شد وجذب شديدان يصل حد الاحتدام، يواجه محصول القمح هذا العام، محاولة الحكومة الحصول على 4 ملايين طن من المزارعين؛ لتقليل فاتورة الاستيراد الدولارية، وصراع القطاع الخاص على المحصول المحلي؛ لرخص ثمنه بدلًا من انتظار تأمين الدولار للاستيراد، وأزمة أخرى ترتبط باستخدامه كبديل للأعلاف.
ومع ارتفاع سعره العالمي، بسبب أزمات المناخ، وسلسلة التوريد مع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث تستورد مصر منهما ما يصل إلى 80 % من احتياجاتها، تفاقمت أزمة القمح محليًا، واشتد الاحتدام الذي أصبح صراعا بين الحكومة والتجار على أسبقية الحصول على المحصول المحلي.
بلغت مساحة الأراضي المنزرعة بالقمح نحو 3,8 ملايين فدان، ومن المتوقع توريد حوالي 4 ملايين طن لصالح وزارة التموين. بحسب تصريحات الوزارة.
ووفق تقرير غرفة العمليات المركزية بالوزارة التي تتابع توريد القمح المحلي، فإن ما تم توريده من القمح المحلي حتى اليوم وصل إلى 1.2 مليون طن.
اقرأ أيضا: توزيع كراتين الطعام.. سياسات تصنع الفقر وتحتفل به
الوسطاء وتوريد القمح
مع ارتفاع أسعار الأعلاف الجافة، حيث طن فول الصويا الذي تخطى 40 ألف جنيه، والذرة الصفراء 20 ألفا، اتخذت وزارة التموين عددًا من الإجراءات تخص توريد القمح، حتى لا تتكرر أزمة توريد الأرز السابقة.
خففت وزارة التموين من إجراءات التوريد، وجعلته اختياريًا، كما حددت سعر 1500 جنيه للإردب، بينما كان العام الماضي 850 جنيهًا، لكن في نفس الوقت لا يزال سعر التوريد منخفضًا عن متوسط السعر العالمي لإردب القمح، والذي يبلغ 2050 جنيهًا.
وفي وقت، يعتبر محمد النمكي الباحث بمعهد الاقتصاد الزراعي سعر التوريد الحالي للقمح مجزيا في ظل ارتفاع إنتاجية الفدان لـ 20 و22 إردبًا مؤخرًا، إضافة إلى حصول الفلاح على دعم الأسمدة. فإن الوسطاء يستعدون لجمع المحصول من المزارعين بسعر أعلى مما طرحته الحكومة بــ 300 جنيه، بما يوازي 1800 جنيه للإردب.
يدفع الوسطاء مقابل أعلى للمزارع بواقع 300 جنيه، لأنهم يضمنون بيعه للقطاع الخاص، الذي يسعى إلى شراء القمح المحلي، بسبب عدم توفير عملة كافية للاستيراد وتدبير احتياجات مصانع المكرونة والحلويات والأعلاف.
وفارق السعر بين التوريد للحكومة وبيعه للقطاع الخاص، هو ما يهدد ما تستهدفه وزارة التموين من الحصول على 4 ملايين طن وفقًا لخبراء.
تسريب القمح للقطاع الخاص
في 24 إبريل/ شباط الماضي، أصدرت وزارة التموين قرارًا بقصر تسويق القمح المحلي على الشركة المصرية القابضة للصوامع، وشركات المطاحن التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية والبنك الزراعي المصري.
كما شمل القرار حظر نقل القمح المحلي الناتج من موسم حصاد 2023، من مكان لآخر إلا بموافقة من مديرية التموين.
أيضًا، حظرت الحكومة استخدام الأقماح المحلية كعلف للأسماك أو علف حيواني، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين في مقابل هذه الإجراءات تقوم الوزارة بتدبير القمح للمطاحن الخاصة.
لكن يبقى السؤال: هل ساهمت هذه القرارات في توريد القمح بالكميات المستهدفة لوزارة التموين؟
على الأرض، يحصل ” التجار”، على خطابات من الجمعيات الزراعية المنتشرة بالقرى والنجوع والبالغ عددها 7 آلاف جمعية، وبموجب هذه الخطابات يحصل التاجر على صلاحية جمع، وتوريد المحصول نيابة عن الفلاحين إلى الشون والبناكر البالغ عددها 420.
