أطلق الاتحاد الأوروبي قبل أيام أداته، لشراء الغاز بطريقة مشتركة، وذلك في مسعى لكبح تقلبات الأسعار، وهي الأداة المعروفة باسم “نادي مشتري الغاز”، والتي تستهدف تأسيس تجمع يضم مشتري الغاز الطبيعي، وبائعيه في محاولة لتجنب موجة ارتفاعات أسعار مماثلة لتلك التي عصفت بأسواق الطاقة العام الماضي.
فمنذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، بدأت أزمة الغاز الروسي المورد إلى دول الاتحاد الأوروبي، تتصدر مشهد الأزمات التي لحقت بدول القارة العجوز. وكانت تلك الورقة الرابحة في يد موسكو، التي قطعت إمدادات الغاز عن أوروبا، كسلاح مضاد للعقوبات المفروضة عليها من دول القارة الداعمة لأوكرانيا.
ومن هنا، انطلقت التكهنات التي تلمح إلى بعض الخيارات التي يمكن الاعتماد عليها على المدى القريب والمتوسط، تفاديًا للضغط الروسي بـ”كارت الغاز”، الذي تستهلك أوروبا منه 360 مليار متر مكعب، حسب أحدث البيانات. وكانت ضمن تلك الخيارات تأسيس تجمع يضم مشتري وبائعي الغاز.
فهل تحد هذه الخطوة من آمال الدول الراغبة في اقتناص نصيب من حصة روسيا الغائبة عن الغرب، ومن بينها مصر التي تخطط لزيادة إيراداتها السنوية من الغاز للعام الجاري؟
اقرأ أيضًا: روسيا تواصل إذلال أوروبا بسلاح الغاز.. هل سيعود سيل الشمال مجددًا؟
آلية تداول الغاز الجديدة
يستهدف النادي الجديد لمشتري الغاز أن يمنح الشركات القدرة على تقديم تقديرات طلبها للغاز لفترة 12 شهرًا، تمتد من بداية يونيو/ حزيران المقبل إلى نهاية مايو/ أيار 2024، على أن تُجمع تلك البيانات وتخضع للتحليل، ومن ثم يطرح البائعون المحتملون عروضهم، حيث يمكن لكلا الطرفين (البائع والمشتري)، تحديد العرض الأجدى والتوافق عليه، تمهيدًا لإتمام الصفقات المباشرة بينهما أو عبر وسطاء. ضمن عمليات يبدأ تفعيلها 17 مايو/ أيار الجاري.
وتضمن هذه الآلية الجديدة لتداول الغاز بالاتحاد الأوروبي تحقيق بعض المكاسب لدول القارة العجوز دون غيرها، كما يقول الخبير البترولي عمرو مصطفى: الذي يوضح أنه كلما ارتفع عدد المشاركين في نادي مشتري الغاز، تصاعدت فرص إبرام صفقات جذابة، وهي الطريقة التي تأمل أوروبا أن تكون ملائمة لإنقاذ دول القارة وبصورة كاملة خلال الفترة القادمة.
هل تتأثر مصر؟
لا يستبعد مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، أن تتأثر بعض الدول التي سعت لنيل حصة من السوق الأوروبية، لتصدير الغاز، بهذه المنظومة الجديدة، خاصة على مستوى الأسعار التي كانت تخطط لتحقيقها، وذلك بالحصول على قيم كبيرة من الأرباح والإيرادات السنوية من المبيعات.
من بين هذه الدول التي ستتأثر -كما يشير يوسف- مصر، وقد بدأت الفترة الماضية في زيادة صادراتها من الغاز المسال إلى الأسواق المختلفة ومنها أوروبا، مستهدفةً توريد شحنات بحوالي 12 مليار دولار خلال 2023. حيث خاضت مباحثات عديدة للتوسع في تصدير الغاز، وتوفير حاجة بعض دول الاتحاد الأوروبي، لتعويض النقص الحادث بفعل توقف إمدادات الغاز الروسي.
