يضيف تراجع تحويلات المصريين بالخارج ضغوطًا جديدة على سعر صرف الجنيه المصري باعتبارها أحد الموارد الأربعة للعملة الصعبة، ومصدراً تعتمد عليه البنوك المحلية في الاستجابة لطلبات الاستيراد من الخارج.
وبحسب بيانات صادرة عن البنك المركزي، الأربعاء الماضي، تراجعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال النصف الأول من العام المالي الجاري 2022/2023 بنسبة 23% لتبلغ 12 مليار دولار خلال الفترة من (يوليو/تموز ـ ديسمبر/كانون أول 2022) مقابل 15.6 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام السابق.
ما سبب التراجع؟
تعكس تلك التطورات الدور السلبي الكبير للسوق السوداء في جمع أموال المصريين بالخارج في ظل تقديمها سعر أعلى للدولار الأمريكي عن الجنيه المصري، بينما يتحدث بعض الخبراء عن سبب آخر قامت به وزارة المالية عبر مبادرة السيارات التي استنفدت جزءا من مدخرات المصريين بالخارج، وحولتها لصالح شراء مركبات من البلدان التي يقيمون بها.
اقرأ أيضًا: مبادرة “سيارات المغتربين” تقترب من محطة النهاية.. المستهدف 2.5 مليار والمحقق 385 مليونًا
يقول إبراهيم السيد، مصري يعمل في مطعم بالسعودية، إن غالبية العاملين المصريين معه يغيرون رواتبهم بالريال إلى دولار ولا يحولونها للبنوك المصرية، بل يرسلونها مع أقرب شخص منهم يعود في زيارة لأهله بمصر، من أجل الاستفادة الكبيرة بفارق سعر الصرف بين الدولار والجنيه.
يبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي في تعاملات البنوك الرسمية 30.83 جنيه للشراء و30.93 جنيه للبيع، بينما يصل في السوق السوداء إلى مستوى 33 جنيهًا للشراء و34 جنيهًا للبيع، مع هدوء في التعاملات وترقب في ظل توقع المتعاملين حدوث تخفيض في سعر صرف الجنيه بصورة رسمية.
يقول السيد إن الفارق الكبير بين السعر الرسمي والأسود الذي يبلغ 3 جنيهات للدولار الواحد يغري الكثيرين على تحمل المخاطرة خاصة أن أغلب المصريين في السعودية يحاولون تحقيق أي مكاسب في ظل المخاوف من السعودة التي انتهجتها السلطات هناك، وإمكانية الاستغناء عن خدماتهم في أي وقت، فهدف العاملين هناك حاليًا هو بناء مدخرات للمستقبل.
يجرم القانون التعامل بالنقد الأجنبي خارج البنوك وشركات الصرافة المرخصة وتصل العقوبة إلى الحبس من 3 إلى 10 سنوات، والغرامة من مليون حتى 5 ملايين جنيه، وضبط ومصادرة الأموال سواء كانت بالدولار أو العملات الأخرى، كما يجيز لمحقق النيابة مصادر الأموال المضبوطة فقط وحفظ القضية وعدم إحالتها للمحاكمة.
مبادرات الحكومة.. جذبت التحويلات أم قللتها؟
يتحدث أحمد إسماعيل، مصري يعمل في الإمارات، عن سبب آخر لتراجع مدخرات المصريين الذين يعرفهم، ويعزوه لمبادرة سيارات المغتربين التي تسمح لهم بإدخال سيارة دون جمارك شريطة وضع وديعة في البنك المركزي، فرغم أنه يفترض تعزيزها موارد الدولة الدولارية لكنها أسفرت في بعض الحالات عن العكس.
بحسب المبادرة، يمكن شراء السيارة وإرسالها بأي وقت خلال الخمس سنوات وتغيير الموديل للأحدث مع سريان صلاحية «الموافقة الاستيرادية» لشحن واستيراد السيارات إلى ٥ سنوات، كما يحق للمالك الأول أن يستورد السيارة دون التقيد بسنة الصنع، ويجب على غيره ألا يتجاوز ٣ سنوات وقت الإفراج الجمركي.
يقول إسماعيل إن كثيرا من المصريين لم يكن لديهم سيارات في الخارج، ومع الإعلان عن المبادرة قام بعضهم بشراء سيارات جديدة أو مستعملة من مدخراتهم ما قلل من الأموال السائلة لديهم، وهو أمر يمكن ملاحظته بسهولة من حجم مبيعات المركبات في الخليج منذ تدشين المبادرة ونوعيات السيارات التي ارتفعت حتى أن السيارة 1600 «سى سى» أًصبحت أغلى من 2000 «سى سى».
