في 17 من إبريل/ نيسان الجاري، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على نعمة الله هشام زوجة المحامي المحبوس محمد الباقر مدير مركز عدالة للحقوق والحريات، بعد تدوينها على وسائل التواصل الاجتماعي عن أوضاع احتجاز زوجها وآخرين في سجن بدر1.
وأصدر عدد من المنظمات الحقوقية بيانًا تطالب بالإفراج الفوري عن نعمة الله، والتي لم ترتكب جرمًا وإنما استغاثت مما يتعرض له زوجها من عنف من إدارة السجن، كما لاحظت نعمة الله خلال زيارة زوجها فى السجن إصابته بجروح في الفم والمعصم، وعلى إثر شكوى باقر، طالبت بعض المنظمات الحقوقية بفتح تحقيق مع المسئولين في السجن للوقوف على حقيقة ما حدث.
انتهاك الحق في التعبير
رغم الإفراج عن نعمة هشام بعد ساعات من إلقاء القبض عليها، إلا أن الواقعة جددت النقاش حول حالة حرية الرأي والتعبير على وسائل التواصل الاجتماعي. وتعرض العديد من المواطنين للتحقيق والسجن، بموجب بنية تشريعية تقيد استخدام الأفراد لوسائل التواصل الاجتماعي كأداة للتعبير، وخضع مئات المواطنين للتحقيق والسجن بتهم بينها إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ونشر الأكاذيب.
كما تتجاهل هذه التصرفات الأمنية حقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعي فرضت نفسها، وتمثل عاملًا مهمًا في تهیئة متلطبات التغییر عن طریق تكوین الوعي، وتشكيل نظرة الإنسان إلى مجتمعه والعالم المحيط به.
عبر مواطنو منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط عن وتيرة الغضب الجماهيري على الأنظمة الحاكمة، بما فى ذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتصاعد ذلك مع اندلاع انتفاضات وثورات عربية ضد الأوضاع المتردية على المستوى الاجتماعي والسياسي.
لعبت وسائل الاتصال الاجتماعي كأداة لمشاركة الأفكار والأخبار والدعوة إلى التظاهر، نتج عنها مشاركة جموع من المواطنين والمواطنات في احتجاجات طالبت بالحرية والديمقراطية والمساواة، تزامن مع ذلك ردود أفعال من جانب بعض الحكومات منها قطع الإنترنت، ما سبب خسائر خاصة على المستوى الاقتصادي.
في حين، لم يكن قطع الإنترنت كافيًا لوقف موجة الغضب الجماهيري، واستطاعت الجماهير تحقيق جزء مهم من مطالبها في إزاحة رأس الأنظمة بشكل متتابع في المنطقة، لتبدأ مسيرة جديدة للبحث عن بدائل للأنظمة السابقة.
وخلال تلك الفترة، توحدت حكومات البلدان التي شهدت التغيير والبلدان المجاورة لها في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي على أن وسائل التواصل الاجتماعي تمثل أدوات للتخريب وإثارة البلبلة، ووفق رؤية هذه الحكومات، استطاعت بعض الدول استخدام مجموعات فى وسائل التواصل الاجتماعي في تنفيذ مخططات نشر الفوضى.
الرقابة والتضييق على الانترنت
كان مخطط التحذير من الفوضى هو الخطاب الوليد للحكومات من أجل الحد من استخدام المواطنين والمواطنات لوسائل التواصل الاجتماعي في التعبير عن آرائهم، ولعب فى ترويج هذا الخطاب كل من الصحف الحكومية، وبرامج التوك شو تحت رعاية الحكومات وبعض التيارات السياسية الراغبة في الاستحواذ على السلطة خلال فترة الفوران السياسي التي أعقبت الثورات.
كانت الاستراتيجية السائدة، هي إيقاف فيضان الحراك الاجتماعي، والتى بدأت بمهاجمة المنتمين للتيارات السياسية والشباب الباحث عن الحرية، ليتطور الوضع ليشمل الجميع بلا أي استثناءات حتى لو كان داعمًا لتوجهات الأنظمة والحكومات.
