تتردد الشكوى من الغدر، الأغاني تتحدث عن غدر الناس والصُحاب والأحباب، ومواقع التواصل تمتلئ بميمز وكوميك ومنشورات ما بين لوم وعتاب وأحيانا تلقيح، الكثير يشتكون، حتى أنك حين تقرأ تتذكر مقولة الفنان العظيم توفيق الدقن “الناس كلها بقت فتوات.. أُمال مين هينضرب” فإذا كان هؤلاء يشكون من الغدر فمن هم الغدارون؟

الشكوى المتنوعة تعكس إنهاك العلاقات لأصحابها، صارت غالبية العلاقات مُنهكة، تستهلك من طاقة الإنسان ما لا يقدر عليه البعض، وربما لا يقدر عليه الغالبية.

تنشأ العلاقات الاجتماعية طلبًا للراحة والاطمئنان والسعادة، لكن سرعان ما تتحول العلاقات لعبء وممتص كبير للطاقة، فهل نحتاج أن ندخل علاقات بالحد الأدنى للطاقة؟

الحد الأدنى من الطاقة

لا شك أن العلاقات التي تبذل فيه أقل قدر من الطاقة مُريح لك، لكنك حين تواجه بالمثل فإنك لن تكون راضً عن ذلك أبدًا، فقد دأب الإنسان على تفحص ما يفعله الآخرين، والتجاوز عما يفعله هو نفسه، وإذا كانت الأديان السماوية وحتى الوضعية، منذ فجر البشرية تتحدث عن محاسبة النفس، فإن تلك المحاسبة تأتي بغرض ألا يظلم الإنسان غيره، ويُحاسبه على ما يقوم به هو نفسه، فحين لا تُقدم على تقديم التزاماتك في علاقاتك عليك ألا تُطالب بحقوقك، المعادلة تبدو سهلة نظريًا لكن الواقع غير ذلك.

تصنيف الطاقة وفقًا لنوع العلاقات

كبرى المُشكلات التي تواجه الإنسان في علاقاته، أن كثير منا يرغب في الحد الأقصى لكل علاقة يدخلها، الحدود بين العلاقات غير واضحة، فتجد الصداقة تختلط بالحب، فالاهتمام والغيرة في الصداقة تُقارب مثيلاتها في الحب، ليس فقط في الصداقة بين رجل وامرأة بل قد تصل مشاعر الاستحواذ وتبعاتها من الغيرة ومحاولات الاستئثار، أن تجدها بين صداقات النساء، ولا تختلف علاقات العمل، فتجد البعض يميل لتحويل العلاقة إلى صداقة ربما ظنًا أن الصداقة تُقوي علاقة العمل.

ومن ثم فعدم وضوح شكل العلاقات وحدودها يعرض أطرافها فلإنهاك، حتى نفس العلاقة الواحدة فإن درجاتها ومستوياتها تحتاج إلى الوضوح، وليس المقصود هنا أن يتحدث صديقان ويقول أحدهما للاخر أن صداقتهما عميقة أو متوسطة أو سطحية، هذا النوع من الكلام يؤذي سامعه، الوضوح في هذه الحالات خادش ومؤلم، لكن المهم أن يفهم الإنسان نفسه حدوده وشكل ومقصد العلاقة.

الطوق والرغبة في الزيادة هي ما تشوه حدود العلاقات، وما قد ينتج عنه أذى، هذا الذي يُعرفه الآخر بأنه شكل من الغدر، أو التخلي والانكسار ومثل تلك التشبيهات التي تحول العالم لمجموعة من الغادرين.

فأنت حين تفهم العلاقة التي أنت طرف بها، وتُحدد مساحتها التي تُريدها وقتها لن تبذل طاقة أكثر مما ينبغي، بل ستعرف ما لك وما عليك بدقة، ولكن ماذا إن كان الآخر يضعك في مكانة أعلى أو أقل من المكانة التي تضعه أنت فيها؟

تنتج المشاعر السلبية من تفاوت رؤيتنا للعلاقة ومستواها والتزاماتها، ففي الوقت الذي يُحب أحدهم فتاة، قد تكون هي تتعامل معه وفقًا لفكرة الاشباع العاطفي، أو أنه مجرد فرصة متاحة حتى يظهر بديل أفضل. أو يكون العكس الفتاة تُحب لكن الشاب يقضي وقتًا ويُشبع احتياج عاطفي، الأمر لا يختلف في الصداقة حين تعتقد أن أحدهم صديق مقرب، بينما هو يُعاملك أنك في درجة أدنى.

