في ورقة سياسات حديثة صادرة عن معهد واشنطن لدراسات لشرق الأدنى/ TWI، يشير روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي للمعهد، وباحث الشؤون الدولية لما يزيد عن أربعة عقود. إلى أن آفاق إنجاز دبلوماسي قريب بين السعودية وإسرائيل قد تراجعت مؤخرا. بسبب تقارب الرياض وطهران، والاحتجاجات الداخلية التي تجتاح إسرائيل.
لكن، في الوقت نفسه، يلفت إلى أن التركيز الضيق على هذه العقبات “يغفل خطوط الاتجاه الأعمق والأكثر تشجيعًا”، بما في ذلك تقبل الجمهور السعودي للتواصل الفردي، وهو الأمر الجاري بالفعل في مجالي الأعمال والرياضة.
ويبرز ساتلوف إشارة ولي العهد محمد بن سلمان إلى إسرائيل على أنها “حليف محتمل” -وهي كلمات نادرا ما يستخدمها حتى شركاء السلام العرب القدامى لإسرائيل- وأن المستقبل التحويلي لما بعد النفط الذي يرسمه للمملكة يقدم وعدًا بالتعاون الثنائي في التجارة والتكنولوجيا الفائقة والسياحة، من بين قطاعات أخرى.
ويرى أنه على الرغم من اتفاق الرياض مع إيران “لا يزال لدى السعوديون والإسرائيليون، تهديدا مشتركا في الجمهورية الإسلامية، ومصلحة مشتركة للتصدي له”.
ويؤكد، أن مجرد طرح سؤال التطبيع نفسه -وقد ناقشه الدبلوماسيون وغطاه الصحفيون وناقشه الخبراء – يؤكد “التغيير العميق في تقبل العرب لإسرائيل في السنوات الأخيرة”، وفق رؤيته.
يقول: مهدت أربعة ممالك عربية -الإمارات والبحرين والمغرب والأردن- الطريق بالفعل للمملكة. يحتفل الثلاثة الأوائل الآن بما يقرب من ثلاث سنوات من السلام الكامل والمفتوح مع إسرائيل، بينما تقترب معاهدة سلام “وادي عربة”، مع إسرائيل من ثلاثة عقود.
اقرأ ايضا: الوساطة وإظهار النفوذ الإقليمي.. دلالات استعادة العلاقات السعودية مع حماس
يضيف: كما ذهب كبار المسؤولين السعوديين إلى أبعد من ذلك، حيث حددوا لكل من الحكومة الأمريكية، والمراكز البحثية ذات النفوذ في واشنطن، رغباتهم في الحصول على تعويض من الولايات المتحدة، كجزء من اتفاق للتطبيع مع إسرائيل على غرار النمط الذي اتبعه صانعو السلام العرب الآخرين في النصف قرن الأخير.
ويؤكد: إذا كان القادة السعوديون قلقين بشأن رد الفعل الشعبي للتطبيع مع إسرائيل، فإن المؤشرات الأخيرة تشير إلى، أنه ليس لديهم ما يخشونه.
لقراءة الورقة كاملة اضغط هنا
على طريق التطبيع
يلفت ساتلوف، إلى أن نسبة كبيرة من السعوديين -حوالي النصف- قالوا لمنظمي استطلاعات الرأي إنهم يوافقون على العلاقات المفتوحة مع إسرائيل في مجال الأعمال والرياضة، حتى بدون مظلة العلاقات الرسمية.
يقول: يروق هذا للإماراتيين الذين يدعمون مثل هذه الاتصالات، وهو أمر رائع بالنظر إلى أن الإماراتيين لديهم بالفعل سلام مع إسرائيل. وأن أرضهم تضم مجموعة واسعة من الإسرائيليين، من المصرفيين إلى الرياضيين.
يضيف: كجزء من صفقة بوساطة أمريكية في عام 2022، كانت تتطلب موافقة إسرائيلية لإعادة جزيرتين صغيرتين على البحر الأحمر -تيران وصنافير- إلى السعودية. أصبحت الرياض فعليًا، الضامن للالتزام بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، والتي يقتضي جزء منها بحرية الملاحة الإسرائيلية عبر مضيق تيران وخليج العقبة. علاوة على ذلك، وكجزء من هذا التفاهم، وافقت المملكة على السماح بالتحليق الجوي للطائرات المدنية الإسرائيلية.
ومع ذلك، تشير الأحداث الأخيرة -من استئناف السعودية للعلاقات مع إيران، إلى تداعيات الانعطاف الإسرائيلي إلى اليمين، بعد استبدال حكومة بينيت لابيد الوسطي بتحالف يميني/ ديني بقيادة بنيامين نتنياهو- تشير إلى تهدئة احتمالات التطبيع.
في الواقع، كان من المتوقع الإعلان عن خطوة رئيسية ثانية، وهي الموافقة على الرحلات الجوية المباشرة الخاصة للمسلمين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية للحج إلى مكة. لكن، من المحتمل أن ينتظر موسم الحج المقبل في يونيو/ حزيران 2023، حيث يبدو أن هذه الخطط معلقة الآن.
