لم تكد أنباء المواجهات العسكرية بين قوات الجيش السوداني وعناصر قوات الدعم السريع تجد سبيلها لوسائل الإعلام المختلفة إلا وارتبطت بالإشارة إلى “العامل المصري” في الأزمة، حيث أكدت دعاية قوات الدعم السريع “ضلوع القاهرة” في دعم القوات المسلحة السودانية من بوابة التعاون العسكري الثنائي، وما اعتبرته تلك الدعاية “افتئاتًا مصريًا” على سيادة السودان.
ورغم ما أكدته هذه الدعاية من ضلوع أطراف إقليمية، سواء دول جوار أو في الخليج العربي، مباشرة في مساعي فك ارتباط مصر تمامًا بالسودان وقضاياه، فإن القاهرة عمدت بتصميم كبير إلى انتهاج مواقف متوازنة من الأزمة وعدم الانزلاق وراء أية مواقف استفزازية.
وكان المتغير البارز في الأزمة السودانية مصريًا تلك التحولات العميقة في ارتباطات مصر الإقليمية مع واحدة من أبرز حلفائها في العقد الأخير وهي دولة الإمارات العربية المتحدة وبدء مسار تصادمي بارد بين البلدين، مقابل التنسيق المعمق في مواجهة الأزمة مع دول مثل السعودية وجنوب السودان وإن كان لأسباب متنوعة.
اقرأ أيضًا: عن اللجوء إليها في الأزمات.. كيف يرى السودانيون القاهرة كملاذ وقت الحروب؟
وبالتوازي مع هذا المتغير الإقليمي، خرجت القاهرة، مع مطلع مايو/أيار 2023، من الأزمة الراهنة رابحة على مستوى الدبلوماسية الدولية إذ باتت وجهة منتظمة لمحادثات ومقابلات وقمم دولية معنية بالشئون الثنائية ومقاربة مصر للأزمة في السودان على وجه الخصوص ما جسد في المحصلة إدراكًا دوليًا، وإن جاء متأخرًا، لأهمية دور مصر وحيويته في تسوية الأزمة في السودان وربما ما سيتلوها من استئناف للمرحلة الانتقالية بغض النظر عن خطوط البدء بها.
وقد مثلت الأزمة في السودان تحديًا واختبارًا حقيقيًا للمصالح والسياسات المصرية في البحر الأحمر وحوض النيل في ظل حالة التصادم الماثلة بين تصورات القاهرة للأزمة وتداعياتها، وحرص أطراف أصيلة داخل الإقليم وبدعم إماراتي مفهوم، على استمرار الضغط المستمر على مصر مع مواصلة النهب المنتظم والمتصاعد لمقدرات دورها في القارة الإفريقية. وهي تفاعلات يمكن أن تقود في النهاية إلى توجه القاهرة الواضح وغير المشروط لاستعادة هذه المقدرات قبل تعمق خساراتها لمستويات غير قابلة للتعويض.
الاستجابة المتوازنة
عمد الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد ساعات من اندلاع الأزمة في السودان إلى إجراء اتصالات مباشرة مع السلطات السودانية، ثم محادثات هاتفية رفيعة المستوى مع الرئيس الجنوب سوداني سلفا كير في 16 إبريل/نيسان الماضي، استهدفت وضع خطوط عامة لوساطة ثنائية، سرعان ما أعلن الرئيسان استعدادهما للقيام بها عقب المحادثات، مع التأكيد الملفت على أن تعزيز الأمن والاستقرار (في السودان) الضامن الرئيس لإكمال مسار الانتقال السياسي وتحقيق البناء والتنمية.
وعزز اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة السيسي، 18 إبريل/نيسان الماضي، هذه الرؤية ببيان بالغ الاتزان، أكد فيه الرئيس استعداد مصر “للمساهمة في استعادة استقرار السودان” ووصف الأزمة به بأنها شأن داخلي “وأن القوات المصرية بالسودان لا تدعم طرفًا على حساب آخر” ليفند مقولات لأنصار قوات الدعم السريع وبعض القوى “المدنية” التي اصطفت وراء هذه الرواية.
واستمر الموقف الرسمي في القاهرة محافظًا على هذا الخط، كما اتضح في تأكيدات وزير الخارجية سامح شكري عقب محادثات هاتفية هامة مع نظيره البريطاني جيمس كليفرلي، 27 إبريل/نبسان الماضي، أن القاهرة لا تؤمن بوجود “أي حل عسكري للأزمة في السودان” مع ضرورة التعاون الدولي للحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية وتعزيز الحوار بين أطراف النزاع. وعادت مصر لاستخدام لهجة تحذيرية خلال استقبال السيسي لضيفه رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، 30 من الشهر الماضي، وتوجيه السيسي تحذيرات مباشرة من تدخل أية أطراف خارجية في الأزمة في السودان.