اقرأ أيضًا: مصر وتركيا.. ترسيم تحالفات يعزز الصراع على لقب “ناقل الغاز” إلى أوروبا
خيارات
وفقًا للبيانات الدولية، فإن احتياطيات الغاز المتاحة لدى روسيا إلى عام 2020 بلغت 48.9 تريليون متر مكعب. بينما تأتي إيران في المرتبة الثانية باحتياطي قدره 34.0 تريليون متر مكعب. وبعدهما قطر باحتياطي قدره 23.8 تريليون متر مكعب. ثم تركمانستان باحتياطي 15.3 تريليون متر مكعب.
أما الولايات المتحدة، فيقدر احتياطيها بـ12.9 تريليون متر مكعب. ثم تأتي بعدها المملكة السعودية بحجم 8.4 تريليونات متر مكعب. تليها دولة الإمارات بحجم 7.7 تريليونات متر مكعب. ثم نيجيريا بحجم 5.7 تريليونات متر مكعب. ومصر بحجم 2.1 تريليون متر مكعب.
أما النرويج، فيكفي إنتاجها احتياجاتها المحلية، وما يفيض يكفي لتلبية متطلبات بعض الدول الأوروبية مثل، المملكة المتحدة. فيما لم تعد هولندا تمتلك الكثير من الاحتياطي، الذي لم يزد عن 1.1 تريليون متر مكعب.
الاستغناء عن روسيا
يفسر الخبير البترولي عمرو مصطفى الخطوة الأوروبية، رغم انحسار أزمة الطاقة بصورة كبيرة منذ بلوغ العقود الآجلة للغاز مستويات ذروتها في أغسطس/ آب الماضي، بتوضيح أن المخاطر لا تزال تهدد الإمدادات إلى أوروبا، مع استمرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. وهو أمر يدفع دول الاتحاد إلى ضرورة البحث عن بديل أكثر أمنًا، وأقل تكلفة للغاز والنفط الروسي.
ويشير مصطفى إلى أن أوروبا تستورد نحو 40% من النفط والغاز من روسيا، وعلى رأس المستوردين ألمانيا، وبالتالي، فإن إيجاد بديل يعوض إجمالي تلك الكميات أمر صعب للغاية، لا يمكن لدولة وحدها أن تفي به، ولا سبيل لتعويض ما تقدمه روسيا سوى إنشاء تجمع للمشترين والبائعين (نادي مشتري الغاز) تحت مظلة واحدة، يضمن تلبية كميات معقولة للسوق الأوروبية.
اقرأ أيضًا: إعادة إحياء “إيست ميد”.. أوروبا تبحث عن بدائل الغاز الروسي
وهو يرى أن الآلية الجديدة لن تُفيد أوروبا على مستوى الكميات التي تحتاجها من الغاز، وإنما فقط ستعزز قدرتها على إبرام عقود استيراد بأسعار جيدة وأقل مما كانت تتعاقد عليه منذ الحرب الروسية الأوكرانية، الأمر الذي أنهك اقتصادات الدول المستهلكة غير المنتجة للغاز.
ووفق مصطفى، قد تكون هذه الآلية أكثر إيجابية على المدى المتوسط والقريب. ذلك لأن الضبابية لا تزال تسيطر على مستقبل سوق الغاز للسنوات الطويلة القادمة، باعتبار أن الاقتصاد العالمي عانى من تقلبات عدة على مستوى التسعير بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، التي ألقت بتبعاتها على الأسواق كافة.
شكوك حول الجدوى
هناك أيضًا شكوك ملموسة تُحيط بطريقة عمل الآلية الجديدة، كما يقول الخبير البترولي مدحت يوسف: ومن بينها أنه إذا كان بإمكان الدول المستهلكة للغاز التفاوض على سعر أفضل بطريقة مباشرة مع الموردين، فلماذا تستخدم “آلية”، تجمع دول الاتحاد الأوروبي؟
يوضح يوسف أن بعض الدول قد تكون لديها خطة خاصة بانتظار رؤية ما سيسفر عنه هذا التجمع، وهل سيكون ذي جدوى اقتصادية لكلا الطرفين أم لا؟ وبالتالي، من المحتمل أن يضع البعض مساحة من الوقت قبل تقييم التجرية بشكل نهائي.
