كشف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن عدد من الخطوط والتوجهات الروسية التي يجرى الحديث عنها خلال السنوات العشر الأخيرة، بل وقبلها بسنوات طويلة، كتوقعات وتحليلات وتنبؤات.

نجحت روسيا في التغطية على توجهاتها بإجراءات دبلوماسية ناعمة تارة، وبتصريحات ملتبسة تارة أخرى، وباستدرار العطف تارة ثالثة، أو بصياغة سرديات تضليلية تارة رابعة. بينما وضعت مؤخرًا تصريحات وزير الخارجية الكثير من النقاط على الحروف، وباتت تشكل أمرًا واقعًا على الأرض، ومعضلات أمام العديد من الدول عليها حلها، وخاصة دول شمال إفريقيا التي لديها معادلاتها، وأزماتها التي تملي عليها التعاون مع هذا الطرف أو ذاك، انطلاقًا من هذه المشاكل والأزمات والمعادلات.

منح تولي روسيا رئاسة مجلس الأمن لشهر إبريل/ نيسان، الفرصة لوزير الخارجية للتوجه إلى نيويورك لترأس جلسة أو جلستين للمجلس، والإدلاء بتصريحات حول ملفات تثير قلق موسكو وتشغل اهتمام الكرملين.

تصادف ذلك مع نشوب الحرب في السودان في منتصف إبريل/ نيسان، أي قبيل توجه لافروف إلى الأمم المتحدة بحوالي 10 أيام فقط، وسط شواهد تفيد بتورط شركة “فاجنر”، الروسية في الصراع السوداني.

ذهب لافروف أيضا إلى القول بأنه من حق "السودان" أن يستعين بخدمات شركة "فاجنر". (وكالات)
ذهب لافروف أيضا إلى القول بأنه من حق “السودان” أن يستعين بخدمات شركة “فاجنر”. (وكالات)

“فاجنر” للإيجار

أدلى الوزير الروسي: بتصريحات غريبة على السياسة الروسية بشكل عام، وعلى الدبلوماسية الروسية على وجه الخصوص. إذ قال بيقين بالغ إن شركة “فاجنر”، هي شركة عسكرية- أمنية خاصة. مفسرا بذلك وجودها ليس فقط في السودان وليبيا وسوريا، وإنما أيضا في العديد من الدول الإفريقية لممارسة أدوار مختلفة في سياسات هذه الدول الخارجية والداخلية، وفي مفاصل السلطة والمؤسسات العسكرية والأمنية بها.

وذهب لافروف أيضا إلى القول بأنه من حق “السودان”، أن يستعين بخدمات شركة “فاجنر”، ولم يفسر أي “سودان”، هذا الذي يمكنه أن يستعين بخدمات شركة عسكرية تعمل مع أحد طرفي الصراع السوداني. أي أن هذا “السودان العام جدا”، وبصرف النظر عن وجود “فاجنر”، عمليا على الأرض مع أحد الطرفين، يمكنه أن يستعين بخدماتها.

لم ينكر الوزير الروسي، أن دولا مثل مالي وإفريقيا الوسطي، والسودان نفسه، تستعين فعلا بخدمات “فاجنر”، ولكن من غير المفهوم آليات وتوجهات هذه الاستعانة، وإلى جانب مَنْ، ولصالح مَنْ.

وهنا تجري عملية خلط أوراق مدروسة بمنهجية واستعلاء، وشكل من أشكال الانتقام، سواء من الدول الغربية أو من الدول الحليفة لها، أو من تلك الدول التي بينها وبين موسكو ثأر قديم. فالأنظمة القومية المتطرفة عادة ما تستحضر الماضي ليكون وقودا ومحركا دافعا لها في خطواتها المقبلة.

مؤسس شركة "فاجنر" يفيجيني بريجوجين
مؤسس شركة “فاجنر” يفيجيني بريجوجين

المثير للتساؤلات، أن مؤسس شركة “فاجنر” يفيجيني بريجوجين، الذي يحارب الآن أيضا في أوكرانيا، صرح بشكل شبه متزامن مع تصريحات لافروف، بأن “وحدات فاجنر تقوم بتسيير دورياتها في الغابات، وتقضي على الإرهابيين، وتعمل على حماية المدنيين ومصالحهم في مختلف دول ​إفريقيا​”.