المشاعر السلبية سببًا رئيسيًا لخلخلة الثقة في نفوس البعض، حيث تظل التجارب التي ولدت هذه المشاعر حاضرة للاستشهاد، ومرثيات العلاقات وضياع الحب وما إلى ذلك من البكائيات والصعبانيات التي نتشبع بها من خلال مواقع التواصل عبر المنشورات المتنوعة للعديد من الحسابات.

جزء ربما ليس هين من المشاعر السلبية يكون صاحبها مسئول عنها، تأتي هذه المسئولية من عدد من الأمور

  • أولها: عدم فهمه بوضوح لشكل العلاقة التي هو طرف فيها.
  • ثانيها: التطلع لمستوى أعلى في العلاقة ثم التعامل والمحاسبة وفق التطلع وليس وفق ما يحدث في الواقع.
  • ثالثها: هناك دومًا شواهد وعلامات تسبق الخيبة لكن شغف الزيادة والانماء يضلل، فيجعله حتى وإن رأي ما يُعيده إلى صوابه فإنه ينكره، ويستمر في تخليق المبررات لتكذيب الشواهد.
  • رابعها: أن صاحب المشاعر السلبية مفرط التوقع، ومفرط الانتظار لمقابل ما يفعل، متطلعًا لرد فعل بعينه، وعطاء من نوع مختلف، وكثير من التوقع يصوغها عشم زائف لا يستند إلى واقع.

خطورة الحد الأدنى

لنتفق مبدئيًا إذا كنت أنت من يقدم الحد الأدنى فلن تجد هناك مشكلة، لكنك عندما تكون من يستقبل الحد الأدنى بالتأكيد ستجده عيبًا، ومن هنا ينبت إحساس الظلم، فنحن في العلاقات تتكون لدينا مشاعر استحقاق وسواء كانت مشاعر تستند إلى حقائق أو أنه استحقاق مكتسب دون أحقية، هذا الاستحقاق لا شك يترك أثره في تولى مكانة المظلوم والمغدور به.

عندما تجد أن شريك العلاقة لا يقدم في العلاقة سوى الحد الأدنى فأنت بحاجة إلى وقفة مع النفس، لتفحص موقفك بدقة والتعرف على حدود العلاقة، فمعنى ان الشريك لا يبذل جهدًا هو أنك تعطى أهمية ومكانة للعلاقة والشريك اكبر من قدرهما، ولذا يا عزيزي/تي قبل ان تتورط في فخ الألم والسقوط في فجوة الحزن والاكتئاب اعرف اولًا حدود العلاقة التي انت طرف فيها، فالتراجع للحدود الصحيحة يُجنبك الكثير من المشاعر السلبية، ولكن عندما تكون واعيًا لحدود العلاقة لكن الاخر مستمر في عدم بذل الجهد فهو ليس الشريك المناسب وعليك التراجع كثيرًا للتعامل بالمثل، صحيح أنني تحدثت من قبل أن العطاء المتبادل ليس بالضرورة أن يكون بنفس القيمة، لكن هناك فارق بين شخص تمنعه قدراته أو وقته من بذل جهد وعطاء بدرجة معينة وبين شخص يختار بإرادته ألا يبذل جهد تجاهك.

العلاقات غرس مشترك، فإن حصدت وجعًا لا تُحمل الشريك كل المسئولية، تذكر أن تجاهلك أحيانا هو شكل من الإهمال قمت به تجاه نفسك وعلاقاتك.

وفى كل أشكال العلاقات وتصنيفاتها هناك مسئوليات والتزامات عندما لا يؤديها الشريك، عليك أن تُغادر.