وقد كشفت مصادر أن الالتزام بتجميع الطلب ينطبق على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لكنه غير ملزم للشركات.
هنا، تتحدث المصادر عن أبعاد سياسية وليس اقتصادية فقط؛ لإنشاء هذه المنصة الجديدة، وهو أمر يضيف مزيدًا من الشكوك حول جدوى ونجاح هذه الآلية. وبالتالي سيبقى على دول الاتحاد الأوروبي بذل جهد أكبر، لتنويع مصادر الطاقة في المستقبل. خاصة في ظل ارتباط الدول المصدرة للغاز خارج أوروبا بعقود تصديرية لأسواق عديدة، إضافة إلى ارتباط مشروعات الإنتاج الجديدة بمدد زمنية طويل الأجل، لا يمكن تسريع وتيرتها لدخولها على الإنتاج خلال أشهر.
هل تستمر التقلبات؟
تستحوذ روسيا على 13% من إنتاج النفط العالمي و17% من إنتاج الغاز الطبيعي. كما أن نحو ربع واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الخام تأتي حاليًا من روسيا. ولا يوجد سوى مجال محدود أمام الاتحاد الأوروبي؛ لتعويض أي اضطراب في الإمداد من مصادر أخرى. وبالتالي، فإن محاولة تجميع القوى الكبرى ضد بعضها لن يأتي بمردود جيد على السوق العالمي للطاقة.
وقد تفاقمت تقلبات أسعار الغاز الفترة الأخيرة، بسبب أنباء تراجع مخزونات الطاقة في الاتحاد الأوروبي الفترة الماضية. ومن ثم تسعى الدول الأوروبية، لتقليل التأثير على إمدادات الطاقة، في محاولة للسيطرة على الأسعار. ذلك أسوة بما قام به الاتحاد الأوروبي من محاولة فرض سقف على سعر النفط الروسي المُباع داخل أوروبا.
ومع كل ذلك، تظل أسعار الطاقة شديدة الحساسية لمزيد من التطورات. فالمخاطر على أسعار الطاقة غير متكافئة. وبالتالي يمكن أن نرى تحركات كبيرة إلى الأعلى في حالة تفاقم المخاوف بشأن تعطل العرض. وحال ما إذا هدأ الوضع فإنه من المتوقع انخفاض أسعار الطاقة، لكن من المرجح أن يؤدي توازن العرض/ الطلب الضيق في السوق إلى إبقاء الأسعار عند مستويات مرتفعة مقارنة بالفترة الماضية.
كذلك، تحاول الولايات المتحد الأمريكية إيجاد بدائل للنفط الروسي، والبحث عن مصدر آخر تستطيع من خلاله توفير حاجة أوروبا من نفط وغاز بعيدًا على روسيا. ذلك لاستكمال عقوباتها التي فرضتها الفترة الماضية على موسكو، بسبب حربها ضد أوكرانيا.
ودفع الوضع بين روسيا ودول أوروبا وكالة الطاقة الدولية، لتأكيد متابعتها الأزمة الروسية الأوكرانية وتأثيرها على أسواق الطاقة العالمية. حيث أصدرت خطة لتقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على واردات الغاز الروسي بأكثر من الثلث في غضون عام. مع الالتزام بأهدافه المناخية والحفاظ على أمن الطاقة، والقدرة على تحمل التكاليف. مشيرة إلى أن الخطة تحدد الإجراءات التي يمكن اتخاذها في الأشهر المقبلة مثل، التحول بشكل أسرع نحو موردي الغاز غير الروس، والاعتماد على مصادر الطاقة الأخرى، وتسريع الجهود؛ لتزويد المستهلكين والشركات والصناعة بوسائل لاستخدام بدائل نظيفة وفعالة.