تدخل الحرب أسبوعها الثالث في السودان. الجنرالان يتحاربان دون أن تميل كفة أحدهما، ودون حل يلوح في الأفق. ذاك الأفق الذي ضاق على ملايين السودانيين ممن أملوا في مستقبل أفضل يومًا ما، وتكشّف أنه سيكون أكثر سوداوية دون أن تنقشع الغيوم والهموم.

يحتاج التعامل مع الصراع العسكري في السودان لفهم أعمق لجذور الخلاف الذي آل إلى إطلاق الرصاص، وتفكيك لطبقات المصالح المالية في جوهرها، والسياسية في مظهرها. فكلما كان الفهم أفضل كان الوعي بكيفية التعامل مع الوضع أفضل.

وهذا تحديدا ما قدمه أليكس دوفال/Alex de Waal، الباحث البارز في شؤون السودان والمختص في سياسة النخبة الإفريقية، والمدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية في كلية فليتشر للقانون، والدبلوماسية بجامعة تافتس الأمريكية. وقد عمل دوفال كمستشار أول للجنة التنفيذية رفيعة المستوى للاتحاد الإفريقي الخاصة بالسودان 2009-2013.

في مذكرة غير منشورة اختص بها “مصر 360″، وقدمها لمجموعة من صناع القرار الأمريكيين بعد اندلاع الحرب، يتناول دوفال أبعاد الصراع الحالي بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”. ويتوقع أن تتصاعد المواجهة مباشرة بين الاثنين، ثم يليها “تفتيت وانتشار”، لاجتذاب الآخرين إلى صفهم، سواء داخل أو خارج البلاد.

وإلى نص الورقة:

نظرة عامة

ترسم هذه الورقة تحليلًا للديناميكيات الحالية في السودان، باستخدام إطار عمل “السوق السياسي”. إذ وصلت الحوكمة مثل، نظام الكليبتوقراطية العسكرية المتنافسة (حيث استخدام السلطة السياسية للاستيلاء على ثروة شعوبهم)، إلى نقطة النهاية المنطقية في الخرطوم. إن احتمالات السلام ضعيفة، والديمقراطية تبدو بعيدة.

*يقصد دوفال بمصطلح “السوق السياسي“، نظام الحكم الذي تصبح فيه سياسات المعاملات النقدية منهجية، حيث تدار السياسة على أساس المعاملات الشخصية التي يتم فيها بيع الولاءات والخدمات السياسية لمن يدفع أعلى سعر. وفي هذه السياقات، يكون دور “المؤسسات”، أو “سيادة القانون”، ثانويًا.

ليس من الواضح من أطلق الطلقة الأولى، وما إذا كانت شرارة تصاعدت بشكل غير مقصود، أو تصرفًا متعمّدًا من جانب واحد أو آخر، مثل الضربة الوقائية. في كلتا الحالتين، يعد الخصمان بمواجهة نهائية. والمدنيون والقوى الديمقراطية متفرجون، وضحايا

الطرفان المتحاربان غير متماثلين، ولكنهما متطابقان بشكل أو بآخر. ما تفتقر إليه قوات الدعم السريع في الطائرات والدبابات، تعوضه بالتنقل والتعبئة، وإظهار فاعلية تكتيكية وانتشارًا مناطقيًا. لا ينبغي لأحد أن يرى القتال الحالي على أنه أي شيء آخر سوى الجولة الأولى من الحرب الأهلية.

الطرفان المتحاربان غير متماثلين ولكنهما متطابقان بشكل أو بآخر (وكالات)
الطرفان المتحاربان غير متماثلين ولكنهما متطابقان بشكل أو بآخر (وكالات)

الصراع متجذر في الاقتصاد السياسي لعملية انتقال فاشلة لم تمنح الإدارة المدنية الأدوات للتعامل مع الأزمة الاقتصادية في البلاد، وتفكيك المجمع العسكري التجاري. إن ذلك يتكشف باستمرار مع منطق السوق السياسية التي تتميز بتضاؤل الأموال السياسية، واحتكار القلة.

في هذه اللحظة، هناك بطلان للرواية. إذا استمر النزاع فسوف يصبح الوضع أكثر تعقيدًا بسرعة. كل طرف يتحالف مع مجموعات مختلفة سوف تتنازع (لأسباب ليس أقلها أن كل طرف سيحاول اجتذاب عناصر من الطرف الآخر)، ما سيجذب أو يحشد مجموعات أخرى أصغر. وحينها ستبدأ الأطراف الخارجية في التدخل.