وأكد ساتلوف أنه، بشكل عام، يشير المشككون إلى أن الموقف السعودي التقليدي هو أن العلاقات السلمية مع إسرائيل لا يمكن أن تأتي إلا كنتيجة طبيعية؛ لتنفيذ مبادرة السلام العربية/ API، التي أقرتها جامعة الدول العربية عام 2002، والتي تدعو إلى “انسحاب إسرائيلي كامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ يونيو/ حزيران 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.
ولأن هذا الاقتراح -على وجه التحديد- مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدبلوماسية السعودية، لا يمكن للرياض التراجع عن التسلسل الذي يبدأ بالدولة الفلسطينية، وينتهي فقط بالتطبيع.
لكن هناك دلائل على أن ولاء السعودية لهذا التسلسل آخذ في التلاشي.
بعيدا عن النفط
في جميع أنحاء العالم، تشتهر المملكة العربية السعودية من هويتها باعتبارها مهد الإسلام، إلى كونها موطن خمسة عشر من أصل تسعة عشر مختطفًا من الولايات المتحدة. هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2011. إضافة إلى مرشدهم وقائدهم أسامة بن لادن.
ومع ذلك، يلفت ساتلوف إلى أنه على الصعيد المحلي، فإن البلد مشغول بفكرة واحدة: التحول.
يقول: حتى قبل صعوده إلى ولاية العهد، يبدو أن محمد بن سلمان كان لديه الإدراك الأساسي، بأنه لن ينجح إذا ظلت المملكة التي يطمح في حكمها لنصف القرن المقبل تعتمد بالكامل على أصول ذات قيمة متناقصة: النفط. ربما تكون هذه الأصول قد دفعت النمو والتنمية السعودية على مدى الثمانين عامًا الماضية، مما زود العائلة الحاكمة -آل سعود- وحلفائها بثروة هائلة، لكن ولي العهد أدرك أن عصر الوقود الأحفوري ينتهي.
يضيف: علم ولي العهد ان المملكة بحاجة إلى الاستفادة من السنوات المتبقية من الوفرة النفطية؛ لتحويل نفسها إلى دولة تعيش من خلال استغلال مواردها الأخرى: الطبيعية والمعدنية. وقبل كل شيء البشرية.
ولفت إلى، أن الإدراك الرئيسي الثاني لمحمد بن سلمان، هو أن الانتقال في نهاية المطاف، إلى اقتصاد متنوع ما بعد النفط سيتطلب أكثر بكثير من مجرد تحول اقتصادي.
ولفت إلى، أن الانتقال يتم في مجتمع يتمتع فيه أكثر من 70% من السعوديين بوظائف في القطاع العام. بما في ذلك العديد ممن بالكاد يعملون ساعة واحدة في اليوم -على حد قول وزير الخدمة المدنية- إلى مجتمع يحتفل بمُثُل الجدارة وتتطلب ريادة الأعمال تغييرًا منهجيًا جذريًا.
اقرأ أيضا: “الوهم الكبير”.. كيف فقدت أمريكا الشرق الأوسط؟
إذن، هل من المرجح أن تتطبع السعودية مع إسرائيل قريبا؟
يشير ساتلوف، إلى أنه بينما تتزايد خطوات مسار التطبيع، لكن لا يمكن أن تشهد العلاقات السعودية- الإسرائيلية “اختراقا دراماتيكيا”، على غرار رحلة السادات إلى القدس أو إعلان اتفاقيات إبراهيم.
هنا، يشير الرئيس التنفيذي لمعهد واشنطن، إلى عقبة كبيرة في مسار التطبيع تمثل رأس الدولة السعودية نفسها، وهو الملك سلمان بن عبد العزيز، والذي يرفض فكرة العلاقات المباشرة مع تل أبيب بعيدا عن مبادرة السلام التي طرحتها بلاده.
ومع ذلك، يلفت أيضا إلى أنه يمكن للعديد من المتغيرات تغيير هذا التعقيد. تشمل المتغيرات وفاة الملك سلمان، وانضمام محمد بن سلمان، الذي اشتهر بامتلاكه أقل من الموانع الشخصية من والده حول انفتاح العلاقات مع إسرائيل قبل الحل النهائي للقضية الفلسطينية.
أيضا، ربما يسرّع من وتيرة العلاقات أزمة أمن قومي عاجلة مع إيران، وفيها حاجة للسعودية.
أيضا، ربما تعمل الطريقة التي ساعد بها عرض التطبيع الإماراتي في تجنب ضم إسرائيل أحادي الجانب للضفة الغربية.
لكن مسألة التطبيع السعودي الإسرائيلي ليست قضية ثنائية بحتة. هناك طرف ثالث مهم، وهو الولايات المتحدة التي ليست في أفضل أحوالها مع الرياض. لكن الجهود السعودية تسعى لتنويع شراكاتها، وليس التخلي عن الأصدقاء القدامى للجدد. ويبدو أن إدارة بايدن قد قبلت الاتفاق السعودي- الإيراني على هذا النحو.
