شغلت أزمة اخلاء قرية الأطفال بمدينة نصر في القاهرة، الرأي العام، بعد نشر عدة شهادات من عدد من الداعمين لأنشطة دار الأطفال، تشتكي من قرار الإخلاء، على صفحات السوشيال ميديا، والتي شهدت بدورها نقاشات موسعة حول إعلان قرار إغلاق وبيع الأرض المقامة عليها القرية لمستثمرين.

وفي الوقت الذي قدم برلمانيون طلبات إحاطة حول الأزمة، نشرت وزارة التضامن، وهي الوزارة المختصة التي تقع في نطاق عملها القرية، الخطوات التالية على تنفيذ قرار الإخلاء، كما قدمتها وزيرة التضامن، نيفين القباج خلال تصريحات لوسائل إعلام حول الأزمة وموقف الوزارة منها وحدود اختصاصها.

عالميًا، تأسست قرى الأطفال SOS في العام 1949،  وتهدف إلى ضمان نمو الأطفال في بيئة عائلية بديلة لعائلاتهم التي فقدوها.

ترتب على الأزمة  رفض واستهجان من بعض الأشخاص الذين كانوا على علاقة بتجربة الدار أو سبق وقدموا لها تبرعات

وتعمل قرى الأطفال SOS، بقيادة محلية، في أكثر من 130 دولة ومنطقة، منها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث توفر الرعاية الأسرية للأطفال المحرومين من الأسر أو المعرضين لخطر فقدانها.

وفي مصر، تم إنشاء 3 قرى تابعة للمنظمة، في محافظات القاهرة والإسكندرية والغربية (طنطا)، أسست فرع القاهرة جيهان السادات زوجة الرئيس الراحل أنور السادات.

موقع “مصر 360” توصل إلى جانب آخر لأزمة قرية الأطفال في مدينة نصر، ترتبط بشكاوى بعض العاملين من نمط إدارة القرية، ومذكرة حول شيوع المحسوبية، وتجاوزات إدارية.

على صعيد النقاش فى المجال العام،  ترتب على الأزمة  رفض واستهجان من بعض الأشخاص الذين كانوا على علاقة بتجربة الدار أو سبق وقدموا لها تبرعات أو ساهموا في كفالة بعض الأطفال فيها،  كما أثيرت تساؤلات حول  تبعية المشروع ومصير الأطفال، والأرض المقام عليها القرية.

“قرى الأطفال” في مصر

تقع القرية التي أثار قرار إخلائها النقاش، في حيّ مدينة نصر، وهي ضمن ثلاث قرى أخرى بنفس الاختصاص، أنشئ فرع  مدينة نصر التابع لمؤسسة  قرى الأيتام الدولية، برعاية من جيهان السادات قرينة الرئيس السادات، وقامت  بأعمال الإنشاء شركة النصر العامة للمقاولات.

تبلغ مساحة قرية الأطفال المهددة بالإخلاء 17 فدانًا، وهى  تضمّ 33 مسكنًا ومبنى إداريا بالإضافة إلى  مسرحين، وملعبين لكرة القدم.

وتتبع القرية وزارة التضامن من حيث الإشراف، وشهدت اهتمامًا من  سوزان مبارك قرينة الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، واعتمدت في تمويلها على  تلقي التبرعات والهبات، بينما كان  التمويل الأساسي من المنظمة الدولية لقرى الأطفال.

تحريك الأحداث

تكشفت الأزمة بعد أن نشر، على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، عدد من العاملين بالقرية، في 11 إبريل/نيسان الماضي، استغاثات إلى وزيرة التضامن الاجتماعي، طالبوا خلالها بالتدخل الفوري لوقف قرار غلق دار الأيتام خاصة قبيل أيام قليلة من انطلاق موسم امتحانات نهاية العام.

وفي استغاثاتهم، أشار العاملون إلى عدد من المشكلات التي تتعرض لها القرية، منها، عدم تسلّم أمّهات القرية الموازنة الشهرية المخصّصة لرعاية الأطفال، فضلًا عن منع شركة الأمن المسئولة عن تأمين القرية دخول المتبرّعين إليها ذلك عقب صدور قرار الإغلاق.