بطلا الرواية

الفريق عبد الفتاح البرهان، هو رئيس مجلس السيادة ويقدم نفسه (بإطراء)، كرئيس للدولة. إنه يقود القوات المسلحة السودانية وهو محاكاة معقولة لجيش محترف، ولكنه أكثر إثارة للإعجاب في عروضه من المعدات وتعاملاته التجارية، من قدرته القتالية.

لا يخفي البرهان أن قدوته هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. إنه يرى الجيش كمؤسسة للسلطة السيادية، وفوق المجال السياسي. هذا هو تبريره العلني لسبب وجوب تولي الجيش مسئولية إصلاح قطاع الأمن الخاص به.

أما الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”، فهو يقود قوات الدعم السريع. إنه رجل عصامي، نشأ من خلفية متواضعة في قبيلة عربية دارفورية صغيرة، بسبب مهاراته. تم إضفاء الطابع الرسمي على قوات الدعم السريع كقوة شبه عسكرية تحت قيادته قبل عشر سنوات، تقديراً لبراعته في هزيمة المتمردين في دارفور.

اقرأ أيضًا: نحنُ والسودان: تاريخ مُضطرب

قوات الدعم السريع هي ميليشيا متمرسة في المعارك، ولديها قدرات من الناحية التكتيكية. وقد قاتلت في اليمن ولديها تعاملات مع مجموعة فاجنر الروسية، وأبرمت صفقات مع جماعات مسلحة سابقة. يسيطر حميدتي وعائلته على إمبراطورية تجارية تتاجر في الذهب، وسلع أخرى متنوعة بما في ذلك البنوك.

يقدم حميدتي نفسه على أنه حامي الثورة وصديق للثوار المدنيين. يميل بعض القادة المدنيين إليه؛ لأنهم يرونه القوة الوحيدة ذات المصداقية التي تقف في طريق البرهان لإقامة ديكتاتورية جديدة.

جميع اللاعبين الآخرين ثانويون. وهذا يشمل الكتلتين داخل قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية)، والجماعات المدنية التي تتشبث بحلم ثورة تكتسح الدولة العميقة المتعفنة بأكملها.

تحليل أولي للسوق السياسية في السودان

أولًا: إنها سوق هابطة سياسيًا. الغلاف الإجمالي للموارد (المالية العامة والميزانيات السياسية)، آخذ في الانكماش. وفي ظل هذه الظروف، تعتبر المفاوضات السياسية لعبة ذات حصيلة ضئيلة: فالنضال هو من أجل تقليص مصادر التمويل السياسي.

ثانيًا: لدى المتنافسين أشكال مختلفة من مؤسسات السوق السياسية، وتختلف استراتيجياتهم وفقًا لذلك.

البرهان هو وريث نظام الكليبتوقراطية المركزية للمجمع العسكري التجاري، وحزب المؤتمر الوطني. هذا هو تجمع الأوليجارشية (حكم الأقلية التي تستأثر بالموارد)، ولكن لديهم مصالح مشتركة فيما يتعلق بالنموذج البديل. كثير من الإسلاميين الذين احتفظوا بأعمالهم أو علاقاتهم متحالفون معهم. تأتي أموالهم السياسية من أعمالهم حيث رأسمالية المحاسيب، بما في ذلك قطاعي النفط والاتصالات.

يود البرهان أن يدير السودان باعتباره نظام حكم كليبتوقراطي عسكري مركزي. حميدتي تاجر في سوق سياسي حيث يبرع في إبرام الصفقات بين الجماعات المتفرقة. يمتلك حميدتي إمبراطورية أعمال عائلية تتمحور حول تجارة الذهب. على الرغم من أن هذه الأنشطة التجارية ليست كبيرة مثل، تلك الموجودة ضمن شبكة البرهان، إلا أن حميدتي لديه سيطرة أكثر صرامة ولديه إنفاق سياسي أكبر.

اقرأ أيضًا: ما هي الخسائر المصرية في الأزمة السودانية؟

ثالثًا: كان سعر الولاء يتجه نحو الانخفاض، لكن القيادات ستكافح من أجل الدفع. القاعدة العامة للأسواق الهابطة سياسيًا هي أن مدفوعات الولاء تنخفض بشكل أبطأ من تقلص الميزانيات السياسية. أي أن الخصوم سينفقون نسبيًا قدرًا أكبر من مواردهم على إقحام الفاعلين العسكريين، والتجاريين والسياسيين التابعين. وهذا بدوره يكثف حافزهم للتراكم البدائي، أي النهب والابتزاز، إلى جانب تقديم الوعود بالدفع المستقبلي للمستفيدين الخارجيين.

