لأعوام، كان يُحتفى بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان كزعيم دفع بملايين الأتراك إلى الطبقة الوسطى. لكن هذه الأيام يواجه الخليفة المعاصر أخطر تحد لحكمه الذي دام 20 عامًا، في الانتخابات المزمع عقدها الشهر المقبل. وسط غضب الناخبين من تعامله مع ملف الاقتصاد.
ويشير تقرير حديث لصحيفة وول ستريت جورنال/ The Wall Street Journal، إلى أن ارتفاع تكلفة الغذاء، والطاقة، والأدوية، والضروريات الأخرى، أدى إلى انهيار مستوى المعيشة لغالبية سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة في السنوات الأخيرة.
ويلفت التقرير إلى أن “العديد من الأتراك يقومون بتقليص مشترياتهم من اللحوم والأسماك والكحول وحتى الخضار. فيما يحاول آخرون العمل في وظائف ثانية، وثالثة، أو يبحثون عن طرق لمغادرة البلاد”.
الآن، صارت تركيا تعاني من أحد أعلى معدلات التضخم في العالم بأكثر من 51%، وفقًا للأرقام الحكومية الرسمية. بينما يقدر الاقتصاديون المستقلون التضخم عند 112%.
اقرأ أيضا: تحالفات ورهانات مركبة.. تركيا تشهد أكثر انتخاباتها الرئاسية تعقيدًا
هزة اقتصادية
أدت الزلازل الكارثية التي هزت تركيا وسوريا في فبراير/ شباط الماضي، إلى تعميق التحديات الاقتصادية التي تواجه الدولة التركية. من خلال التسبب في خسائر بقيمة 103.6 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 9٪ من الحجم المتوقع لاقتصاد البلاد هذا العام، بحسب تقييم حكومي.
وقتلت الزلازل أكثر من 56 ألف شخص في كلا البلدين، ودمرت مدنًا تركية بأكملها، وألحقت أضرارًا بالمصانع والبنية التحتية الزراعية.
ويرى التقرير أن “الاضطراب الاقتصادي في البلاد يضيف حالة من التشويق غير العادية قبل انتخابات 14 مايو/ أيار”.
يقول: خلال السنوات العشرين الماضية، حشد أردوغان الأغلبية وهزم المعارضين. من خلال مزيج من المغناطيسية الشخصية والفطنة السياسية، والقمع الحكومي الموسع الذي سجنت فيه السلطات التركية بعض خصومه.
يضيف: حتى في قيصري -معقل المحافظين في البلاد- فإن النظرة المستقبلية لأردوغان غير مؤكدة إلى حد كبير. كانت مدينة قيصري، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون شخص في جبال وسط تركيا، ذات يوم منطقة أساسية لأردوغان وحزبه. أيد أكثر من 70% من الناخبين الرئيس في الانتخابات العامة الأخيرة في البلاد عام 2018.
وينقل عن مصطفى سفن، عضو مجلس إدارة الفرع المحلي لحزب العدالة والتنمية -بزعامة أردوغان- في قيصري قوله: هذا على حافة السكين. لا أعتقد أننا سنخسر، لكننا لسنا مرتاحين أيضًا.
وبينما هي موطنًا لأكثر من 2000 مصنع لتصنيع الأثاث والسجاد والحديد والمنسوجات، وغيرها من المنتجات. تعد المنطقة أيضًا مركزًا صناعيًا، أصبح رمزًا للازدهار الاقتصادي لعقد أردوغان الأول في السلطة.
وقد ساعد قادة الأعمال في المنطقة المعروفين باسم “نمور الأناضول”، في تمويل حزب العدالة والتنمية خلال صعوده في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
مكلف للغاية
وُلِد أردوغان في أحد أحياء إسطنبول لأسرة لها جذور على الشواطئ الشرقية للبحر الأسود، وصعد إلى السلطة لأول مرة عندما كان عمدة إسطنبول الشاب الذي جلب المياه الجارية إلى أحياء الطبقة العاملة في المدينة، وتنظيف الشوارع من جبال القمامة.
وبعد فترة قصيرة قضاها في السجن، بسبب إلقاء قصيدة ذات إيحاءات إسلامية، قفز إلى مكتب رئيس الوزراء في انتخابات عام 2002، مدافعا عن الناخبين الدينيين في تركيا. وقام بضخ الأموال في مشاريع البنية التحتية الضخمة، التي ساعدت على توسيع الاقتصاد وتحويل تطلعات تركيا لتصبح قوة عالمية.
الآن، أدى التضخم وانهيار العملة إلى زعزعة اقتصاد البلاد، مما زاد الضغط على كل من الناس العاديين والشركات.
وقال إبراهيم يلمظ: صاحب سلسلة سوبر ماركت ورئيس جمعية الصناعيين ورجال الأعمال في قيصري، لمحرري الصحيفة الأمريكية “، الاقتصاد يتباطأ”. مضيفا أنه يتوقع أن ينقلب الناخبون على الحكومة، لافتا إلى أن التضخم هو أهم عامل.
وقال: “لم تتبق أموال في جيوب الناس”.
وفي بازار قيصري القديم، قال محمد أركاكايا: البالغ من العمر 30 عامًا ويعمل مديرا لمتجر يبيع الجبن والزبدة واللحوم المجففة، إنه صوّت للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الماضي، لكنه يدعم المعارضين في هذه الانتخابات، وأن هذا يرجع إلى حد كبير إلى حالة الاقتصاد.
يقول: الحكومة ترسم صورة وردية، لكنها ليست كذلك. يقول الكثير من العملاء الذين يأتون لشراء الطعام من متجرنا “أوه، إنه مكلف للغاية”ـ ثم يغادرون.