إدراك أطراف الأزمة السودانية
كان مفهومًا إدراك المؤسسة العسكرية في السودان (والقوى السياسية الداعمة لها) وتقديرها لحيوية الموقف المصري في إسناد الدولة السودانية بدعم غير مسبوق في المرحلة الانتقالية (لاسيما عند مقارنته بأدوار خليجية ودولية عمدت باستمرار لتقويض فكرة الدولة السودانية لصالح نموذج المحاصصات السياسية الضيقة).
ودل على ذلك عدم انقطاع التواصل بين قيادتي البلدين منذ 15 إبريل/نيسان الماضي، وحتى إرسال عبد الفتاح البرهان للسفير دفع الله الحاج علي مبعوثه الخاص للقاهرة (29 إبريل/نيسان) “لإجراء مباحثات مع المسئولين المصريين” وفي مقدمتهم وزير الخارجية سامح شكري بمقر وزارة الخارجية المصرية (في إشارة ربما لمناقشات موسعة ومشاركة دوائر أكبر داخل الوزارة).
وبغض النظر عن توقيت الزيارة، فيما تتدافع الضغوط الدولية لفرض وقف لإطلاق النار فإنها عدت استكمالًا للعلاقة الوطيدة بين البرهان والسيسي وبلورة لأهمية التنسيق مع مصر في هذا التوقيت بالغ الحساسية وربما التباحث عن كثب في تطورات الأزمة في السودان ومن بينها بيان آلية الثلاثية الدولية والرباعية (28 إبريل/نيسان الماضي) ودعوته لوقف دائم للأعمال العدائية على أساس “بيان الاتحاد الإفريقي الصادر في 20 من الشهر نفسه، الذي أقرته جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي والترويكا والشركاء الآخرون”، وحدود الاستجابة له لاسيما مع تكرار البرهان رفضه أية عملية تفاوض مع حميدتي الذي وصفه “بالمتمرد والانقلابي”.
اقرأ أيضًا: اللاجئون السودانيون والعرب.. ومصالح مصر الاستراتيجية
وعلى طرف النقيض هاجمت “مكونات مدنية” في وسائل متنوعة الحضور المصري في السودان وألمحت في بيانات متكررة لتدخل مصر في شئون السودان، بل ووقوفها في صالح البرهان والقوات المسلحة السودانية.
كما صعدت القوى الموقعة على “الاتفاق الإطاري” في مناسبات أخرى -ومنذ انتهاء ورشة شرم الشيخ تحديدًا- مسائل عالقة بين البلدين مثل مثلث حلايب وشلاتين، والموقف من سد النهضة، في سياق عبر في المحصلة عن حملة ممنهجة لإحداث تضرر في مواقف مصر تجاه الأزمة ومحاولة جرها لمناوشات جانبية.
الجهد المنفرد والوساطات متعددة الأطراف
سعت مصر منذ ساعات الأزمة الأولى لتنسيق جهود الوصول لتسوية، حتى في ظل دلالات الحسم العسكري الواضحة لدى القوات المسلحة السودانية.
واتضحت حدود المبادرة المصرية في التنسيق الفوري مع جنوب السودان لصياغة خطة وساطة لوقف إطلاق النار، ثم تنسيق متعمق مع السعودية (التي اتهمتها بعض دوائر شركاء السودان بدعم القوات المسلحة والبرهان منذ لقاء الأخير بولي العهد السعودي محمد بن سلمان في نوفمبر/تشرين ثاني 2022 في السعودية وإعلان الأخير استثمار بلاده نحو 3 بليون دولار في السودان) للوصول لتسوية للأزمة.
ورغم تباين خطابي القاهرة والرياض إزاء المرحلة الانتقالية (إذ تؤكد القاهرة على ضرورة إنهاء الأزمة الحالية ثم البناء على الاستقرار لاستكمال المرحلة، بينما أكدت الرياض على ضرورة التهدئة تمهيدًا لنقل الجيش سلطته لحكومة مدنية) فإن مواقف البلدين تبدو أكثر اتساقًا على الأرض.
