في الوقت الذي تتصاعد فيه الأزمة السودانية، في ظل حالة الاقتتال بين القوات المسلحة النظامية بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي”، تتعدد التساؤلات بشأن تأثير الأزمة على المصالح المصرية، وفي مقدمتها أزمة سد النهضة. ذلك في ظل حالة من التنافس الإقليمي على مساحات النفوذ في المنطقة.

في هذا الإطار، حاورت “مصر 360” اللواء دكتور أحمد الشحات، مدير مركز “شاف” للدراسات المستقبلية، واستشاري الأمن الإقليمي والدولي، والذي تحدث عن أزمة السودان والانقسام العسكري الذي حذر من تبعاته هناك، معرجًا على التحديات التي تواجهها مصر على المستوى الإقليمي في ظل ما يجري في الدول المحيطة.

بداية، هل تعتقد أن ما حدث مع القوات المصرية في قاعدة مروي كان تصرفًا عارضا غير مقصود من “الدعم السريع” أم متعمدا لتحييد القاهرة؟

بشكل عام عندما يكون هناك قتال أهلي في مراحله الأولى في دولة بعدد سكان كبير، تصاحب ذلك عشوائية كبيرة في التحرك من جانب القوات المتقاتلة. هذا فضلًا عن كون المليشيات في هذه الحالة تتخذ تحركات تكسبها أوراق تفاوض، تفرض بها تواجدًا ما في المشهد.

أيضًا، لا يمكن إنكار احتمالية إيصال رسائل مفادها أن هذه الميلشيات جهة يجب التعامل معها. فهي بهذا التصرف تُصدّر نفسها كمركز قوة، خاصة في ظل ما أعلنه الجيش السوداني -وقتها- عن تمكنه من “القضاء على التمرد خلال أيام قليلة”.

لكن وبشكل عام، ما حدث مع القوات المصرية لم يكن تحييدًا للدور المصري، بقدر ما كان ورقة ضغط أراد بها حميدتي أن يُظهِر نفسه وقواته في المشهد الإقليمي، مفادها أنه رقم في المعادلة وأنه موجود ويجب التعامل معه حتى لو كانت الأطراف الأخرى داعمة للجيش والبرهان.

في تقديرك ما هي طبيعة الدور الذي يجب أن تلعبه القاهرة الآن؟

السودان بالنسبة لمصر عمق استراتيجي جنوبي، وهي اتجاه رئيسي ضمن اتجاهات الأمن القومي المصري. كما أن البلدين تربطهما علاقات تاريخية عميقة، حتى ولو شابتها بعض المناوشات في بعض الأوقات.

مؤخرًا، للأسف يروج إعلاميًا أن الدور المصري يتراجع في السودان.

يجب أن نأخذ في الاعتبار أن مصر دولة مؤسسات تتحرك في هذا الإطار طبقًا للمعطيات المتاحة. نحن نتعامل مع دولة فيها صراع عسكري واضطراب وانفلات أمني، ولنا مصالح ومواطنين مصريين هناك. على هذا الأساس التعامل لا يمكن أن يكون تقليديًا، وإن كان هذا التعامل يأخذ أشكالا متعددة منها ما هو سياسي ومنها ما هو  أمني لا يتم الإعلان عن تفاصيله.

ومن حيث المبادرات، مصر بالتأكيد لديها رؤى لمبادرات حل للأزمة السودانية. لكن يجب أن ندرك أنه في وقت الاقتتال لا يكون مستوى الاستجابة لجهود الوساطة جيدا، والجميع تابع عدد الهدنات. لقد وصلنا للهدنة السادسة، وجميعها فشلت تقريبًا.

مصر تدير عملية جيدة على معبر أرقين، وتجلي آلاف المواطنين الفارين من مواقع الاقتتال.

في الفترة الأخيرة تابعنا جدلًا بشأن دعوات استقبال السودانيين في مصر. كيف تراها؟

مصر دولة أم في المنطقة، استقبلت من قبل العراقيين والسوريين، وتم استيعابهم في مدارسنا ومستشفياتنا وجامعاتنا، وبالتالي، فالإخوة السودانيين مرحب بهم في مصر بمنتهى الحب، وإذا كانت هناك دعوات لعدم استقبالهم فهي خبيثة لا تراعي المصالح المصرية، ولا تتفق مع طبيعة الشعب المصري.

مصر تتعامل مع هذا الملف من منطلق ريادتها في المنطقة، وكونها دولة شقيقة وجارة للسودان.

يرى البعض أن الولايات المتحدة تتجاهل الدور المصري ببحثها أزمة السودان مع السعودية والإمارات. كيف تقيم هذا الأمر؟

هناك مصالح مشتركة بين مصر والسودان، منها ما هو  اقتصادي وما يرتبط بعلاقات الجوار، ومنها ما يرتبط بأزمة سد النهضة.

مصر دائمًا رقم مهم في المعادلة، فقد استضافت -ما قبل انفجار الصراع الأخير- مختلف أطراف السياسة الداخلية السودانية، لمساعدتهم في الوصول لاتفاق حول حل سياسي للأزمة.

مصر دائمًا لديها ثوابت في تحركاتها، فهي تتعامل مع السلطات الشرعية والجيوش الوطنية في الدول، والمؤسسة العسكرية السودانية جيش وطني له رصيد في الشارع السوداني، ولذا كانت القاهرة تتعامل معه.

قوات الدعم السريع كانت رقما في المعادلة السياسية في السودان ومعترف بها رسميًا. إلا أن المشهد الحالي عبثي، تسبب في توتر المشهد، فبعدما كنا نتعامل مع الجانبين باعتبارهما أطرافًا رسمية، بات هناك طرف رسمي له مؤيديه ودول تدعمه وطرف آخر غير رسمي له مؤيديه ودول تدعمه.