لم تكن البنية التشريعية في دول الشرق الأوسط تحتوي على قوانين يمكن لها أن تحد أو تضع رقابة محكمة على الإنترنت، هذا الوضع ساهم بشكل كبير في الحشد الجماهيري الذي سبق ما يسمى بالربيع العربي، وما بعده مباشرة، هذا الوضع كان مفهومًا تمامًا لدى السلطات في المنطقة فعلى سبيل المثال، تزايدت أعداد المتظاهرين في مصر يوم 25 يناير/ كانون الثاني/ كانون الثاني 2011 حين دعت القوى السياسية إلى التظاهر.
وخلال يوم الجمعة الموافق 28 يناير/ كانون الثاني 2011، والمعروف باسم “جمعة الغضب“، وفي الساعات الأولى من اليوم، أصدرت الحكومة المصرية أمرًا لمقدمي خدمات الاتصالات من الشركات بقطع الخدمة عن جميع المستخدمين.
فعليًا، تم قطع الخدمة عن شبكات “تي إي داتا، فودافون، لينك دي إس إل، واتصالات مصر للإنترنت المنزلي والإنترنت الخاص بالموبايل، بينما الشبكة الوحيدة التي كانت تعمل وقتها هي شبكة “نور” قبل أن تتعرض للقطع بدورها في يوم 31 يناير/ كانون الثاني 2011.
استمر قطع الإنترنت في مصر منذ 28 يناير/ كانون الثاني وحتى 2 فبراير 2011 كان ذلك نقطة الانطلاقة الحقيقية في تقييد استخدام الانترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي بشكل خاص. وكانت النقطة الثانية ذات الأهمية في رحلة تقييد وسائل التواصل الاجتماعي، الدعوة التي تقدم بها المحامي محمد سالم في سبتمبر 2012 من أجل حجب موقع اليوتيوب.
وورد في سبب الدعوة أن اليوتيوب عرض فيلما مسيئا للنبي محمد، وقضت المحكمة بحجب الموقع لمدة شهر في مصر، لكنها أوقفت تنفيذ الحكم بعد أسبوعين من صدوره لحين الفصل النهائي في موضوع الدعوى أمام المحكمة الإدارية العليا، وهى أعلى محاكم القضاء الإداري المصرية.
اقرأ أيضا: تقرير حقوقي يرصد الاحتجاجات المصرية في نصف عام
عوائق وقيود قانونية
من المهم في تقييم أوضاع حرية الرأي والتعبير خاصة في الإعلام الرقمي، الرجوع إلى القيود القانونية المتمثلة في عدد من التشريعات، والتي استهدفت الحد من استخدام الإنترنت بشكل عام عبر وضع قيود مشددة على حرية الرأي والتعبير في الإعلام الرقمي.
وضعت مجموعة من القوانين عراقيل عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتعرض بموجبها الكثير من المواطنين والمواطنات إلى السجن، وبذلك أصبحت الحرية مقيدة، سواء للمدافعين عن الحكومة والنظام السياسي أو أصحاب التوجهات السياسية المختلفة معها، كما أنه وبموجب هذه القوانين، فإن جميع أشكال النشر على وسائل التواصل الاجتماعي حتى المحتوى الترفيهي، يمكن أن يتم تجريمها.
وأخذت عمليات التشريعات القانونية المقيدة للحريات في فضاء الإنترنت تتعاقب منذ 2015 وتشمل قانون الإرهاب وتنظيم الصحافة وقانون تقنية المعلومات.
أيضًا، خضع للاتهام والعقوبة، بموجب عدة قوانين تتعلق بالنشر على الإنترنت، من هم خارج دائرة السياسة، وغير المنتمين لأي تيارات فكرية، واتسعت عمليات ملاحقة مستخدمي الإنترنت، وضمن ذلك صدر قرار بحبس السيدة منى محمود محمد، بعد حديثها عن اختفاء ابنتها قسريًا على يد السلطات المصرية، وأصدرت النيابة قرارًا بحبس السيدة بتهمة ترويج أخبار كاذبة والانتماء إلى جماعة محظورة .
قانون مكافحة الإرهاب
في عام 2015 أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، والذي احتوى على مواد تتعلق بعقوبة الحبس لمدة خمس سنوات على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وهي مواد احتوت على ألفاظ مطاطة مثل الترويج لأفكار إرهابية، أو إنشاء موقع لترويج الإرهاب، وتضليل السلطة وغيرها من الألفاظ المطاطة.
