وافق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على التفاوض مع جماعة جيش تحرير أورومو المتمردة في تنزانيا. فيما أعلنت الأخيرة أن الحكومة الإثيوبية قبلت شروطها لإجراء محادثات سلام. هذه المحادثات التي تتوسط فيها كينيا والنرويج، بغرض استكمال مسار السلام المنبثق بموجب اتفاق بريتوريا نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

المفاوضات تأتي في سياق إقليمي مضطرب؛ بفعل الاشتباكات الراهنة في السودان بين المكونين العسكريين. وهو ما يفسر خطوات آبي أحمد في الوقت الراهن، من حيث مساعيه في اكتساب ثقة المجتمع الدولي مجددًا، والظهور بصورة الرجل القوي في الإقليم.

ميزان القوة الإقليمية

لا يمكن فصل أهداف آبي أحمد في تحقيق الاستقرار، واحتواء المتمردين داخليًا بعيدًا عن الحالة السياسية العامة بالإقليم في شرق إفريقيا والقرن الإفريقي.

وقد أعلنت إثيوبيا استعدادها للمساعدة في حل الأزمة الحالية في السودان من خلال الحوار، نافيةً أنها تستغل الاضطرابات لنشر قواتها في المناطق الحدودية المتنازع عليها. إلا أن إثيوبيا تستهدف فيما يبدو توظيف الأحداث في السودان من أجل الحصول على نفوذ إقليمي ودولي. ذلك بادعاء أنها ضمن الدول الأكثر استقرارًا في المنطقة، والأجدر في الحصول على ثقة المجتمع الدولي.

الباحث في الشأن الإفريقي، د. محمد فؤاد رشوان
الباحث في الشأن الإفريقي، د. محمد فؤاد رشوان

كما أن انخراطها حاليًا في تضاعيف أزمة السودان، سيسمح لها بصلاحيات أكبر في ظل الانقسام السياسي والأمني في الخرطوم.

اقرأ أيضًا: مريم الصادق المهدي في حوار مع “مصر 360”: لا أستبعد نهجًا مختلفًا للخرطوم عن القاهرة بمسألة سد النهضة.. لهذه الأسباب تحظى إثيوبيا بقبول السودانيين أكثر.. ورشة القاهرة ضمت شخصيات دعمت انقلاب 25 أكتوبر (2-2)

ويرى الباحث في الشأن الإفريقي، د. محمد فؤاد رشوان، أن إثيوبيا تمضي في إطار مخطط أكبر يتضمن توسيع دورها في الإقليم، خدمةَ لمصالح حلفائها. وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على التأثير على الدور المصري.

ويضيف: أن إثيوبيا تعمل على تحقيق مكاسب في منطقة الفشقة الحدودية المتنازع عليها مع السودان، والاستفادة من الانهماك السوداني في القتال الداخلي، بهدف الاستمرار في ملء سد النهضة، دون الالتزام باتفاق قانوني ملزم بين الأطراف (إثيوبيا من جانب ومصر والسودان من جانب آخر).

وعن السيناريوهات المحتملة، يقول رشوان: إنه من المتوقع أن تظهر العديد من المشكلات خلال الفترة القادمة، تهدد نجاح المفاوضات، ومنها عدم  القدرة على التوصل إلى اتفاق مُرض، خاصة مع محاولات سابقة للتفاوض بشكل غير رسمي، لم تسفر عن نتائج.

سياسة الاحتواء

لقد تراجعت شعبية آبي أحمد خلال العامين الماضيين، وسط حملة الاعتقالات الجماعية التي شنها جيشه أثناء حربه على قوات التيجراي. كما أن حزبه الحاكم يواجه عدة تحديات. فوفقًا لبيان الحزب الأخير الصادر في مارس/ آذار الماضي، أقر الحزب بوجود 5 تحديات رئيسية، على رأسها عدم القدرة على إدارة الحرب.

وطالب الحزب أنصاره والمواطنين ببذل كل ما هو مطلوب؛ لإنجاح الحوار الوطني. وهذا فضلًا عن تحدي التكلفة المرتفعة للمعيشة الناجمة عن التشوهات الاقتصادية.

اقرأ أيضًا: سد النهضة| إثيوبيا “تفرض الملء الرابع” ومصر تتمسك بالدبلوماسية والسودان متذبذب

وفعليًا، فمنذ توقيع اتفاق بريتوريا، يعمل آبي أحمد على إعادة السيطرة من خلال سياسة الاحتواء، وتدابير بناء الثقة. على سبيل المثال، عيَّن جيتاتشو رضا مستشار زعيم جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي في منصب رئيس الإدارة المؤقتة لمنطقة تيجراي. ذلك بالإضافة إلى حذف الجبهة من القائمة الرسمية للمنظمات الإرهابية.

كما أجرى آبي أحمد محادثات مباشرة مع قادة تيجراي في فبراير/ شباط الماضي. وهي المباحثات الأولى منذ توقيع اتفاق السلام، وذلك في 3 فبراير/ شباط 2023.

تحمل تلك الخطوة بالتفاوض لأول مرة مع هذه الجماعة المتمردة إشارة هامة، في إطار استراتيجية رئيس الوزراء الإثيوبي الرامية إلى إحياء مقومات حزبه ومشروعه الوطني.

الباحث في الشأن الإفريقي محمد عز الدين
الباحث في الشأن الإفريقي محمد عز الدين

هل ينجح آبي أحمد؟

عن مدى نجاح آبى احمد في تحقيق الاستقرار السياسي داخليًا، يقول الباحث في الشأن الإفريقي محمد عز الدين: إن الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا تواجه تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالتوترات العرقية والقبلية، والتي تسببت في فقدان الثقة بين الحكومة المركزية والولايات الفيدرالية.