وقال “نعم أنا منخرط بالتأكيد في قضايا القارة الإفريقية”، ونفى بريجوجين تماما أن يكون هناك أي ضحايا على أيدي كتائبه ودورياته “التي تمارس أعمالا خيرية حصرا”، مشيرا إلى أن هذه الممارسات يقترفها الفرنسيون والأمريكيون، الذين فشلوا في القضاء على المسلحين والإرهابيين في أنحاء العالم، لأنهم كسالى وعديمو الفائدة. واعتادوا الجلوس في قواعدهم، وحماية أنفسهم فقط، بينما نحن نسيّر دوريات في الغابات، ونقضي على الإرهابيين”.

إشعال السودان وليبيا وإفريقيا

يعتبر بريجوجين نفسه دولة، تقوم بمقارعة الفرنسيين والأمريكيين من جهة، وبأن شركته هي شركة عسكرية “خيرية”، تكافح الإرهاب وتحمي المدنيين من جهة أخرى.

يقول بريجوجين: ما يحلو له، حتى إذا كان الواقع يؤكد عكس كلامه تماما. فموسكو تعتمد سياسة “دعهم يقولون ما يريدون، ودع الواقع يؤكد ما يريد، ونحن سنقول ما نريد… وكلمتنا أمام كلمتهم وكلمة الواقع”!! هذه هي سياسة موسكو بوضوح شديد، ومركز انطلاق البروباجندا والسرديات الروسية.

تشير بعض التحليلات، والحقائق المتوافرة إلى تورط موسكو، وفاجنر في أحداث السودان، ضمن أحداث أخرى في القارة الإفريقية، وعلى رأسها ليبيا.

وجاءت تصريحات الوزير الروسي بهذا الوضوح؛ لتؤكد أن روسيا ليس فقط لها يد طولى فيما يجري في السودان، ومن قبله ليبيا، بل أن موسكو ستواصل نهجا جديدا مختلفا، وستحول السودان وشمال إفريقيا، بل وكل إفريقيا، إلى ساحة مواجهة مع الغرب عموما، ومع الولايات المتحدة وفرنسا على وجه الخصوص.

تشير بعض التحليلات، والحقائق المتوافرة إلى تورط موسكو وفاجنر في أحداث السودان (وكالات)
تشير بعض التحليلات، والحقائق المتوافرة إلى تورط موسكو وفاجنر في أحداث السودان (وكالات)

تصيب هذه السياسة دول القارة بالأضرار، وتحول البحر الأحمر والمحيط الهندي إلى مياه ساخنة وعكرة، وما سيلحق بها من مشاكل نزوح، وهجرات ولجوء وتدمير للبنى التحتية.

وتظهر أيضا أن الهدف هنا هو أوروبا والغرب، والضغط بمشاكل اللاجئين، سواء على دول القارة في الشمال، أو على جنوب أوروبا، وإثارة أكبر قدر من الفوضى.

وبالتالي، فمن الواضح أيضا أن روسيا تنقل معركتها مع الغرب من أوكرانيا إلى السودان ،وليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى وأثيوبيا. غير أن معارك موسكو مع الغرب أمر، وتصفية حساباتها مع دول المنطقة أمر آخر تماما. ويبدو أن هذا هو ما تنوي روسيا فعله عمليا خلال الفترة المقبلة.

روسيا إمبراطورية الأطراف

إن روسيا دولة كبرى بداية من وجودها كإمبراطورية ضمن الإمبراطوريات الكلاسيكية في القرن التاسع عشر، وحتى بداية القرن العشرين. لكنها في الوقت نفسه إمبراطورية من إمبراطوريات الأطراف.

وهذا النوع من الإمبراطوريات تكون له مصالح، وتحالفات معينة وطريقة خاصة لرسم مصالحه الاستراتيجية. وهو ما ينطبق أيضا على الصين.