المشهد الحالي حرب أهلية تختلط فيه الأوراق بطبيعة الحال.

إلى أي مدى ما حدث في السودان يؤثر على الموقف المصري في أزمة سد النهضة؟

للأسف الشديد، هذا هو التأثير الحقيقي لما يحدث في السودان الآن.

إثيوبيا منذ اللحظات الأولى للوضع الجديد في السودان، بدأت في اختراق نقاط عسكرية بمنطقة الفشقة المتنازع عليها، مستغلةً الظروف، كما حدث مع مصر في 2011.

توقعي أن أديس أبابا ستمارس تخطيها للمبادئ الدولية، وستحاول الوصول لأقصى مدى في تجاوزاتها، إذ لا يوجد ما يمنعها سوى التحديات المالية فقط. وهي دولة لا تلتفت بأي شكل لمبادئ القانون الدولي أو حتى الأعراف الدولية.

هل تدفع تطورات المشهد السوداني بالخيار العسكري فيما يتعلق بأزمة السد؟

الأمن المائي لمصر هو أمن قومي، ولا جدال حول ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمينه. والدولة المصرية لا تزال تتحرك في المسارات الأمنة؛ على مستوى السياسة وحشد المجتمع الدولي، واستدعاء قوى إقليمية ودولية للتأثير على الموقف الإثيوبي.

الحلول كثيرة بعيدًا عن العسكري منها، والمراحل متعددة.

لم تصل المعطيات للتدخل العسكري بعد، لأن التدخل العسكري بكل وضوح لا يحل الأزمة، ولكن يفاقم الوضع في مسارات أخرى لا نحتملها في الحالة الراهنة.

هناك أوراق ربما تكون موجودة ولا يتم الإعلان عنها، وربما سيتم اللجوء إليها وقت تفاقم الأزمة أو تطورها بشكل يؤذي الدولة المصرية.

هل تعتقد أن المشهد الليبي مرشح للتكرار في السودان؟

السلوك العسكري الميداني في كلا البلدين متشابه إلى حد بعيد، حتى في شكل التسليح من عربات الدفع الرباعي والعربات التي تحمل الرشاشات، وكذلك الحدود، وتداخل العناصر التشادية والنيجرية “من تشاد ودولة النيجر” التي تقاتل في كلا البلدين، وحتى أفراد الدعم السريع نفسه الذين قاتل بعضهم في ليبيا.

إذا لم يدرك طرفا الصراع أنه لا بد من تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الفصائلية سنكون أمام إعادة إنتاج حقيقية للمشهد الليبي، الذي نأمل أن يُحل.

عندما ينقسم التواجد العسكري الشرعي في أي دولة بين فصيلين تصبح هذه الدولة كمن يسير على أرض بركانية ستنفجر في أي وقت، وهذا ما شاهدناه في اليمن، وفي لبنان مع وجود حزب الله في مواجهة قوات الدولة، وفي ليبيا مع قوات في الشرق وأخرى في الغرب.

يتصاعد الحديث مؤخرًا عن محاولات خليجية لاقتطاع مساحات من النفوذ المصري الإقليمي. هل تتفق مع هذا التصور؟

هذه دول تسعى لزيادة تأثيرها في الأزمات، وما تفعله لا يتقاطع مع الدور المصري، لأن دور مصر له سماته وتختلف أهدافه ودوافعه.

الدول العربية التي تنشط في السودان تؤمن مصالحها وتعظم من دور سياساتها الخارجية، ولا يمكن أن نصف تحركاتها بأنه اقتطاعًا من الدور المصري.

كيف ترى مستقبل العلاقات المصرية التركية خلال الفترة المقبلة؟

العلاقات بين البلدين كانت متوترة للغاية في فترة سابقة، وكانت هناك محاولات متعددة من جانب تركيا لإحداث حالة توافقية مع مصر، لكن القاهرة كانت تصر على بعض الأمور، منها تسليم المطلوبين وغلق القنوات المسيئة، ووقف نبرة العداء من جانب المسئولين الأتراك تجاه مصر، وتحركت تلك العلاقات إيجابيًا عندما وجدت القاهرة كثير من مطالبها يتحقق.

ومؤخرًا، فإن ما يمكن أن نسميه بـ”سياسة الزلزال” والتعامل الراقي من الجانب المصري خلال أزمة الزلزال المدمر الذي تعرضت له تركيا، صنع حالة من الانفراجة في إظهار حسن النوايا المصرية، وساهم في تنفيذ اللقاءات التي كانت معطلة على مستوى وزيري الخارجية.

بناء على ذلك، أتوقع أن تعود العلاقات بين البلدين لكن بشكل جزئي، إذ لا تزال هناك نقطة خلافية تتعلق بخروج تركيا من المشهد الليبي، إذا تم التوافق عليها فعلى الأغلب ستعود العلاقات إلى شكلها الكامل.

هل العلاقات بين مصر وإيران قابلة للاستئناف في ظل التغيرات الإقليمية الحاصلة؟

هناك موائمات سياسية وبالتحديد مع دول الخليج تحكم ذلك الملف.

حتى في ظل اتجاه دول الخليج مثل الإمارات والسعودية إلى استعادة علاقاتها مع إيران؟

لو وصلت الأمور إلى حالة من الوفاق الكامل بين إيران ودول الخليج، وتم التوصل لحل فيما يتعلق بالملف اليمني، لن يكون هناك مانع في تحول الموقف المصري تجاه إيران، وقد يستتبع ذلك عودة العلاقات بشكل كامل أيضًا.