وأجرت وزارة المالية تعديلات على مبادرة سيارات المغتربين، تضمنت خفض إجمالي المبالغ المالية المحولة من المصريين بالخارج بالدول الخليجية بنسبة تصل إلى ٥٨٪ حسب السعة اللترية للمحرك ونوع الوقود والكماليات التي تتضمنها.
مبالغ السيارات التي تم تحويلها من المصريين بالخارج البالغ عددهم 14 مليون غالبيتهم في الدول العربية، لم تزد عن 550 مليون دولار حتى الآن قبل انتهاء موعد المبادرة في 14 مايو/أيار الحالي وهو رقم قليل من إجمالي 32-33 مليار دولار تمثل إجمالي تحويلات المصريين السنوية لكن أعدادا أخرى لا تزال تنتظر الموافقة الاستيرادية أو تضبط أوضاعها من أجل اللحاق بها في أيامها الأخيرة.
استهدفت الدولة المصريين العاملين بالخارج بالعديد من المبادرات خلال السنوات الأخيرة من بينها مبادرة أرض وبيت الوطن التي جذبت في مرحلتها التكميلية الثامنة إجمالي قيمة جدية حجز للأراضي بقيمة 142 مليون دولار منها (109 ملايين دولار تحويلات أولية + 33 مليون دولار استكمالات)، بجانب عدد آخر طلب سداد قيمة الوحدة أو الأرض كاملة.
كما خصصت الدولة أراضي مقابر للمصريين بالخارج في 4 مدن جديدة بمساحة تبدأ بـ 40 مترًا، وهي القاهرة الجديدة – بدر -العاشر من رمضان -أكتوبر الجديدة، وبلغ سعر المتر بمدينة القاهرة الجديدة 90 دولارًا بمقدم حجز 900 دولار، والمتر بمدينة بدر 80 دولارًا مع دفعة مقدمة كدفعة حجز 800 دولارًا، ومتر مدينة أكتوبر الجديدة 90 دولارًا، بمقدم حجز 3600 دولار.
إغراءات تجار العملة
يقول الخبير الاقتصادي هاني توفيق إن انخفاض حصيلة تحويلات المصريين بالخارج جاءت نتيجة النشاط المحموم لتجار العملة، ما يتطلب مبادرات سواء بسعر فائدة مرتفع أو سعر تحويل مغري.
يضيف توفيق أن حجب بعض المصدرين وشركات السياحة جزء كبير من حصيلتهم بالخارج وانقضاض تجار العملة على تحويلات المصريين، وطمع تجار الذهب والسيارات، واكتناز الدولار وخروجه من الدورة التجارية بغرض التحوط يفرض ضغوطًا شديدة الصعوبة على الاقتصاد المصري حاليًا.
تؤكد حنان رمسيس، محللة أسواق المال، أن قطاعا من المصريين بالخارج تأثر بالأوضاع السياسة المضطربة بالدول التي يقيمون بها مثل ليبيا، بجانب التوجه نحو الاستعانة بالعمالة المحلية في بعض الوظائف بدول الخليج.
تضيف رمسيس أن الكثير من تجار العملة، حاليًا، متواجدون بالخارج خصوصًا دول الخليج، يجمعون الدولار من المصريين والمقابل يصل لأسرهم من داخل مصر بالجنيه المصري بسعر صرف السوق السوداء، ما يتطلب الوصول إلى سعر صرف واقعي يجذب المغتربين.
تشدد رمسيس على ضرورة إعفائهم من بعض المصاريف الإدارية وجذبهم عبر ودائع أو شهادات دولارية مرتفعة العائد بجانب حصص لهم في مشروعات استثمارية مربحة وترويج الفرص الاستثمارية بينهم من أجل وصولهم للاقتناع بجدوى الاستثمار بمصر ووجود عائد كبير على التحويل.
ورفعت البنوك العاملة بالسوق المحلية سعر الفائدة على الشهادات الدولارية- قصيرة الأجل- التي يُصرف عائدها في نهاية المدة، إذ رفعها البنك الأهلي إلى 5.15 دولار سنويًا، و5.10% نصف سنوي، و5% شهري، بينما يقسمها بنك مصر إلى شرائح أهمها من 500 دولار إلى 25 ألف دولار بفائدة 4.72% للوديعة أجل عام، و4.372% للوديعة أجل 6 شهور، و4.272% للوديعة أجل 3 شهور، و4.172% للوديعة أجل شهرين، و4.07% للوديعة الشهرية، و0.60% للوديعة الأسبوعية.