رابعًا: تم تنظيم السوق السياسي باعتباره احتكار قلة تواطؤ وغير مستقر. في عهد البشير، كان السوق السياسي في السودان عبارة عن احتكار قلة تدار بمهارة من قبل الرئيس. منذ عام 2019، كان احتكار القلة حيث يتبادل الرئيسان (البرهان وحميدتي)، التواطؤ والتنافس.

يتواطئان في مواجهة تهديد مشترك. على سبيل المثال، حكومة مدنية ستتحرك بجدية على أجندة فضح تعاملاتهما الفاسدة، وتفكيك المجمع التجاري العسكري، المعروف أيضًا باسم “الدولة العميقة”. لذا أصبحا خصمين لدودين حول من يتحكم في عملية الاندماج العسكري.

خامسًا: يزيد العنف من حدة منطق السوق، في الوقت الحالي. ما لم يتم إنهاء الصراع بسرعة، فمن المرجح أن تكون الديناميكيات نحو سوق سياسي أكثر تشتتًا وانتشارًا، وغير منظم مع وجود عقبات ضعيفة أمام دخول رواد الأعمال العنيفين ومنطق المعاملات التكتيكية لبناء التحالفات.

الاقتصاد السياسي لعملية انتقالية فاشلة

عند تولي السلطة في أغسطس/ آب 2019، واجهت الإدارة التكنوقراطية المدنية برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أربعة تحديات رئيسية:

رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك (وكالات)
رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك (وكالات)

الأول: الاستقرار الاقتصادي. كان هذا ضروريًا: (أ) لوقف الأزمة الاقتصادية واكتساب المصداقية الشعبية و (ب) إعطاء التكنوقراط المدنيين بعض النفوذ في مواجهة الفاسدين العسكريين. لكن أدى تأخر المانحين في رفع العقوبات وتخفيف عبء الديون إلى مقتل حمدوك بصفته فاعلًا سياسيًا جادًا.

ثانيًا: إصلاح قطاع الأمن وتقليص حجمه بما في ذلك تفكيك المجمع العسكري التجاري. لم يكن إصلاح القطاع الأمني أبدًا تحت سلطة مدنية. بمجرد أن بدأ المدنيون جهودًا جادة لفضح شبكات الكليبتوقراطية، قام الجنود بانقلاب.

ثالثًا: مفاوضات السلام مع الجماعات المسلحة. بمجرد أن أدركت الجماعات المسلحة أن المدنيين ليس لديهم أموال ولا سيطرة على قطاع الأمن، تفاوضوا على اتفاق جوبا للسلام مع الجيش، وانضموا إلى الحكومة على هذا الأساس.

رابعًا: بناء المؤسسات الديمقراطية. بعدما لم تتم معالجة التحديات سابقة الذكر، كانت هذه ممارسة غير مجدية.

كان رئيس الوزراء المدني مثل، أمين الصندوق الذي يبيع الصابون والكبريت في متجر زاوية بينما كان رؤساء العصابات يبرمون صفقات المخدرات في الغرفة الخلفية. وقد أعاقه أيضًا رفض بعض المدنيين (أي الحزب الشيوعي السوداني ورفاقه) الانخراط في العمل السياسي؛ لإرساء الديمقراطية، وبدلاً من ذلك أرادوا أن يزيلوا الهياكل القديمة قبل الشروع في المشاركة السياسية.

بعد انقلاب أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تم قطع شريان الحياة المالي المتواضع للسودان، مما أدى إلى تعميق دوامة الأزمة. ركزت جهود الوساطة الثلاثية على تصحيح صيغة؛ لتقاسم السلطة على أمل أن يتم معالجة القضايا الأعمق بالتسلسل. لكن قضية إصلاح القطاع الأمني كانت حتمية.

أصداء تاريخية

تتقاطع العديد من القضايا التاريخية والهوية المتقاطعة في الأزمة الحالية، لكن أيا من التسميات لا يناسبها بدقة. يضع الصراع “مجتمع الدولة” -المؤسسة السياسية التي هيمنت على مؤسسات الحكومة، والرتب العليا في القوات المسلحة السودانية- ضد المبتدئين من الأطراف.

لكن أهل الخرطوم والنيل -أولاد البلد- منقسمون، وبالفعل أصبحت العاصمة بوتقة تنصهر فيها الناس من جميع الطبقات والأعراق والمناطق. تتقاطع الانقسامات عبر الهويات السياسية الأخرى. على سبيل المثال، بينما يصطف معظم إسلاميي حزب المؤتمر الوطني مع البرهان، يتعاطف آخرون مع حميدتي.