كما أن روسيا أنشأت الاتحاد السوفيتي، وقادته عمليا طوال 70 عاما. وبعد هزيمتها في الحرب الباردة، وانهيار حلف وارسو والاتحاد السوفيتي، حصلت روسيا على كل ميراث الاتحاد السوفيتي بحلوه وبمره، وأخذت كل الترسانة النووية من الجمهوريات السوفيتية السابقة، وبالذات من أوكرانيا، مقابل ضمان أمن هذه الدول وعدم الاعتداء عليها. وتم ذلك ليس بدون الاتفاق مع الولايات المتحدة وبريطانيا تحديدا.

اقرأ أيضًا: عقود وفاجنر واستثمار.. كيف تحاول ثلاث قوى عالمية السيطرة على إفريقيا؟

وبانهيار الاتحاد السوفيتي، وظهور روسيا الاتحادية “الجديدة”، ظلت موسكو تناور في منطقة إقامة تحالفات، وهيئات وأشكال. وإذا أحصينا ما أنشأته روسيا الاتحادية من تحالفات في الفترة من عام 1991 إلى عام 2001، سنجد أنها أنشأت ما لا يقل عن 10 هيئات ومنظمات إقليمية.

إمبراطوريات الأطراف

واصلت روسيا خلال فترة رئاسة فلاديمير بوتين تكوين المنظمات، والتحالفات إلى وقتنا الحاضر. وهذا يعني فيما يعني أن إمبراطوريات الأطراف بحاجة دائمة إلى مناطق عازلة تحيط بها، وبحاجة دائمة إلى حزام من اليابسة يفصل بينها وبين الإمبراطوريات الأقوى الأكثر تقدما ونفوذا وتأثيرا.

اعتبرت روسيا القيصرية نفسها وريثة الإمبراطورية البيزنطية، وحامية حمى الأرثوذكسية السلافية ومسيحيي الشرق. والاتحاد السوفيتي رفع راية العدالة الاجتماعية، وديكتاتورية الطبقة العاملة والإنسانية والمساواة.

وروسيا ما بعد السوفيتية ترفع راية التعددية القطبية وحماية المسيحية الأرثوذكسية السلافية، وإشاعة الديمقراطية العالمية بين الدول!

لقد اعتمدت روسيا دوما على مثل هذه الشعارات، وعلى شعارات أخرى مثل الإنسانية والإنسان و”الحب”، والتعايش السلمي، لكنها كانت من جهة أخرى تغزو دولا وشعوبا (القوقاز وما وراء القوقاز وآسيا الوسطى ودول أوروبا الشرقية وأفغانستان).

اعتمدت روسيا دوما على مثل هذه الشعارات، وعلى شعارات أخرى مثل الإنسانية والإنسان و"الحب" والتعايش السلمي، لكنها كانت من جهة أخرى تغزو دولا وشعوبا (وكالات)
اعتمدت روسيا دوما على مثل هذه الشعارات، وعلى شعارات أخرى مثل الإنسانية والإنسان و”الحب” والتعايش السلمي، لكنها كانت من جهة أخرى تغزو دولا وشعوبا (وكالات)

كما تتحالف مع قوى كبرى ضد مصالح دول صغيرة (التحالف مع الدولة العثمانية، وبريطانيا وفرنسا لتدمير الأسطول المصري، وإقامة دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية).

يبدو أن هناك اتفاقا ضمنيا بين الأنظمة العربية، وبين أنظمة روسيا القومية المتوالية (رغم اختلاف الأقنعة والشعارات التي ترتديها موسكو)، على إخفاء جانب مهم من التاريخ وتزييفه، وإلقاء المسؤولية بشأنه على عاتق الغرب “اللئيم”، “الملحد”، الذي يكره العرب والقومية العربية، والإسلام والمسلمين.

بينما أسوأ معضلة في تاريخ العرب الحديث، وهي القضية الفلسطينية، نشأت بأيدي روسيا مع سبق الإصرار والترصد. والعرب والفلسطينيون يتجاهلون ذلك، وتحاول النخب العربية تبرير ذلك تارة، وإخفاءه تارة أخرى.

