أثار مسلسل تحت الوصاية الذي عرض على شاشات التلفزيون ضجة قانونية لما أبداه من مشكلات متعلقة بالأطفال الذين هم في سن الوصاية القانونية، ومدى رجاحة وصاية الأم أو وصاية غيرها، العديد من المشكلات التي ظهرت بين أوساط المجتمع المصري وفئاته المختلفة، حتى أن وصلت إلى أروقة المجالس النيابية، فقد أثارت نائبة مجلس الشيوخ المصري/ ريهام عفيفي، القضية، والتي كشفت أن هذا المسلسل قد دفع إلى أول تحرك نيابي لتعديل أحكام قانون الولاية على المال.
وقد أشارت إلى أن قانون الولاية على المال والجاري العمل به يواجه العديد من أوجه القصور التشريعي، الأمر الذي يتطلب المعالجة السريعة، لا سيما أن الكثير من الأمهات الأرامل تعانين الأمرين بعد وفاة الزوج للحصول على مستحقات أبنائها سواء من الجد أو العم، وأضافت أن القانون الحالي صدر منذ 70 عامًا، وهناك الكثير من مفاهيم الحياة التي تغيرت، مشيرة إلى أنها تستهدف إصدار قانون يواكب العصر الحالي، ولا تعاني فيه المرأة من الوصاية على أبنائها، لافتة إلى عزمها بمشاركة الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، إجراء مناقشات بشأن القانون الحالي، والتقدم لإجراء تعديل تشريعي عليه.
ولمزيد من المعلومات عن مدى تأثير الفن الصادق بمشكلات المجتمع القانونية، فقد سبق وأن أثارت العديد من الأفلام مشكلات قانونية ومجتمعية عديدة، منها على سبيل المثال أفواه وأرانب، والطوق والأسورة، وليه يا بنفسج، والعديد من الأفلام والمسلسلات الصادقة، التي تمت صناعتها بعناية لمتابعة ومناقشة مشكلات مجتمعية وقانونية ذات تأثير على مسار المجتمع المصري، بحثًا عن حلول أو دفعًا لتصورات ذات توجه لحل هذه المشكلات أو لاستنتاج فرضيات مغايرة لما هو عليه الحال الكائن واقعيًا، بما يعبر عن الدور الحقيقي للفن في المجتمعات.
إذ يمثل الفن بصفة عامة وبمجالاته المختلفة، رسالة إنسانية لها أثر عميق على النفس البشرية وله أيضًا مغزى في الحياة، فهو الإبداع، والتميز، والأصالة، وهو أيضًا وسيلة هامة للتعبير عن الأفكار والمشاعر والأحاسيس، ويحتل الفن في دول العالم المتقدم مرتبة هامة في الحياة اليومية، محققًا ما تخططه تلك الدول من الأهداف التربوية أو الأخلاقية أو الأمنية وحتى الأهداف السياسية، وبالتالي فهو إحدى أهم الوسائل الإعلامية التي ترقى بفكر المتلقي والمتذوق حيث يساعد على ترسيخ الهوية الوطنية والقيم الأخلاقية، وأيضًا هو الساعي دومًا لتوفير حلول للمشكلات الاجتماعية وخصوصًا بما يندرج تحت التنشئة الاجتماعية للأفراد، صانعًا مرآة واضحة لملامح المجتمع بمحاسنه وسيئاته ويحفزه بخطاب مؤثر للتغيير إلى الأفضل. وبالتالي فهو يعد من العوامل المؤثرة في تطور الأمة وتكوين عقليتها وتكييف أخلاقها وهو واحد من أفضل الوسائل لتشكيل الشخصية الإنسانية، والوصول إلى القيم الجمالية والأخلاقية المثلى للمجتمع.