وترى المؤسسة السياسية حميدتي، ومقاتليه كمتشردين قد لا يكونوا حتى سودانيين. يرى سكان الأطراف، وكثيرون داخل الخرطوم الكبرى، دولة عرّفت نفسها منذ فترة طويلة على أنها تسلسل هرمي ليس لهم فيه سوى القليل من الحقوق، أو لا يملكون أي حقوق على الإطلاق.

والمثال التاريخي الذي يتردد صداه هو حكم الخليفة “عبد الله التعايشي”، من 1885-98. أحضر الخليفة أقاربه من دارفور إلى أم درمان، وحكم المناطق النهرية بقبضة من حديد.

كما أن الانقسام يشبه العداء التاريخي بين سكان المدن والبدو، بما يتماشى مع كتابات العالم العربي ابن خلدون في القرن الرابع عشر. في كتابه الكلاسيكي”المقدمة”، صاغ ابن خلدون التاريخ كدورة اجتاح فيها بدو الصحراء، بالطاقة الخام (العصبية)، المراكز الحضرية. سيؤسس القائد ذو الشخصية الجذابة سلالة، والتي في غضون ثلاثة أجيال من شأنها أن تتدهور إلى حالة من الانحطاط، وتصبح جاهزة للإطاحة بها من قبل هجوم آخر من العشائر الحدودية.

توقع لكيف يمكن أن يتطور الصراع

الصراع حاليًا، هو حرب بين طرفين، يمكن التعرف عليهما بسهولة على سلطة الدولة. وبينما يبقى هكذا، فإن أفضل فرصة للحل هي من خلال وقف إطلاق النار والحوار السياسي. إذا استمرت الحرب، فستصبح لعبة من مستويين يتفاوض فيها المسئولون أيضًا مع مرؤوسيهم وعملائهم وحلفائهم الصغار.

في الوقت المناسب، ومع دخول رواد الأعمال العسكريين والسياسيين الجدد إلى السوق (على سبيل المثال، إذا سلحت لجان المقاومة نفسها)، فقد تصبح حربًا ضد الجميع.

في الوقت الحالي، الصراع المرئي عبارة عن سلسلة من المعارك على المواقع الرئيسية. الصراع الأقل وضوحًا هو التنافس على المال؛ حيث سيحاول كل طرف قطع أموال الطرف الآخر، وتأمين موارد إضافية لأنفسهم.

السيطرة على الأموال السياسية لن تكون أقل حسمًا من ساحة المعركة. ستريد القوات المسلحة السودانية السيطرة على مناجم الذهب وطرق التهريب. وسترغب قوات الدعم السريع في قطع طرق النقل الرئيسية بما في ذلك الطريق من بورتسودان إلى الخرطوم.

القيادة والسيطرة قد لا تبقى موحدة لفترة طويلة. الموارد المادية والتنظيمية اللازمة لمواصلة المجهود الحربي المكثف سوف تستنفد بسرعة. قد تستمر المرحلة الحالية لبضعة أشهر، ولكن من المحتمل أن تتحول إلى صراع أقل حدة، ولكنه أكثر انتشارًا مع أطراف مجزأة تتنافس من أجل السيطرة على مواقع مختلفة، وكثير منهم يغيرون مواقفهم أو يتصرفون بشكل انتهازي.

من المرجح أن تظهر العوامل العرقية. حتى الآن، الانقسام إقليمي وليس إثنيًا، لكن هذا يمكن أن يتغير. تشمل العناصر التي يمكن أن تؤدي إلى التحول وتجزئة الصراع: المذبحة العرقية أو التهجير، وبناء التحالف العرقي المحلي.

سيواجه الوسطاء معضلة ما، إذا كان عليهم التركيز على المبدأين -لأسباب تتعلق بالتبسيط والسرعة، ولكن على حساب تعزيز هيمنة الزعيمين العسكريين- أو توسيع العملية لتشمل الآخرين -على حساب التعقيد و مشكلة الحافز الضار المتمثل في تشجيع التصدعات والجماعات المسلحة الجديدة.

الأبعاد الإقليمية والدولية

ما لم يتم إنهاؤه بسرعة، سيصبح الصراع لعبة متعددة المستويات مع بعض الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية التي تسعى؛ لتحقيق مصالحها، باستخدام الأموال وإمدادات الأسلحة وربما قواتها أو وكلائها. ستكون معظم الأطراف الخارجية نفسها التي تصطاد في المياه العكرة أعضاء في جهود الوساطة.