ويرى عز الدين، أنه على الرغم من توقيع اتفاق بريتوريا، تظل مسألة نزع السلاح من مختلف الولايات أمر مختلف عليه ويتطلب الكثير من الضمانات.

تسوية المشاكل الداخلية

تهدف المحادثات الإثيوبية-الإثيوبية إلى إنهاء صراع صامت طويل الأمد في منطقة أوروميا. حيث تنشط جماعة OLA المنشقة عن جبهة تحرير أورومو، والتي صنفتها الحكومة كمجموعة إرهابية.

وقد صرح المتحدث باسم هذه الجماعة بأن الاجتماع ليس سوى الخطوة الأولى، التي تهدف إلى بناء الثقة بين الطرفين وتوضيح المواقف.

وتُلقي كل من الحركة والحكومة الفيدرالية باللوم على بعضهما البعض في عدد من الهجمات في منطقة أوروميا. وعلى الرغم من أن القتال بين OLA والحكومة الفيدرالية منفصل عن القتال في تيجراي. لكن الحركة أقامت تحالفًا مع جبهة تحرير شعب تيجراي (TPLF) في عام 2021.

وخلال توقيع اتفاق بريتوريا للسلام، أقر آبي أحمد بالحاجة إلى إجراء المفاوضات مع مختلف الحركات المعارضة كجزء تكميلي، وضروري لضمان سريان الاتفاق. حيث لا يمكن أن تعيش إثيوبيا في سلام دون مصالحة مستقلة تحل مشكلة أورومو السياسية بشكل عادل، وديمقراطي على حد قوله.

هنا، يؤكد د. محمد فؤاد رشوان، المتخصص في الشأن الإفريقي، أن آبي أحمد بات يشعر بالتهديد الذي يحيط بسلطته داخليًا ودوليًا، لذا هو يسعى حثيثًا لتسوية المشاكل الداخلية.

فعلى الرغم من تفوقه في الحرب التي شنها على قوات التيجراي بتعاون مع إريتريا، وبمساعدة القوى الدولية كالصين وإيران اللتين زودتاه بطائرات دون طيار. لكن هذا الدعم غير مضمون الاستمرارية في ظل تغير موازيين القوى المتسارع. لذلك هو يحاول التفاوض مع جيش تحرير أورومو بمختلف طرق الترغيب والترهيب بغرض الوصول إلى تسوية سريعة.

ثقة المجتمع الدولي

حظيت إثيوبيا باهتمام دولي واضح خلال الفترة الأخيرة، حيث كانت المحطة الإفريقية الرئيسية لزيارات الدول الكبرى منذ بداية العام.

وقد ساهمت خطوات آبي أحمد الأخيرة في إرضاء المجتمع الدولي وجذب الأطراف الدولية. على سبيل المثال، أجرت وزيرة خارجية فرنسا، وكذا وزيرة خارجية ألمانيا كاترين كولونا، وأنالينا بيربوك، زيارتين متعاقبتين إلى أديس أبابا في بداية العام الجاري. ذلك لدعم اتفاق السلام، حيث أكدتا استعداد الاتحاد الأوروبي الانخراط مع إثيوبيا من جديد شريطة الالتزام بوقف إطلاق النار.

كما أجرى آبي أحمد نفسه جولة أوروبية وُصفت بالناجحة، شملت إيطاليا ومالطا وفرنسا، في فبراير/ شباط الماضي. حيث أسفرت عن توقيع اتفاقية “إطار التعاون الإثيوبي الإيطالي 2023-2025″، التي تتضمن التزامًا ماليًا يصل إلى 180 مليون يورو.

اقرأ أيضًا: ليس التيجراي فقط .. طريق إثيوبيا الصعب إلى السلام وتحييد خطر إريتريا

وزار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إثيوبيا في منتصف مارس/ آذار الماضي. وأشاد بالتقدم المحرز في سريان اتفاق السلام. وأكد على أهمية التحالف بين الولايات المتحدة وإثيوبيا. كما أعلن عن 331 مليون دولار كمساعدات إنسانية جديدة لإثيوبيا.

كذلك، فإن إثيوبيا من أهم أولويات الصين في منطقة القرن الإفريقي. وقد حملت زيارة وزير الخارجية الصيني تشين جانج أديس أبابا إلى جانب مصر والجابون وأنجولا وبنين، تأكيدًا على ذلك.

تسعى إثيوبيا إلى إعادة بناء العلاقات مع الأصدقاء؛ لتلقى الدعم اللازم لمساعدتها في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي. كما يسعى آبي أحمد إلى إعادة اكتساب ثقة المجتمع الدولي، حيث تسببت حرب التيجراي في حرمان الولايات المتحدة إثيوبيا من الاستفادة من برنامج التجارة المعفاة من الرسوم الجمركية، المعروف باسم قانون النمو والفرص الإفريقي (AGOA).

وموافقة آبي أحمد على التفاوض بوساطة كينيا والنرويج في محادثات سلام، تمثل انعكاسا لرغبته في ممارسة دور دولي جديد، كما يقول الباحث عز الدين: خاصة وأنها تأتي بعد 4 سنوات من رفضه التفاوض مع عدة جبهات داخل إثيوبيا بالأخص جبهة أورومو. كما أن المفاوضات تأتي استجابة لمطالب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتحمل أيضًا دلالة على إفساح المجال للتفاوض مع باقي القوميات.