ويتضح ذلك في اقتراب رؤية السعودية مؤخرًا (التي كشف عن ترتيبها مبادرة موسعة مع واشنطن) من نظيرتها المصرية “إزاء المرحلة الانتقالية”، كما اتضح في ورود ملاحظات مهمة في حديث خالد بن بندر السفير السعودي في المملكة المتحدة (الجارديان: 28 إبريل/نيسان) عقب تأكيد موقف الرياض المبدئي بإشارته إلى وجوب “مشاركة الجميع” في التسوية السياسية اللاحقة، وهي ملاحظة تتسق مع رؤية عبد الفتاح البرهان التي سبق أن كررها بالفعل انتقادًا للمنحى الإقصائي للقوى الموقعة على الاتفاق الإطاري قبل 15 إبريل/نيسان.
وبالتوازي مع ذلك تدافعت جهود إقليمية ودولية للوصول لتسوية للأزمة كان في مقدمتها -فيما يخص التقاطع مع الاهتمام المصري بالسودان- المبادرة الإسرائيلية، التي دعمتها بقوة واشنطن وأبو ظبي، وكانت تستهدف بالأساس دعم شركاء إسرائيل الأوثق في السودان (حميدتي وشبكة دعمه السياسية)، وتعزيز وضع إسرائيل في الشئون السودانية.
وهدفت الجهود الإسرائيلية إلى حماية مصالح أبو ظبي في ظل تراجع أسهم الأخيرة لدى القوات المسلحة السودانية التي أعلنت في بيان فاصل (29 إبريل/نيسان) أن محاولات حميدتي في 15 من الشهر الماضي، كانت انقلابًا مكتمل الأركان للاستيلاء على مقدرات البلاد “بدعم خارجي بات مكشوفًا لكن تكسرت حلقاته تحت وطأة صمود وثبات رجال القوات المسلحة” لصالح “الدولة السودانية ومؤسساتها الراسخة وانتهاء مشروع اختطاف” السودان.
كما دفعت إثيوبيا بقوة نحو التوصل لتسوية من خلال الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد” IGAD وحققت أديس أبابا بالفعل نجاحًا في دعم هذه الوساطة عبر حشد مواقف دول إيجاد وراء ما عرف نهاية الشهر الماضي، “بمبادرة جوبا” التي أعلن ئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان (26 من الشهر الماضي) قبوله المبدئي لها، ثم تدارك بيان آخر (29 إبريل) بالتأكيد على أن قبول البرهان لمبادرة جوبا كان بغرض تمديد الهدنة ووقف إطلاق النار وأنه لم يقرر (حتى لحظة البيان، وربما في ضغط تفاوضي على حميدتي وداعميه) إرسال مبعوث عنه إلى جوبا (وكان ملفتًا أن تصريحات البرهان تزامنت مع وجود مبعوثه في العاصمة المصرية القاهرة).
اقرأ أيضًا: ما هي الخسائر المصرية في الأزمة السودانية؟
ويدفع ذلك للقول أنه رغم نجاح إثيوبيا في بلورة جهودها في طرح الوساطة عبر “إيجاد” فإنه يظل مرهونًا بقدرة مبادرة جوبا على تجاوز حقيقة أن حميدتي بات طرفًا خارج المعادلة السياسية الراهنة من وجهة نظر البرهان، عوضًا عن عدد من قوى الاتفاق الإطاري التي ساءت قدرتها التفاوضية لأدنى المستويات منذ سقوط عمر البشير بعد بيان الجيش السوداني 29 إبريل 2023 الذي يوجه اتهامات لجهات في الداخل والخارج بالتآمر مع حميدتي لإسقاط السودان.
ويلاحظ أن الوساطة المبكرة التي بادرت بها القاهرة وجوبا كانت أكثر شمولًا وجدية من مبادرة جوبا التي تتبناها “إيجاد” راهنًا؛ فالأولى كانت تتضمن وقفًا لإطلاق النار، وخطة محددة لاستئناف الحوار السياسي (بغض النظر عن وضع حميدتي فيها)، وكانت تؤمن موافقة مبدئية من قبل البرهان؛ أما مبادرة جوبا (التي دعمتها الآلية الثلاثية الدولية والرباعية كمخرج لوساطة الاتحاد الإفريقي) فإنها تركز حتى اللحظة على وقف مستدام لإطلاق النار، ولا ترى غضاضة في العودة إلى خطوط ما قبل 15 إبريل في ضغط غير مباشر على خيارات البرهان وفريقه، دون جدوى حتى اللحظة الراهنة مطلع مايو 2023.
الدبلوماسية الدولية والموقف المصري
باتت القاهرة، بعد غياب ملفت عن المقاربة الدولية للشئون السودانية في المرحلة الانتقالية، بؤرة اهتمام دولي باستكشاف حلول عاجلة للأزمة، واتضح ذلك بداية من مباحثات هاتفية أجراها الأمين العام للأمم المتحدة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد ساعات من الأزمة (16 إبريل).
