شهدت منطقة الخليج تغيرات متسارعة خلال العقد الأخير، مدفوعة بعوامل داخلية وأخرى خارجية، تغيرات على مستوى النخب الحاكمة، وأدواتها الجديدة، وسياسات هذه الدول داخليًا وخارجيًا، تغيرات ارتبطت أيضًا بصعود أفراد أقوياء أحكموا سيطرتهم على الحكم.

يناقش الباحث ماريو ميخائيل في ملف “الخليج من الداخل.. توجهات النخب الجديدة” -الصادر عن موقع “مصر 360”- هذه التغيرات، مدلولاتها وتأثيراتها. ويتضمن عرضًا لتحليلات منفصلة اعتمدت بالأساس على رؤى وتحليلات غربية، لكنها متصلة من حيث محاولة فهم توجهات النخب الجديدة في الخليج، ومدي التشابه والاختلاف بينها، ذلك من خلال التركيز على نموذجين، السعودية والإمارات.

تأتي أهمية الملف في أنه يعرض تغيرات جديدة، مغايرة للصورة النمطية عن الخليج، كمنطقة واحدة أولًا، وثانيًا بوصفها منطقة تفتقر للتعقيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

للاطلاع على الملف كاملًا:

إعادة تشكيل نظام الحكم

ضمن الملف، يتناول تقرير تناقضات تحديث البيروقراطية والحكم الفردي، دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في إعادة تشكيل نظام الحكم في المملكة من العائلة المالكة إلى النظام الأوتوقراطي.

ويعرض التقرير دور الخبراء الأجانب في مساندة حكام الخليج وخاصة السعودية، والتي أدركت أن البيروقراطية الضعيفة، والاعتماد على الأجانب يضعف الحكم وصناعة السياسات بشكل صحيح.

وبناء على ذلك سعت السعودية إلى بناء نخبة من التكنوقراط المحليين. أغلبهم من الشباب والحاصلين على تعليم من الخارج في جامعات أوروبا، والولايات المتحدة، في مجالات متعددة.

وأسست السعودية الأكاديمية الوطنية للصناعات العسكرية لتدريب خبراء سعوديين في مجالات الصناعات العسكرية والأمنية، وبناء النخبة البيروقراطية السعودية، ارتبط ذلك برؤية “السعودية 2030”- التي تسعى لتنويع الاقتصاد بدلًا من الاعتماد على النفط.

يشير تقرير نُشر في مجلة “المجلة”، عن السعودية في العام 2021، إلى إن الإدارة في البيروقراطية الجديدة أصبحت مكونة من شباب سعودي، وأن التعيين والترقية بات يعتمد على الكفاءة والأداء والرقمنة ووسائل التواصل.

ويطرح الملف رؤية النخب الحاكمة في الإمارات والسعودية للمواطن الخليجي، لعالم ما بعد النفط وأدوات تشكيله، فضلًا عن التخلص التدريجي من قيم العقد الاجتماعي الريعي، وإضعاف الانتماءات القبلية، وترسيخ الانتماء القومي والقيم النيوليبرالية في سياق العولمة.

بسط النفوذ

يناقش تقرير “ما بعد الوهابية.. أموال النفط ونشر السردية السعودية الجديدة” كيف استطاعت السعودية بسط نفوذ هائل على المنطقة عقب الربيع العربي في 2011، حيث كانت الأموال السعودية اللاعب الأساسي في بسط النفوذ بشكل استراتيجي في بلدان المنطقة.

في دراسة لهما، يفسر الباحثان توبياس زومبراجيل وتوماس ديملهوبر، نفوذ الرياض بمفهوم “مركز الجذب السلطوي”. وفي سياقه، يقولان إن السعودية لديها القدرة على نشر أفكارها السلطوية في دول المنطقة.

تمارس السعودية سيطرة مباشرة بالعقوبات، على سبيل المثال، أو عن الطريق الضغط على البلدان باستخدام الاستثمارات المباشرة والمساعدات المالية، أو باستخدام الدعم المعنوي والدبلوماسي.