التخفيف عن المزارعين
في هذا الصدد، يشير المهندس محمود أَلفت رئيس مجلس إدارة جمعية الدفاع عن حقوق الفلاحين، إلى أنه كان من الأفضل أن تتسلم الحكومة المحصول من الفلاح مباشرة من خلال الجمعيات المنتشرة في كل القرى، ما يشجع المزارع في الأساس على التوريد؛ نظرًا لقربها منه، وهو ما يوفر مصاريف النقل.
يضيف ألفت، أنه يمكن للحكومة التخفيف على المزارعين بهذه الطريقة، فهناك بيانات للمساحات المزروعة، والتي تم حصرها من خلال عمليات التسجيل التي تتم مع بداية عملية الزراعة، والتى ترتبط بعملية صرف الأسمدة المدعمة، تساهم في عملية التوريد من خلال أقرب نقطة للمزارع.
لكن ما يحدث عكس ذلك، يقول ألفت: ويشير إلى أن نقاط التجميع الحالية، والتي حددتها الوزارة بعيدة عن الفلاح، وتكلفه مصاريف نقل كبيرة، فيلجأ إلى بيعه للتجار لتوفير تكلفة النقل.
بدأت عملية تسريب المحصول مبكرًا، وفقا للدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، ويؤكد أن انخفاض السعر المحلي عن السعر العالمي للقمح بـ 500 جنيه للإردب، يؤدي إلى زيادة الطلب من القطاع الخاص على القمح المحلي، كما يدفع المزارع لبيعه للقطاع الخاص لتحقيق مكسب أكبر.
وقال صيام لـ مصر 360″: مع تراخي القرارات العقابية، يصعب السيطرة على السوق وضبطه، وسيستمر ذلك ما دام المزارع لديه بدائل أكثر ربحية”، يدلل صيام على ذلك بما حدث العام الماضي حين استهدفت الحكومة توريد 6 ملايين طن من المزارعين، بينما كان إجمالى التوريد 4 ملايين، وهو وفق صيام لا يناسب الاستهلاك المحلي الذي يتراوح بين 21 و 22 مليون طن.
يشير صيام، إلى أن الحكومة من مصلحتها استلام أكبر كمية من القمح المحلي؛ لمساعدتها في احتواء أزمة الدولار، خاصة وأنها تستورد نصف احتياجاتها من القمح، في حين يستورد القطاع الخاص جزءا كبيرا.
اقرأ أيضا: يكملون عشاءهم “سلف”.. التضخم يلتهم غذاء المصريين
القمح وأزمة الدولار
دفعت أزمة السيولة الدولارية، القطاع الخاص للدخول منافس قوي في شراء القمح هذا الموسم، خاصة وأن البنك المركزي لم يوفر عملة صعبة لاستيراد القمح، بحسب الدكتور نادر نور الدين الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة.
وتوقع نور الدين انخفاض معدل التوريد مقارنة بالمستهدف مع تخفيف الإجراءات العقابية “التوريد الاختياري”، ودخول القطاع الخاص كمنافس بقوة على شراء المحصول، أيضًا ربط السعر المحلي 1500 للإردب بدرجة نقاوة 3.5، اعتبرها نور الدين درجة عالية جدًا لا تتحقق للتوريد الرسمي لصالح الحكومة.
وقال نور الدين مستشار وزارة التموين سابقًا: إن هذه الإجراءات تدفع المزارعين إلى الهروب للقطاع الخاص الأسهل في الاشتراطات والأعلى سعرًا.
استخدام القمح في الأعلاف
ينافس محصول البرسيم، القمح على المساحة المزروعة في فصل الشتاء، فهو من المحاصيل المربحة للفلاح؛ حيث يحقق على الأقل ثلاث “قطفات”، خلال عمر المحصول، كما لا يمكن الاستغناء عنه كغذاء للحيوان بعد ارتفاع أسعار الأعلاف الجافة.
هذا الأمر، دفع العديد من المزارعين للتلاعب في عملية تسجيل المساحات المنزرعة في الجمعيات الزراعية، يسجلون مساحات كبيرة بمحصول القمح للحصول على دعم الأسمدة، في حين يقومون فعليًا بزراعة البرسيم.
في هذا الإطار، يقول مصطفى النجار مربي ماشية، أن سعر “نخالة القمح”، المستخدمة في الأعلاف أغلى من سعر القمح نفسه، يشرح النجار أنه في كل 150 كيلو قمح “إردب” يساوى1500 جنيه، فإن النخالة الناتجة عنه قد تحقق ربحًا يصل 1500.
من الطبيعي بحسب النجار، أن يستخدم مربو الماشية القمح في غذاء الحيوانات؛ لأنه أوفر والمدخلات الأخرى غير متوفرة.