التعيين أو التزكية، هما أساسا نصف عضوية مجلس النواب في مصر، وكذا مجلس الشيوخ (الذي لا يعتبر جزء من البرلمان بنص الدستور الحالي)، هذان الوصفان هما تعبير عن ظاهرة واحدة هي النظام الانتخابي الأغلبي في مصر، عبر اتباع أسلوب القائمة المطلقة، وهو أسلوب هجرته النظم الانتخابية حول العالم، وأصبح في طي النسيان، بسبب دكتاتوريته وتسلطه؛ لكونه يمنح 49% من أصوات الناخبين بالقائمة الخاسرة إلى القائمة التي حصلت على 51% من أصواتهم، لتنجح بنسبة 100%. فمثلا، هب أن بدائرة انتخابية شارك عدد 3 قوائم انتخابية بكل واحدة خمسين مرشحًا، حصلت الأولى على 51% من أصوات الناخبين، والثانية على 40% والثالثة على 9%. هنا تعلن النتيجة بفوز الـ50مرشحًا بالقائمة الأولى، ولا شيء للقائمتين الأخريين. السؤال الآن، إذا كان هذا الأمر أبرز مثالب أسلوب القائمة المطلقة، ألا يوجد مثالب أخرى لهذا النظام، من واقع التطبيق العملي له في التجربة المصرية الفريدة؟

هذا النظام المنتمي للنظام الأغلبي، يقول القائمون عليه بضرورة أن يقوم كل طرف، أو قوى سياسية تشرف على إعداد القوائم في كل دائرة انتخابية، بوجود قائمة أصلية للناخبين، وأخرى احتياطية في ذات الدائرة. وبالطبع وفي ظل تجريف الحياة الحزبية في مصر لأسباب خارجة عن موضوعنا الحالي، إذ لم يعد بالنظام السياسي من أحزاب ذات شأن إلا مجرد مسمى الأحزاب، أصبح هناك معاناة للقائمين على إعداد القوائم الانتخابية في تحديد أسماء أعضاء القوائم الاحتياطية، وهي القائمة التي تتركز أهميتها في حالة خلو المكان، إذ يذكر قانون الانتخاب، أنه يحل العضو الاحتياطي محل العضو الأساسي الذي خلا مكانه بالوفاة أو خلافه، ودون أن يستدعى ذلك إجراء انتخابات تكميلية.

ماذا حدث في الواقع؟ حدثت الكثير من المظاهر السلبية لهذا النظام، فعقب بدء الفرز وإعلان النتائج، وهو ما أسفر عن فضح النظام ذاته بذاته على النحو المذكور أنفًا، بدأت مثالب الأسلوب الانتخابي المذكور في الظهور بعد اكتساب عضوية البرلمان، وكلما امتد الفصل التشريعي لعدد من أدوار الانعقاد (كل انتخاب يخص فصل تشريعي واحد، مدته خمس سنوات في خمس دورات انعقاد)، حيث انكشفت مثالب هذا النظام أكثر وأكثر بمرور الوقت…كيف؟

ظهر من خلال تجربة إعداد القوائم الأساسية، والاحتياطية كم كبير للغاية من المرشحين من أقارب نواب حاليين وسابقين، أو أقارب مرشحين في ذات البرلمان، أو أقارب أعضاء بمجلس الشيوخ، الذي جرى انتخابه قبل انتخاب مجلس النواب الحالي عام 2020، بشهرين فقط. وقد بلغت تلك الظاهرة من الكبر إلى حد أن تندَّر، وسخر البعض على مواقع التواصل الاجتماعي منها، حيث ذُكر أن الشخص الوحيد فى مصر الذى لم يفلح في توريث وظيفته، أو منصبه هو الرئيس الأسبق حسني مبارك.

وعلى أية حال، فإن تلك الظاهرة تنبئ بتطور مهم يشي بالحديث عن انتقال عملية توريث المهن فى مصر إلى توريث المناصب، والمراكز السياسية المنتخبة، وهو أمر يمكن قبوله، ولا غضاضة فيه، كونه شائعًا في نظم سياسية عديدة فى البلدان المتقدمة والنامية، لكن منبع استهجانه فقط كونه فى مصر أصبح يتم من خلال القوائم المطلقة، مما يحمل معه وجود شبهة مجاملة ومحاباة بين الأطراف التي تعد تلك القوائم.

بعبارة أخرى، إن عملية التوريث في المناصب والمواقع، ومنها المواقع البرلمانية، هي عملية ذات شقين. الشق الأول: لا غضاضة منه كونه معروف ومنتشر في بلدان العالم كافة، وبه تتمحور عضوية البرلمان بالانتخاب الحر والنزيه، هنا نجد مثلا وجود عائلات يتحتم تواجدها في البرلمان، من واقع نشاط سياسي وحزبي معتبر ومقدر، أو من واقع تواجد قبلي، أو إثني ضروري في بعض النظم السياسية في بلدن العالم الثالث، وهنا نجد على سبيل المثال عائلات كيندي وبوش في الولايات المتحدة، والمطيري وبهبهاني والغانم في الكويت، وأباظة ومحي الدين بمصر، والمجالي والطراونة في الأردن، ولوبان في فرنسا، وعائلتي فينيزيلوس وبابندريو في اليونان، وغاندي في الهند، ومجيب الرحمن في بنجلادش…إلخ.

