“نقاتل ضد الراديكاليين الإسلاميين الذين يريدون إبقاء السودان معزولا في الظلام وبعيدا عن الديمقراطية”، تكررت هذه العبارة في خطابات، وتصريحات قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، خاصة في البيانات الصادرة بالإنجليزية منذ اليوم الأول للنزاع الملسح في السودان.

يسوق حميدتي: في خطابه هذا المبرر ليس فقط للداخل، لكن للمجتمع الدولي والأطراف الإقليمية الفاعلة في الملف السوداني.

من بين الاتهامات التي ساقها حميدتي ضد البرهان، تلك المتعلقة بانحيازه للإخوان المسلمين الساعين لاستعادة السلطة وتشكيل ديكتاتورية على غرار فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير.

وهو ما عززه إطلاق سراح أحمد هارون، مساعد البشير السابق، صباح أمس الأربعاء، وهو أحد رموز الحركة الاسلامية والمطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب في سجن كوبر الذي كان يقبع فيه الرئيس المعزول عمر البشير ومستشاريه ومساعديه من رموز المؤتمر الوطني.

في رسالة صوتية انتشرت بشكل واسع في منصات إعلامية، وصحفات سودانية على مواقع التواصل الاجتماعي، قال هارون: في بيان نيابة عن المعتقلين من قيادات جبهة الإنقاذ، أنه غادر السجن بمساعدة القوات المسلحة والشرطة بصحبة مسئولين آخرين بنظام البشير، وأنهم سيتولون حماية أنفسهم بأنفسهم.

يقول أيضا: أنهم سيشاركون الشعب السوداني في الدفاع عن كيان دولته من الاختطاف، معتبرا أن القوات المسلحة تقاتل في معركة الكرامة الوطنية، داعياً عناصر ” قوات الدعم السريع للانضمام إلى قوات الجيش وترك قواتهم بعد أن أظهرت أنها تقود إلى مشروع شخصي وأسري فقط”، مختتماً حديثه بعبارة ” ما النصر إلا صبر ساعة”.

اقرأ أيضا: الصراع على السلطة في السودان.. أهمية كبيرة وراء الحدود

رغم تبرأ القوات المسلحة من بيان قيادي جبهة الإنقاذ، أحمد هارون في محاولة لقطع الطريق أمام أي اتهامات بتورطهم مع الجماعة الإسلامية، و”الكيزان” من رموز نظام الإنقاذ، إلا أنه أثار المخاوف بشأن حقيقة انقياد قيادات الجيش السوداني لرموز جبهة الانقاذ.

يزيد ذلك من حالة التشوش لدى الرأي العام السوداني، ويثير الشكوك حول نوايا وأهداف قادة الجيش من الحرب التي باتت معركة وجودأ ومعادلة صفرية مع إصرار كل طرف على الحسم والانتصار في المعركة لخدمة مصالحه.

حميدتي والإسلاميين

رغم أن قوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو صنيعة نظام الإنقاذ، وأحد أذرع الرئيس المعزول عمر البشير في السيطرة على الأمن الداخلي في السودان، وحسم معاركه مع المتمردين في دارفور وغيرها، إلا أن حميدتي بات في موقع الصراع، والمواجهة المباشرة مع الإسلاميين مع سيطرة البرهان على قيادة القوات المسلحة، وإدارة الفترة الانتقالية منذ الانقلاب على المكون المدني في أكتوبر 2021.

كانت التحركات الأخيرة للبرهان، وإصراره على تمرير اتفاق يقضي بدمج قوات الدعم السريع في الجيش من دون تدخل في مسار إدارة الجيش، محل شك من قبل حميدتي الذي استشعر وكأنه محاولات من الإسلاميين للتربص به، وتجريده من كافة سلطاته، وأملاكه خاصة وأن قيادات النظام السابق الذي كان نفسه واحداً منهم اعتبروه خائناً.

كان البشير قد أهدى حميدتي العديد من المكافآت السخية، مقابل الخدمات التي قدمها خلال الحرب على المتمردين في دارفور، إذ تم تقليده برتبة فريق وهي من أعلى الرتب العسكرية، وضم ميليشا الجنجويد بقيادته إلى القوات المسلحة تحت مسمى قوات الدعم السريع، دون ولاية أو وصاية من الجيش السوداني.

رغم القرب الشديد والدعم الذي حاز عليه حميدتي ليس فقط في إضفاء الشرعية على الميليشا الخاصةبه، لكن في منح وعطايا من حرية التنقيب عن الذهب، التي كون من خلالها إمبراطورية اقتصادية، واصطحبه في جولات خارجية ساهمت في علاقات قوية مع أنظمة سياسية إقليمية ودولية عززت من قدرات الدعم السريع، إلا أن قرار حميدتي بالإنقلاب على نظام البشير، والتخلي عن حمايته مع اندلاع ثورة ديسمبر، كان سبباُ في تعزيز حالة الكره والحقد من الإسلاميين والكيزان ضده.

مع محاولات حميدتي تبرئة ساحته، وتبني خطاب الساعي لتحقيق الديمقراطية، إلا أن تاريخه كأحد أذرع المؤتمر الوطني وجبهة الإنقاذ في إخماد ثورات المتمردين على سياسات التهميش، والفقر التي مارسها نظام البشير يصعب تصديق أي خطاب يدعي فيه الدفاع عن المدنية والديمقراطية.