كما يسمح القانون للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة في جريمة إرهابية أن تأذن بأمر مسبب لمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا، بمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التي ترد على وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة.
وكذلك يسمح القانون بتسجيل وتصوير ما يجري في الأماكن الخاصة أو عبر شبكات الاتصال أو المعلومات أو المواقع الإلكترونية وما يدون فيها، وضبط المكاتبات والرسائل العادية أو الإلكترونية والمطبوعات والطرود والبرقيات بجميع أنواعها.
ويُمكِن التشريع، النيابة العامة أو سلطة التحقيق، وقف أو حجب المواقع التي أنشئت بغرض بث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية أو التأثير على سير العدالة في شأن أية جريمة إرهابية.
فرض قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، قيودًا على حرية التعبير الرقمية، من خلال تجريم وفرض عقوبات مشددة على مستخدمي الفضاء الإلكتروني، بالإضافة إلى النص على إمكانية حجب المواقع الإلكترونية. وتلاه قوانين كمكافحة جرائم تقنية المعلومات وتنظيم الإعلام والصحافة، وهي كلها قوانين مقيِّدة للحقوق الرقمية، الموجهة بالأساس إلى الجرائم التي تتم عن طريق وسيط محدد: الإنترنت.
قانون جرائم تقنية المعلومات
لم تكن البنية التشريعية المصرية قادرة على محاصرة مستخدمي الإنترنت بشكل كاف، بالإضافة إلى عجزها أمام الدستور الذي يحمي حقوق وسائل الإعلام المختلفة من ممارسة حقوقها، في استخدام جميع الوسائل المتاحة على شبكة الانترنت مثل المواقع الإلكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعي حتي عام 2018.
ولكن الأمر اختلف إلى حد كبير عندما صدق رئيس الجمهورية على قانون رقم 175 لسنة 2018 قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ولائحته التنفيذية وكذلك القانون رقم 180 لسنة 2018 الخاص بتنظيم الصحافة والإعلام.
ملاحقة مستخدمى الإنترنت
توسعت السلطات في إلقاء القبض ومحاكمة بعض مستخدمي وسائل التواصل بتهمة نشر أخبار كاذبة، وتكدير الأمن العام، والانضمام إلى جماعة إرهابية، ذلك بجانب حجب مئات المواقع الإلكترونية لوسائل إعلام ومنظمات حقوقية، كما يعد نص المادة (49) من قانون مكافحة الإرهاب أول سند قانوني واضح وموجه تجاه حجب المواقع، حيث جاء فيه: “وللنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة وقف المواقع المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 29 من هذا القانون أو حجبها أو حجب ما يتضمنه أي وجه من أوجه الاستخدام المنصوص عليها في هذه المادة والتحفظ على الأجهزة والمعدات المستخدمة في الجريمة”. وينقص هذا النص توضيح الخطوات الإجرائية المتبعة فيما يتعلق بحجب المواقع.
في عام 2021، رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير حجب 554 موقعا إلكترونيا من بينهم 125 موقعًا صحفيًا.
هذا بجانب القبض على عدد من الشخصيات العامة وأعضاء الأحزاب والمواطنين من غير المنتمين لتيارات سياسية أو فكرية.
اقرأ أيضا: الإشراف القضائي على الانتخابات: الحل المبتور
شواهد من داخل السجن
كان من أبرز المتهمين، المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، الذي تم الحكم عليه بسنة وتغريمه 20 ألف جنيه بتهمة نشر أخبار كاذبة عن الفساد. كما صدرت أحكام بالحبس على نشطاء وأعضاء برلمان وصحفيين كان من أبرزهم النائب البرلماني السابق زياد العليمي، والصحفي هشام فؤاد، والناشط السياسي حسام مؤنس بتهمة نشر أخبار كاذبة.