وحسب العاملين فى القرية، هناك 55 طفلًا سيواجهون مخاطر العنف والاستغلال والتشرّد.

بينما أشارت وزيرة التضامن نيفين القباج إلى تراجع المساعدات المقدمة من المنظمة الدولية للقرية في مدينة نصر، وقالت في تصريح سابق:” إن المنظمة الراعية لقرى الأطفال في أكثر من دولة، قررت إغلاق المشروع في مصر، وأن الحكومة أصبحت مطالبة بالصرف على المشروع بعد انسحاب الجهة الدولية”.

ما طبيعة الأزمة؟

تحدث عدد من العاملين إلى موقع “مصر 360”. قال العاملون إن قرار إغلاق فرع القرية بمدينة نصر، صدر منذ 3 سنوات من جانب المكتب الإقليمي للمنظمة الدولية المسئولة عن مشروع قرى الأطفال (فرع أوروبا الشرقية) والذي تتبع له فروع المشروع في مصر.

وأضاف العاملون أن القرار صدر بناءً على تقارير من المسئول عن أوضاع قرية القاهرة، بينما اعتبر العاملون هذه التقارير غير صحيحة/دقيقة، وأضافوا أن خطة المكتب الإقليمي لا تتوافق مع السياق المصري والقوانين المصرية، وانتقدوا طريقة الإدارة التي ينتهجها المدير الإقليمي، والتي تتضمن خللًا إداريًا وغيابا في عدالة توزيع الرواتب.

وبناءً على قرار الاغلاق، قدم عدد من العاملين شكاوى إلى عدة جهات منها وزارة التضامن والمجلس القومي للمرأة، وطالبوا بوقف قرار الإغلاق، كما خاطبوا مدير قرى الأطفال الدولية من أجل وقف القرار وفتح تحقيق في أوضاع القرية، وحرمان الفئة المستهدفة من نفقات المأكل والعلاج، فضلًا عن المشكلات الإدارية.

كما طالب العاملون بوقف قرار الغلق، وفتح تحقيق من جانب الرقابة الإدارية حول المخالفات التي أشاروا إليها، إضافة إلى طلبهم بالمشاركة في خطة تطوير قرى SOS في مصر.

تضم القرية 70 فردًا على مساحة 17 فدانًا يتجاوز بعض منهم سن 35 سنة (صورة من الموقع الرسمي لـsos)

خطوات ما بعد الإخلاء

استدعت الأزمة ردودًا رسمية من جانب وزارة التضامن، منه ما كشفته وزيرة التضامن عن خطوات ما بعد الإخلاء، وأشارت خلال تصريحات لها إلى أن المقيمين في القرية سيتم توزيعهم على دور رعاية أخرى، بينما سيتم تخصيص وحدة سكنية لكل فرد وصل إلى السن القانوني 21 عامًا.

وبحسب وزيرة التضامن تضم القرية 70 فردًا على مساحة 17 فدانًا، يتجاوز بعض منهم سن 35 سنة، وهم مقسمون إلى فئات عمرية مختلفة، هناك 21 طفلًا تحت سن 6 سنوات، ترغب الوزارة في تربيتهم على نظام الكفالة، بينهم أطفال معلومي النسب.

الفئة العمرية الثانية من 7 إلى 18 سنة ويبلغ عددهم 34 طفلًا وهم مسئولية الوزارة، والفئة الثالثة فوق 21 عامًا ويبلغ عددهم 27 شخصًا بالقرية، ستقوم الحكومة بإنشاء بيوت صغيرة لهم وستكون مجهزة.

كما أشارت القباج إلى حق كل أم بديلة كانت تعمل في الدار، الاحتفاظ بأطفالها في وحدة سكنية ستخصصها الوزارة لها.

الدور الرقابي.. عين المستثمر والتاجر

وفى ذات السياق، قالت  النائبة مها عبد الناصر عضو  الهية البرلمانية  للحزب الاجتماعي الديمقراطي، إنه تم إخطار المتكفلين بأطفال القرية خلال الأيام الماضية بقرب انتهاء مشروع ونشاط القرية وكان من المقرر أن يتم غلقها يوم 3 مايو/ أيار 2023، كما قام قسم شرطة أول مدينة نصر بإنذار إدارة القرية بضرورة الإخلاء قبل التاريخ السالف ذكره ليتم تسليم الأرض للجهات المُختصة.