يشير الباحثان إلى عدة أمثلة للنفوذ على الدول الخليجية الأفقر، مثلًا، عمان والبحرين، بسبب المنح التي تغمرهما بها الرياض، حيث تمكن هذه المنح السلطات الحكومية هناك من الحفاظ على المزايا المالية التي يمنحانها لمواطنيهم.

كما تستخدم السعودية قوتها النفطية للضغط على الكويت، والبحرين اللتين تمتلكان حصصًا أصغر بكثير من السعودية.

وعلى الرغم من أن الكويت بها حريات سياسية نسبية مقارنة ببقية دول الخليج. لكن نفوذ الرياض فيها يصل إلى حد أن تعتقل الكويت المنتقدين للسعودية.

بن سليمان وبن زايد

ويرصد تقرير “أوجه التشابه والاختلاف بين بن زايد وبن سلمان” طرق سيطرة الحاكمين على الاقتصاد والسياسة. بن سلمان ألقى القبض على أعضاء العائلة المالكة ورجال الأعمال من النخبة القديمة، وأجبرهم على دفع تسويات مالية. ولكن محمد بن زايد يعزز سلطاته بشكل أكثر حذرًا دون أن يكون عنيفًا.

إلى جانب ذلك، فإن سيطرة محمد بن زايد وإخوته على الصناديق السيادية والحكم لا يمنع تمثيل القبائل الأخرى في مجالس إدارة الصناديق، وصناعة القرار. كما أن تحقيقات وحدة مكافحة الفساد ونشاطها يظل سريًا بشكل كبير في الإمارات على عكس محمد بن سليمان.

يحافظ محمد بن زايد على التقاليد والتوازنات التي أبقت الإمارات مستقرة. القبلية من العناصر العامة في البناء الاجتماعي الإماراتي. حكام الإمارات يحاولون بناء قوميات حديثة لتحل محل الانتماءات القبلية، ولكن هذا لا يعني محو الهوية القبلية تمامًا.

القبيلة والحداثة

في كتابها “الحداثة القبلية”، تلاحظ ميريام كوك الأكاديمية الأمريكية، أن القبلية في الخليج غير منفصلة عن الحداثة، وليست نقيضًا لها. فالقبيلة والحداثة مرتبطان ارتباطًا وثيقًا.

تستخدم الأصول القومية لصناعة عرق، والذي بدوره يصنع طبقة من المواطنين الذين لهم مزايا خاصة يحصلون عليها من الدولة الريعية. وتتم عمليات إعادة تشكيل الانتماءات القبلية؛ لتتناسب مع الحداثة والعولمة.

حسب كورتني قرير ، في كتابها “القبلية والسلطة السياسية في الخليج” لا يعد بناء القبيلة بشكلها المعاصر في الإمارات مناقضًا للحداثة السياسية، كما تمثل القبائل أطرافًا حديثة في العمليات البيروقراطية والسياسية.

صناعة مواطن ما بعد النفط

وضعت النخب السعودية والإماراتية الجديدة رؤية لما يجب أن يبدو عليه المواطن الجديد. فالانتماءات القبلية والدينية أصبحت غير منسجمة مع الهويات القومية الحديثة، التي يتخيلها حكام الإمارات والسعودية.

أصبح المواطن الريعي الذي كان يكافئ لسلبيته، غير مرغوب فيه، وتعده النخب الحاكمة الجديدة نموذجًا على الكسل، وعائقًا أمام جعل بلدانهم تواكب التغيرات السياسية والاقتصادية.

لكن وعلى  الرغم من سعى حكام الإمارات والسعودية، لإعادة تشكيل قيم مجتمعاتهم، يبقى شيء واحد لا يتغير وهو الولاء للحكام، والابتعاد عن السياسة.

فكل من حكام الإمارات والسعودية يستبدلون صناعة قيم وهويات جديدة تبقي على شرعيتهم وسلطتهم في المجتمع بأسس الشرعية القديمة مثل، الدين، ولكن بأشكال وأدوات مختلفة، مع الحفاظ على انضباط شعوبهم والطاعة للسلطة.