إذ لم تستطع قوات الدعم السريع نفض تاريخها، كميليشيا غير نظامية كانت أداة قوية للقمع وانعدام الأمن، وعدم الاستقرار في السودان لسنوات، وآلية للتنكيل والتحريض ضد القيادات المدنية المناهضة لنظام البشير.

مساندة الإسلاميين للبرهان قائداً للجيش

قد لا يكون هناك معطيات مباشرة، تعلن عن انتماء رئيس القوات المسلحة السودانية الفريق عبد الفتاح البرهان للحركة الإسلامية، إذ أن الخطاب الذي يتبناه البرهان منذ قيادته للجيش في أعقاب ثورة ديسمبر 2019، وعزل نظام الإنقاذ بقيادة عمر البشير غير متشدد أو منتمٍ للإخوان، بل أنه انتهج سياسات أكثر تحرراً كان من أبرزها تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

لكن قد تكون محاولات التمسك بالسلطة قادت إلى نوع من الترتيبات مع الإسلاميين، والتي ظهرت بشكل واضح في العودة غير المشروطة للمشهد السياسي في السودان.

كانت عودة رموز الحركة الإسلامية، للفضاء السياسي في السودان في وقت لم يعلن فيه البرهان عن رفض لهذه العودة مسار تأويلات، وتكهنات حول مدى التنسيق الدائر بين قيادة الجيش، وقيادات من الحركة الإسلامية، وما إذا كان هذا التنسيق يصل إلى حد التحالف غير المعلن لرعاية مصالح الطرفين، أم مجرد تنسيق مواقف لقطع الطريق على القيادات المدنية المتمثلة في قوى الحرية والتغيير، التي تكن عداء كبير لكل من المكون العسكري من جانب، ورموز وقيادات الحركة الإسلامية من جانب آخر.

ولعل من أبرز المؤشرات على التنسيق بين قادة الجيش، وقيادات الحركة الاسلامية، هو السماح لعلي كرتي، أحد أبرز رموز الحركة الإسلامية في السودان بعقد اجتماعات للم شمل الحركة الإسلامية من جديد، والإعلان عن تعيينه أمين عام للتنظيم، وهو ما يعني إعادة بناء هياكل المكتب التنظيمي للحركة الاسلامية في السودان من جديد.

وسمحت القوات المسلحة لبعض أعضاء المؤتمر الوطني بالعودة إلى الخدمة، وإعادة أصول وممتلكات كانت لجنة إزالة التمكين قد صادرتها.

وفقاً لتقارير إعلامية سودانية، فإن عودة الإسلاميين قد تكون ملاذ، وحاضنة سياسية للقوات المسلحة بعد الاستغناء عن قوى الحرية والتغيير، والاستغناء عنها وإقصاء المكون المدني من المشهد السياسي.

ذلك من أجل تأمين مواقف سريان العمل في مؤسسات الدولة من دون مواجهة أي محاولات للعصيان المدني منذ انقلاب أكتوبر، ولعل أبرز المؤشرات على ذلك هو عودة أعداد كبيرة من الموظفيين للخدمة في المؤسسات الحكومية، بعد إبعادهم بتهم انتمائهم للكيزان من رموز النظام السابق.

آلية عسكرية لقوات الدعم السريع دمرها الجيش السوداني- وكالة الأنباء الفرنسية

مناخ مناسب للعودة

بعيداً عن الاتهامات التي يقودها حميدتي ضد البرهان من تحالفه مع الكيزان، والقيادات الراديكالية الإسلامية، وما يمكن أن تقدمه من أشكال مختلفة للدعم في الحرب الدائرة في السودان، إلا أن اندلاع الصراع المسلح فتح الباب على مصراعيه للقوى الإسلامية بتصدر المشهد السياسي.

يمثل ذلك مخاوف كبيرة لدى القوى المدنية من إعادة سيطرة الإسلاميين على السودان مرة أخرى.

يرى مراقبون، أن قدر التقارب بين حميدتي وبعض الرموز المدنية من قوى الحرية والتغيير، لم يكن إلا محاولة للتصدي للعودة الانتقامية لقيادات الحركة الاسلامية، التي لم تكتفِ باستعادة ممتلكاتها من الأموال والأصول التي كانت قد تم تجميدها من قبل لجنة إزالة التمكين بل عودة أعضاءها لمراكز قيادية في الجيش.

لكن هذا الاتجاه لم يكن من المتصور التعويل عليه، بالنظر إلى تاريخ حميدتي كقائد ميليشا ارتكبت جرائم بحق الشعب السوداني.

المتابع للمشهد السياسي في السودان يلمس ترددا، وتخوف كثير من التيارات المدنية في دعم أو مساندة أطراف النزاع سواء البرهان أو حميدتي، إذا كانت الحرب أكبر مؤشر على عدم اكتراث أي من الرجلين بأي مخاطر، أو عقبات للحرب إلا الحفاظ على موقع قوته في المشهد السياسي ومواقع النفوذ.

بينما تقف تيارات مدنية على الحياد، تظهر التخوفات من إبادة الدعم السريع ونجاح الإسلاميين في التنكيل بها، إذ سيكون ذلك بداية لمسلسل الانتقام ضد كل من ساهم في إسقاط نظام الإنقاذ، أو تحول السودان لمسرح من العمليات الجهادية والإرهابية.