أيضًا، توسعت عملية ملاحقة المواطنين والمواطنات من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، من أبرزهم محمد محمود أبو مندور، الذي أُلقي القبض عليه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بسبب عدد من المنشورات السياسية على وسائل التواصل الاجتماعي، ووجهت النيابة إليه اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية مع علمه بأغراضها، وارتكاب إحدى جرائم تمويل الإرهاب، والتحريض على ارتكاب جريمة إرهابية، ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها الإضرار بالأمن والنظام العام ومصالح المواطنين، واستخدام حساب على شبكات التواصل الاجتماعي بغرض ارتكاب جريمة إرهابية.
كذلك، تعرض الطبيب بالمركز القومي للبحوث حامد صديق للسجن على ذمة قضية رقم 2207 لسنة 2021 حصر أمن دولة، متهمًا بالانضمام إلى جماعة إرهابية، وإذاعة ونشر أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام موقع من مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي الأيام الأخيرة من شهر مارس/آذار المنصرم، تم إلقاء القبض على الطبيب المصري هاني سليمان على ذمة القضية رقم 508 لسنة 2023 حصر أمن دولة بتهم نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية، ذلك بعد نشر تدوينة على صفحته الشخصية على الفيسبوك، تحدث فيها سليمان عن توقعاته الشخصية لمستقبل النظام في مصر، في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، وحالة حرية الرأي وتعبير، وقررت النيابة حبس سليمان خمس عشر يومًا على ذمة التحقيق.
وخلال شهر إبريل/نيسان الجاري تم إلقاء القبض على عضو حزب الدستور بمحافظة الإسكندرية أحمد فتحي وكذلك إلقاء القبض على عضو حزب الكرامة محمد إبراهيم بمحافظة القليوبية. وأمرت النيابة بحبسهما خمسة عشر يومًا على ذمة التحقيق بتهمة نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية.
محاكمة “يحيى حسين”
وفي 13 إبريل/نيسان 2023، مثل المهندس يحيى حسين عبد الهادي أمام محكمة جنح مدينة نصر ثاني باتهامه بنشر أخبار كاذبة في القضية رقم 1206 جنح مدينة نصر لسنة 2023، ومن جانبه قال المحامي خالد على، على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن التهمة التي ذكرتها النيابة هي بث ونشر إشاعات وأخبار كاذبة داخل وخارج البلاد حال كونه عائد، أى سبق اتهامه بذات التهمة، وعاد لارتكابها من جديد، حيث نشر ثلاث مقالات خلال الفترة من 7 أغسطس/آب 2022 حتى 20 مارس/ آذار 2023.
المهندس يحيى حسين، تم إلقاء القبض عليه في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018 بعد بلاغ تقدم به مواطن يتهمه بإهانة رئيس الدولة ونشر أخبار كاذبة وتكدير السلم العام، وجاءت الاتهامات إثر مقال نشره عبد الهادي عبر صفحته بموقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي ينتقد فيه تصريحات للرئيس عبد الفتاح السيسي حول انتفاضة يناير/ كانون الثاني 2011، وتم الإفراج عنه بكفالة قدرها عشر ألاف جنيه.
وفي يناير/ كانون الثاني 2019، ألقت السلطات المصرية القبض على عبد الهادي، بعد ساعات من مطالبة الحركة المدنية بالإفراج عن خمسة آخرين من أعضائها، ألقي القبض عليهم في أعقاب احتفالهم بالذكرى الثامنة لثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني.
وكانت محكمة مصرية قضت في 23 مايو/أيار 2022، بسجن عبد الهادي أربع سنوات لإدانته بتهمة نشر أخبار كاذبة. وكان عبد الهادي ضمن المتهمين في القضية المعروفة إعلاميًا باسم “اللهم ثورة”؛ إذ وجهت السلطات المصرية للمتهمين آنذاك اتهامات تتعلق بالانضمام لجماعة أنشئت خلافًا لأحكام القانون تعمل على منع مؤسسات الدولة من أداء عملها، والإعداد والتخطيط لارتكاب أعمال عنف خلال “شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير” عام 2019، واستغلال ذكرى ثورة يناير/ كانون الثاني في القيام بأعمال تخريبية ونشر الفوضى في البلاد.
وفي 2 يونيو/حزيران 2022، أفرجت مصلحة السجون المصرية عن يحيى حسين عبد الهادي، تنفيذاً لقرار بالعفو الرئاسي عنه.