في غضون عقدين من الزمان سيطرت دولة الإمارات على جزء كبير من المواني المطلّة على البحر الأحمر، بضفتيه شرقا وغربا مع سيطرتها على مواني استراتيجية في جيبوتي وإريتريا والسودان ومصر، وعلى الضفة الأخرى جميع مواني اليمن بشكل مباشر عبر التعاقدات الرسمية، أو غير مباشر بالتواجد العسكري لجنودها أو حلفائها من اليمنيين.

بدأت الإمارات أولى هذه الخطوات باتفاق مع حكومة دولة جيبوتي المطلّة على القرن الإفريقي في جنوب البحر الأحمر؛ لتطوير موانيها وصولا لاتفاق عام 2005، بعدما وقعت شركة دبي للمواني العالمية عقد امتياز لمدة 50 عاما مع حكومة جيبوتي؛ للاستثمار في ميناء “دوراليه”، للحاويات، التي تبلغ طاقته الاستيعابية 1.25 مليون حاوية.

تتمثل أهمية ميناء “دوراليه”، في كونه المورد الرئيسي للبضائع التي تتدفق إلى إثيوبيا، بعدما أغلقت الحرب التي دارت بينها وبين إريتريا عام 1998 ميناء “عصب”، الإريتري الذي كانت أديس بابا تعتمد عليه قبل ذلك في استيراد بضائعها، ومن ثم تشكلت شركة جديدة مشتركة تدير الميناء باسم “دي.سي.تي”، تمتلك فيها الهيئة الوطنية لمواني جيبوتي حصة 67%، بينما تعود الحصة الباقية 33% لمواني دبي.

وحتى بعدما أنهت حكومة جيبوتي هذه الشراكة من جانبها، لجأت الإمارات إلى التحكيم الدولي الذي أقر بإعادة الاتفاقية، وإلزام الحكومة الجيبوتية بإعادة تنفيذ الشراكة.

الصومال الجديدة.. نفوذ أبو ظبي

من جيبوتي إلى الصومال، توصلت مجموعة مواني أبوظبي مع برلمان جمهورية أرض الصومال الانفصالية إلى اتفاق؛ لإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن لمدة 25 عاما مع حق الوصول إلى مطار المدينة.

كما استحوذت مواني دبي على اتفاق مع حكومة إقليم الصومال الانفصالي؛ لتوسعة وتطوير ميناء بربرة الجديد بقيمة نحو 101 مليون دولار. وبموجب ذلك التعاقد، حصلت مجموعة مواني دبي على نسبة 65% من ميناء بربرة الجديد، وإقليم أرض الصومال 35%، إلا إنه تم تعديل العقد في 2018، إذ تنازلت الشركة الإماراتية عن 14% من حصتها، وأرض الصومال عن 5% لصالح طرف ثالث هو إثيوبيا التي أشركت في العقد لاستثمارها في ممر بري يربط ميناء بربرة بالأراضي الإثيوبية.

كما عقدت شركة مملوكة لمجموعة مواني دبي، في إبريل/ نيسان 2017، اتفاقًا مع إقليم بونت لاند الواقع شمال شرقي الصومال الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي؛ لإدارة وتشغيل ميناء بوصاصو المطّل على ساحل البحر الأحمر لمدة 30 عامًا بتكلفة 336 مليون دولار، ويقضي الاتفاق ببناء رصيف بطول 450 مترا، وإزالة رواسب بعمق يصل إلى 12 مترا.

توصلت مجموعة مواني أبوظبي مع برلمان جمهورية أرض الصومال الانفصالية إلى اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة
توصلت مجموعة مواني أبوظبي مع برلمان جمهورية أرض الصومال الانفصالية إلى اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة

الهيمنة على شرق إفريقيا

بعد جيبوتي والصومال، وقعت الإمارات مع إريتريا اتفاقًا تستخدم بموجبه ميناء، ومطار عصب على البحر الأحمر لمدة 30 عاما. وينص الاتفاق على أن تدفع مؤسسة المواني والجمارك، والمنطقة الحرة في دبي مقابلا سنويا للسلطات الإريترية، إضافة إلى 30% من دخل المواني بعد تشغيلها.

مع الميناء، حصلت الإمارات على مطار يحتوي على مدرج بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة استخدامه في الإقلاع والهبوط. وقد استغلت الإمارات والسعودية ميناء وقاعدة عصب بشكل فعال.

السودان.. الخطة الإماراتية تكتمل

وقعت الإمارات ممثلة في مجموعة مواني أبو ظبي مع السودان عقدًا، لإنشاء ميناء أبو عمامة الجديد الذي يضم منطقة اقتصادية، على البحر الأحمر، بتكلفة تبلغ قرابة 6 مليار دولار.