أما الشق الثاني: من الأمر فهو ما يبدو وأنه المشكل الحقيقي للأزمة، حيث تقوم عناصر ذات قرابة في الدم (أو عبر التوصية)، بتوريث مقعد البرلمان، إلى الابن أو الأخ أو ابن الأخ أو ابن الأخت أو ابنة الأخ أو ابنة الأخت أو الحفيد أو الحفيدة، وربما الصديق، وذلك من خلال نظام انتخابي شائه، كأسلوب القوائم المطلقة، الذي يعزز من فرص نجاح التسمية أو التوصية. من هنا عرفنا في مصر وجود مقعد في مجلس النواب، ومقعد لقريب أو نسيب في مجلس الشيوخ في ذات الفترة، أو لفترتين متقاربتين مع وجود نفس الأسلوب الانتخابي الشائه، الذي يمنع الاختيار الحر للناخب، أو وجود ذات الأمر في نفس المجلس في فترتين متتاليتين لذات الأسلوب الانتخابي، أو وجوده في المقعد الأساسي لمجلس، والمقعد الاحتياطي لنفس المجلس في ذات الفترة وبنفس أسلوب الاختيار.

وقد ذكر العديد من الأعضاء، أن القائمين على وضع القوائم المطلقة، كانوا يسرون إلى الأعضاء الذين تم اختيارهم بالقائمة كعناصر أساسية لتسمية من يرغبون؛ ليحلوا محلهم إذا ما حدث مكروه لهم في القوائم الاحتياطية لأعضاء مجلس النواب، أو أن هؤلاء كانوا من النفوذ والقوى التي يضغطون بها لوضع أقرنائهم، أو من يسمونهم على القوائم الأساسية أو الاحتياطية في المجلس الأخر.

خذ على سبيل المثال، أنه عندما توفى النائب فوزي فتى عضو القائمة الأساسية المطلقة في مجلس النواب، حلت محلة ابنته، آية فوزي فتى، وهي المقابل له في نفس الترتيب في ذات القطاع الانتخابي في القائمة الاحتياطية. نفس المشهد تكرر عقب وفاة سعد الجمال، حيث حلت محله ابنته أسماء. بالطبع هناك عشرات الحالات التي تم فيها الشروع في توريث مقعد مجلس النواب، أو بين هذا المجلس ومجلس الشيوخ، في ذات الفترة أو بين فترتين متتاليتين، في ذات الأسلوب الانتخابي (القامة المطلقة)، خذ على سبيل المثال لا الحصر عائلة الرئيس الأسبق أنور السادات، منها د. عبد الحكيم عصمت السادات (عفت)، رئيس حزب السادات الديمقراطي، عضو فى مجلس الشيوخ معين، وابن أخيه سامح محمد أنورعصمت السادات بحزب الإصلاح والتنمية، عضو مجلس الشيوخ فى القائمة الوطنية «من أجل مصر»، بقطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا، و م/ عباس أحمد عصمت السادات نائب حزب الإصلاح والتنمية، عضو مجلس النواب 2020 فى القائمة الوطنية «من أجل مصر»، بقطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا، وابنه عمر عباس بقائمة النواب بذات القطاع (مرشح احتياطي)، وابن أخيه كريم طلعت عصمت السادات عضو مجلس النواب 2020 فردى “مستقبل وطن”، دائرة تلا، وكان هناك محمد أنورعصمت السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية، عضو مجلس النواب 2015 فردى، دائرة مركز تلا. خذ أيضًا أحمد فؤاد أباظة، عضو مجلس النواب 2015 فردي عن دائرة أبو حماد، الآن هو عضو مجلس النواب 2020 فردى”مستقبل وطن “، عن نفس الدائرة، وابنته يسرا ضمن الفائزين بعضوية مجلس الشيوخ عن حزب مستقبل وطن ضمن القائمة الوطنية «من أجل مصر»، بقطاع شرق الدلتا، وخذ أيضًا محمد الجارحي، عضو مجلس النواب 2020 القائمة الوطنية «من أجل مصر» بقطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد، وهو أمين شباب حزب مستقبل وطن، وابن عمه عبد القادر الجارحي، عضو فى مجلس الشيوخ، القائمة الوطنية «من أجل مصر»،  بقطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد، وهو أمين حزب مستقبل وطن في الفيوم….وهكذا وهكذا فالأسماء لن تنتهي، والقائمة طويلة، والعائلات الشهيرة، والأسماء المرتبطة بقادة الأحزاب الحالية وقادة الرأي وعناصر النظام البائد لا حصر لها، والعلاقات متشعبة إلى أبعد الحدود. وكلها ضمن أكبر مثالب النظام الانتخابي الذي يتوقع أن يعدله الحوار الوطني.

الحوار الوطني الذي من المقرر أن تناقش أولى جلساته تعديل النظام الانتخابي عبر أسلوب القائمة المطلقة، ينتظر أن يعدل هذا النظام الشائه الذي أزكم أنوف القوى الراغبة في إجراء انتخابات حرة نزيهة، وشفافة في هذا البلد، الذي ينتظر من أهله أن يمنحوه الكثير، بإيجاد نظام انتخابي عادل يضارع ما توافقت عليه النظم الانتخابية في بلدان العالم، وعلى رأس ذلك النظام النسبي، الذي يحقق العدالة، أو حتى النظام الأغلبي عبر الأسلوب الفردي الذي يحد ولو بشكل أقل من مثالب القائمة المطلقة، أو لربما الجمع بين النظامين السابقين.