتى 1945م، ومن قبله خضعت كوريا – شمالها وجنوبها – للنفوذ الياباني منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر.

انتقلت كوريا الجنوبية من دائرة النفوذ الياباني إلى دائرة النفوذ الأمريكي، وما زالت، حكومتها ديمقراطية مشوبة بالاستبداد والفساد من 1948م حتى 1960م، حيث حقبة سينجمان ري، وهو من رموز النضال ضد الاحتلال الياباني، ثم هو من الموالين للأمريكان جاءوا به للحكم على متن طائرة أمريكية، ثم حين اندلعت الانتفاضة الشعبية ضده، وقرر الهروب أنقذته المخابرات الأمريكية، وتولت تهريبه حتى مات في المنفى 1965م، بعد هروب سينجمان ري في إبريل 1960م تشكلت حكومة مؤقتة، لكنها حاولت التخفيف من الغليان الجماهيري بالانتقال من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني، لكن ظلت الاحتجاجات تتصاعد، هنا تدخلت القوات المسلحة بأول انقلاب قاده الجنرال بارك، قضى على الفساد، وصادر أموال عدد من رجال الأعمال الفاسدين، وقرر يحكم بشكل عسكري مباشر، وقع تحت ضغوط أمريكية هددته بالعقوبات، لو لم يقم بإجراء انتخابات رئاسية حقيقية، قرر يستجيب لضغوط الأمريكان، فوجيء بضغوط عنيفة من داخل الجيش ترفض فكرة الانتخابات، وقف حائراً بين حلفائه الأمريكان يهددون بالعقوبات، إذا ألغى الانتخابات، ورجاله في الجيش يهددونه بالانقلاب، إذا أجرى الانتخابات، وأرسلوا له رسالة عنيفة من ثلاث كلمات ” الجيش كله ضدك “، قرر ألا يلغي الانتخابات، كما قرر ألا يجريها، وذهب يستنسخ الحل الذي لجأ إليه جنرالات المكسيك ثم جنرالات تركيا، وهو تأسيس حزب سياسي حقيقي، يخوض به انتخابات حقيقية، فأرضى بذلك الأمريكان، وطمأن بذلك الجيش، لم يزور الانتخابات، ولم يحصل على 99% فهذا تقليد حصري ينفرد بها العسكريون المصريون من أول استفتاء رئاسي 1956م حتى آخر انتخابات رئاسية 2018م.

هذا المسار حافظ – رغم القمع العسكري – على بقاء السياسة وعلى استمرار المجال العام مفتوحاً، فاز بارك في أول انتخابات رئاسية في أكتوبر 1963م بنسبة 46% فقط، بينما فاز مرشح المعارضة بنسبة 42% في انتخابات شهد لها المجتمع الكوري الجنوبي، كما شهد لها العالم بأنها أكثر الانتخابات نزاهةً وشرفاً وعدلاً وحريةً في تاريخ كوريا الجنوبية، فاز الجنرال بارك في الانتخابات الرئاسية ثلاث مرات دون تزوير، وكان في الانتخابات الثالثة قطع للمواطنين عهداً على نفسه ألا يترشح للمرة الرابعة، فلما قرر إخلاف وعده واستعد للترشح لفترة رئاسية رابعة كانت الاحتجاجات الشعبية أقوى ما تكون، وهو قرر مواجهتها بكل عنف، وكان رفيق دربه وصديق عمره ورئيس المخابرات الجنرال كيم جاي كو يرى رأياً مختلفاً، يري ألا يترشح الجنرال بارك للمرة الرابعة، الجنرال بارك ساورته الشكوك في صديقه، فأقاله من منصب قائد الحرس الجمهوري، الذي كان يشغله إلى جانب منصب رئيس المخابرات، وعين جنرالاً آخر في منصب قائد الحرس، ثم رئيس المخابرات وجه الدعوة لرئيس الجمهورية على مأدبة عشاء في مقر المخابرات، وهما يتناولان العشاء تبادلا النقاش في القضايا الخلافية بينهما، احتدم النقاش بين الجنرالين المؤسسين الفعليين لنهضة كوريا الجنوبية الحديثة، خرج رئيس المخابرات من غرفة الطعام برهة قليلة، ثم عاد وفي يده مسدسه الخاص، ثم دخل، ثم أطلق الرصاص على رئيس الجمهورية، فأرداه قتيلاً في الحال.