ومن المخطط، أن يُنشأ الميناء الجديد شمال ميناء بورتسودان الذي تمر عبره الغالبية العظمى من واردات السودان، وصادرات النفط من جنوب السودان، وسيضم منطقة صناعية، وأخرى سياحية ومطارا دوليا، ومحطة كهرباء بجانب زراعة 400 ألف فدان.

اليمن.. التوجه شرقا بعد الغرب

وعلى الجانب الآخر من البحر الأحمر، سيطرت الإمارات على مواني اليمن، بعدما منح الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، مجموعة مواني دبي امتياز إدارة وتشغيل ميناء عدن “الميناء الرئيسي في اليمن” لمدة 100 عام، لكن بعد قيام الثورة اليمنيّة، وخلع علي عبد الله صالح، قررت إدارة ميناء عدن إلغاء الاتفاقية.

لكن في الوقت الحالي وبدعم عسكري، تسيطر الإمارات عن طريق حلفائها المحليين على مواني عديدة في البلاد، أبرزها عدن والمخا وشبوة والمكلا وسقطرى، حيث بسطت الإمارات سيطرتها على ميناء بلحاف “شبوة”، “والضبة”، “والمكلا”، وبعض الجزر مثل، سقطري وميون قبالة باب المندب. وتُقدر إيرادات المواني اليمنية التي تسيطر عليها الإمارات في عام 2020 بنحو 516 مليون دولار أمريكي، تستفيد منها الإمارات بشكل رئيسي.

رجل يقف أمام الميناء الحديث في ميناء بورتسودان بولاية البحر الأحمر، في 24 فبراير/ شباط 2014. (رويترز)
رجل يقف أمام الميناء الحديث في ميناء بورتسودان بولاية البحر الأحمر، في 24 فبراير/ شباط 2014. (رويترز)

وفي عام 2021، تم الكشف عن بناء الإمارات قاعدة جوية في جزيرة ميون “بريم”، الواقعة في مدخل مضيق باب المندب، الذي يعدّ البوابة الرئيسية والوحيدة للبحر الأحمر وقناة السويس. وتعد جزيرة ميون واحدة من من أهم نقاط العبور نقاط المرور البحرية في العالم، لشحنات الطاقة والبضائع التجارية على السواء، لوقوعها في مدخل مضيق باب المندب.

مصر.. عقود مستمرة

في مارس / آذار الماضي، حصلت الحكومة الإماراتية ممثلة في مجموعة مواني أبوظبي، على امتياز لإدارة وتشغيل ميناء سفاجا المصري لمدة 30 عامًا. وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من حصول نظيرتها مجموعة مواني دبي على حق إدارة، وتشغيل ميناء السخنة لمدة 25 عامًا في عام 2008. كما حصلت مجموعة مواني أبوظبي على امتياز تطوير، وإدارة ميناء شرم الشيخ السياحي وميناء الغردقة السياحي أيضاً.

ويقول الدكتور إبراهيم محمد الخبير الاقتصادي، إن استثمار واستحواذ الإمارات على هذه المواني يأتي في إطار سياسة إماراتية؛ لإبقاء دبي بعيداً عن منافسة الجيران كمركز إقليمي، وعالمي للتجارة والسفر ونقل البضائع ومن أجل ذلك تقوم بتحجيم المواني التي تدخل في إدارتها على مدى سنوات طويلة؛ كي لا يؤثر ذلك على مكانة دبي كمركز أساسي للتجارة والأعمال.

ويضيف إبراهيم في حوار صحفي:  مع دويتشة فيله، أن الإمارات تريد من خلال النفوذ الاقتصادي التأثير على دول الجوار وعبر العالم أيضاً من خلال المال وكذلك بالدخول في شركات إعلام، واقتصاد عالمية وأن تتمتع بحصانة سياسية تحميها من الحملات السياسية المعارضة.

سيطرة واستحواذ

في نفس السياق، يقول المهندس وائل قدور خبير النقل البحرى: وعضو مجلس إدارة هيئة قناة السويس الأسبق، إن استثمارات الإمارات في البحر الأحمر؛ تهدف في الأساس إلى السيطرة على مواني البحر الأحمر.

ويُضيف لـ”مصر 360″، أنها لتنفيذ مخططها تستخدم ذراعين لذلك؛ الأول مجموعة مواني دبي، والثاني مجموعة مواني أبوظبي، والأخيرة تلك دخلت متأخرة بشكل ما في عملية الاستحواذ على مواني البحر الأحمر.

ويُتابع قدور، أن عقود الاتفاقيات التي استحوذت من خلالها على مواني البحر الأحمر تحديدًا، تحتوي على شروط مجحفة، مدللاً على ذلك بعدم تنفيذ أي مخططات استثمارية في ميناء السخنة أو محور قناة السويس.