يقول الفقيه المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى في حديث منشور على بوابة الأهرام بتاريخ 1 /2 /2022 أنه على الفنانين أنفسهم النظر إلى واقع المجتمع المصري بعين الناقد البناء لا الناقد الأعمى، وفقًا لأفكار نستوردها كما هي بنموذجها من بيئة الغرب، فهل يجوز تناول موضوع يبعث برسالة للمجتمع يحض على مخالفة القانون والدين والأخلاق أم تعالج تلك العلاقة وفقًا لهذه الأسس وتتغير نظرة المعالجة وزاوية التناول لتبعث برسالة إلى الشفاء والإبراء وفقًا لقواعد العلم الطبي الحديث، كما يضيف، أن واقع المجتمع في غالبيته هو الذي يجب أن يؤسس للفن وليس للفن أن يؤسس لواقع على خلاف القانون والدين والأخلاق، وهذه المرحلة من الفن تحتاج فضلًا عن طرح واقع مشكلاته تحتاج أيضًا إلى تجسيد معاني الخير والكرامة، والرأي عندي أن الخطأ الفني المستورد من بيئة اجتماعية مغايرة للمجتمع الشرقي بدعوى الحرية المطلقة، ليس نوعًا من أنواع الفنون السينمائية المستجدة، بل هو في حقيقته وجوهره فن الخطأ السينمائي الذي يجب أن تتغير مفاهيمه ومعانيه في السينما المصرية المستجدة والتي ولدت عملاقة وتميزت بالعالمية منذ بدايتها.
الفنان الحقيقي هو الذي يؤدي رسالة إنسانية، يستهدف من خلالها تغيير الواقع والتأثير بالناس من خلال الفن الذي يقدمه، سواء كان على خشبة المسرح أم شاشة التلفزيون. والفن هو أحد الوسائل الفاعلة في نشر الثقافة وحث الجمهور على تغيير أنماط حياتهم وطريقة تفكيرهم من خلال ما يطرحه من مفاهيم تصحح الأفكار السائدة المغلوطة. القانون، بوصفه ضرورة لكل مجتمع، لابد له من وسائل انتشار داخل أوساط المجتمع كافة، حيث أنه لا بد من إيجاد آليات كفيلة بإيصال المعلومة القانونية إلى أكبر عدد من الناس، عن طريق الذهاب إليهم بدلًا من انتظارهم، وهذا يتحقق من خلال الفن بشكل أساسي، كون أن الفنان بما يقدمه من أعمال تلفزيونية ومسرحية وسينمائية، يمكن أن يؤثر وبشكل كبير في المتابع.
ومن هنا يمكننا توظيف الفن لخدمة القانون، عبر إنتاج نصوص مسرحية أو تمثيلية، تؤدى من قبل فنانين، تتضمن قضية قانونية أو تحاول معالجة مشكلة قضائية قائمة، من خلال توجيه وإرشاد الناس إلى الطريق الصحيح وإعلامهم بالآليات القانونية التي عليهم اتباعها تجنبًا للمشاكل التي قد تصيبهم لو لم يعرفوا حقوقهم وواجباتهم. وهذا الأمر من الممكن تحقيقه من خلال الأنماط المختلفة من الفنون التمثيلية إذ لا يتوقف الأمر عند حد الدراما “ذات الطابع التراجيدي” فقط، بل من الممكن تحقيقه كذلك من خلال التمثيل الكوميدي، في حالات النصوص الهادفة، بعيدًا عن مسمى القالب التمثيلي من كونه كوميدي أو تراجيدي، فإن الصناعة الحقيقية الهادفة إلى إحداث الأثر المفيد للمجتمع لا تتوقف على قالب واحد أو نمط تمثيلي واحد، ومن المفيد كذلك أن يتم تعميم الأمر في أنواع الفنون كافة، ولا يتوقف عند حد التمثيل فقط، فكما كان الأمر سلفًا أن يتم التعبير عن مشكلات المجتمع من خلال الشعر والقصة، فإنني أعتقد أن الباب لم يغلق أمام أنواع الفنون كافة، لتساهم في تطوير المجتمعات والسعي لحل المشكلات العالقة فيه، وذلك لا يكون إلا من خلال تقديم فكر هادف مرتبط بالمجتمع مدركًا مشكلاته، ساعيًا إلى تحقيق وسائل للحل.