كان الطرفان يديران سياسات خارجية مستقلة، وموازية تتماشى مع المصالح الخارجية المتباينة في السودان. البرهان متحالف بشكل وثيق مع مصر وسوف يطلب، إذا استطاع الدعم العسكري المصري (من غير الواضح كيف سيؤثر احتجاز قوات الدعم السريع للقوات المصرية في مروي على التفكير المصري). جدير بالذكر أن عملية الاحتجاز قد انتهت بعد كتابة دوفال لمذكرته.

أما حميدتي فتربطه علاقات وثيقة مع الإمارات، واتفاق مع مجموعة فاجنر. في كلتا الحالتين، ليس من الواضح مدى استراتيجية تلك الروابط. المملكة العربية السعودية محايدة نسبيًا. من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى توصل الإمارات ومصر إلى موقف مشترك، الأمر الذي من شأنه على الأقل تبسيط الازدحام الدبلوماسي.

الجيران العرب أكثر تأثيرًا من الجيران الأفارقة. لا دور سياسي للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد). في الفترة من يونيو/حزيران إلى يوليو/تموز 2019، كان الاتحاد الإفريقي والإيجاد حاملي الأقلام لاتفاقية أبرمتها “الآلية الرباعية”، التي تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات.

اقرأ أيضًا: اللواء أحمد الشحات في حوار لـ” مصر 360″: دعوات منع استقبال السودانيين خبيثة.. تطورات السودان تؤثر على أزمة سد النهضة.. تواجد جناحين للقوات المسلحة في أي دولة ينذر بانفجار

حقيقة أن الاتحاد الإفريقي والإيجاد قد أعدا الوثيقة التي تم توقيعها سمحت لهما بالمطالبة بالائتمان، ويبدو أنهما يعتقدان أن دورهما جوهري حقًا. لقد أساءت “ثلاثية”، الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد)، التعامل مع المفاوضات الأخيرة.

أما إريتريا فهي تستمتع بالاضطراب وستميل نحو حميدتي. تمتعت إثيوبيا بعلاقات أفضل مع البرهان، لكن من المفترض أن تعتمد حساباتها على عوامل من بينها الموقف الإريتري وموقف منطقة أمهرة؛ نظرًا لنزاعها على منطقة الفشقة، مع السودان.

في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فوضت الولايات المتحدة سياستها بشأن السودان إلى مصر وإسرائيل والسعودية والإمارات. لم تنجح إدارة الرئيس جو بايدن الحالية في التراجع عن طريقة العمل هذه.

جزء من صعوبة الإدارة هو أن لديها ملفًا كثيفًا من القضايا مع كل من هذه الدول بحيث نادرًا ما يكون السودان نقطة نقاش على جدول الأعمال، مما يمنح هذه الدول حرية التصرف في متابعة مصالحها الخاصة في السودان.

الوسطاء الخارجيون يخاطرون بالتحول إلى ازدحام مروري بدون شرطي ينظمه. سوف يكافحون من أجل تبني تحليل ونهج مشتركين يتجاوز الحد الأدنى للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وقد يقضون وقتًا أطول في الجدل فيما بينهم بدلاً من معالجة الصراع.


أليكس دوفال هو المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، ومدير الأبحاث في برنامج أبحاث الصراع في كلية لندن للاقتصاد. كما أنه يساهم في أبحاث عن إفريقيا بمركز السلطة العامة والتنمية الدولية CPAID مؤسسة بحثية تركز على توسيع فهم واقع الحكم في المناطق الهامشية.

البروفيسور دوفال هو أحد الخبراء البارزين في السودان وجنوب السودان، والقرن الإفريقي مع اهتمام خاص بالأزمات الإنسانية والاستجابة والصراع والوساطة وبناء السلام. وقد عمل مع فريق الوساطة التابع للاتحاد الإفريقي بشأن دارفور، وكمستشار أول للجنة التنفيذية رفيعة المستوى للاتحاد الإفريقي الخاصة بالسودان.

كما تولى عددًا من الأدوار في المفاوضات التي أدت إلى استقلال جنوب السودان. وكان مدرجًا في قائمة أكثر “100 مفكرًا عامًا نفوذًا”، في مجلة “فورين بوليسي”، عام 2008، و27 “مفكرًا شجاعًا” في مجلة “أتلانتيك”، عام 2009. ويُدرّس دوفال بانتظام دورة حول الصراع في إفريقيا في مدرسة فليتشر بجامعة تافتس.

وقد ألّف عدة كتب بشأن السودان مثل: “المال والحروب وإدارة الأعمال والسلطة: السودان كسوق أعمال سياسية”، و”المجاعة التي تقتل: دارفور”، بالإضافة إلى كتب أخرى ساهم فيها وحررها.