ويعتقد قدور، أن الاشتراطات المنصوص عليها في عقود الاتفاقيات الإماراتية مع الدول المطلّة على البحر الأحمر ترفع عنها الحرج، في حال عدم تنفيذ أيًا من تلك المخططات، مشيرًا إلى أنه لايمكن لوم الإمارات كونها تبحث عن مصالحها، حتى لو تعارضت مع مصالح دول البحر الأحمر.

ويرى الخبير البحري، أنه بالتأكيد استحواذ الإمارات على مواني البحر الأحمر يُهدد قناة السويس، ذلك لأنه كان من الأولى أن تستثمر مصر في تلك المواني، أو على الأقل تسعى إلى تأمينها عبر الدخول في شراكة مع تلك الدول المطلّة على البحر الأحمر.

مفتاح قناة السويس

وعن أسباب تركيز أبو ظبي اهتمامها على البحر الأحمر، يقول الدكتور أيمن شبانة مدير مركز البحوث الإفريقية بجامعة القاهرة، إن أهميته تتمثل في كونه الباب الرئيسي، لتجارة الشرق مع الغرب باعتباره الطريق الأقصر ومن خلاله تمر حوالي 12% من التجارة العالمية، منها 1.15 مليار برميل من النفط، بواقع 3.8 مليون برميل يوميًّا، بالإضافة إلى 66.89 مليون طن من الغاز الطبيعي، ليحتل بذلك المرتبة الثالثة عالميا.

ويُضيف في ورقة بحثية، أن مضيق باب المندب هو أهم المضايق بالنسبة لدول الخليج العربية، إذ من خلاله تعبر سفن النفط العربية إلى الدول الغربية، مشيرًا إلى تنوع المصالح الإماراتية بالبحر الأحمر، للدرجة التي وضعت قضايا الأمن والتنمية به على رأس أولويات السياسة الخارجية لدولة الإمارات، خاصة منذ 2011.

ويشرح شبانة هذه المصالح، بأنها تتمثل في تأمين مسارات تصدير النفط والغاز؛ حيث يعدّ تأمين الملاحة بخليج عدن ومضيق باب المندب مصلحة استراتيجية إماراتية، حيث كانت معظم صادرات الإمارات من إمدادات الطاقة تسلك مضيق هرمز، الذي يمر عبره 35% من النفط العالمي المنقول بحرًا، ونظرًا لتحكم إيران في الضفة الشمالية للمضيق، وتهديدها المستمر بإغلاقه حال تعرض قطاعها النفطي لعقوبات دولية، وغلبة الطابع الصدامي على علاقاتها بدول الخليج، خطت الإمارات بشكل استباقي نحو تحرير النفط من القيود الإيرانية.

ويُشير إلى أن ذلك اتخذ مسارين: أولهما داخلي، بإنشاء خط لتصدير النفط من حقل حبشان بأبوظبي إلى الفجيرة، بطاقة 1.5 مليون برميل يوميًّا، والآخر إقليمي، بالمشاركة في تأمين الملاحة في خليج عدن وباب المندب.

اكتمال مسارات الهيمنة

يُتابع مدير مركز البحوث الإفريقية، أن المسار الثاني يتمثل في حماية الإمارات لاستثماراتها في إقليم البحر الأحمر، الذي يعدّ أبرز الوجهات الاستثمارية والتجارية لها؛ إذ بلغت قيمة الاستثمارات الإماراتية بالسعودية عام 2017 نحو 4.1 مليار دولار، فيما بلغت قيمة مبادلاتهما التجارية 22.8 مليار دولار، كما بلغ حجم تجارة الإمارات مع إثيوبيا وكينيا والصومال 5 مليارات درهم، فيما بلغت استثماراتها بالدول الثلاث 17 مليار درهم، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أضحت الإمارات أكبر مستثمر بالسوق المصري، بقيمة 7.2 مليار دولار، فيما بلغت تجارة الدولتين 5,3 مليار دولار. وبالتالي فإن وجود بيئة أمنية وسياسية مواتية بالإقليم يمثل مصلحة استراتيجية إماراتية.

في النهاية، لم تكن استثمارات الإمارات في إقليم البحر الأحمر بنية خالصة، لزيادة الشراكة أو التعاون مع الدول المطلّة عليه، لكنها بغية الاستحواذ وفرض السيطرة والتحكم في واحد من أكبر شرايين التجارة العالمية، وإبقاء موانيها في دبي بعيدًا عن المنافسة، ومنع تلك الدول من التعاون مع شركات أخرى، تُسهم في تنمية وتطوير موانيها بشكل حقيقي وفعال.