وقدمت عبد الناصر طلب إحاطة إلى كل من رئيس الوزراء ووزيرة التضامن الاجتماعي، أشارت فيه إلى أن إخلاء القرية يُخلف مشكلات للمقيمين، فضلًا عن أنه يتم لصالح تنفيذ مشروع غير متصل بالمنفعة العام، وطالبت عبد الناصر بوقف تنفيذ قرار إخلاء القرية، وعرض الموضوع على مجلس النواب من أجل مناقشته ودراسته.

كما طالبت عبد الناصر الجهات التنفيذية المعنية ألا تنظر إلى قرية الأيتام بعين المستثمر والتاجر، خاصة وأن المقيمين من الأطفال يعانون من ظروف اجتماعية صعبة، كما لم يراع قرار الإخلاء الحالة النفسية للأطفال الأيتام، وسير العملية التعليمية، حيث سيتزامن الإخلاء مع امتحانات الفصل الدراسي الثاني، وهو ما يمنع الأطفال من استكمال العام الدراسي.

وفى ذات السياق، قدم النائب عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، طلب إحاطة لوزيرة التضامن بشأن إخلاء قرية “SOS” للأيتام بمدينة نصر، وجاء في نص الطلب:” فوجئ مسئولو الدار بإنذار لإخلاء الدار من قسم مدينة نصر قبل يوم الجمعة الموافق ٥ مايو، لتسليم الأرض لإقامة مشروع عليها دون معرفة الجهة التي ستمتلكها أو ما هو المشروع المقام عليها”.

كما تضمن الطلب تنويهًا عن المشروع الذي يعمل على دمج الأطفال في بيئة تشبه المنزل، ولفت الانتباه إلى أن القرار يتزامن مع فترة امتحانات الفصل الدراسي الثاني للأطفال دون ترتيب لأماكن مناسبة لنقلهم أو تهيئة الأطفال نفسيًا لذلك. وطالب إمام  بالعدول عن قرار الإخلاء لتغليب مصلحة الأطفال النفسية والدراسية.

 توصيات عاجلة

وبرغم الاهتمام الكبير الذي تشهده أزمة قرى الأطفال Sos، خاصة فرع مدينة نصر، من جانب العديد من الأطراف، حكومية، ونواب برلمان، ومواطنين ومواطنات على صفحات السوشيال ميديا، إلا أن الحلول المقدمة لمعالجة الأزمة الحالية لا توفر فكرة الاستدامة في رعاية الأطفال الأيتام، وهي مضمون (الاستدامة) الاستراتيجية الأساسية لفكرة قرى الأطفال Sos   في مصر وغيرها من دول العالم.

وعلى المستوى الدولي، فالحلول التي تم طرحها تتعلق بمصير 70 طفلًا، هم الأطفال الموجودون بالفعل الآن داخل القرية، تلك الحلول التي تنطلق من فكرة البديل، وليس فكرة الحفاظ على استمرارية القرية كمشروع هام، في تقديم خدماتها للأطفال الحاليين، والأطفال المتوقع انضمامهم إليها في المستقبل، لذلك يجب اتخاذ عدة خطوات:

أولا: وقف قرار إخلاء الدار، وفتح نقاش بين وزارة التضامن وهيئة sos الدولية من أجل إعادة هيكلة البرنامج بهدف استمرار القرية في تقديم خدماتها، مع مشاركة العاملين في القرية وخريجيها من الشباب في الحوار وإعطائهم فرصة لتقديم مقترحات لمعالجة الأزمات المتعلقة بالقرية.

ثانيا: تشكيل لجنة من وزارة التضامن بالتعاون مع الهيئة الدولية لقرى الأطفال sos من أجل تقييم أداء الإدارة والقرارات التي تم اتخاذها منذ توليهم مناصبهم وتأثيرها على استدامة تقديم الخدمات في القرية.

ثالثا: فتح تحقيق من جانب الرقابة الإدارية في المخالفات المالية والإدارية بالقرية من خلال فحص المستندات المتعلقة بالشؤون الداخلية بها.