وتلى ذلك، محادثات دولية مستمرة مع وزارة الخارجية المصرية (التي أصبحت تلعب دورًا ملحوظًا في الملف مقارنة بأدوار مؤسسات أخرى) من قبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وعدد من الدول الآسيوية وغيرها، وكان آخرها حضور الوضع في السودان في أجندة زيارة المستشار النمساوي كارل نيهامر للقاهرة (27 إبريل) ضمن رؤية فيينا لمصر كركن أساسي “للاستقرار والأمن في شمال إفريقيا” ودول جوارها، ثم في أجندة رئيس الوزراء الياباني في مستهل جولته الإفريقية في القاهرة 30 إبريل.
وقد برز التنسيق الأمريكي المصري في الأزمة الراهنة منذ اندلاعها، مع وجود مؤشرات على تقارب ملحوظ بين واشنطن والقاهرة في ملفات إقليمية مثل أمن البحر الأحمر والأزمة الليبية والوضع في السودان قبل 15 إبريل من قبيل تولي البحرية المصرية قيادة قوة المهام المشتركة 153 (CTF 153) في البحر الأحمر وخليج عدن نهاية العام 2022 (واحدة من أربعة قوات مهام بقيادة أمريكية كونت في إبريل 2022 لتعزيز الأمن البحري العالمي وجهود بناء القدرات في إقليم البحر الأحمر، وخاضعة للقيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية والتي تقع مصر في نطاق تقسيمها الجغرافي كاستثناء إفريقي بارز ووحيد حيث تخضع بقية القارة الإفريقية لنطاق عمليات القيادة الأمريكية في إفريقيا)، ودفع ملفات العلاقات الثنائية عقب زيارة جو بايدن لمصر في نوفمبر/تشرين ثاني 2022.
لكن هذا التقارب لا ينفي -بطبيعة الحال، ومع تفهم ديناميات السياسة الأمريكية في القارة الإفريقية واحتواء التناقضات أو الدفع نحو صدامها- وجود قدر من التباين في الرؤى المصرية والأمريكية بشأن السودان ومستقبل العملية السياسية به، إذ تميل مصر لعملية متدرجة لا تقصي القوات المسلحة السودانية من المشهد بينما تسعى واشنطن منذ سنوات للتوصل لتسوية سياسية مبتسرة تقوم على تولي نخبة سياسية “غير منتخبة” بإدارة المرحلة الانتقالية ومجمل مستقبل السودان. ويظل هذا التباين قائمًا ومحددًا لدور مصر في الأزمة السودانية إما بتوجه ثنائي أو من خلال المبادرات الإقليمية والدولية.
إعادة تموضع مصر إقليميًا
قادت الأزمة في السودان إلى زعزعة ثوابت إقليمية عدة في السنوات الأخيرة ومن بينها تهميش مصالح مصر في دوائرها الإفريقية الأوثق في البحر الأحمر وحوض النيل، وتراجع حضور القاهرة بشكل كبير في ترتيبات المنطقتين وسط صراعات محلية وإقليمية عاصفة هددت مجمل المصالح المصرية في مقتل.
وعلى سبيل المثال كانت الأزمة السودانية الاختبار الأول لقدرة مصر البحرية في منطقة البحر الأحمر، إذ اندلعت بعد أقل من أسبوعين من إتمام القوات البحرية السودانية والمصرية (مطلع إبريل 2023) تدريبًا بحريًا مشتركًا بعنوان SUD-EGY-T-1 في مجال الأمن البحري ومجابهة التهديدات غير التقليدية بالقاعدة البحرية ببورتسودان.
كما جاءت الأزمة بعد ساعات من إكمال البحرية المصرية مشاركتها في أنشطة التدريب البحرية الدولية بعنوان IMX/CE23 التي جرت في الأردن والبحرين بمشاركة نحو 50 دولة تقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، ولعبت القوات المصرية الدور الأبرز إلى جانب نظيرتها السعودية وبدعم لوجيستي أمريكي وبتنسيق كامل مع القوات المسلحة السودانية (لاسيما في بورتسودان) في إجلاء الألاف من رعايا مواطني جنسيات متنوعة في السودان.
كما كشفت الأزمة في السودان عن عمق جاهزية القوات المصرية في البحر الأحمر وقيامها بكفاءة ملحوظة بمهام المساعدة في تأمين خطوط الملاحة البحرية المارة بسواحل شرقي السودان وتعزيز التعاون بين القوى الإقليمية والدولية المعنية بهذه الخطوط مباشرة.