ويشير ساتلوف إلى، أنه يجب أن يُنظر إلى لجوء الرياض إلى بكين في مارس/ آذار 2023؛ لإبرام اتفاقها الدبلوماسي مع طهران، على أنه رد لما اعتبره الزعيم السعودي الشاب على الأرجح إهانة شخصية، بعد أن تعهد بايدن خلال حملته الانتخابية السابقة بجعل المملكة -وولي عهدها بالطبع- منبوذة، إثر اتهامه بقتل الصحفي السعودي/ الأمريكي المعارض جمال خاشقجي.
ويضيف، أنه تبع ذلك منعطفا آخرا نحو الأسوأ، عندما قاد السعوديون قرار منظمة أوبك + في إبريل/ نيسان 2023؛ لخفض إضافي في إنتاج النفط، وسط الأزمة التي تسببت فيها الحرب الروسية- الأوكرانية.
في هذه البيئة السيئة، ستتحدث إدارة بايدن -والرئيس نفسه- عن أفكار محمد بن سلمان للتطبيع مع إسرائيل، مقابل تعويض الولايات المتحدة.
ويؤكد مدير معهد واشنطن، أن الطلبات السعودية بعيدة عن التنفيذ “أي شخص يعتقد أن أصدقاء الولايات المتحدة يمكنهم “تسليم”، موافقة واشنطن على رغبات السعودية فقط، كنتيجة لموافقة المملكة على التطبيع مع إسرائيل، لا يقدر الواقع السياسي”.
منافع ثلاثية متبادلة
يلفت ساتلوف، إلى أنه حتى قبل صعود محمد بن سلمان للسلطة، كان للمملكة عدد قليل من الأصدقاء الموجودين في الكابيتول هيل -مبنى الكونجرس- والكثير من الأعداء. لذلك، فإن فكرة أن الكونجرس -حتى في مقابل التطبيع السعودي مع إسرائيل- سيوافق على اتفاقية تحالف مع الرياض، تتضمن التزامًا شبيهًا بالمادة الخامسة لحلف شمال الأطلسي للدفاع عن المملكة، كما تريد الرياض، هي بالتأكيد خارجة عن عالم الممكن.
وكذلك أيضا، لن تتم الموافقة على طلب توفير أفضل الأسلحة الأمريكية، مثل الطائرات المقاتلة F-35، دون أي شروط بشأن استخدامها أو ارتباطها بقضايا أخرى، مثل مخاوف حقوق الإنسان أو تسرب التكنولوجيا إلى الصين.
لكن، كما يرى ساتلوف، فإن “الأمر المخيف بالقدر نفسه”، هو طلب اتفاقية تعاون نووي مدني بين الولايات المتحدة، والسعودية؛ لإضفاء الشرعية على التخصيب السعودي المحلي “لكن بالنظر إلى هذه المسألة من خلال الإطار الضيق، لا يعرف ما إذا كانت إدارة بايدن ستذعن للمطالب السعودية”.
وأوضح، أنه من الناحية العملية هذه مسألة ثلاثية إلى حد كبير “حيث يتم تحديد النجاح من قبل الأطراف الثلاثة: المملكة العربية السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة – حيث يقدم كل منهم شيئًا ما للآخرين.
وقال: لتحقيق النجاح، لن توفر السعودية لإسرائيل “علاقات طبيعية وسلمية”، فقط. وبالتالي تفتح الباب أمام العديد من الدول العربية والإسلامية الأخرى؛ لبناء علاقات مع الدولة العبرية، ولكن من المحتمل أن تحتاج إلى معالجة بعض المخاوف الأمريكية الحرجة مثل، الموافقة على تغييرات كبيرة في القوانين السعودية بشأن حرية التعبير، والعدالة الجنائية. والتوصل إلى تفاهمات مع واشنطن حول الحدود الخارجية للتعاون التكنولوجي والعسكري السعودي- الصيني.
من جانبها، لن تقدم إسرائيل فقط مزايا مادية مباشرة إلى المملكة. من حيث الشراكة المعززة في التكنولوجيا، والطاقة، والأمن، والاستخبارات. ولكن من المحتمل أيضا، أن تحتاج إلى تقديم التزامات لكل من الرياض، وواشنطن بشأن القضايا الرئيسية ذات الصلة بالفلسطينيين. مثل، القيود على النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، وضبط النفس تجاه “الضم الوظيفي”، للأراضي والموافقة على تعاون وتنسيق أقوى مع السلطة الفلسطينية.
بالنسبة للبيت الأبيض كل هذه الفوائد، إلى جانب المكانة التي تأتي مع الوجهة الأكثر أهمية لاتفاق، منذ معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وإعادة التأكيد على دور أمريكا الذي لا غنى عنه في المنطقة، هي الإرث الذي ستتركه.