اقرأ أيضا: كيف أصبحت تركيا لاعباً رئيسياً في أمن الخليج الإقليمي؟
السيطرة على الاقتصاد
يلفت التقرير إلى أن الرئيس التركي “يخوض الآن سجالا في استطلاعات الرأي مع منافسه الرئيسي كمال كيليجدار أوغلو، الزعيم البالغ من العمر 74 عامًا لأكبر حزب معارض في البلاد”.
يقول: كموظف حكومي سابق، وبأسلوب بسيط، جعل أوغلو تكلفة المعيشة محور حملته. في وقت سابق من شهر إبريل/ نيسان، أصدر مقطع فيديو تم تصويره في منضدة مطبخه، انتقد فيه الرئيس أردوغان لارتفاع تكلفة البصل، وهو نقد رفضه أردوغان.
كان رد الرئيس: “لا توجد مشكلة في البصل أو البطاطس أو الخيار في هذا البلد”، قالها في اجتماع حاشد أخير في دنيزلي بجنوب غرب تركيا.
وأضاف أردوغان: مهما كانت المشاكل الموجودة، لقد حللناها بالفعل على أي حال.
وتشير الصحيفة الاقتصادية الأمريكية إلى أنه في السنوات الأخيرة، قام الرئيس التركي بتوسيع سيطرته على الاقتصاد، حيث أقال ثلاثة محافظين للبنك المركزي منذ عام 2019، وأقال كبار المسؤولين الماليين الآخرين، لفرض اقتصاده الخاص منذ فترة طويلة.
تقول: تحت ضغط من أردوغان، أجرى البنك المركزي سلسلة من التخفيضات في أسعار الفائدة ابتداء من عام 2021، مما أثار أزمة عملة، من شأنها أن تمحو -في النهاية- أكثر من نصف قيمة الليرة التركية، وتزيد من ارتفاع التضخم، الذي بلغ ذروته عند 58% العام الماضي، بحسب وكالة الإحصاء الحكومية، التي يديرها الآن مسؤول عيّنه أردوغان.
وتجادل الحكومة التركية بأن تخفيضات أسعار الفائدة ستحفز النمو الاقتصادي، خاصة بين الصناعات الإنتاجية والمصدرين.
كما قال أردوغان: إن أسعار الفائدة المنخفضة ستؤدي في النهاية إلى انخفاض التضخم “على عكس ما لوحظ في الاقتصادات عبر التاريخ الحديث”، كما يقول التقرير.
في غضون ذلك، لمنع مزيد من الانحدار في الليرة، أنفقت الحكومة التركية أكثر من 100 مليار دولار من العملات الأجنبية العام الماضي. فيما وصفه الاقتصاديون بأنه “ربط فعلي”، مما أدى إلى إجهاد الأصول الأجنبية للبلاد، والتي كانت بالفعل سلبية صافية، وفقًا لبعض التقديرات.
إدارة خاسرة للعملة
بينما أشار أردوغان: إلى أن سياسته الاقتصادية تهدف إلى مساعدة التصنيع والمصدرين. لكن رجال الصناعة يقولون إن المزيج الحالي من السياسات يضر بالفعل بأعمالهم.
فقد أثّر ارتفاع تكاليف الطاقة والمواد الخام على الكثيرين في القطاع الخاص. كما أضافت إدارة الحكومة لليرة المتقلبة، وهروب العمال المهرة من البلاد إلى التحديات التي تواجه الشركات.
ويشكو المصدرون من أن الإدارة غير المعترف بها للحكومة لليرة، تضر بهم أيضًا.
ويوضح التقرير أن قادة النقابات وعلماء السياسة والمسؤولين المحليين يجادلون بأن المشاكل الاقتصادية، قد تؤدي إلى تآكل بعض الحزبية التي أدت بالسيد أردوغان إلى الفوز في الانتخابات السابقة.
قال سيلفا ديميرالب: الأستاذ في جامعة كوج بإسطنبول والخبير الاقتصادي السابق في مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والذي شارك في كتابة دراسة حديثة عن سلوك الناخبين في تركيا “لم نشهد أبدًا تدهور الأوضاع الاقتصادية كما هو الحال الآن. في النهاية، ما يهم هو ما إذا كان بإمكانك إطعام عائلتك.”
لهذا، سعى أردوغان وحزبه الحاكم إلى تحويل الحملة بعيدًا عن الحديث عن الاقتصاد، والتشديد على موضوعات القومية والأمن القومي.
وبالفعل، أطلق وزير الدفاع خلوصي أكار، الذي أمضى عقودًا في الجيش ولم يسبق له الترشح لمنصب انتخابي، حملته في قيصري. وهو الآن أكبر مرشح لحزب العدالة والتنمية هناك.
وقال أكار: في خطاب دام أقل من دقيقة “سنفعل كل ما بوسعنا للمساهمة في تنمية بلدنا”.
بينما رفض الإجابة على سؤال حول كيف سيتغلب حزب العدالة والتنمية على السخط الاقتصادي في الانتخابات؟
لكن في قيصري، يشعر المسؤولون في حزب المعارضة الرئيسي -حزب الشعب الجمهوري بزعامة أوغلو- بالتفاؤل بأنهم يستطيعون قطع الماضي والفوز بالسلطة في انتخابات هذا العام. حتى في المناطق التي كانت تقليديًا منطقة آمنة لأردوغان.
وقال أوميت أوزر: المرشح البرلماني المحلي من حزب الشعب الجمهوري “شعارنا هو، لم يعد هناك المزيد من معاقل حزب العدالة والتنمية”.