السرديات الروسية الجديدة- القديمة

لكن الأهم في الحقيقة، هو أن روسيا كانت تدعو إلى الإنسانية، والعدالة و”الحب”، و”صحيح الدين” وحماية الأقليات، وهي أيضا تقوم بتصنيع الأسلحة، وتصديرها للدول الفقيرة التي تدور فيها حروب أهلية!

أي أنها كانت ترفع شعارات تروق للسذج والمعطوبين ذهنيا، وتؤكد لهم أنها تحمل رسالة “الهدى والنور”، ومن جهة أخرى تقنعهم بأنها مستهدفة من كل دول العالم، ويجب أن تمتلك سلاحا نوويا لتحمي نفسها.

اقرأ أيضًا: مرتزقة فاجنر.. كيف تعيد روسيا وضع أقدامها في إفريقيا؟

وأن تغزو دولا أخرى لتحمي نفسها، وأن تبيع السلاح لدول فيها حروب أهلية؛ لتحمي نفسها وتحقق مصالحها، وتبيع السلاح أيضا لأنظمة تقتل شعوبها… وهي في الوقت نفسه تنتقد الغرب، لأنه يفعل ذلك، وتقنع قصيري النظر بأن الغرب لا يملك الحق فيما يفعل، بينما هي لديها الحق كل الحق لأنها تحمل “رسالة”، و”تدعو للخير والمحبة والجمال”، والاشتراكية والتعددية القطبية والديمقراطية بين الدول!

وفي الواقع، فموسكو بكل أقنعتها القيصرية والسوفيتية و”التعددية القطبية”، تعتمد على الرعونة والعقل المنقوص والمعايير المزدوجة لحلفائها، وللنخب الموالية لها، لدرجة أن هؤلاء الحلفاء على استعداد للتضحية بشعوبهم ودولهم في سبيل انتصار روسيا على “الأعداء المشتركين”.

ولهذا بعض النخب المعطوبة على استعداد لتبرير أي خطوات لروسيا من أجل إثبات صحة الضلالات التي تعشش في رؤوسهم، حتى أنهم يبررون غزو أوكرانيا بإبادة الأمريكيين للهنود الحمر وغزو فيتنام.

وفي ذات الوقت يتعامون عن الدور المركزي- القانوني لموسكو في إقامة دولة إسرائيل. وهناك الكثير من الأمثلة والإحالات التي لا تعد ولا تحصى بشأن ازدواجية المعايير والضلالات والتبريرات التي تجري ممارستها.

ماذا تفعل روسيا مع مصر

هناك تساؤلات تطرح نفسها في ظل الأدوار الروسية الموجهة ضد القاهرة، في ليبيا وأثيوبيا والسودان: لماذا تمارس روسيا تجاه مصر في العلن سياسة مداهنة ونفاق من جهة، وسياسة تسخين ودق أسافين من جهة أخرى؟

تمارس في السر سياسية كراهية وعداء، تكاد تقترب من الانتقام ضد مصر في مجالات محددة منها الاستخباراتي والأمني، ومنها القانوني واللوجستي في المحافل الدولية، وفي القضايا الإقليمية التي تضعف مصر، وتكبل يديها وتقلص مساحة نفوذها؟!

وفي الواقع، هذه الأسئلة ليست مفاجأة لأي طرف من الطرفين، سواء المصري أو الروسي. وبالمناسبة، مستويات السلطة العليا وقادة الأجهزة في مصر يعرفون ذلك جيدا. وفي موسكو أيضا يعرفون ذلك جيدا على مستوى الساسة والأجهزة.

هناك عدد من القضايا القديمة الشائكة بين موسكو والقاهرة، تقبع في مركز الدوافع التي تجعل موسكو تتصرف على هذا النحو. وكما قلنا، فإن الأنظمة القومية المتطرفة تعتمد على جملة من القضايا والأزمات القديمة، والمشاكل والأزمات الكامنة.