ورغم عدم هدوء غبار الأزمة الحالية في السودان بعد، فإن التوصل لتسوية سيقود حتمًا إلى تعميق التعاون البحري بين مصر والسودان ومواصلة العمل الثنائي بينهما على تعزيز قدرات البحرية السودانية وتحقيق الاستقرار المطلوب لإعادة الاستفادة القصوى من ميناء بورتسودان وتطوير البنية الأساسية في المنطقة الساحلية المحيطة به.
إعادة ضبط المقاربة المصرية
أوحت التطورات العملياتية في الأزمة السودانية نهاية إبريل 2023 إلى قرب حسم القوات المسلحة السودانية الأزمة، مع مراهنة “الدعم السريع” على الخروج من المأزق عبر وساطات “فوقية” تريد العودة بالوضع إلى ما قبل 15 إبريل، أو إطلاق عملية سياسية “جديدة” بنفس أطراف العملية السابقة والتي لم تع حجم المسئولية الملقاة عليها لقيادة الشعب السوداني نحو تسوية شاملة وعادلة وغير إقصائية واكتفت بالالتفاف حول المحاصصات الضيقة ووعود الحقائب الوزراية على حساب أبسط قواعد الديمقراطية ومتطلبات الانتقال الديمقراطي والمرحلة الانتقالية برمتها.
وعلى الصعيد السياسي برز في الأسبوع الأخير من إبريل تيار “وطني” عريض ضم طيفًا منوعًا من النقابات والأحزاب ولجان المقاومة وحركات المعارضة المسلحة السابقة والاتحادات والجهات النسائية والكنسية والدينية وغيرها وقعت بيانًا مهمًا (25 إبريل) بهدف الوقف الفوري للحرب وإسكات البنادق، والعمل على استعادة مسار الانتقال المدني وطرح فكرة خروج “المؤسسة العسكرية من الاقتصاد والحياة السياسية وولاية وزارة المالية على المال العام، وفق القوانين المنظمة للأنشطة الاقتصادية وضرورة الإصلاح الأمني والعسكري بصورة مؤسسية تقود لجيش مهني موحد”، ورفض كافة أشكال التدخل الخارجي في الشئون الوطنية والداخلية. ولم يحظ البيان بدعم قوي بعد أيام من صدوره واعتبرته قوى داعمة للقوات المسلحة إعادة إنتاج لقوى الاتفاق الإطاري. لكنه يظل بأي حال خطوة معقولة يمكن ترشيدها والبناء على حالة الإجماع بها.
بأي حال فإنه يمكن رصد أهم ملامح ضبط المقاربة المصرية للأزمة في السودان على النحو التالي:
- تغليب مبدأ دعم مؤسسات الدولة السودانية في مواجهة مساعي الانتقاص من دورها وقدراتها، بحجة الانتقال إلى حكم مدني دون ضمانات حقيقية بإقامة عملية سياسية سليمة وشاملة وغير إقصائية، وضمانات ضرورية أيضًا لإطلاق هذا الانتقال وإكماله عبر مؤسسات ديمقراطية منتخبة. ويعزز هذا التصور وجود تسوية حقيقية ومستقرة للأزمة السودانية بدلًا من التخبط في تسويات مبتسرة.
- ضرورة تبني القاهرة مقاربة أكثر تفهمًا لتفاعلات السياسات الداخلية في السودان، ومد جسور التفاهم مع مختلف المكونات السياسية والاجتماعية في السودان. ويمكن أن يكون التواصل مع قوى بيان 25 إبريل (عبر القنوات الحزبية والمدنية المصرية المقابلة لها بالأساس) بداية ملائمة لفهم أعمق لمخاوف هذه القوى ومطالبها.
- مواصلة التنسيق مع جنوب السودان وعدد من دول “إيجاد” بشكل ثنائي بخصوص مبادرة جوبا للسلام واستشراف حدود إمكان انخراط مصر بها.
- مواصلة مصر التعاون الأمني والعسكري الوثيق مع البحرية السودانية بشكل مباشر وتقديم أي دعم مؤسساتي مطلوب من قبل السودان لتأمين سواحله على البحر الأحمر.
- انتهاج مقاربة حاسمة مع الأطراف الخارجية المتورطة في دعم أنشطة ميليشيات الدعم السريع ووضع حدودًا فاصلة بين تفهم المصالح الفردية لكل دولة، وانتهاك مصالح وحقوق وأمن دول الجوار عبر استغلال الأزمة السودانية وتوظيف بعض مكوناتها ضد المصالح المصرية المتبادلة مع السودان.