حدث ذلك في 26 أكتوبر 1979م ، وعلى مدى عدة شهور تمت محاكمة رئيس المخابرات بتهمة قتل رئيس الجمهورية، وقضت المحكمة بإعدامه شنقاً، وتم تنفيذ الإعدام في 26 مايو 1980م . وقعت البلاد في الفوضى للمرة الثانية، مثلما وقعت فيها عند الانتفاضة ضد سينجمان ري 1960م، تدخل العسكريون للمرة الثانية بانقلاب عنيف قاده الجنرال شون دوو هوان، الذي واجه أكبر انتفاضة من أجل الديمقراطية، بأكبر مجزرة دموية ضد الحركة الطلابية في مدينة غوانجو، تعرف إلى اليوم بمجزرة غوانجو Gwangju، وبسببها هو حاكم مكروه كان ومازال من الشعب في كوريا الجنوبية، سلفه الجنرال بارك، هو الآخر كان يعتبر الحركة الطلابية قوة شريرة لم يتورع عن قمعها بكل الوسائل الوحشية، بما في ذلك اقتحام قواته للجامعة في العاصمة سيئول والقبض الجماعي على الطلاب ورميهم في السجون . بعد 23 يوليو 1952م ثم بعد 3 يوليو 2013م حرص العسكريون المصريون على قمع الفعاليات السياسية للطلاب، باعتبارهم طليعة الكفاحية السياسية للطبقة الوسطى، سن الرئيس جمال عبد الناصر من القوانين القمعية، ما يكفل ابتعاد الطلبة عن السياسة لا تختلف عن سياسة الجنرال بارك في كوريا الجنوبية، لكن بينما نجح العسكريون المصريون في إنهاء ما يقرب من نصف قرن من النشاط السياسي الطلابي، بدأ مع مصطفى كامل والحزب الوطني ثم مع الوفد ثم مع الإخوان ثم مع مصر الفتاة ثم مع اليسار، بينما نجح عبد الناصر في ذلك، فاختفى صوت الطلاب ولم يظهر إلا بعد هزيمة 1967م، بينما حدث ذلك في مصر ظلت الحركة الطلابية في كوريا الجنوبية، تقاوم القمع العسكري العنيف عدة عقود من الزمن، حتى كانت من طلائع التحول المدني الديمقراطي في مطلع تسعينيات القرن العشرين .

انتهى الجنرال الأول بارك بالقتل على يد الجنرال الثاني رئيس المخابرات، وهما من قادا الانقلاب الأول 1961م ووضعا أسس النهضة الصناعية الكورية الجنوبية، ثم انتهى الجنرال الثالث صاحب الانقلاب الثاني 1979م بضغوط من الداخل والخارج أجبرته على انتخابات ديمقراطية خرج بها من السلطة 1987م، ثم في الحقبة المدنية الديمقراطية 1996م، جرت محاكمته على جرائمه أثناء حكمه، تماما مثلما حاكمت تركيا في 1992م الجنرال كنعان إيفرين على جرائمه بعد انقلابه عام 1980م، المحكمة الكورية الجنوبية قضت بإعدام الجنرال تشون دوو هوان، لكن تم تخفيف الحكم إلى السجن، ثم صدر عنه عفو رئاسي، وفي 23 من نوفمبر 2021م صدرت صحف العالم بخبر يقول ” وفاة ديكتاتور كوريا الجنوبية في الثمانينيات تشون دوو هوان عن 90 عاماً في منزله في العاصمة سيئول “.

النهايات الفاجعة للجنرالات الثلاثة، فالذي لا جدال فيه، أنهم رغم القمع، كانوا من رموز الديكتاتورية المنتجة المثمرة، التي منحت كوريا نهضة صناعية واقتصادية، والتي وسعت من الطبقة الوسطى ورفعت مستواها، والتي طورت الطبقة العملية ووضعتها في مركز تنافس عالمي، والتي جعلت من هيونداي رابع صانع سيارات في العالم بعد تويوتا اليابانية وجنرال موتورز الأمريكية وفولكس فاجن الألمانية، وأسماء مثل: دايو، وكيا، وسامسونج تملأ أسواق العالم، فهي في كل بيت وفي كل يد وفي كل ركن من أركان المعمورة . وفوق ذلك كله، كوريا الجنوبية – من ثلاثين عاماً – وهي ديمقراطية مدنية ناضجة ومستقرة.