اقرأ أيضًا: المونيتور: فاجنر تتوسع في ليبيا رغم الضغوط الأمريكية.. القذافي الابن أكثر المستفيدين

كما تعتمد على بعث الماضي كمحرك لتدوير وترويج السرديات. وفي هذا المقام، تجيد موسكو سحب الخصوم القدامى بنعومة للتمكن من إحكام قبضتها عليهم، واستغلال أوضاعهم الأمنية أو الاقتصادية، أو احتياجاتهم لخدمات معينة، وتبدأ بإملاء شروطها. وهي في الوقت نفسه لا تنسى “الماضي”.

إن موسكو لم، ولن تنسى طرد خبرائها من مصر عام 1972، ولا دخول مصر حرب عام 1973 بدون رغبتها، ولا توقيع القاهرة اتفاقية السلام مع تل أبيب. فهذه “الأحداث الثلاثة”، تشكل إحدى العقد التاريخية في العقل الباطن للنخب القومية الروسية.

ومهما حدث من تقارب و”استذكار”، للماضي الجميل والنعيم المصري السوفيتي والسد العالي، ومهما حدث من تقديم مساعدات من نوع معين للقاهرة، فإن هذا كله أحد الأساليب الناعمة لإحكام قبضة موسكو جيدا إلى أن يتأسس الأمر الواقع المطلوب، فتبدأ روسيا بإملاء شروطها وعرض مطالبها.

وفي حال الرفض أو المماطلة، فإن أوراق كثيرة تكون قد استقرت في يد موسكو، ويتم استخدامها وفق الحاجة وفي الوقت المناسب، ومن ضمنها مواقف روسيا من سد النهضة، ومن منتدى غاز شرق المتوسط، وليبيا، ومن أحداث السودان، ومن دور مصر في القضية الفلسطينية.

وممارسة سياسة ممنهجة في الحفاظ على مساحة فاصلة دائمة بين أي نظام مصري مهما كان شكله، أو توجهاته من جهة، وبين الأحزاب والتنظيمات والقوى القومية في المشرق من جهة أخرى.

كما تستخدم سياسات إعلامية ودبلوماسية ممنهجة، لتحجيم أي دور مصري في أي قضية، ووضع مصر في مرمى الرأي العام، والتركيز المذهل على ألا تكون القاهرة على رأس أي أشكال، أو هيئات أو تحالفات في مناطق وقضايا معينة.

إن كل ذلك يتم من دون خشونة، وإنما بلباقة سياسية ودبلوماسية، و”على المتضرر أن يلجأ إلى القضاء”! وموسكو تعرف أن القاهرة لديها الكثير من المشاكل والأزمات والتحديات السياسية والاقتصادية بالدرجة الأولى.

ولديها أيضا معادلات داخلية غير مستقرة، واحتياجات مائية لدى حلفاء موسكو، وضمانات أمنية لدى حلفاء فاجنر في ليبيا والسودان. وهذه أمور مهمة للغاية في لغة “السياسة والمصالح الكبرى”، وعلى هذا الأساس تحديدا، تتصرف موسكو وتتعامل مع القاهرة.

وبالتالي، على القاهرة أن تعيد تقييمها للمشهد، وترتب أوضاعها مع حلفائها وفق المصالح الكبرى، وليس الأحداث والخلافات الهامشية.

وأن تنظر إلى الأوضاع ليس بمنطق تصفية الحسابات، وإنما بعيون أخرى تنطلق من مصالح مصر وإمكانيتها على المناورة، ومن الأوراق الرابحة التي لديها، ومن علاقاتها بالأطراف الأخرى وخاصة الأوروبية، وبما يحقق السلام الاجتماعي والتماسك الداخلي.

تفهم موسكو أيضا كيف تستفيد من التناقضات السياسية الداخلية المصرية؟ ومن أزمات النخب مع السلطة وحالة التردي السياسي. ولديها الاستعداد لدعم السلطة ولكن بشرط الانصياع الكامل، أو الجزئي لشروط الكرملين والنخب التي لم، ولن تنسى “الأحداث الثلاثة”، التي ترقد في قاع العقل الباطن الروسي.